Announcement

Collapse
No announcement yet.

التشكيلي العراقي الفنان حميد ياسين رؤى بصرية متنوعة في خطابه التناغمي ودلالاته الرمزية..

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • التشكيلي العراقي الفنان حميد ياسين رؤى بصرية متنوعة في خطابه التناغمي ودلالاته الرمزية..

    الفنان حميد ياسين رؤى بصرية متنوعة في خطابه التناغمي.. ودلالاته الرمزية

    د. ماضي حسن





    ترفدنا اعمال الفنان حميد ياسين رؤى متنوعة في لغة الخطاب البصري ضمن اسلوبيته الخاصة والمتميزة في التفرد سواء في معرضه الثامن الاخير.. او اعماله السابقة.. والتي تنحى باتجاه الاسلوب التجريدي المفتوح الحلقات في التفاعل.. والاجتهاد... التقني.. او الدلالات الفنية ولو عدنا قليلا الى جذور الفن التجريدي فانه يتصل باللغة البصرية التي اشتغلت في مجال الاختزال.. وتكثيف المعنى للمضمون والرؤى البصرية لاسيما في منطقة الشرق.. وقد تجسد ذلك عبر مراحل مختلفة في الوقع الزمني قبل الاسلام واثنائه.. وما بعده.. وحتى الرسومات التي نفذت في العصور الوسطى.. كانت تميل الى اسلوبية الاختزال والتسطيح ..ولكن تجلى ذلك وضوحا في واجهات العمارة.. وواجهات الكتب، فضلا عن المنمنمات التي تدور في حلقة البنية التاريخية للتجريد، ولكن الانتقالية ذات المنعطف الواضح البيان للاتجاه التجريدي المعاصر تكمن برواية الفنان كاند نسكي حين استساغ عمله الواقعي المقلوب ليعطي رؤى جديدة منقلبة على نمطية استلام الاشارات البصرية المألوفة، وبطريقة هلامية متدرجة عكس اسلوبية مون دريان الهندسية.. ونحن الان ازاء عمل فنان عراقي ينتمي الى جيل استطاع ان يؤسس اختيار وخصوصية تنتمي الى الهوية الشرقية ..والعراقية تحديدا.
    ولقد كانت هذه الفترة لاسيما مرحلة الستينيات من اشد المراحل تعقيدا، وصعوبة... لإثبات الوجود للهوية الفنية التشكيلية.. بعد القاء ظل الفن العالمي على الفن العراقي ..ولقد ادرك الفنان حميد ياسين وبوقت مبكر ضرورة الحفاظ على منظومة التحول التقني لمشهد الفن العالمي المتطور بعد عصر النهضة في ايطاليا وبين جمالية وسحر الفن التراثي الخاص.. ان هذا التجاوز يتطلب قدرا من الامكانية التجريبية التي تجمع بين الاهداف والتقنيات المتراكمة ضمن مساحة التجريب لذلك تبدو لنا اعماله خالية من الاقتحامات المفترضة ..والقسرية والتي تأخذ جوانب التوليف كما ينفذها البعض لغرض التعريف بالفن الشرقي بطريقة بليدة.. كتراكم الخطوط المتبعثرة.. او اقحام مفردات معمارية متزاحمة.. كالقبب وغيرها ولذلك فإنني اجد ان الحفاظ على روحية المنهج الاسلوبي اذا جاز لنا التعبير هو من ضرورات الانسجام المستساغ للعمل الفني.. الفنان حميد ياسين التزم بقوانين اللوحة المعاصرة بمناخاتها.. وبتقنياتها دون وازع من الحذر المقلق من ادخال الدلالات الشكلية.. والضمنية للهوية العراقية.. ويأتي ذلك من جراء الاشباع الاختزالي في الذاكرة.. والتمرس.. أي بين الادراك الحسي للرؤى المسبقة.. وبين الية الاشتغال في اخراج العمل لذلك لم نرى في اعماله حالة التنافر بين الاسلوبية والمفردات وبين التنفيذ التقني والافكار، ان محنة الفنان تكمن هنا.. هي في كيفية المتواكب مع التطور الحاصل للفن المعاصر.. وبين الخصوصية المنفردة.. ولقد عاشها جيل الستينيات.. كما عاشها جيل الرواد.. ولكن في هذه المرحلة.. ازاء موقف وتحدي اكثر.. لاسيما بعد تراكم الاحداث السياسية والوطنية.. التي تتطلب ليس العودة الى محركات التراث فحسب، وانما الى مواقف الفنان .. كمثقف ازاء المراحل الراهنة.
    الفنان حميد ياسين ادرك ذلك مبكرا هذه المسؤولية والاتجاه.. كونه ينتمي الى ذات العصر والمرحلة.. لكن الاستجابات والاختيار هنا تنوعت بين فنان واخر في كيفية وضع الخطاب الذي يتناسب مع لغته الخاصة والفنان حميد ياسين اختار حوار الرؤى الفنية الخالية من اثارة المتناحرات الخطابية المعلنة في لسان الصخب ولتخندق الاجتماعي او الفئوي او حتى التكتلية , بل اختار لغة الرقي الفني ..الذي بدوره لا يقل شانا عن اثر الخطابات الصارخة الاخرى انه لغة الفن التجريدي.. والرمزي.. والتعبيري.. الذي يتناغم مع سيمفونية الحياة الحضارية التي نتوق لها بعيدة عن دواعي الانشدادات نحو مازق محبطات حلول الافرازات المعاصرة. على جميع الاصعدة.. ان هذه المتناغمات هي اصداء لهارمونية منسجمة في المحصلة.. ومتناوبة.. ومتفاوتة في تفاصيلها كالإيقاعات الموسيقية التي عاش اجوائها متذوقا.. ومختصا وناقدا. وعلى ضوء ذلك تتوالى منظومة نسيحه اللوني وتفصيلاته المقسمة انها اعمال تدخل الى مساحات رؤانا وتأملاتها دون استاذان فهي سلسلة من التحولات.. والسرد القصصي المتوالي الاحداث دون وجل.. او اشباع لان التكرار يدور في منحى خطاب التنوع الضمني والشكلي للإخراج الفني.
    من هنا نرى ان اعمال الفنان تعلن عن هواجس ومداخلات وتلويح لأمور تفصح عنها اشاراته الصامتة.. ولكن صمته يتحول الى اعلان يبتعد عن الغموض او التشويش من خلال الانسجام والتوافق في بنية النص التشكيلي لديه.. وبهذه الصيغة تنم تجربة الفنان مفتوحة على مسار منطلقاتها الفكرية.. والاسلوبية التي ذكرنا انفا وتتمحور على نطاق الاخلاص.. في كل المجالات دون التأثر بمغريات اللوحة لترويج العمل كسلعة تخفق من قيمتها الابداعية وبهذه الصيغة يبقى الاثر الفني على امد ابعد طالما يستمد مقوماته من حقائق الانسجام الذاتي واثر المنجز الابداعي.. طالما ينبني على بناء القناعات المجرفة.. والمسهلة لانسيابية مجرى الاحتباس الفكري والنفسي له.. لان بخلاف ذلك لم يعد الفن سوى تنفيذ لممارسات تمرينيه او اشتراكية ..ملبية لطلبات التفكير الجمعي الزائل.. ان الالتزام والتمسك بهذه الروحية من التنفيذ الفني تحتاج الى صيانة من المؤثرات المعروفة والمتعددة الاسباب.. وصيانة لجوهر الفنان المعتدلة في اوج قيمها المبدئية والابداعية.. والفنان حميد ياسين بقي محافظا على هذا المنحى التشكيلي طيلة ما يعادل نصف قرن ..وينسحب ذلك جليا في مجالات ابداعاته الفنية والثقافية الاخرى كالنقد الموسيقي او التشكيلي.

    تناغم الاشارات البصرية على الوقع الموسيقي المتناوب


    مما لاشك فيه ان اللغة البصرية شانها شان العلوم الادبية الاخرى كالشعر.. بأنواعه العمودي.. والشعر الحر او ما يسمى بشعر التفعيلة له وقع موسيقي مدروس ولكن يزداد حدة وانضباطا في القوانين الكلاسيكية، ويتحرك بإيقاع تحرري كلما اقترب من ناصية المنظومات الحرة ..لدرجة وصوله الى النثر في مجال الادب.. وبذات الامر ينطبق على مجالات الرؤى البصرية من الايقاع الرتيب الذي يتجسد في تكرار الزخرفة.. الى ان يصل الى مجالات الفن الحديث والذي يخطو بخطوات الايقاع الحر.. وبعضه بالإيقاع المتصاعد.. والايقاع المتنازل.. مثلما تنظر الى معمار الملوية من الاعلى وهو المتصاعد، ومن الاسفل وهو الايقاع المتنازل .. في اعمال الفنان حميد ياسين حوار متناغم بين اشارات لغته البصرية .. وبين تناوب الوقع النغمي للموسيقى ويااتي ذلك من خلال تكثيف انشداده وتخصصه كمتابع وناقد موسيقي .ويتجسد ذلك بمحورين في التناغم ..مجال التنوع الموسيقي واصطفافاته اللونية .. الهارمونية، او التضادية كالأحمر ضد الاخضر .. او الاصفر ضد البنفسجي .. او الازرق ضد البرتقالي .. وهذا ما يقابله بالوقفات الحادة في المقطوعات الموسيقية اما الالوان المتقاربة او المشتقة هو ما يقابل الانتقالات المتقاربة من نفس النغمة او المقام ضمن السلم الموسيقي ..مثل دو قرار.. ر .. مي .. فا .. صول .. لا .. سي ... دو جواب. وينطبق هذا النظام في التناغم على مفردات الاشكال وتوزيعاتها بنفس المنظومة ولذلك عندما يحصل خلل في البناءات التشكيلية لعتاصر الفن واتباع منظومة اسسه التشكيلية يحصل سوء استساغة للتقبل البصري للمتلقي دون ان يعلم السبب .. وهذا ما يقع فيه الرسامين , المؤدون للرسم دون الحصول على معرفة بقوانين عناصر الفن واسسه التشكيلية والذين يقفزون فوق اتقانهم الواقعي الى المدرسة التجريدية .. لذلك نجد ان الفنان حميد ياسين اكتسب رافدين من الاكتساب المهارى والتنظيري .. مجال مستمد من معرفة العلوم الفنية للموسيقى .. ومعرفة منتقاة من الفن التشكيلي .. مما توافرت في اعماله التجريدية متناغمات ممتعة .. ومنسجمة مع بواطنها الداخلية للتكوين .. والامر لا ينحصر في مجال اتقارب الهرموني .. والتنافر.. والترابط .. وانما في مجال التوازن .. والوحدة.. والايقاع .. ان استخدام الاشكال الهندسية في اعمال الفنان حميد ياسين كالمثلثات والدوائر والمربعات والاستطالات وما يتبعها من فراغات متناوبة هي تنوع في الخطاب النغمي .. والبصري صحيح انها تنطبق على جميع الاعمال التشكيلية .. ولكن تختلف هنا موضوعة الدرايا بكيفية الافتراضات المحسوبة .. من لدن فنان يعلم بها ودرسها، وبين اخر لا يعلم بها الا بالفطرة .. والتلقائية العفوية .. وعندما تنتج من الامر الاول فان النتائج بلا شك سوف تكون اكثر دراية ونضوجا الى كيفية البناءات ..ومحصلة النتائج النغمية .. والبصرية .. ان الاشكال التجريدية هي اكثر تحاور مع الموسيقى .. لان الموسيقى ليس لها لغة شكلية بصرية .. وانما سمعية يساعد في بنائها الخيال IMAGINATION والتجريد لا تتوافر فيه الصورة البصرية واضحة .. وانما عبارة عن ايقاعات ايحائية متناغمة .. يساعد الخيال في بناء نسيج تحويراتها في التقبل والاستساغة.

    دلالات الموضوعات

    دلالات انسانية.. تتمحور دلالات العمل الفني لدى الفنان حميد ياسين باتجاهين اتجاه انساني واخر جمالي على حد تعبيره عن المعرض زيادة على استنتاجنا التحليلي للأعمال ففي مجال رؤيته الانسانية تعبر مرموزاها الدلالية على إيحاءات وجود اثر انساني تاريخي يتصل بجذور الانسان العراقي وموروثه الخاص يتجسد ذلك ببعض الاستعمالات التي رافقت الانسان الشعبي من بسط وادوات ومعتقدات ميثولوجيه متنوعة ..ولكنها تتداخل وتتحرك ضمن منظومة اسلوبيته التقنية واذا اعتبرنا ان تنوع التقنيات والاختيارات للمفردات الانسانية هو انعكاس لتساؤلات الرؤى الفنية للفنان فان هذا التنوع اضاف مزيدا من التنوع في حرية وجود الاشياء بتنوعاتها وابتعادها عن مراحلها التاريخية .. واشكالها وبجانب المرموزات المستخدمة لخدمة الانسان ..فان وجود الانسان بذاته كان المحور الاساسي لأعماله الفنية .. وتأخذ المراءة حيزا ماثلا للعيان على نحو اجتماعي هادف الى قيمة المراءة كام وزوجة واخت .. ودورها الانساني والاجتماعي على نحو يتناسب مع قيمتها الاجتماعية والتربوية والأسرية ..لذلك فالفنان حميد ياسين ينظر الى المرأة من جانب فعال نشاطي وليس جسدي او عاطفي فحسب وبذلك فان الفنان يمنحنا منظور انساني للأدوار الاجتماعية من خلال مرموزاته الايحائية ضمن اسلوبيته المعهودة.
    اما الدلالة الجمالية فان اعمال الفنان ياسين اكتسبت صيغة التنوع في التقنيات.. والسطوح مما اكسبها قيمة جمالية في التأمل والاستمتاع فلقد استخدم الالوان الزيتية في اغلب اعماله.. وكذلك استخدم الرسم على الورق وبمواد مختلفة من احبار .. والوان البوستر كولر .. وغيرها وتختلف طريقة التقنيات بين عمل واخر بما ينسجم مع دلالات العمل الفني المبتغاة ومن الملاحظ كذلك اتباع طريقة التنوع في خلق اداء مساحات متجاورة تتنوع في ايحاءات الملمس بطريقة اللون ..او في المواد ..كسطح خشن بجانب سطح ناعم ..وهذا الامر يمنح المتلقي تقبل واستمرار في التوقف كاسرا رتابة التشابه في الاداء كما ان استخدام الالوان الحادة على ارضية معتمة تكسب العمل الفني فرض بصري واضح زيادة على اتباع تقطعات الخطوط وانسيا بيتها على نحو يدعو النظارة الى التمتع البصري ..فضلا عن التزامه بأجواء كل عمل على سجيته المطلوبة مما خلق ابراز عمل للعمل المجاور له فالأعمال التي تتطلب حدية في الاشارات البصرية تنفذ كاملة دون وجل سوى الفراغات الغامقة التي تتنفس من خلالها الاشكال وتبرز جلية من خلالها كذلك .. اما الاعمال التي تسودها الالوان الحيادية والهادئة فإنها تحافظ على منظومتها كاملة في كل ارجاء العمل وبهذا نجد ان المشاهد يستطيع ان يتنقل في تلقيه البصري نحو مناخات متنوعة في الاجواء اللونية ..وينطبق الامر كذلك على تنوع المفردات الرمزية وطريقة توزيعاتها مما تشكل تكوينات متوازنة ومتعددة الايقاعات البصرية تتخللها فراغات فضائية مكملة للتكوينات تبعا لمقولة الفضاء نصف العمل او الفضاء هو التكوين الاخر المقابل للعمل الفني ..

    كندا .. ادمونتون
    12 / 1 / 2013


    خاص "أدب فن"
Working...
X