Announcement

Collapse
No announcement yet.

بقلم : طه الليل - الحركة البصرية بين التشكيل والتذوق في إنشائية البعد الرابع في العمل الفني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بقلم : طه الليل - الحركة البصرية بين التشكيل والتذوق في إنشائية البعد الرابع في العمل الفني

    الحركة البصرية بين التشكيل والتذوق في إنشائية البعد الرابع في العمل الفني.
    بقلم : طه الليل



    يمثل البعد الانشائي في العمل الفني مقوما أساسيا في عملية الابداع ،بما لها من علاقة جذرية بالتجربة الجمالية،فهي تربط علاقة بين الموضوع الجمالي والمادة والفنان والمتلقي البصري ،من خلال تعامله مع اللوحة ،ومن خلال الرحلة الانشائية في العمل الفني يكتسب الفنان بمقتضى تعامله مع التجربة المادية الجمالية ،فكرا يتسم بالحرية والتنظيم ،مما يجعله قادرا على التحكم من خلال الوعي ،بالوظيفة البصرية للبنية والتأليف بين مختلف العناصر التشكيلية ،سوى كانت نقطة أو خطا أو شكلا أو لونا.
    فيوازن الفنان في علاقته بالمادة التشكيلية بين التصور والفكرة والخبرة المكتسبة بمعنى التقنية،ويكون ذلك بكيفية تعامله مع المعادلات الجمالية الناجمة عن التحليل والتأليف والتركيب والتعديل والتقويم،ليتسنى له السيطرة على التجربة الانشائية ومدلولاتها الجمالية ،من إنتاج فن مبتدع.
    وترتبط المرحلة الإنشائية في العمل الفني بمفهوم الزمان الذي يولد بعدا قيميا متجذرا في العملية التشكيلية ،ألا وهو الحركة .
    ففيما يتمثل دور الحركة في التركيبة التشكيلية الفنية ؟وما هي خصوصياتها وأبعادها، وفيما يتجلى أثرها على العقل الإبداعي للمتلقي البصري في الفن التشكيلي الحديث والمعاصر؟
    يعبرّ (أمبرتو ايكو) عن الحركة في العمل الفني المفتوح قائلا: "إن وفرة الأشكال في الفن الحركي المرهقة لعين المشاهد لما تتركه له في حرية من التفسير، لا علاقة لها بتسجيل حدث أرضي فهي تسجيل لحركة، والحركة إذا هي خط له اتجاه فضائي وزمني تعبر عنه إشاراته التصويرية، ويمكننا تتبع هذه الإشارة من مختلف اتجاهاتها... ومن خلالها تشدنا الحركة لنقتفي أثارها الضائعة ونتوقف عندها مع إعادة اكتشافها، وفي ذلك اكتشاف للغاية الاتصالية".
    وتمتاز العملية الإنشائية في التشكيل بالحركة الداخلية الناجمة عن البنى التأليفية المختلفة ،المكونة للعلاقة الجدلية بين التركيب واللون .
     حركة الشكل وصيغ التوليد الإيقاعي:
    تتجلى الحركة الداخلية من خلال صيغة التوليد، سوى كانت هذه الصيغة لونية أم ضوئية أم شكلية. فبتجاور الألوان تنتج الحركة، ونأخذ على سبيل المثال:الألوان المتكاملة أو الألوان الحارة والباردة أو مختلف الصيغ الناجمة عن المتقابلات اللونية، الكميّة
    (contraste de quantité)أو النوعية (contraste de qualité)،كما تنجم الحركة من عمليات التوازن بين الكتلة والفراغ في المنحوتة،أم كيفية توازن الظل والنور،أم انسيابية الخطوط وكيفية تقابلها وتواترها وتناوبها في الفضاء التشكيلي ،ومن هنا تتحدد الحركة الداخلية بوصفها حركة بصرية بالأساس.
    وتواصل الصيغة التوليدية مسارها في الرحلة الإنشائية للعمل الفني ،لا بوصفها مولدة للحركات الثلاثية ( اللونية والضوئية والشكلية) وإنما ،هي ترجمة عن سمة أخرى تنتج من مختلف المعادلات الجمالية والعلاقات التشكيلية داخل نفس التركيب وهو مفهوم الإيقاع الناجم عن أسلوب التقابل ،والتواتر والاندماج والثقل والخفة ،التي تتحدد خصوصياتها من خلال التأثيرات التفاعلية بين البنية واللون والفضاء.
    ويتنوع الإيقاع في الفنون التشكيلية ،من إيقاع منتظم ومتقطع ومتواتر ومتناوب ،حيث يستند الى البنية والتركيب والتأليف بين مختلف العناصر المحدثة للحركة الداخلية ،لكن هذا الإيقاع ليس وليدا للعمل الفني فحسب ،إذ نجد صفات متنوعة للإيقاع يمكن تحديده في ثلاث أبعاد أساسية ،ألا وهي:
    - الإيقاع الفطري لدى الإنسان
    - الإيقاع الصادر من الطبيعة والكون
    - الإيقاع الكامن في الأشياء
    ويساهم الإيقاع البنائي للعمل الفني من خلال حركته المستديمة ،بكشف مختلف هذه التراكمات الإيقاعية التي لا يمكن للفنان أو المتلقي البصري من معرفتها دون الولوج الى التجربة الجمالية ،سوى كان الأمر متعلقا بالممارسة التشكيلية في الرحلة الإنشائية ،أم بفعل البصر عند المتلقي لهذا العمل الفني.

    ومن هنا يمكننا الحديث ن حركتين في التجربة الجمالية،الأولى تكمن في الحركة الداخلية الناجمة عن الإيقاعات الصادرة في البنى التشكيلية واللونية داخل العمل الفني ،والثانية هي حركة خارجية يمكن أن نسميها ب "الحركة التذوقية" التي يعيشها الفنان والمتلقي البصري أثناء تذوقه للعمل الفني ،الناجم عن الإدراك ( la perception) والدهشة ،والانجذاب ،لتصل الى درجة المتعة من خلال عملية التوحد والاندماج مع التجربة الجمالية في حد ذاتها.
    وتتنوع الحركة في الفنون التشكيلية من حركة مكانية الى حركة رمانية،فالفن التشكيلي بحكم مادته المعتمدة والتي تتميز بالسكون والجمود ،ومن ذلك كان سعي الفنان دؤوبا في محاولته التعامل مع مشكلة الزمن ،فقد حاولت مختلف التيارات الخروج من بوتقة السكون ،الى الحركة داخل تركيبة العمل الفني،ونأخذ على سبيل المثال المدرسة الانطباعية ،بمحاولة رسمها لمختلف الحركات الذبذبية البصرية لمكونات الطبيعة ،والرومانتيكيون في محاولتها تحليل المغزى الشعوري للحركة,

    Claude Monet : Impression soleil levant : peinture sur toile.48/63cm. 1872–1873

     الحركة البصرية وأثرها في الإيقاع التشكيلي في الفن المعاصر:
    لم يعد الفن المعاصر مقتنعا بأسلبة الحركة بهذه الطريقة البسيطة في العمل الفني،وحاول بذلك ربط إنشائية العمل بالحركة مباشرة ،وذلك باعتماده لغة فنية حديثة ،بمفردات وصيغ تشكيلية متجددة ومستوعبة لمفهوم وأبعاد الزمن في حركته الممتدة والمتواصلة،ويتمثل ذلك في بحثه وفق جوهر الإيقاع الداخلي للأشياء ،دون أن يتأثر الشكل ذاته ،لينتج الحركة البصرية ،والتي هي عبارة عن موسيقى مرئية ،وهي حركة لا صوتية تنتج من خلال عملية التوليد بين الشكل والشكل الآخر ،فعند تداخل شكلين داخل نفس التركيب ،ينتج عنه شكل ثالث ،سوى كان هذين الشكلين بسيطين أو معقدين ،متخذين مسارا عموديا أم أفقيا أم مائلا،وهذا ما يولد الحركة الذاتية والداخلية في البنية التأليفية ،وهي حركة مرئية تنتج من الأشكال والألوان أيضا ،عند تجاور متضادات الألوان،يتولد لون ثالث،وهذا ما نعنيه بمفهمة الحركة البصرية داخل البناء الشكلي واللوني للتركيبة في العمل الفني،ونأخذ على سبيل المثال أعمال كل من (فرانك ستيلا) و(فيكتور فازارلي ).

    Victor Vasarely : Vega, peinture sur toile (57.15 cm x 57.15 cm) 1970.
    ومن خلال هذه الحركة البصرية اللا صوتية تتحول البنية التشكيلية للعمل الفني من السكون الى الذبذبة البصرية ،ومن الفن المكاني الى اللا مكاني أي الزماني اللا محدود.
    ويندرج ذلك وفق العلاقة الجدلية الناجمة من الإيقاع في صميم المادة المكونة للعمل الفني، فتكون هذه المادة حركتها الداخلية، وتستحيل موسيقى إيقاعية تربط علاقة بين البصر وما يحدثه من صوت انطلاقا من علاقة اللون باللون والشكل بالشكل واللون بالشكل متحدين.
    - البعد الرابع في العمل الفني:
    إن هذه الحركة البصرية المتولدة من المادة التشكيلية ،هي حركة ذهنية بالأساس ،تنبجس من خلال عملية التوليد المكون للإيقاع المتحرك الداخلي لحياة الأشكال ،نظرا لتداخلها وترابطها وتقاطعها وانسيابيتها المتتالية،وأثر اللون فيها من خلال تجليها في المستويات المختلفة للتركيبة ،التي تنجم عن عملية تواتر اللون والشكل ،وتوزيع الضوء والظل ،وتوازن الكتلة نع الفراغ داخل التصميم البنائي للتركيب.
    وهذا ما يولد البعد الرابع في العمل الفني ،وهو بعد حركي بالأساس ،الناجم من الحركة المتولدة للأشكال المسطحة ،ذات البعدين أو الأحجام ،وذلك من خلال الانسجام والاتزان والإيقاع ،فالبعد الرابع هو ما يمكن أن تولده هذه العملية البصرية والذهنية ،من خلال تتبع حركية الأشكال المرئية التي تؤسس العلاقة الجدلية بين الزمن والفن التشكيلي ،ولعمري أن هذه العملية الذهنية ناجمة عن العقل الإبداعي لدى الفنان ،أو المتلقي البصري للعمل،فالعين تقوم بدور الحاسة المكونة للفكر ،التي يمكن لها أن ترى وتسمع وتحس وتشعر بالموسيقى اللا صوتية ،أي الموسيقى البصرية التي تتسم بالتواصل بين حركة الخطوط بمختلف أصنافها وخواصها،وكيفية تكوينها للأشكال ،وسبل تعاملها مع اللون ،والفضاء ،وهذه الموسيقى البصرية هي موسيقى حسية معنوية ترى من خلال البصيرة ،أي ذلك العقل الإبداعي في علاقته مع زمن الفعل التشكيل في الر حلة الإنشائية للعمل الفني.
    إن العقل الإبداعي يكون من خلال علاقات ترابط حسية وذهنية بين عناصر ومكونات العمل الفني ،لونا وشكلا ،ويؤلف هو ذاته موسيقاه المرئية ،أي أن الحركة البصرية نحاول تنبيه الملكات الواعية لدى المتلقي البصري،مما يكشف له حقائق معنوية جديدة للأشكال ،فيستفيق البعد الحسي والعقلي من خلال عمليات التوازن الزمني الناجم عن حركة التوافق والانسجام داخل البنية التركيبية والتأليفية بين الشكل واللون والمادة .
    تنشأ الحركة البصرية من التأليف التشكيلي ،داخل ذهن المتلقي البصري،ويكون ذلك بتجميع خواص الأشكال المفصلة والمتباعدة ،مما يولد التحليل والتأليف والتآلف بمعنى التجانس،وبفضل هذه الوحدة التركيبية التي تنشأ من عملية التفصيل ،يتسنى للعقل إنشاء رؤية للعمل الفني تقوم على التأمل والملاحظة والإدراك من خلال المعايشة لعملية الإبداع في الفنون التشكيلية ،عموما والتجريدية خصوصا من خلال شمولية دلالاتها ،والمساحة الفكرية اللا متناهية ،لفهم وتحليل وتأويل العمل الفني ،من خلال العقل الإبداعي المحدث للحركة البصرية ،وفق العلاقة الجدلية بين بنائية التأليف التشكيلي وعناصره البصرية، وإيقاعه الحركي اللا مكاني واللا زماني ،وفق الإمكانات المتعددة في قراءة الفعل الإنشائي الذي لا ينضب.

    المصادر والمراجع:
    - جورج سانتيانا:الاحساس بالجمال ،ترجمة محمد مصطفى بدوي،مكتبة الأنجلو المصرية ،1988.
    - جيروم ستولينتر:النقد الفني،ترجمة فؤاد زكرياء،الهيئة المصرية للكتاب،1981.
    - زكرياء ابراهيم:مشكلة الفن،مكتبة مصر ،القاهرة،1968.
    - زكرياء نجيب محمود:فلسفة النقد،دار الشرق بيروت،1980.
    - محمود زيدان:كانط وفلسفته النقدية،دار المعارف ،بيروت،1984.
    - UECO. L’œuvre ouverte ; Ed.Bordas.Paris 1965
Working...
X