Announcement

Collapse
No announcement yet.

فضاء المرأة في أعمال زكريا تامر القصصية الأولى

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • فضاء المرأة في أعمال زكريا تامر القصصية الأولى

    فضاء المرأة في أعمال زكريا تامر القصصية الأولى



    إن شخصية المرأة تتقاطع وتتداخل مع باقي شخصيات قصص زكريا تامر في تعبيراتها المأساوية عن واقع متخلف ضاغط، وشديد العداء لها، يقهرها ويستلبها، فينفجر المكبوت لديها إما من خلال السلوك العنيف المعبر عن ذلك، أو من خلال أحلام اليقظة والاستيهامات الجنسية ذات الطابع الشهواني المبالَغ في تعبيراته، باعتباره يعكس حقيقة الكبت والحرمان الجسدي في بيئة تقليدية محافِظَة تربط بين الشرف كقيمة اجتماعية، وبين المرأة.

    ربيع في الرماد


    مما يُلاحَظ في الأعمال الأربعة الأولى [صهيل الجواد الأبيض – الرعد – ربيع في الرماد – دمشق الحرائق] أن المرأة كانت تحتل بطولة القصة الأخيرة فيها، أو ما قبل الأخيرة، ففي مجموعة «دمشق الحرائق» التي تتميز بشعرية السرد الحكائي، وبالطابع المجازي الاستعاري للغتها السردية المكثفة والموجزة جداً، جاء استخدام تلك الشخصيات الأنثوية للتعبير عن الرغبة في الحرية والانطلاق، وعن موت الجمال وارتباطه عند الإنسان بالمنفعة كما في قصة «خضراء» من مجموعة «الرعد»، أو الشهوة المقموعة، والجسد الأنثوية الموطوء في قصة «قرنفلة للإسفلت المتعَب» من مجموعة «صهيل الجواد الأبيض».
    فمثلاً، الواقعية التعبيرية التي أشار إليها بعض النقاد نستطيع أن نرى ملامحها في تناوله لمسألة المرأة في أعماله القصصية، فهي ذات شهوة عارمة، تبحث عن الفحولة القوية، والفعل الجنسي العنيف، سواء في أحلامها أو في الاتصال الجنسي مع الرجل، حتى أضحت تلك الرغبات المتفجرة سمات مميزة لنساء قصصه، والحقيقة أن تلك الشهوانية المفرِطَة، والرغبة في الفعل الجنسي العنيف للرجل والفحولية الذكورية القوية، تحمل في معناها المضمَر دلالات عديدة، فهي من جهة تعبِّر عن مدى الكبت الجنسي الشديد الذي تعاني منه المرأة في مجتمع يحاصرها بالتابوات منذ طفولتها، ويمارِس عليها رهاب الذكورة، والقمع يجعل منها رمزاً للشرف، مما يجعل الجنس يختلط بالعنف في لا شعورها، ودوافعها تتفجر في الأحلام معبِّرةً عن مكبوتها، أو في اتصالها الجنسي المباشر مع الرجل، وغالباً ما يحدث ذلك خارج إطار العلاقة الزوجية.
    وهكذا، فإن أبعاد الإشكالية - وهي إحدى سمات المفارقة التي لا غنى عنها في أدب زكريا تامر - نراها تتجسد من خلال حضور المرأة في أعماله.
    تتحدد هذه الإشكالية أكثر عند المرأة التي تُستَخدَم وسيلة لإشباع حاجات الرجل الجنسية، دون الاهتمام بحاجاتها الروحية والعاطفية، وحتى الجنسية، ولذلك يعبر هذا النزوع الشهواني عند بطلاته من النساء عن أزمة مركبة، اجتماعية وروحية وجنسية في عمقها ومضمونها ودلالاتها.
    فمثلاً في قصة «وجه القمر» تتكرر صورة القمع والخوف التي تعاني منها المرأة منذ الطفولة، بسبب التربية التي تتلقاها من الأهل وتنحفر في لا شعورها، ويستخدم القاص القرينة الدالة على ذلك من خلال استخدام الترجيع البعيد، أو العودة إلى الماضي عندما تتذكر الصفعة التي تلقتها من والدها وهي في العاشرة من عمرها، لأن ثوبها انحسر قليلاً عن ساقيها، فهذه المرأة تستسلم لزوجها على إكراه، وتشعر بالهلع والانكماش عندما يلمس جسدها، فيقرِّر أن يطلِّقَها، وبعد أن تعود إلى بيت أهلها تستعيد ذكرى الرجل الذي اغتصبها في بيت قديم، ثم ينتقل موضوع رغبتها إلى شخصية المعتوه، حيث تعبِّر من خلال تقنية الحلم، التي يستخدمها القاص عن رغبتها في التعري من ثيابها دون خجل له، «وستعطي نهدها لفم المعتوه وستضحك ثمِلَة، حين يحاول قضم حلمته، وستطلب منه بصوت لاهث أن يعض لحمها، ويغرس أسنانه حتى ينبثق منه الدم، ويلطخ شفتيه، وعندئذ ستلعَق بلسانها شفتيه بكثير من الضراوة والحنان» (من مجموعة «دمشق الحرائق»).
    إن هذا الميل إلى الجنس المقترَن بالعنف والقسوة يعبر عن ردة فعل المرأة على أخلاقيات المجتمع، ورغبتها في الانتقام منه، ليظل الجنس حاضراً في الوصف، مذكراً بالتابو المتسلط على حياتها، القامِع لحريتها الجسدية والروحية، لتصبح اللغة في الوقت نفسه أداة المضمَر وكشافه من حيث وسيلة الكشف الحقيقية المجهولة لا تعبيراً عن حقيقة جاهزة.


    هجاء القتيل للقاتلة


    كما أننا لاحظنا في قصصه الأولى أن الحاجة إلى المرأة عند رجال قصصه، تتداخل مع حاجاتهم المادية والمعنوية الأخرى. وقد رأينا في قصة «كابوس» من مجموعة «الرعد» الذي لا يمطر، حيث نرى البطل يعاني من الجوع، وعندما يستيقظ من كابوسه، يبحث عن شيء يؤكل في الغرفة، فلا يجد غير نصف رغيف يابس تحت الكتب، يتناوله ويغفو حالماً بامرأة جميلة لحمها خبز أبيض ساخِن.
    أخيراً وليس آخراً، ذكرنا أن الإشكالية التي يطرحها حضور المرأة في أعمال زكريا تامر الأولى هي إحدى أهم تعابير المفارقة، ولكن عظمة المفارقة عند زكريا تامر تتألق عندما يعبِّر عنها من خلال السخرية، فالسخرية تحصل من خلال قطبين كتيار الكهرباء قطب موجب وقطب سالب، وعلى هذا النحو عبَّر الباحث مفيد نجم عن أن زكريا تامر والمرحوم محمد الماغوط هما ضفتان لنهر واحد.
    وهكذا فإن إشكالية المرأة والمجتمع التي يعالجها زكريا تامر في روح من السخرية تذكِّرنا بالماغوط الذي نجح في أن يجعل الحجارة تبكي، والحزن يضحك، وهذه لعمري هي مفارقَة السخرية.
    إذن، ليلى - في قصة « امرأة جميلة» تجد نفسها تُغتصَب من كل الرجال، فلا تجد وسيلةً للثأر لكرامتها الإنسانية المهانَة سوى قتل نفسها، فليلى المطلَّقَة يغتصبها مدير الشركة، ثم سائق السيارة الذي يوصِلُها إلى المخفر، ومن بعده الشرطي، والطبيب الذي يعاينها، ثم من قِبَل القاضي، والصحافي الذي سيدافِع عن قضيتها.
    إذن، أراد زكريا تامر من خلال قصته هذه أن يفضَح ويدين هذا الواقع المتخلِّف ورؤيته للمرأة، تلك الرؤية التي تلغي أية قيمة لها خارج إطار الرؤية الذكورية المريضة التي تحولها إلى وسيلة لتفريغ مكبوتها الجنسي، وإشباع رغباتها، وقد أراد زكريا من خلال هذه النهاية أن يعبِّر عن مأساوية الشرط الاجتماعي والأخلاقي، الإنساني الذي تعيشه، والذي يقتل فيها – إذا لم تقم بقتل نفسها انتقاماً – إنسانيتها وشعورها بكرامتها وقيمتها المهدورة.

    ما قيل عنه


    بدأ زكريا تامر حياته حداداً شرساً في معمل، وعندما انطلق من حي البحصة في دمشق بلفافته وسُعالِه المعهودين ليصبح كاتباً، لم يتخلّ عن مهنته الأصلية، بل بقي حداداً وشرساً، ولكن في وطن من الفخار. لم يترك فيه شيئاً قائماً إلا وحطّمه، ولم يقف في وجهه شيء سوى القبور والسجون، لأنها بحماية جيدة.

    زكريا تامر


    يُشعِر قارئه بأنه محاصَر كالقلم في المبراة، وأنه عارٍ من كل شيء في أقسى صقيع عرفه القدر، ولا يملِك شيئاً سوى راحتيه يستر بهما وسطه، وهو في وقفته الضالة والمخجلة تلك، على رصيف المئة مليون أو أشبه، لا ينقصه إلا إطار في قاعة محاضرات، وبحّاثة في علم بقاء الأنواع يشير إليه بطرف عصاه أمام طلابه ويقول: كنّا ندرس يا أولادي من قبل كيف يتطور المخلوق البشري من مناطق كثيرة من قردٍ إلى إنسان. والآن سندرس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسانٍ إلى قرد، وأهله وحكامُه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون.
    يشعر قارئه بأنه محاصر كالقلم في المبراة
    محمد الماغوط

    مثل قطار متآكِل الخشب، يحمل صفيرُه الأبح كل رغباتنا ونزوات الشباب في عروقنا، تنحدِر أقاصيص زكريا تامر إلى أعماق واقعنا النفسي بكل جوعه إلى الطمأنينة المادية والروحية. إنه تعبير عن تعبنا وفرارنا إلى الحلم اليقظان والحلم المخدر تحت سياط الحاجة اللاهبة إلى الخبز والحب، إن زكريا هو الفنان الوحيد الذي ينقد واقعنا بقسوة دون أن يتحول نقده إلى خطابات وتقارير.
    الفنان الوحيد
    محي الدين صبحي


    المراجع


    1) زكريا تامر معجم القسوة والرعب، تأليف: د.رضوان القضماني.
    2) جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة: زكريا تامر أنموذجاً، إعداد: هناء علي إسماعيل.
    3) زكريا تامر والقصة القصيرة، تأليف: امتنان عثمان الصمدي.
    4) الأيديولوجيا والأدب في سورية، تأليف: بوعلي ياسين ونبيل سليمان.
    5) الربيع الأسود دراسة في عالم زكريا تامر القصصي، تأليف: مفيد نجم.
    6) مواقع إلكترونية.
    هوامش


    [1] د. رضوان القضماني، زكريا تامر معجم القسوة والرعب.
    [2] أ. هناء علي إسماعيل، جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة، زكريا تامر أنموذجاً.
    [3] أ. هناء علي إسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً.
    [4] د. امتنان عثمان الصمادي، زكريا تامر والقصة القصيرة.
    [5] أ. هناء علي اسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً.
    [6] أ. هناء علي اسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً.
    [7] د. رضوان القضماني، زكريا تامر معجم القسوة والرعب.
    [8] أ. هناء علي اسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً.
    [9] دراسة مستقاة من كتاب زكريا تامر معجم القسوة والرعب للدكتور رضوان القضماني، الصفحات الأولى "كأنه تقديم".
    [10] دراسة مقتبسة ومستوحاة من كتاب أيديولوجيا الأدب في سورية للمؤلفين بوعلي ياسين ونبيل سليمان.
    [11] مستقاة أيضاً من نفس المصدر السابق.
    [12] نص مقتبَس عن فصل «المرأة فضاء الرغبة والجمال»، من كتاب «الربيع الأسود»، تأليف: مفيد نجم.

    نبيل سلامة
    اكتشف سورية
Working...
X