Announcement

Collapse
No announcement yet.

رغبتَه الإبداع في إنزال المقدَّسِ من علياء عرشه

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رغبتَه الإبداع في إنزال المقدَّسِ من علياء عرشه

    عودة أسئلة المقدس





    تمثال بوذا قبل تحطيمه من قبل طالبان
    عبد الدائم السلامي
    تونس- على امتداد تاريخ الفكر الإنسانيّ، لم ينسَ الإبداع رغبتَه الجامحة في إنزال المقدَّسِ من علياء عرشه وتمكين الإنسان من مخالطته في حلولِه الماديِّ ومساءلته داخل أنظمة تصوُّرية تروم دومًا نزعَ القداسةِ عن أشياء الكون. غير أنّ المقدّس، وعلى امتداد ذلك التاريخ، ظلّ حصينا بأسراره النابتة في الوعي العام، وممتنعا عن كلّ تكشُّفٍ له، بل ظلّ يُناور الإنسان بمقولات الانتهاك والتحريم حتى يزيد من تعاليه عليه.
    ويبدو أنّ ما تشهده منطقتنا العربية اليوم من أحداث سياسية وثقافية يُنبئُ بعودة قويّة للمقدَّسِ وبمحاولته بسط نفوذه على المعيش اليومي للناس. وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في تاريخ المقدّس بالإبداع، إذْ يبدو أنّ الإبداع لا يتعامل مع المقدّس بوصفه مفهومًا يقبلُ تنوُّعَ التعريفاتِ، بل هو يتعامل معه كتجربةٍ يعيشها الإنسان بكلّ فاعليّة وانفعالٍ معًا، وتمتزج فيها مكوّناتُ خزينِه الثقافيّ بفلسفات عصره وانتظاراته منها.
    وعلى حبل هذه التجربة تقف الأسئلة التالية: هل يحافظ المقدّس، باعتباره مفهومًا وممارسة على صلة وثيقة بشؤون الحياة والفكر، على «حُرمته» وهو يجري في السياقات الفكريّة والفنية والدّلالية؟ وهل يمكن اعتبار ما يخضع له المقدّس من تقويض عبر منظومة الفنون الإبداعية صورةً من صور مجادلة الفكر له؟ وهل نُرجع حضور المقدّس في الرواية واللوحة والسينما والشعر بأشكال توظيفيّة متنوّعة إلى تنامي ظواهره في المعيش اليوميّ، أم نردّه إلى سلطته على جعل المعنى يتخفّى بالرّمز فلا يبلغه التعيينُ؟ وكيف يمكن للمبدع، وهو يصوغ عالَمَه التخييليّ ويهدم فيه محرَّماته، أن يؤسِّسُ لمقدّساتٍ «جديدة» تكتسب شرعيتَها ومبرّرَ وجودها من منطق الإبداع ذاته؟
    وفي إطار البحث عمّا يمكن أن يكون من أمرِ علاقة المقدّس بالإبداع، يتتبّع أبو بكر العيادي في مقالته “هل انتهاك المقدّس مرادف للإبداع″ تاريخ المواجهات التي قامت بين المقدّس والمنجزات الأدبية، وكيف نزّل الإبداع الغربي المقدّس في صورة أنه كلّ ما يُتيح معانقةَ المطلق والوصول إلى الإلهي في السياق الديني، أو إلى الحقيقة في السياق العلماني. وتكفّل عدنان حسين في مقالته “المقدَّس في الفن التشكيلي: من التوظيف إلى الانتهاك” بكشف أمثلة متعددة على تحرّش الفنون التشكيلية بالمقدَّس في الوقت الراهن وسعيها إلى انتهاك حرمته.
    وهما مقالتان تؤشِّران على أنّ ثمة اختلافا في التعامل مع المقدّسات بين الفكر الغربيّ والفكر العربيّ، حيث نُلفي الأول ينتهك مقدّساته انتهاكا مضيفًا ينتهي منه دوما إلى تأكيد أنّ المقدَّسَ هو الإنسان، بينما ظلّ الثاني يلوذ بمقولة حماية المقدس لتجاوز ضعفه الحضاريّ والبحث له عن باب “غيبي” يضمن به بقاءه في الأرض.
Working...
X