Announcement

Collapse
No announcement yet.

فَاتح المدَرِّسْ..فنَّانٌ لم يرحل - أيمن الدقر Ayman Aldakr

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • فَاتح المدَرِّسْ..فنَّانٌ لم يرحل - أيمن الدقر Ayman Aldakr

    • ‏‎Ayman Aldakr‎‏


      فَاتح المدَرِّسْ..فنَّانٌ لم يرحل
      أيمن الدقر

      إن المتتبع لأعمال الفنان الراحل فاتح المدرس يستطيع أن يدرك بسرعة بأنه ينتمي إلى مدرسة صنعها بنفسه يمكن أن نسميها مدرسة الـ (مدرس) فلم يقلد فاتح أحداً، ولم يتبع كغيره من الفنانين أسواق اللوحات الفنية، التي كانت على الأغلب تقضي على التجارب الفنية الخاصة، كونها تتطلب من الفنان الذي تبعها، أن يتحول من مبدع من خلال الذات، إلى مساير لمتطلبات السوق الفنية، وبعبارة أخرى كان من يتبع سوق اللوحات، يفقد التجربة الذاتية بسبب انشغاله عنها، فيتحول إلى منفذ لإرادة السوق.
      ومن الإنصاف أن نقول أن البعض أبدع في عملية التنفيذ هذه، لكنه لم يرقَ إلى مكانة فاتح المدرس كون فناننا اتبع ذاته الفنية وأسلوبه الذي دافع عنه ولم يتعب أو يكِل، مما جعله يوطد وجوده على الساحة الفنية رغم التنافس الشديد بينه وبين عدد من الفنانين من أبناء جيله لا يستهان بهم، مما جعل من السوق الفنية في (العشرين) سنة الماضية، هي التي تلاحق فاتح، ذلك نتيجة لتفرده بشخصيته الفنية، بالإضافة إلى كونه دأب على تطوير نفسه لأكثر من خمسين عاماً من الإنتاج الفني المستمر.
      تميز فاتح المدرس بشخوصه التي كان يرسمها، والتي كانت تنتمي إلى رؤيته المتميزة، وكانت المرأة من أهم أبطال لوحته، ولعل الظروف التي مرت بها والدة فاتح والتي عاش دقائقها بألم، هي التي جعلت منه أن يتجه نحو المرأة في اللوحة ليعلن ضرورة إنصافها في مجتمع لا يخشى إلا القوة.
      كانت الوجوه والأشجار والجبال والبيوت عند فاتح مميزة، لها أشكال ألفها من خلال رؤيته لها لينفذها على لوحاته، وقد طبعها بطابعه الخاص، إلى درجة أن المشاهد يستطيع معرفة لوحة المدرس دون أن يكلف نفسه البحث عن توقيع الفنان.
      في إحدى الزوايا، وكان غالباً ما ينسى أن يوقع لوحته، وبالطبع لم يكن هذا غريباً عنه، طالما اتصف الفنان باللامبالاة بالأشياء الصغيرة، إذ كان لا يهتم إلا بما هو مهم فعلاً، وطلبته وأصدقاؤه هم أكثر من يذكر عنه ذلك، ومازالوا يروون قصصاً طريفة عاشوها معه، بطلها اللامبالاة، والاستخفاف بالسخفاء من الناس.
      تتميز ألوان فاتح المدرس بالجرأة، والعفوية والتأليف المتوازن، إذ أن لوحته كل متكامل من الخطوط والألوان، تلك الخطوط التي كان سيدها اللون الأسود، والألوان التي تتناوب بين البارد والحار، من خلال لمسات يظن المتلقي للوهلة الأولى بأنها عفوية وسهلة، إلا أن الحقيقة كانت عكس ذلك تماماً، حيث يكتشف المتمعن فيها، بأنها صعبة للغاية ولا يمكن إنتاج تركيبة مشابهة لها إلا إن وُجِدَ حس فني مشابه لحس فاتح المدرس، ذلك الحس الاستثنائي الذي طبع لوحاته بهذه الصفة، ويذكر الفنانون والمتابعون للحركة التشكيلية السورية، بعض من حاولوا تقليد أعمال المدرس، لكنهم فشلوا جميعهم، وبقي المدرس متميزاً بين الجميع بجدارة.
      ما كان يميز فاتح المدرس هو ثقافته ومعرفته، ومتابعته الدائمة للآداب العالمية، هذا إضافة إلى حسه الموسيقي العالي، فقد كان عازفاً بارعاً على آلة الـ (بيانو) وشاعراً طبع ديوانين له منذ أمد بعيد، وقد جعل كل ذلك من فاتح فيلسوفاً يحمل أفكاراً ورؤى خاصة ومتميزة، وكان الزائر لمرسمه يكتشف ذلك منذ أول وهلة، من خلال مشاهداته لقصاصات من الورق كان يدون عليها أفكاره ورؤاه ويلصقها على جدران المرسم.
      كل ذلك جعل من الفنان متميزاً بجدارة، فالمعرفة والثقافة والحس الموسيقي والخط واللون جميعهم تآلفوا لينتجوا تحفاً فنية اسمها لوحات فاتح المدرس.
      أخيراً يمكننا القول بأن أعمال المدرس كانت نتاجاً ثقافياً فنياً حمل الكثير من فكره ورؤيته، يضج بالحياة ويدعو المتلقي للاستغراق في هذا النتاج، الذي يبدو للوهلة الأولى بسيطاً تلقائياً، ولكن سرعان ما يكتشف المتلقي بأن أعمال فاتح المدرس هذه تنتمي إلى السهل الممتنع، وهذا ما جعل من الفنان (فناناً لم يرحل).







Working...
X