Announcement

Collapse
No announcement yet.

مدينةاللاذقية زمني الانتداب الفرنسي و زمن الاستقلال..

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مدينةاللاذقية زمني الانتداب الفرنسي و زمن الاستقلال..

    اللاذقية زمن الانتداب الفرنسي



    على أثر خروج الأتراك من اللاذقية اجتمع بعض وجوه المدينة في لسرايا وألّفوا حكومة مؤقّتة أعلنت أنّها تابعة للحكومة التي يرأسها الأمير فيصل. غير أن فرنسا، بموجب الاتّفاق السرّي الذي أشرنا إليه، كلّفت الضابط دي لاروش باحتلال الساحل السوري، وقد وصل هذا الضابط إلى اللاذقية على ظهر بارجة بتاريخ 5 تشرين الثاني 1918 واستلم منصبه حاكماً للمنطقة.
    إن اتفاق سان ريمو المبرم بتاريخ 20 نيسان 1920 منح فرنسا حق الانتداب على سورية ولبنان، وفي 31آب 1920 أصدر المفوّض السامي في بيروت قراراً رسم فيه حدود مقاطعة اللاذقية التي أصبحت تتألّف من أقضية اللاذقية وصهيون وجبلة والمرقب وصافيتا وحصن الأكراد ومصياف ومن ناحية طرطوس، وفي عام 1922 صارت هذه المقاطعة تشكل دولة وفي 1924 أعلن بقرار أنّها مستقلّة تماماً عن سورية، وأصبح يحكمها حاكم فرنسي يعاونه مدراء دوائر معظمهم فرنسيون، وقسّمت هذه الدولة إلى سنجقين، سنجق اللاذقية وسنجق طرطوس.

    في مطلع عهد الانتداب كان عدد سكّان اللاذقية ييلغ خمسة وعشرين ألف نسمة. وقد أدخل الهاتف إليها في عام 1921 والتيار الكهربائي في عام 1922. وفي سنة 1923 تم جرّ الماء من نبع قرية ديفة التي تقع على بعد حوالي عشرين كيلو متراً، وفي سنة 1926 وضع مخطّط تنظيمي للمدينة نفّذ قسم منه. أمّأ الأعمال التي تمّت في المرفأ من سنة 1930 لغاية 1932 فلم تعط النتيجة المطلوبة. لقد أمّنت أرصفة وسمحت بتنظيف الحوض ومدخله من الأنقاض المتراكمة منذ زلزال 1822، غير أن عدم بناء مكسر يحمي المرفأ من العواصف جعله غير صالح للاستعمال من قبل السفن الكبيرة لذا انحصر استخدامه على المراكب والبواخر الصغيرة.

    بعد معاهدة 1936 أطلق على المقاطعة اسم «محافظة اللاذقية» وتبعت حكومة دمشق لمدّة قصيرة، لأن الفرنسيين نقضوا المعاهدة المذكورة، وفي آذار 1939 عزلت المقاطعة من جديد عن سورية ودخلت تماماً تحت إمرة فرنسا. وفي حزيران 1939، على أثر سلخ لواء الاسكندرون، ألحقت بها قرية كسب وضواحيها.

    في 8 حزيران 1941 زحفت على سورية، انطلاقاً من فلسطين، القوّات البريطانية ومعها جيش تابع لما سمّي آنذاك «حركة الفرنسيين الأحرار» التي أسّسها الجنرال ديغول. وكانت هذه الحملة تهدف إخراج الفرنسيين الموالين للحكومة الموجودة في فرنسا المحتلّة من قبل الألمان. وبعد قتال دام ما يقارب الشهر احتلّت القوات البريطانية الأراضي السورية واللبنانية، واعتبرت الفئة الديغولية نفسها بديلاً للفرنسيين الذين رحلوا في ممارسة دور السلطة المنتدبة. غير أن تحرّك الجماهير الوطنية أرغم الديغوليين على إعلان استقلال كل من سورية ولبنان وتقرّر إجراء انتخابات تتيح للشعب أن يختار ممثليه وحكّامه.


    اللاذقية زمن الاستقلال


    أجريت الانتخابات في سورية بتاريخ 10 تموز 1943 ونتج عنها حكم وطني أعاد إلى البلاد وحدتها فصارت محافظة اللاذقية مرتبطة بالحكومة المركزيّة في دمشق كغيرها من المحافظات. غير أن الاستقلال لم يصبح ناجزاً وفعليّاً إلا عندما تمّ جلاء الجيوش البريطانية والفرنسية في نيسان 1946، وقد غادر اللاذقية آخر فريق من الجنود الأجنبية يوم 6 نيسان 1946.

    إن قصّة اللاذقية في عهد الاستقلال تخرج نوعاً ما عن نطاق هذا البحث لأنّها قصة الحاضر والتاريخ لا يهتمّ عادة إلا بالماضي. لذلك نكتفي بتدوين بعض الأمور الرئيسة التي نعتقد أنّها ستشكّل، بالنسبة لمؤرّخي المستقبل، معطيات تساعدهم على معرفة تطوّر المدينة في عصرنا هذا.

    يجب أن نذكر التعديلات التي طرأت على تكوين محافظة اللاذقية. لقد فصل عنها بموجب مرسوم تشريعي مؤرخ في 4 آب 1953 كل من قضائي مصياف وتلكلخ. كما فصل عنها بموجب مرسوم تشريعي مؤرّخ في 21 تشرين الأول 1964 المنحدر الشرقي من سلسلة جبال اللاذقية، فأصبحت حدودها الشرقية تمتد على طول قمم هذه السلسلة. وبموجب مرسوم تشريعي مؤرّخ في 22 آب 1966 فصلت عنها مناطق طرطوس وصافيتا وبانياس التي ألّفت ابتداءً من أول كانون الثاني 1967 مقاطعة جديدة تحمل اسم «محافظة طرطوس». فتتألّف اليوم محافظة اللاذقية من أربع مناطق هي اللاذقية وجبلة والحفة والقرداحة وتبلغ مساحتها الإجماليّة 2641 كيلو متراً مربّعاً.

    إن المنجزات التي تمّت في عهد الاستقلال عديدة جداً ونشير هنا إلى أهمّها. لاشك أن إنشاء المرفأ الجديد كان من أكثر العوامل تأثيراً على نمو المدينة وازدهارها. إن الأعمال المحدودة التي تمّت في عهد الانتداب لم تسمح للمرفأ أن يقوم بدور اقتصادي يذكر، إذ بقي مقتصراً على الحوض الصغير الذي كان يستعمل في العصور القديمة والقرون الوسطى والعهد العثماني، فبتاريخ 12 شباط 1950 أصدرت الحكومة السورية القانون رقم 38 المتضمّن أحداث «شركة مرفأ اللاذقية» التي أوكل إليها إنشاء مرفأ حديث واستثماره. وقد بوشر فوراً بالعمل واكتملت الإنشاءات الرئيسة سنة 1956. وفي عام 1972 تقرّر توسيع المرفأ وتطويره وذلك على مرحلتين. بدأت أعمال المرحلة الأولى سنة 1976 وهي لا تزال قائمة. ونتيجة الأعمال التي تمّت حتى الآن أصبح المرفأ مكوّناً من مكسر طوله 3162متراً يحمي حوضاً مائياً تبلغ مساحته 145 هكتاراً.
    في نهاية الأربعينات بلغ عدد سكّان اللاذقية حوالي خمسة وأربعين ألف نسمة، ومع بدء العمل في المرفأ أخذ هذا العدد بالتزايد كما أخذ مستوى المعيشة بالارتفاع، وقد تبيّن أن نبع ديفة، الذي ورد ذكره، لم يعد كافياً لاحتياجات المدينة من الماء. لذا جرت محاولات لتأمين الكميّة الإضافيّة الضرورية، الأولى سنة 1953 بجرّ ماء بئرين في قرية دمسرخو والثانية عام 1963 بجرّ ماء آبار ارتوازيّة في موقع الدعتور المجاور للمدينة. غير أن هذه المحاولات لم تعط النتيجة المرجوّة ليس فقط من ناحية الكميّة بل أيضاً من ناحية النوع، فقد ظهرت بعض الملوحة في الماء الوارد من دمسرخو بسبب تسرّب مياه البحر إليه نتيجة الضخّ المستمر. وعلى أثر ذلك اتجهت الأنظار للبحث عن مصدر جديد يؤمّن إرواء اللاذقية للمدى البعيد. فكان مشروع نهر السّن الذي يعدّ من المنجزات الهامة التي تمّت في عهد الاستقلال. ويتضمّن هذا المشروع محطّة لتصفية ماء النهر ومعالجته ومحطّة لضخّ المياه المعالجة ومحطّة لجرّها حتى خزّان اللاذقية على طول حوالي أربعين كيلومتراً. بدأت الأعمال عام 1967 ووصلت مياه نهر السّن إلى اللاذقية لأول مرّة بتاريخ 17 تشرين الثاني 1971.

    ومن بين المشاريع الهامة نذكر أيضاً الخط الحديدي الذي يبلغ طوله 750 كيلو متراً والذي يربط اللاذقية بـحلب وسد الفرات ودير الزور والحسكة، وقد استعمل لأول مرّة بتاريخ 16 تشرين الثاني 1975.

    إذا كان المرفأ الجديد يعتبر أهمّ مشروع من الناحية الاقتصادية بالنسبة للاذقية فجامعة تشرين التي أوجدها الرئيس الراحل حافظ الأسد هي دون شك أهمّ مشروع من الناحية الثقافية عرفته المدينة خلال تاريخها. لقد تضمّن المرسوم التشريعي رقم 12 المؤرّخ في 12 أيار 1971 إحداث جامعة في اللاذقية أطلق عليها فيما بعد اسم جامعة تشرين. وقد بدأ نشاطها العلمي فور إصدار هذا المرسوم وذلك في مبان مؤقّتة خصّصت لها ضمن المدينة، وبقيت على هذه الحال حتى عام 1982 وهو تاريخ انتهاء القسم الأكبر من المباني التي شيّدت من أجلها، وكان عام 1982-1983 أول عام دراسي فيها. تحتل الجامعة مساحة قدرها مئة هكتار وتتألّف من مجموعة من الكلّيات والمعاهد ومن مكتبة مركزية ومدرج كبير ومنشآت رياضيّة ومشفى جامعي ومدرسة للتمريض ومركز للبحوث وحقول تجريبيّة ومبان سكنيّة للأساتذة والطلاب. وهناك أبنية سكنيّة للطلاب شمالي حرم الجامعة ومشفى حديث دعي «مشفى الأسد» تابع للجامعة يقع في وسط المدينة.

    إن الترتيبات التنظيميّة التي قرّرتها بلديّة اللاذقية والأعمال التي حقّقتها في هذا المجال هي التي أحدثت أكثر التغيرات في شكل المدينة العام كما أدّت إلى امتداد كبير في مساحتها. لقد تقرّر أول مخطط تنظيمي سنة 1950 وبدئ في تنفيذه سنة 1952، وتمّ تطويره في عام 1964، ثم تبعته دراسات وتعديلات مختلفة، ومن جهة أخرى أصدرت البلديّة في كل من الأعوام 1961، 1963 و1967 قرارات تتعلّق بامتداد المدينة ووضع حدود إداريّة جديدة لها.

    بموجب كل هذه الترتيبات قسّمت المدينة إلى مناطق عمرانيّة، وفي القسم القديم منها عرّضت بعض الشوارع وشقّت شوارع جديدة، وتمّ تنظيم المناطق المبنيّة مجدداً. أما الحدود الإدارية التي وضعت فقد جعلت المدينة مكوّنة من البقعة الممتدة على طول الشاطئ من رأس اللاذقيّة حتى رأس ابن هاني ويحدّها شرقاً النهر الكبير وينتهي عند الطرف الشرقي من المدينة السياحيّة التي أنشأتها البلديّة في رأس ابن هاني.
    إن اللاذقية تتراءى لنا، في عام 1948، كمدينة يقدّر عدد سكّانها بأكثر من مئتي ألف نسمة وتبلغ مساحتها الإجماليّة ضمن إطار حدودها الإداريّة الجديدة حوالي 2300 هكتاراً، مع العلم أن أكثر من نصف هذه المساحة بقليل غير مبني حالياً وهو يشكّل المناطق المهيّأة للتوسّع. أما المنطقة المأهولة فتتألّف اليوم من الرأس الذي شيّدت عليه المدينة قديما ً وقد امتدّ البناء في السنين الأخيرة حتى طرفه الجنوبي وتتضمّن أيضاً المناطق السكنيّة الجديدة التي تمتد شرقي هذا الرأس وشماله وكذلك حي العائدين والمنطقة الصناعيّة وجامعة تشرين، كما ضمّت إليها كل من قرى دمسرخو وقنينص وبساتين.

    هذه هي قصّة اللاذقية عبر العصور. لقد خرجت إلى الوجود مع ولادة قرية صغيرة فوق تلّ كان ينتصب على طرف رأس يحيط به البحر من جهاته الثلاث. ثم تحوّلت إلى مدينة تحتلّ كامل هذا الرأس، تشقى أحياناً وتسعد أخرى مع توالي السنين والأحداث، إلا أنه رغم الغزوات والزلازل التي تعرّضت لها والتي كانت تلحق بها الدمار، فقد بقيت صامدة تتغلّب على الكوارث وتستعيد نشاطها بعد كلّ محنة، وإذا كانت في القرون الأخيرة قد غدت قرية كبيرة تقبع بعيدة نسبياً عن الشاطئ بجوار الهضبتين اللتين تشكّلان في الجانب الشرقي سوراً طبيعياً لها، نجدها في عصرنا تشهد تطوّراً مفاجئاً وغريباً. فلأول مرّة في تاريخها الطويل تتجاوز الرأس الذي كان مصيرها مرتبطاً به حتى الآن وتمتد شرقاً وشمالاً لتبلغ مساحتها أضعاف المدينة التي أسّسها سلوقس نيكاتور، وهي تواصل تقدّمها بخطى واسعة في طريقها نحو المستقبل.
Working...
X