عطر شانيل 5 حكاية أحجية ساقها القدر، وفك أسرارها الحظ، وأنف العطار أرنست بيكس. إنه عطر من وحي البحيرات وشمس الليل! هكذا عبّر عنه بيكس العطار الفرنسي الذي قام بتركيبته. فهذا العطر الأخاذ يُعدُّ أول عطر صناعي في العالم مُصنع من مركبات وسطية بين الكحول والأحماض العضوية تسمى الألدهيدات. ولد أرنست بيكس في موسكو عام 1881م إبان القيصرية الروسية لإدوارد بيكس الذي كان قيِّماً على أهم مصنع للعطور والصابون في روسيا. بعد أن أنهى أرنست دراسته الثانوية انضم تحت إمرة والده مساعداً في مختبر الصابون. لكنه لم يستمر طويلاً إذ غادر إلى فرنسا ليقضي خدمته العسكرية كمواطن فرنسي. بعد عامين عاد إلى موسكو، وكله شغف بمهنة العطارة. فدرس الكيمياء ما فتح له آفاقاً واتجاهات جديدة في صناعة العطور. وتحولت مهنته من فني في مختبر الصابون إلى مسؤول عن مختبر العطور. كان أول نجاح له عام 1912م مع عطر قام بتركيبه احتفالاً بالذكرى المئوية لمعركة بورودينو التي دارت رحاها بين نابليون والجيش الإمبراطوري الروسي. بعدها بعام أنتج عطراً آخر احتفالاً بالذكرى المئوية الثالثة لسلالة رومانوف الروسية. غادر بيكس روسيا الى فرنسا نهائياً مع أصدقائه ومختبره العزيز إلى قلبه.
![](http://thawra.alwehda.gov.sy/images%5CNEWS9%5CM09%5Cd30%5C5-1.jpg)
لم يكن بيكس ولا الآنسة شانيل يعلمان أن هذا العطر المكون من ياسمين غراس، وخشب الصندل، والفانيلا، وزهر البرتقال، والإيلنغ، سيكون من أهم عطور القرن العشرين وأشهرها، فهو كما قيل عنه «لو كنت في ازدحام شديد وشممت روائح عديدة فبإمكانك أن تميز من بينها العطر رقم 5». هو عطر لا يلتبس فيه أحد، ولا يحتار فيه أنف. هو هدية رائعة تُصلح ما أفسدته الظروف مع الأحبة، كما أصلح العطار ما أفسده الحظ مع شانيل
غرائب العطور
مسك الغزال وعنبر الحيتان
ليست كل مكونات العطور نباتات وأعشاباً وزهوراً، بل من بعض الحيوانات يضوع أجود أنواع العبق، وتُصنع منه أجود أنواع العطور الشرقية. من بين اللحم والفرث تخرج أغلى المكونات العطرية لأغلى العطور العربية مثل المسك والعنبر. فالمسك عطر مصدره لذة الظبي، إذ ينتج من مادة في الدم تنمو في سرة الظبي وعندما يأتي موعد خروجها، تتضجر الظباء، فتحك سرتها على أحجار الجبال، وتجد في ذلك لذة حتى تسيل منها المادة المكونة من المسك. وتوجد ظباء المسك في كل من الصين وجبال التبت والهند. ولقد ذُكر المسك في القرآن الكريم وحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- وفي قصائد الشعراء، ما أعلى قدره كطيب عند المسلمين فتطيبوا به قدوة بالرسول- صلى الله عليه وسلم- لقوله: «أطيب الطيب المسك».
كما أن العنبر كالمسك يستخرج من مصدر يستغرب أن ينتج عطراً، أو رائحة زكية، فهو مادة شمعية توجد في أمعاء الحيتان العنبرية، وعندما تجف بعد أن يقذفها الموج تصبح زكية الرائحة. وكان العرب يجلبون عنبرهم من سواحل الشحر في اليمن وعُمان.
من المسك والعنبر ومن غرائب العطور صنع المسلمون عطورهم. فالمسك والعنبر كانا مكونين لعطر يسمى «الغالية» تطيب به خلفاء العصرين الأموي والعباسي، وحفظوه في أوان من الذهب الخالص، ومن الزجاج المعتم، ولقد سمي بالغالية لغلاء ثمنه وندرة مكوناته. ولعل أشهر غالية صُنعت كانت غالية هشام بن عبدالملك، وذلك لجودة مسكها وطيب عنبرها.
العطر ذكرى
![](http://thawra.alwehda.gov.sy/images%5CNEWS9%5CM09%5Cd30%5C5-2.jpg)
العطر شؤم
ربما لا يخطر على بال أحد أن العطر زكي الرائحة كان نذير شؤم! هكذا كان الحال في الجاهلية عند بعض قبائلها. فيقال: «أشأم من عطر منشم». ومنشم حسب رواية الأصمعي امرأة تسكن مكة وتمتهن العطارة، حيث تبيع العطر والحنوط. وكان القوم إذا أرادوا دخول معركة غمسوا أيديهم في عطرها، فيقال إنهم دقوا عطر منشم استعداداً لحرب ضروس. وكانت قبيلتا خزاعة وجرهم إذا أرادتا الاقتتال تطيبتا بعطرها فكثر الضرب والقتل. قال زهير بن أبي سلمى في ذلك:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم