Announcement

Collapse
No announcement yet.

الشاعر أبو فراس الحمداني - مقدمة - ولادته وأصله - أسره

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الشاعر أبو فراس الحمداني - مقدمة - ولادته وأصله - أسره

    أبو فراس الحمداني






    .

    مقدمة:


    يعدُّ أبو فراس الحمداني واحداً من أبرز الشعراء العباسيين الذين اتسمت قصائدهم بالرقي الجمالي، وهو شاعر وجداني من الطراز الأول، ولاسيما في رومياته التي امتزج فيها ذلك الرقي بالحزن والأسى.
    له ديوان من الشعر الجيد، العذب الأنغام، المألوف الألفاظ، الذي يسجل تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخر بمآثره، ويحتوي ديوانه أشهر الفنون الشعرية التقليدية المعروفة إلا المدح التكسبي، وما كان بحاجة إلى التكسب في شعره لأنه كان أميراً كما كان ابن عم الأمير الذي تقصده الشعراء من كل حدب وصوب.
    شعره من النوع الوجداني الرقيق الذي تجاوز فيه تجربته الشخصية الأليمة، كفارس عربي، فذاق في أسره مرارة السجن، فأرسل صرخة ضمنها أعمق المشاعر الإنسانية وأنبلها مقصداً وأقدرها على استثارة النفس في توقها إلى الحرية، فاستحق معها مرتبة الشاعر الخالد، إذ لا تزال الأجيال العربية المتعاقبة ـوستبقى ـ مرردة رائعته الغنائية الوجدانية:
    أقولُ وقد ناحت بقربي حمامة ..|.. أيا جارتاه هل تشعرين بحالي


    ولادته وأصله:


    هو أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، عربي يعود نسبه إلى قبيلة تغلب من ناحية عمومته تلك القبيلة المليء تاريخها بالفروسية والفرسان.. وبالمآثر والأمجاد والتي أنجبت روائع الفرسان من أمثال السَّفاح التغلبي وكليب والزير سالم وعمرو بن كلثوم.. وغيرهم كثير، وإلى تميم من جهة خؤولته، وهو فارس أسرة بني حمدان وشاعرهم والتي لها الإمارة في الشام ولها الصدارة بين العائلات، ولد هذا الغصن الوارف سنة 932م-320هـ بالموصل وكني بأبي فراس لأن العرب كانت تتوسم فيه الشجاعة والبطولة، وقد قيل قتل والده وهو طفل صغير لم يبلغ الثالثة من عمره، على يد ابن أخيه ناصر الدولة صاحب الموصل، وأخ سيف الدولة لأنه زاحمه على ولاية الموصل، فعاش يتيماً برفقة والدته الرؤوم فكان شديد التعلق بأمه، وباراً لها، ثم ما لبث أن احتضنه ورباه ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة علي بن حمدان رأس الدولة الحمداني، فأحاطه بالعطف والحنان والرعاية التامة، وهيأ له الأرض الخصبة لينشأ فارسا وأميراً وشاعراً، وعن هذه الأسرة قال الثعالبي صاحب كتاب يتيمة الدهر 1/27 «كان بنو حمدان ملوكاً وأمراء أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة».
    نشأ أبو فراس في رعاية ابن عمه سيف الدولة الذي ضمه إلى عائلته وحمله معه إلى بلاطه في حلب، حيث اتصل بالعلماء والأدباء فأخذ عنهم. وتدرب على الفروسية والقتال، فرافق ابن عمه في غزواته وحارب الروم، وأخضع القبائل الثائرة، مما جعل سيف الدولة يثق به فيوليه إمارة منبج وهو في السادسة عشر من عمره. وكانت هذه الإمارة أخطر ثغر من ثغور الدولة الحمدانية وأسهل طريق ينفذ منه البيزنطيون إلى بلاد الشام، فسهر عليها يدفع عنها أطماع الروم، ويرد عنها غارات القبائل التي ثارات على الحمدانيين بفعل دعاية القرامطة، ونخالها مهمة خطيرة تحملها الأمير الصغير في منبج، وكان أهلا لها بفضل ما تحلى به من أخلاق سامية، وآداب رفيعة وذكاء ثاقب، وحنكة سياسية رصينة، كيف لا وقد واجه البيزنطيين؟ وأظهر شجاعة لا مثيل لها، وفي ذلك يقول:
    ديارهم انتزعنا عناها اقتسارا ..|.. وأرضهم اغتصبناها اغتصابا
    ولكن النصر الذي حالف أبا فراس في حروبه خانه ذات يوم فوقع أسيراً بين أيدي الروم الذي ساقوه إلى خرشنة ثم إلى القسطنطينية، وهناك طال أسره.


    الفرات



    أسره:


    أسر أبو فراس، فاختلفت الروايات حول السنة التي أسر فيها، وعدد المرات، فابن خلكان يروي أن أبا فراس أسر مرتين، المرة الأولى كانت سنة 348هـ وقع فيها جريحا، فأخذ إلى خرشه في مغارة الكحل وهي قلعة ببلاد الروم يجري نهر الفرات بجانبها ويقال أّنه أخذ فرساً في القلعة وقفز به من أعلى الحصن إلى النهر، هذا ما أورده ابن خلكان ودائرة المعارف الإسلامية 1/,387.
    والمرة الثانية سنة 351هـ إذ خرج أبو فراس للصيد مع صُحبته في مكان قريب من "منيح" فشبت معركة عنيفة سقط فيها الأمير جريحا أصابه سهم بقي نصله في فخذه، فحمل إلى خرشنة ثم إلى القسنطينية.
    بينما يروي بن خالوية أن الشاعر أسر مرة واحدة وكانت سنة 351هـ ويؤيد هذا الرأي الثعالبي وهذا هو المتفق عليه بحكم معاصرتها له، فلو أسر قبل ذلك.. وخلَّص نفسه بتلك الطريقة الأسطورية لذكر هذا في شعره وفخر به فخراً شديداً، ولذكره الثعالبي أيضاً فقد كان شديد الاعجاب ببني حمدان عامة.. وأبي فراس خاصة.
    لقد عزّ على الشاعر أن يعيش بعيداً عن أهله وخلانه، فراح ينظم أشعاراً تترجم مآسيه وجراحه النفسية سميت بـ"الروميات" نسبة إلى الروم و"الأسريات" نسبة إلى الأسر وتقدر مدة الأسر زهاء أربع سنوات.
    وكانت سنوات أسره كفيلة بأن تنقل لنا وقائع الفارس، المقيد، والأمير الأسير، والشاعر المغترب زين بني حمدان الذي يجمع بين قسوة السيف ورقة القافية بين أبهة الإمارة وذلّ الأسر، فلم يجد الشاعر من سلوى وهو رهين المحبس، فاقد الأهل. معذب الفؤاد، آمل الفداء إلا شذوه الحزين الذي صور فيه نفسه وواقعه، معبرا عما كان يختلج في ثنايا أحشائه، وطيات وجدانه من مشاعر صادقة لاشك في ذلك.
    لقد كان لأسره أثر إيجابي على شعره وأدبه، فرقّ شعره في الأسر وزاد فيه الأسى، والنوح، والعذاب والحزن، وإن كل ما بقى لأبي فراس من الشهرة والصيت في كتب الأدب والتواريخ لا يرتبط بأنه كان بطلاً فارساً أو قائداً يسوق الجيوش في الحروب والمعارك، بل بقي لأنه كان شاعراً من كبار شعراء العرب وبني حمدان، وطارت شهرته في الآفاق حتى قال عنه صاحب بن عباد: «بدأ الشعر بملك وختم بملك»، بمعني امرء القيس وأبا فراس الحمداني.


    لماذا تأخّر سيف الدولة في تحريره؟


    تباطأ سيف الدولة في تحرير أبو فراس لأّنه من جهة لم يكن يريد أن يفديه لقاء إطلاق سراح ابن أخت ملك الروم، مدعيا أّنه يرغب في افتداء أسرى المسلمين دفعة واحدة ومن جهة أخرى كثرة الشامتين والحساد الذين كانوا يمقتون الشاعر، فأحبوا أن يبقى في أسر الروم.
    علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على إمارته منه، فعلى الرغم من أن أبا فراس كان مطيعاً له، إلا انه كان ذا طموح واعتداد شديد بنفسه، يقول لسيف الدولة وهو أميره:
    بنا وبكم يا سيف دولة هاشم ..|.. يطول بنو أعمامنا ويُفَاخر!
    فيقدم نفسه على أميره، ولهذا أراد سيف الدولة أن يحطّ من قدره وأن يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر، فقام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم أنه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.
    سقوط الفارس في ساحة الميدان:

    الفارس


    عانى الشاعر كثيراً وطلب الفداء أكثر من مرة، غير أن الأمر طال حتى سنة 354 هـ بتحديد ابن العديم ولم تدم حياته بعد الأسر طويلاً عندما حاول ردّ اعتباره واستعادة مجده لكنّ يد الموت كانت أطول، فسقط شاعرنا في معركة غير متكافئة سقط فيها، ومات وهو يلفظ الشعر الصادق، فهو لم يكن يكتب الشعر للتكسّب مثل شعراء العصر العباسي.
    فبعد أن توفي سيف الدولة (967) م خلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر، وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه.
    وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك وكان ذلك يوم الأربعاء الثامن من ربيع الأول سنة 357ه الموافق الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.

    وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله، فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.
Working...
X