Announcement

Collapse
No announcement yet.

الروائي ( محمد صبحي أبو غنيمة) قاص وأديب أردني من الرواد

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الروائي ( محمد صبحي أبو غنيمة) قاص وأديب أردني من الرواد

    الأديب: محمد صبحي أبو غنيمة
    ولد محمد صبحي أبو غنيمة في مدينة إربد عام 1902، وتلقّى تعليمه الابتدائي في مدارسها، ثم التحق بمكتب عنبر في دمشق. سافر أبو غنيمة إلى الآستانة، ليلتحق بمدرسة الهندسة العليا، ولكنّ نشوب الحرب العالمية الأولى، جعله يعود إلى دمشق، ليكمل دراسته في مكتب عنبر. التحق بجامعة برلين، وحصل على شهادة الطبّ منها، ثم عاد إلى عمّان وافتتح عام 1929م عيادته فيها، ومارس الصحافة والعمل السياسي إلى جانب ذلك.
    أصدر مجلّة "الحمامة" وهي مجلّة أدبية فنّية إبّان دراسته في برلين عام 1923، وصدر منها عددان. وفي عام 1933 أصدر في عمّان مجلّة "الميثاق"، لتكون ناطقة باسم "اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأردني" ولم تستمرّ المجلّة طويلاً.
    انتقل عام 1947 ليعيش في دمشق، وظلّ مقيماً فيها حتّى عام 1960م إذ عاد إلى عمّان، وعيّن سفيراً في دمشق عام 1964، ثم عام 1969، وتوفي في دمشق في 21/10/1970.

    مؤلفاته:
    * القصة:
    1. غاني الليل، مطبعة الترقي، دمشق، (1922). وقد نشرته وزارة الثقافة الأردنية ضمن إحياء التراث الأردني (2)، 1990.
    * كتب أخرى:
    1. نظرة في أعماق الإنسان. طبع الجزء الأول منه في مطبعة الأديب، بيروت، 1958، وقد سمّاه "بحث جديد على ضوء تفكير حديث في الطبّ".
    2. من الأيّام، د.ن، دمشق، 1940.
    * المخطوطات:
    1. العواطف، رواية.
    * من مراجع ترجمته:
    1. أبو صوفة (محمّد): من أعلام الفكر والأدب في الأردن، جمعية عمّال المطابع التعاونيّة، عمّان، 1983.
    2. الناعوري (عيسى): محمّد صبحي أبو غنيمة وآثاره الفكريّة، مجلّة رسالة الأردن، آذار 1960. (وأعيد نشرها في صحيفة الرأي بتاريخ 24/8/1993).
    3. هاشم (كايد مصطفى): قاموس المؤلّفين في شرقي الأردن، مطابع القوات المسلحة الأردنية، عمّان، 1995.

    السعادة
    جاء المساء، ومللت الجلوس في المنزل!ّ
    فخرجت أروّح عن النفس، بالقعود على رابية هنا في غربي القرية. كثيراً ما كنت أؤمها في مثل هذه الحالة!
    هناك، بين الأزهار الزاهية، والأعشاب النديّة، أحسست بشيء من الارتياح، وشعرت بكثير من اللذّة، فارتميت عليها بفرح ووقعت عليها بدافع خفي!
    ولا أدري كيف شعرت بتحوّل في نفسي إذ أنّ عيني بدأت ترى في كل شيء جماله الكامن فيه، فأمامي جبال جرداء، وورائي تلال خضراء، وفوقي غيوم الربيع، ولكلّ منها في فؤادي موضع يطربه وينفي عنه الأشجان!
    في هذه البرهة -برهة الطرب في الإنسان- أحسست بلذّة للحياة عجيبة تبعد عنّي كل محزن وتقرّب كل مسرّ، حتّى لو أتيح لي أن أسمع نواح ثكلى، لانتخبت منه أنّةً أو أنّتين، ولكابرت بالمحسوس وقلت: هذه لها شبه بالأنغام فهي جميلة، وأما تلك فأبعدوها عنّي فإنّي لا أفهمها!!
    ولكن: هي برهة، وما أسرع انقضاءها!
    لم يزل حولي كلّ ما كان، وإنما لا أرى ما كنت أراه فيها من الجمال المنعش فأين هو؟
    أين ما في الجبال البيضاء، والتلال الخضراء، والغيوم الدكناء من مسبّبات الهناء؟ إنّي لا أراها!
    إنّ زوالها قد ضاعف بي الألم!
    وفي مثل هذه الساعات الطويلة -ساعات التألم من تقلّب النفس الغريبة- أحسست بكره للحياة عجيب، يبعد عنّي كلّ مسرّ ويقرّي كل محزن، حتى لو أتيح لي سماع نغمات الغرام تتلاعب بها شفاه الهيام لانتخبت من نغماتها كثيراً وطويلاً ولقلت: هذه لهاشبيه بالنواح فهي مذيبة، وأمّا تلك.. الباقيات فأبعدوها عنّي فإنّي لا أفهمها!
    كلّ هذا التغيّر كان في برهة!
    أنا سئمت الجلوس في المنزل، فخرجت أطلب شيئاً، عبّرت عنه بالترويح عن النفس، فأمسكته، ولمسته، ولكنه ذهب!
    فكان وجوده في يدي ولمسي إياه برهة! ورجعت كما كنت، وها إني مللت الجلوس على الرابية، سأرجع، لأروّح عن النفس في المنزل!
    في كلّ عمل نعمله، نحن البشر، نطلب ذلك الشيء.. أجل! نطلب الترويح عن النفس، ونبالغ بوصفه في بعض الأحيان فنقول: (السرور).
    كل مظاهرنا الحياتية، وجميع ثوراتنا النفسيّة: في اليأس والرجاء، في الفشل وعند الأمل، هي في طلب ذلك الشيء: الترويح عن النفس.
    السرور.
    نمسكه، فيفلت من أيدينا.. فنحزن لهذا الإفلات!
    وهذا الحزن في حقيقته، هو سبب نمدّه لاصطياده، فنحن في جدّنا وسعينا، في بكائنا ورجائنا، في أملنا ويأسنا، نظهر في صفات وتطوّرات مختلفة، ولكنها لا تختلف بغايتها، عن صفة واحدة، وطور واحد، نطلب فيهما، ما تقول عنه الفلاسفة: السعادة!!
    السعادة، هي ذلك الظبي النافر الذي يركض وراءه كل الناس: الشعراء بآياتها، والفلاسفة بحكمها، والأديان بتعاليمها، والجهلاء بتعاستهم. وكلهم لن يدركوه! فهو بعيد، بعيد، بعيد، وجادّ في السير، وليس لهم منه إلاّ التفاتته من حين لآخر!
    كنت على وشك الدخول للمنزل بعد هذه السياحة التي قطعتها بهذه التفكّرات، ولم أكد افعل، حتّى سمعت قهقهة أعقبتها كثيرات، فوقفت في هذا القباء الذي هو بجانب منزلي، والذي تطلّ عليه نافذتي، أجل والذي أسمع منه الآن هذه الأصوات العالية الجميلة -أصوات السرور- يسكن أحد الرعيان مع امرأته وأولاده.
    في كلّ صباح وعند كلّ مساء.. في أكثر ساعات الليل، كنتُ اسمع أصوات الضحك تتعالى في الفضاء وتتزايد كلّما طال الوقت.
    إني أخذت هذا المنزل البعيد عن الضوضاء لأتلذّذ بالوحدة، فلا يعكّر صفوهاعليّ متكلّم!
    الوحدة بغيتي، وهنائي، وفيها كثير سروري، ولذا فكثيراً ما حاولت أن أخرج إليهم فأؤنّبهم على إزعاجهم إيّاي، وادعوهم إلى الهدوء ولو في الليل، إلاّ أنّني كنت أراني سأكون كمن قابل السيئة بالسيئة ونفى بمنفعته سرور الغير، فأردع نفسي عن الإقدام على هذا الجرموأجلس صامتاً.
    وعاودتني تلك الفكرة هذه المرّة، فخيّل لي أنّ هناك بعض الألعاب الغريبة التي تثير منهم هذا الضحك العجيب، فأردت أن أقف عليها ففي ذلك فائدة، ولذا تقدّمت من حيث لا يشعرون بي وبدأت أرقبهم:
    الأم.. وأطفالها وكبيرهم في الثالثة عشرة كما علمت.
    يا لله!
    إنهم يضحكون، فرحين!
    يضحكون كثيراً وليس ثمّة من لعب، اللهم إلاّ صفعهم بعضهم وتراشقهم بالحصى. وأمهم قد جلست إلى جانبهم، وهي تغزل بمغزل لها، ولكنها هي أيضاً تضحك.. تضحك كثيراً وصوتها قد علا جميع الأصوات!
    فأزددت حيرة وتقدّمت نحوهم، ولكن رأيت الكبير قد صفع أخاً له صفعة مؤلمة سالت لها دمعة الأخير فتوقّفت: يا للدهشة، إنّهم رجعوا للضحك وكان البادئ في ذلك هو (الباكي)!
    علمت إذ ذاك أن سلسلة تصوّراتي المنقطعة قبل برهة بسبب هذا الحادث ستتصل به وسيكون لي من ذلك موضوع جميل أجعله عنواناً لمقالتي (السعادة). فتقدّمت بخطى ثابتة إليهم وحيّيتهم:
    إنّ دخولي أرهبهم، فهربوا ملتجئين إلى أمّهم، وتجمّعوا وراء ظهرها ينظرون إلي بحيرة!
    ولم يلبثوا إلاّ قليلاً حتى تبادلوا النظرات وأسرعوا إلى الضحك، فاضطرّوني على مجاراتهم لئلا أسلم لهم بالسكوت وإباحة الهزء بي!
    ثم أخرجت عملة فضيّة وألقيتها بين أيديهم فأسكتهم بذلك برهة، وبدأوا ينظرون إليها باستغراب، ولكنّهم عادوا إلى ما كانوا عليه ولم يعبأوا بلمعانها، وأمّهم أيضاً!
    طربت إذ ذاك لحصولي على ما أنمّق به مقالتي.
    طربت كطربهم وقلت في نفسي: أين أولئك الذين ينهكون أنفسهم في الجدّ وراء السعادة، وفي البحث عنها فيناجونها تحت هذا القباء؟ أين أولئك الذين يعتقدون بأنّ مَنْ لا يعرف معنى السرور، ولا يعلم كنه الألم هو جاهل فيقفون على لذّة هذا الجهل؟
    أين؟ أين؟
    وأضعت تحوّطاتي العقليّة أمام هذا المشهد البهيج، فتقدّمت خطوة للأمام وقلت بصوت، لا أدري كيف خرج: إنّك سعيدة أيتها المرأة! قلت هذا وأنا أعلم أنّها لا تفهم معنى هذا القول، ولكنّها عاطفة دفعتني للنطق فقلت ما قلت: وإذا بها ضحكت؟، ضحكت طويلاً وأشركت أطفالها بالضحك! فخرجت من عندها وأنا لا أزال أسمع رنين صوتها وكأنّي به يقول: السعادة في هذا العالم أيها الشاب لمن لا يبحث عنها.
Working...
X