Announcement

Collapse
No announcement yet.

وظيفة النشاط التخيلي وخصوبة الخيال عند الأطفال - إعداد عبد الكريم سليم علي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • وظيفة النشاط التخيلي وخصوبة الخيال عند الأطفال - إعداد عبد الكريم سليم علي

    الخيال والابتكار

    إعداد عبد الكريم سليم علي


    النشاط التخيلي عند الأطفال
    يشغل التخيل حيزاً كبيراً في نشاط الأطفال العقلي ، فمنذ السنوات الأولى من أعمارهم وهم يتخيلون وقائع وحوادث مختلفة غالباً ما تنعكس في ألعابهم وأحاديثهم ، والطفل يحيا في عالم يهيمن عليه الكبار بأساليبهم وطرقهم وكثيراً ما يستعين الطفل بخياله ليخفف من مظاهر الضغط متجاوزاً أبعاد الزمان والمكان والواقع والمنطق ، ويضفي على بيئته ألوانا سحرية وغريبة تساير في جوهرها مظاهر نموه ورغباته وأحلامه ، وهو يحب في طفولته الاستطلاع والمغامرات ، فان لم يجد لها إشباعاً في بيئته فأنه يمضي ليشبعها في أحلام يقظته وفيما يشاهده من أفلام تلفزيونية والعاب فيديو ومطبوعات ذات مضامين خيالية .
    وللنشاط التخيلي أهمية كبيرة في خلق الصور الذهنية التي تقود الى الفهم ، فأحداث التاريخ والأفكار والمعلومات في العلم والأدب والفن يستوعبها الطفل ، مستعينا بمخيلته التي تصور كل العناصر في تراكيب خاصة دون ما حاجة الى ان تعاد الاحداث من جديد امامه ، او ترسم له الأفكار والمعلومات آليا ... لذا يقال إن المخيلة هيأت للطفل ان يبصر ويسمع ويشم ويلمس بعقله مالا يستطيع الإحساس به عن طريق حواسه مباشرة ، وتصور ما ليس له وجود أصلا ... ولولا هذه القدرة لما استطاع ان يصل الى أي معنى ادبي او فني او علمي ، كما انه سيعجز عن فهم مايدور في بيئته الثقافية فهما صحيحا ، ولما استطاع ان يرسم الخطط المقبلة ، وعلى هذا يمكننا ان نعد الخيال طريق يكتسب منه الأطفالُ الثقافة ، وهو اسلوب لتجسيد عناصرها فنيا ، فالواقع والأحداث وكذلك الأفكار والمفاهيم _ في حد ذاتها _ جامدة ، ولكن الخيال يبعث فيها الحياة ويمنحها أبعادا ، ويصوغها في هياكل ، ويظهرها بالشكل الجديد .
    ان الأطفال يصلون الى تمييز افضل بين الواقع والخيال كلما تقدموا في العمر ، الا ان الاسس التي يقوم عليها هذا النمو ليست بالدرجة نفسها من الوضوح . ويمكن تصنيف الخيال الى مراحل عمرية : فالطفل بين الثالثة والخامسة تقريبا ، يكون خياله نشطاً ، ولكن ذلك النشاط محدود في إطار البيئة التي يحيا فيها ، فهو يتصور مثلا : العصا حصانا ويمسك بها ويضعها بين ساقيه ويجري بسرعة متخيلاً نفسه فارساً ، وقد يتصور غطاء القدر مقود السيارة يلف به يمينا وشمالا ويصدر اصواتا مثل محرك السيارة او الكابح ، وقد تتصور الفتاة دميتها كائناً حياً فتكلمها برفق ونعومة وتحاورها وربما تغضب منها ، والطفل في هذه المرحلة يتهم بالكذب ، فهو يخلق مواقف لا وجود لها في الواقع ، وهذا ما يسمى بالكذب الخيالي ، فهو يبالغ في أحاديثه وفي تصويره للأمور والوقائع ليؤثر فيما حوله وليؤكد ذاته وليرى آثار حديثه على وجوه مستمعيه ، وهو مدفوع الى ذلك باحثا لنفسه عن مساحة مهمة تشد انتباه الآخرين ، كما انها فرصة يعبر فيها عن انفعالاته ، ونشاطه العقلي ، ويشبع رغباته المكبوتة والمحبطة
    ولا يناسب الأطفال في هذه المرحلة كل ما ينطوي على اثارة مخاوفهم او ايقاع الحيرة في نفوسهم مثل قصص الجان والعفاريت وأحاديث السحر ، وقصص العنف والقتل لأن مثل هذه الخبرات بعيدة عن عالمهم الطفولي وغريبة عن آفاق خيالاتهم . والحديث عن المواقف المحزنة او المفجعة ووصفها في حضور الأطفال يثير حزنهم وخوفهم ويبعث القلق في نفوسهم ، ويعكر صفو حياتهم . لان الأطفال في هذه المرحلة يهتمون بموسيقا الكلمات ، ويستمتعون بالجمل المنغمة ، وتطربهم العبارات الموزونة أو المسجوعة ، وينتشون للأغنيات ذات الإيقاع السريع ، وللأصوات المرحة التي تطلقها شخصيات قصصهم ، ويرسمون مناسباتهم المفرحة ( العيد والعروسة والحديقة والجبل والنهر ومدينة الالعاب ) ، والفترة الأخيرة من هذه المرحلة توجب تهيئة الطفل للمرحلة التالية عن طريق العمل على توسيع خيالاته ، وتهيئته اجتماعيا ونفسيا لها ، وإكسابه خبرات مناسبة .
    اما الأطفال بين السادسة والثامنة أو التاسعة فإن خيالاتهم تكون قد تجاوزت النطاق المحدود بالبيئة ، الى النوع الإبداعي ، او التركيبي الموجه الى هدف عملي ، اذ يكون الطفل قد قطع مرحلة التعرف الى بيئته المحدودة المحيطة به ، الى ما هو ابعد ، لذلك تتضح عنايته بموضوعات جديدة ، ويزداد حبه في الاستطلاع ، ويكثر من التساؤل والتقصي عن أشياء وأسباب وعوامل ، ويسمى هذا الدور من ادوار النمو الخيالي : دور الخيال المنطلق ، حيث يتشوق الطفل الى قراءة وسماع القصص الخيالية التي تخرج في مضامينها عن محيطه وعالمه . وبعد هذه المرحلة ، وحتى الثانية عشرة من عمر الطفل ، يلاحظ اقتراب خيالات الطفل الى الواقع ،والى الصورة البصرية ، اذ يبتعد عن الخيال الجامح بعض الشيء ، ويهتم بالحقائق ، وتستهوي الطفل قصص الشجاعة والمغامرة والعنف والقصص الهزلية والقراءات العلمية المبسطة والاحجيات .
    وتتصف مظاهر النشاط التخيلي في العمر بين ( 12 – 15 ) بالميول العاطفية والمثالية فأكثر المغامرات التي يتشوق لها المراهق في هذه المرحلة ويهيم بها ويمضي وقتا معها في أحلام اليقظة هي التي تقوم ببطولتها شخصيات تتصف بالرومانتيكية ، وخاصة تلك التي تواجه الصعاب الكبيرة من اجل الوصول الى حقيقة من الحقائق ، او الدفاع عن قضية او انقاذ حبيبة او مساعدة الآخرين ، ويكون الميل اكثر الى المواضيع التي تتناول العلاقات الجنسية ، والتي تتناغم مع مرحلة نضجهم .

    خصوبة الخيال عند الأطفال :
    تشير الدلائل على ان تأثير البيئة أقوى بكثير من الوراثة في نشأة وخصوبة الخيال ، وان التنشئة الأولى في البيت او المدرسة لها أثرها في سلب تلقائية الأطفال وابتكاراتهم الطبيعية ، او تركها دون اضطراب فالطفل يبدأ حياته مزودا بإمكانيات للسلوك في مدى عريض ، الا ان عوامل البيئة تتدخل اما لتضيق مدى الخصوبة لديه او لتوسع مداها . ويكفي سؤال واحد يلقيه احد الوالدين او المعلمين على الطفل أثناء استغراقه في رسم ما ليعطل تلقائيته في الأداء ، مثلاً : ما هذه الصورة ؟ ماذا ترسم ؟ ، لأن ما يفعله الطفل في الواقع قد يكون مجرد رسم حر وليس رسم لشيء محدد . مثال اخر : عندما يعود الطفل الى البيت بقصة عميقة الخيال فان رد فعل الآباء في إطار محاولة تدريبية للتمسك بالحقائق الواقعية قد يحبط تلقائية الأبناء في التفكير والتخيل فكلمة : ما هذا ؟ أنت تعلم ان هذا غير حقيقي أليس كذلك عليك ان تفكر بشيء آخر . ومما يؤذي تلقائية الأطفال أيضا الربط بين الخيال والجنون ، او ان الإسراف في الخيال يؤدي الى الجنون ، وان على الأطفال ان يميزوا بين الأوهام والحقائق ، والواقع ان ما لا يدركه بعض الآباء والمدرسون هو ان هناك فرق كبير بين التخيل الإبداعي المنتج الذي يسيطر عليه الفرد ، وأوهام وهلوسات المرضى التي لا تخضع لسيطرة الفرد وارادته ، ان الطفل الخيالي ليس لديه أي صعوبة معينة في تعلم كيف يبدأ الخيال وكيف يعود الى الواقع ، وربما نسي البعض ان ثقافة الكبار هي المسؤولة عن نشأة الأساطير الممعنة في الخيال والتطرف في اللاواقعية ، ومع ذلك نجدهم يلومون الأطفال من اجل مصغر ضئيل لخيالاتهم الكبيرة .
    ومصادر الخيال وموضوعاته يجدها الطفل في كل شيء وكل معنى ، بل يجده في ادوات نقل المعاني نفسها ، فالألفاظ والإشارات والحركات والأضواء والألوان تؤلف مصادر للخيال ، وعلى هذا فان المعاني وأدوات نقلها ، ممثلة باللغة اللفظية وغير اللفظية تعد مصادر للخيال . ويتفاوت القدر الخيالي بتفاوت طبيعة المصادر وطبيعة الاطفال ، والبيئة الاجتماعية ، وعلى المربي ان يسعى دائما الى دفع وإثارة الأطفال نحو النشاط التخيلي من خلال توجيه انتباههم الى مرئيات مغرية وشواهد وقصص وأحداث مثيرة ونماذج طيبة وناجحة ، وتنبيههم الى ان لا يتجه الخيال الى خلق اوهام بعيدة عن الواقع او الامكان ، ولكن يجب ان يتدبر الأطفال ( وبإرشاد وتوجيه تربوي ) أهدافا ، وان يعملوا على تحقيق مضمون خيالهم وربطه قدر المستطاع بالأهداف وبالعمل ، وان لا يصبح الخيال بديلاً عن الفعل .

    وظيفة النشاط التخيلي
    - يعد التخيل عونا للذاكرة ، فالإنسان الذي يمتلك قدرة على التخيل البصري والسمعي تكون له قدرة عالية على التذكر بسهولة.
    - ان التخيل يخدم الإبداع وحل المشكلات في استخدامات العقل ، فالمهندس يصعب عليه رسم هندسي على ورق ما لم يتخيله قبل أن يضعه على صعيد الواقع .
    - يعد التخيل أساساً لكثير من الفنون كالرسم والشعر والأدب والنحت وكافة الفنون ، فالقصص مثلا ما هي إلا تشكيلات من حوادث عديدة وقعت ، وان خيال القاص هو الذي يوحدها ويجعلها منظمة ذو مغزى وقصد معين .
    - يعد التخيل وظيفة مهمة في توافق الفرد adjustment ، فالتوافق الفعال غير ممكن دائما لذا يلجأ الفرد إلى التعويض بالحد الطبيعي عن طريق التخيل ويسد ما يحتاج إليه .
    وتتجلى وظيفة النشاط التخيلي عند الأطفال : في ان الاساس في تخيل الاطفال هو حياته الوجدانية ، وبخاصة عوامل الاحباط التي يتعرض لها في حياته وهو قليل الخبرة ، قليل الحيلة في بيئة تظهر له على العكس ان كل ما فيها كبير وقوي ، ولا يجد الطفل في اغلب الاحيان حلا لهذه المشاكل سوى في احلام اليقظة التي تسقط هذه الاحساسات وهذه المشاعر على العالم الخارجي ، فالطفل لا يستطيع ان يتغلب على انفعاله الغامض قبل ان يرمز له بصورة ما من الصور الوهمية ، فوظيفة التخيل الاولى هو ان يجعل الطفل يعتاد الاشياء التي تسبب له الاحباط او المخاوف ، فبالتدريج يخترع الطفل في خياله الوسائل التي تجعله يتغلب على تلك المشاعر ، كما ان النشاط التخيلي يمد الطفل بخبرة متحررة من القيود التي تتحكم في حياته اليومية ، ويتيح للاطفال ان يتصوروا عوالم غير التي يحيونها ، ويدركوا ما لا يمكن ادراكه عن طريق الحواس ، ويشكل في الوقت نفسه عاملا للاستمتاع بالاداب والفنون وانماط السلوك ، ولهذا فإن المصادر الاتصالية تحاول تهيئة اذهان الاطفال للتخيل ، من اجل ان يفهم الاطفال المعاني والعلاقات والمعلومات ، ومن اجل ان يستمتعوا في الوقت نفسه بصور الخيال المشرقة .


    عبير
    :p
Working...
X