Announcement

Collapse
No announcement yet.

بقلم : الأستاذ حمزة بسو - قراءة في كتاب : الرواية بين ضفتي المتوسط

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بقلم : الأستاذ حمزة بسو - قراءة في كتاب : الرواية بين ضفتي المتوسط

    إشكالية الهوية في الرواية الجزائرية بين ضفتي المتوسط
    ( قراءة في كتاب : الرواية بين ضفتي المتوسط )
    بقلم : الأستاذ حمزة بسو




    لطالما شكل موضوع الهوية في الرواية الفرانكوفونية جدلا عميقاو عقيما في آن، حيث تحوّل موضوع الهوية من قضية إلى إشكالية شغلت أذهان الباحثين والمفكرين، فعقدت لذلك الندوات والمؤتمرات وألفت حولها الكتب و المقالات، وها نحن نحاول أن نقدّم قراءة في كتاب (الرواية بين ضفتي المتوسط) علّنا نقدم نظرة شاملة لهذه الإشكالية دون أن ندّعي أننا أضفنا شيئا جديدا ينضاف إلى هذا الموضوع الشائكة جوانبه، العصيّة حلوله. فهدفنا الأسمى ومبلغنا الأعلى هو وضع القارئ الكريم أمام قضية لما تجد حلا لها بعد.
    المقدمة :
    يُعد الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية أحد التناقضات التي أفرزها الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهذا التناقض لا يقتصر على الخطاب الأدبي الجزائري فحسب و إنّما يمتدّ إلى العديد من بلدان إفريقيا على وجه الخصوص، وفي آسيا أيضا ، حيث يوجد اليوم أدب إفريقي و آسياوي كُتب من طرف أفارقة و آسياويين بلُغات إنجليزية و فرنسية، أي بلغات الدول الاستعمارية التقليدية . وهنا نطرح السؤال التالي :
    هل هذا الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية هو أدب جزائري أم فرنسي ؟
    لقد عدّه بعض الدارسين أدبا فرنسيا باعتبار اللغة التي كُتب بها ، و اعتبره آخرون أدبا قوميا/جزائريا باعتبار الروح التي كُتب بها، و الحقائق المحلية التي عبّر عنها ، وقد ذهب فريق آخر إلى القول بأنّه أدب بلاهويّة لا يصح أن ننسبه إلى البلد الذي ينتمي إليه الكاتب لأن ذلك الأدب غريب عنه لغة و قراءة، وذهب أخرون إلى اعتباره أدبا متعدد الهويات باعتبار اللغة الفرنسية و الروح الجزائرية .
    وواضح أن أصحاب الفريق الأوّل يلتقون في وجهة النظر مع مقولات مدرسة الأدب المقارن الفرنسية، التي لا ترسم الحدود القومية للآداب و لكن بالحدود اللغوية و الصلات التاريخية، و بالاستناد إلى مقولات هذه المدرسة يكون أيّ أدب يكتب باللغة الفرنسية مثلا أو الألمانية أدبا فرنسيا أو ألمانيا وهلمّ جرا .
    أما أصحاب الفريق الثاني، فواضح أنّهم ينطلقون من المضامين القومية التي عبّر عنها ذلك الأدب، ويلتقون إلى حدّ بعيد مع المدرسة الأمريكية/النسقية ، إذ إنّ ذلك الأدب حتى و وإن كان فرنسي اللغة فهو يعبّر- ضرورة – في معظمه بصدق عن واقع ذلك الشعب الذي ينتمي إليه الكاتب .
    وسنحاول في هذه القراءة استشراف الآراء المتعددة لمجموعة من الدارسين الجزائريين ضمن هذا الكتاب .
    الفصل الأوّل : قضايا اللغة و التاريخ في الرواية الجزائرية :
    _ عشق اللسانين: مقاربة في الخطاب الروائي الجزائري ، لـــــ: أ.د الطاهر رواينية:
    يرى الباحث أنّ الحديث عن الرواية المكتوبة بالفرنسية في الجزائر يندرج في باب الاختلاف الذي لا يمكن تذويبه، وذلك أنه على الرغم من تعدد مظاهر الائتلاف المضموني و الاديولوجي بينهما، إلا أن البحث عن أدبية المُدونتين العربية و الفرنسية يدفع بنا إلى التوغل داخل أدغال جماليتين متعارضتين، وتأمل أدبين منبثقين من حيز ثقافي واحد أو يكاد، بخاصة إذا وقفنا عند أعمال بعض الكتاب الجزائريين كرشيد بوجدرة و محمد ساري ...والتي تعدّ ثمرة لقاء بين لغتين تنتميان إلى ثقافتين تتموضعان داخل فضاء قلق، حدوده مخترقة و خياراته متباينة و ذات مرجعيات صدامية، تغذيها ثقافة الدم، إلا أن عشق اللسانين و الرغبة في العبور إلى الآخر يشكل هاجسا ولعبة مزدوجة للجمالية الذاتية و الغيرية، وللمثاقفة، تتأرجح داخلها صورة الذات بين مرآتين و ثقافتين تتبادلان المدّ و الجزر، والمواجهة و الإغراء والجذب، إلى الحد الذي يصبح فيه الكاتب موزعا بين لغتين و ثقافتين، كمجنون العشق، أو كالمنفي الذي اختلت يقينياته و اهتز استقراره بالنسبة لهويته؛ ينتج خطابا مزدوجا علاقته بالذاكرة مشوشة، وهو بقدر ماينزع إلى الرفض ينزع أيضا إلى التشكيك في الكثير من المبادئ و القيم إلى حدّ يلتبس فيه المعنى .
    يذهب الباحث إلى أنّ الكتابة باللغة الفرنسية إبان الاحتلال الفرنسي كان مبررا، نظرا للظروف التي كانت تعيشها الجزائر، وهو ما دفع كاتب ياسين إلى اعتبار الفرنسية غنيمة حرب، وهي إقامة خارج لغته الأصلية ، وهي نفس الإقامة التي اختارها محمد ديب من قبل ثم رشيد ميموني الذي يرى أنّ الكتابة بالفرنسية تحرره من كثير من الاكراهات و الحرج (...) فإنّ هذا الموقف كان مبررا من منظور سوسيو ثقافي أثناء الحقبة الاستعمارية على أساس أن لغة المستعمر كانت ملجأ يفرضه التزام الكاتب بالدفاع عن القضية الوطنية أمم الرأي العام الفرنسي(...) لكن الأمر يصبح مختلفا بعد الاستقلال، حيث يعد الاستمرار في ممارسة هذا التجاوز خيارا شخصيا ينتج عنه ولع و انقياد نحو الآخر مهما حاول هؤلاء الكتاب أن يستمروا متعانقين مع مضامين عربية إسلامية، وذلك أن ولعهم واجذابهم نحو اللغة و الثقافة الفرنسية قد أكرههم على إغنائها بما يسكنهم من تراث؛ وما يؤكد هذا التوجه هو احتفال النقد و تاريخ الأدب الفرنسي في القرن العشرين بهؤلاء الكتاب، و اعتبار أعمالهم من عيون الأدب الفرنسي، ونحن لا نجد أبلغ من مقولة مالك حداد (( لقد حان الوقت حيث يتحتم على كل واحد أن يلتحق بطائفته )) .
    _ الرواية الفرنكوفونية بوصفها نصا متعدد الثقافات، لـــــ : أ.د إبراهيم سعدي : يحاول (إبراهيم سعدي) في بحثه هذا أن يبين أنّ العامل اللغوي لا يمثل تلك الأهمية التي نوليها له عادة في تحديد هوية النص .
    إن الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية بكونها رواية فرنكوفونية و بالتالي حصر هويتها في المحدد اللغوي فقط، أمر ينزع عنها على صعيد انتمائها للهويات، المكونات الثقافية الأخرى المؤسسة للنص، بعامل اللغة فقط إلى إخراج كل الأعمال السردية المكتوبة بلغة أخرى بغير اللغة العربية ومن طرف الكتاب العرب من دائرة الانتماء إلى الثقافة العربية هكذا تكون اللغة بمثابة المحدد الوحيد لهوية النص وهذا يعني أنه يمكن للأديب أن يستعير من الآخر كل شيء، الشكل، التقنيات، الرؤى، التيمات و الايديولوجيا و غير ذلك، دون أن يفقد النص هويته الثقافية، لكن إذا ما استعار لغة أخرىيكون قد قطع الحبل السري الذي يربطه بثقافة اللغة الأم، حتى ولو احتفظ بالمقومات الأخرى غير اللغوية لهذه الثقافة لكن إذا ما تعاملنا مع الأمر بشيء من التروي نجد أن المسألة ليست بالبساطة التي يراها الكثيرون ممن يعتقدون أنّ الأمر من الوضوح إلى حدّ لا يحتاج إلى نقاش، الحقيقة أكثر تعقيدا بعض الشيء.
    إنّ اللغة ليست المكون الثقافي الوحيد وربما ليست حتى الأهم في إطار الإشكالية التي تعنينا داخل النص السردي، هناك عنصر الفضاء الذي يشكل مقوما من مقومات هذا النص، حيث يحمل بعدا ثقافيا أكيدا مرتبطا بمجتمع النص، هذا البعد الثقافي الخصوصي للفضاء يبقى قائما، حتى ولو كان النص مكتوبا بلغة لا تمت بصلة لهذا الفضاء أو لهذا المجتمع.
    الشخوص و الأجواء أيضا مكونات ثقافية سردية أساسية ينطبق عليها نفس الحكم أي لا تتوقف خصوصياتها الثقافية و هويتها هي بدورها على لغة النص.
    فشخوص "صيف إفريقي" مثلا لـــ محمد ديب، ذات بعد ثقافي جزائري إسلامي وأيضا الفضاء الداخلي كالحياة في المنازل، رغم أنّ لغة النص هي الفرنسية كما هو معروف، إذن هذه العناصر المتمثلة في الشخوص و الفضاء و الأجواء و المعتقدات و السلوك هي العناصر المتمثلة للهوية الثقافية للنص، وربما أكثر من اللغة، فهي الأكثر ارتباطا بمجتمع النص وبالتالي الأكثر ثباتا في التعبير عن الهوية الثقافية لهذا النص (...) و النص المكتوب بالفرنسية في الحقيقة يشمل عدة ثقافات، أولا يشمل ثقافة اللغة المكتوب بها ألا وهي اللغة الفرنسية، ولكن بهذه اللغة الفرنسية نتحدث عن ثقافة أخرى غير ثقافة اللغة التي نكتب بها، إذن فالنص الفرنكوفوني في الحقيقة نص متعدد الثقافات و متعدد الهويات، والنص المتعدد الهوية والثقافة الذي تلتقي وتنصهر فيه أكثر من هوية و ثقافة، كما هو الشأن في الرواية الجزائرية المسماة "فرنكوفونية" نجد لها مثيلا أيضا في الرواية العربية، وإن كان ذلك بدرجة أقل.
    _ الهوية الثالثة في الرواية التاريخية لـــ: د. آمنة بلعلى :
    وتقصد الباحثة بالهويات الثلاث، علاقة التاريخ بالمتخيل في الرواية، فهل عندما نقرأ رواية توظف التاريخ أو تعود إلى التاريخ، هل نقول إننا نقرأ تاريخا؟ هل إننا نقرأ متخيلا بمعنى هو شيء آخر ليس تاريخا، وإنما متخيل بأتم معنى الكلمة؟
    وقد استعانت بروايتين وظفتا التاريخ إحداهما مكتوبة بالفرنسية للكاتب "مصطفى كبير علوي" عنوانها (ثاغست) القديس أوغستين في الجزائر، وهي توظف تاريخ النوميديين في علاقتهم بالرومان و الرواية في مجملها تحكي عودة القديس سان أوغستين إلى الجزائر في 388 بعد الميلاد، لما كان مدرسا في روما ثم عاد إلى ثاغست/سوق أهراس كم تسمى اليوم، عندما عاد بحلم آخر يختلف عن ذلك الذي خرج به من ثاغست، خرج ملحدا و عاد مؤمنا في مصاف القديس لكي يروج كما أسماه مدينة الله أو الأفق الإنساني المسيحي. وعندما عاد كانت الأمور مضطربة بنوميديا، حيث كانت هناك حركة تمرد من النوميديين ضد روما التي كانت تعيش آخر أيام إمبراطوريتها.
    أما الرواية الثانية فهي رواية " الأمير ومسالك أبواب الحديد" لـلروائي واسيني الأعرج، والذي يستثمر فيها تاريخ مقاومة الأمير وسيرته فنجد عدة حالات في هذه الرواية لوجود التاريخ.
    الحالة الأولى: الجانب التوثيقي،حيث نجد في الرواية حديثا عن التاريخ كما هو بتواريخه بأسمائه المعروفة، بأحداثه التي وُجدت في التاريخ سواء في تاريخ المقاومة التي هي موجودة بالتفصيل في كتاب "الأمير" منذ أن بويع بالإمارة إلى أن هزم، ثم بعد ذلك هناك تاريخ ثان، الذي اكتشفه واسيني الأعرج من خلال المراسلات التي كانت بين الأمير عبد القادر ومون سنيور دي بيش،في مخطوط وجده عند صديق فرنسي له، فاستثمر تلك المراسلات ليطرح قضية أساسية ومهمة وهي القضية المرتبطة برؤية الموجود في الرواية وهي التي تجسد ما أسمته (آمنة بلعلى) بالهوية الثالثة، وهي في هذه الرواية قضية التسامح وحوار الأديان وحوار الثقافات، أو ما أسماه بالبعد الإنساني الذي يجب أن يكون بين مختلف الشعوب بما في ذلك الجزائريين و الفرنسيين، لأن واسيني الأعرج يعنى بكثير في حواراته بأنّ الثقافة الفرنسية لم تخض حربا ضد الشعب الجزائري، وانطلاقا من هذه الأطروحة يطرح رؤية حول حوار الأديان وحوار الثقافات من خلال فكرة التسامح التي هي النسق الأساسي الذي تسير عليه هذه الرواية من بدايتها إلى نهايتها .
    الفصل الثاني: سؤال الهوية والتشكيل في الرواية الجزائرية :
    _ الرواية الجزائرية الحديثة بين الهوية الثقافية و الهوية السردية لــ: أ.سامية إدريس
    تطرح الباحثة السؤال التالي: هل يمكن اعتبار الرواية حاملا من حوامل الهوية الثقافية؟ ثم تجيب؛ نعم فالرواية نظام تمثيلي على درجة عالية من التعقيد بحيث يتشرب إيحاءات الفضاء بين-الثقافي ويتخذ موقعا و موقفا ضمنه، لكن قبل أن تكون الرواية حاملا من حوامل الهوية الثقافية فهي مرحلة أولى حاملة لهوية سردية.
    إن التمثيل الروائي مسكون بازدواجية أساسية بين صورتين؛ صورة السرد أو الكتابة (النص)، وصورة المسرود أو العالم (المرجع)، وهما في المحصلة يحددان ملامح التمثيل الثقافي الذي تبرز فيه فكرة التعددية كأهم خاصية.
    لا تمثل الرواية الجزائرية خروجا عن السياق العام للتفاعل الثقافي في العالم، مهما كانت الضفة التي تطلّ منها، وهو المنطلق الذي يسمح لنا بنفي التعارض "المفترض" بين نموذجين، وطرح الرواية بوصفها آلية من آليات تشكيل الهوية الثقافية وتمثيلها في آن معا.
    أ-الرواية الجزائرية والهوية الثقافية: وتتحدد الهوية الثقافي للرواية الجزائرية بأمرين:
    -قيامها بتمثيل السياق الثقافي الجزائري الذي انبثقت منه تمثيلا مجازيا.
    -المنظور الذي يقدم من خلال هذا التمثيل في العوالم المتخيلة، أي: اختيار المؤلف الانتماء إلى الثقافة الجزائرية و التعبير عنها "من الداخل". وهذا التحديد يسمح لنا بنفي التعارض "المفترض" بين نموذجين أو أكثر في الرواية الجزائرية الحديثة و المعاصرة لأنّ ما يشكل انتماءها في النهاية هي الرؤيا التي تصوغ مضامينها وأشكالها.
    ب-الرواية الجزائرية و الهوية السردية : يضع بول ريكور "الهوية السردية" ليعين هذه الظاهرة في الكتابة الروائية المعاصرة حيث تتعدد الخطابات ويدفع بالتهجين إلى حدوده القصوى، وتبطل إحالة الرواية إلى مرجع محدد لتتحقق هذه الأخيرة في فعل التلفظ ذاته و لتتركز حول كلام السارد، فمن خلال عملية السرد تتخذ الذات لها موقعا مقارنة بالآخر و بنفسها في الزمن وفي الفضاءات الواقعية أو المتخيلة عبر إدراكاتها وتذكراتها أو عبر نسيانها وعماها(...) فإننا نفترض(...) أنّ الهوية السردية شرط من شروط تشكيل الهوية الثقافية و الرواية بوصفها نوعا أدبيا مرنا مطواعا وغير منته، خير وسيلة للقيام بهذه المهمة.
    _ الروائي الجزائري بين مطرقة العولمة وسندان الهوية: أ.د. نورة بعيو :
    ترى الباحثة أن الواقع المعيش يُظهر لنا أننا أمام هويتين في أي مجتمع عربي، ومن هنا تنشأ إشكالية مهمة جدا، وهي عن أية هوية نبحث؟ هل نبحث عن المحافظة على الهوية العربية الإسلامية بدافع الوطن العربي الكبير أو العالم الإسلامي الواسع، أو الهوية المغربية الجزائرية والسعودية وهكذا... وإذا سلّمنا أن هذه الهويات المحلية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الأم، فيمكن القول إنّ الكل يتحصن ويتقوى بالجزء.
    لعلّ من أبرز الخطابات الروائية الجزائرية المعاصرة التي جسدت أسس الهوية الجزائرية بثالوثها المعروف: اللغة،الدين والتراث بقسميه المعنوي والمادي. نجد من باب التمثيل لا الحصر: عبد الحميد بن هدوقة، جيلالي خلاص، الطاهر وطار، رشيد بو جدرة، مرزاق بقطاش، أحلام مستغانمي، أمين الزاوي، إبراهيم سعدي، واسيني الأعرج ،الحبيب السائح وغيرهم.
    لقد حاول كل واحد من هاؤلاء المبدعين المعاصرين التأكيد على فكرة انتماء هذا الخطاب الروائي إلى المجتمع الجزائري بخاصة و العربي بعامة، وكل بطريقته المميزة. فالأصل موجود وملامح عولمة هذا الخطاب أو ذاك ممكنة طالما أن الروائي الجزائري يجتهد باستمرار في إضفاء الصبغة العالمية على إبداعاته، حتى لا تحاصرها المحلية الضيقة فتموت، لأن التشبث بروح الأصالة لا يفرض التحجر والانغلاق على الذات، بل إنّ الأصالة إذا نُظر إليها بمنظور إيجابي يمكنها أن تؤثر في الآخر وبالتالي تنفتح عوالم عديدة، بالإضافة إلى العالم الذي هي موجودة فيه قبلا.
    فهناك بعض الظواهر و الآليات جسّدت هذه الرؤية أي قبول وجود متواز بين الهوية والعولمة، نذكر منها:
    - اللغة الروائية و الموروث مكونان من مكونات الهوية .
    - الفضاء الحكائي ملمح من ملامح الهوية الجزائرية .
    - إعادة قراءة التاريخ الوطني يكرس الهوية .
    إنّ موضوع الهوية من الموضوعات التي اهتم بها الروائيون الجزائريون، كل بطريقته وإن اختلفوا في بعض القناعات الشخصية، إلا أنّ الهوية نشم رائحتها في كل رواية سواء كان الحديث عنها بشكل صريح مباشر، أم عن طريق إحالات وعلامات توصل القارئ إلى أنّ المؤلف يرفض ألا يبحث الفرد عما يميزه عن الآخرين من جهة، و المبدع بدوره يوظف وسائل مختلفة ليؤكد أنّ إبداعه يعمّق هويته الوطنية، ويفتح نصّه على الآخر، وبذلك فهو لا يخاف من هذه العولمة.
    _ الرواية الجزائرية وسؤال الانتماء: أ. سامية داودي :
    وتحاول الباحثة أن تناقش الرواية الفرنكوفونية من زاوية توظيف الأدب الشعبي عموما والأمثال الشعبية خصوصا، واختارت من ذلك نماذج من روايات "مولود فرعون" ، فالمثل هو الشكل الأدبي الأكثر تداولا في منطقة القبائل، وأدمجها ضمن عناصر ثقافية عربية إسلامية وفرنسية، ومن كل ذلك تمخض منتوج تتنافس فيه مصادر ثقافية عديدة على الحضور القوي وإن كانت الحظوظ حليفة الثقافة الفرنسية على حساب الآخرين.
    - المصدر القبائلي: حرص مولود فرعون كثيرا على ذكر بعض النماذج الحية من الثقافة القبائلية لتشهد على إبداع باق بقاء الدهر وعلى تجربة إنسان فرِح و حزنَ، انتصر وانهزم، تفاءل وتشاءم...
    ويحتل المثل مكانة خاصة في "ابن الفقير" و"الأرض والدم" و"الدروب الوعرة" تضاهي تلك المكانة التي يحتلها في أية ثقافة تقليدية تعوزها الكتابة، وكثيرا ما وجدنا الكاتب يقول: هذا أعذب أمثالنا. ومن تلك الأمثال التي وظفها :
    - في ابن الفقير: نحن جيران للرحمة لا للمضايقات
    Nous sommes voisins pour le paradis et non pour la contrariété - في الأرض و الدم: إن الله يعلم ما خلق في البغل حتى جرّده من القرون
    Dieu a bien fait d’avoir privé l’ane de cornes
    - في الدروب الوعرة: دروب الحياة دروب وعرة
    Les chemins de vie sont les chemins qui montent
    -المصدر العربي الاسلامي: كانت الثقافة العربية حاضرة في روايات مولود فرعون مثلما هي حاضرة في الوسط الريفي القبائلي إلى درجة يصعب في كثير من الأحيان الفصل بين أصول الأمثال والحكم التي يتداولهاالقبائلي.
    Voiler le soleil d’un tamis
    الإنسان الذي يحاول أن يخطّئ الناس في الأمور الواضحة وضوح الشمس
    -المصدر الفرنسي:
    -جوهر عدو أمي اللدود
    étre la bète noire de quelqu’un
    -جامدة كتمثال
    Figée comme une statue
    -مصائب قوم عند قوم فوائد
    Le bonheur des uns fail le malheur des autres
    فنلاحظ أنّ مولود فرعون يطمح إلى تحقيق تعايش سلمي بين الثقافتين الجزائرية و الفرنسية بعيدا عن أي شكل من أشكال الصراع أو الرفض.
    الخاتمة :
    يتضح لنا من خلال استشراف آراء مجموعة من الدارسين حول موضوع "هوية الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية" – هذا الموضوع الذي ما لبث أن تحول من قضية إلى إشكالية- أن الرواية الجزائرية متعددة الهوية نسقيا { أي هوية سردية وهوية ثالثة } و سياقيا
    { هوية جزائرية، عربية، إسلامية وكذلك فرنسية أوروبية } ومن ثم وجب التحديد عن أية هوية نتحدث ، ما دامت الهويات متعددة في الرواية عموما والفرنكوفونية على وجه الخصوص .
Working...
X