Announcement

Collapse
No announcement yet.

سنجق اللاذقية التابعاً لولاية طرابلس.في العصر العثماني (1516-1918)

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • سنجق اللاذقية التابعاً لولاية طرابلس.في العصر العثماني (1516-1918)



    اللاذقية في العصر العثماني (1516-1918)


    في القرن السادس عشر قسّمت سورية إلى ثلاث ولايات هي دمشق وحلب وطرابلس، تتألف كلّ منها من عدّة سناجق، فأصبحت اللاذقية سنجقاً تابعاً لولاية طرابلس.
    يبدو أن الحوادث التي مرّت على المدينة في العهود السابقة من زلزال ومعارك وغزوات قد أساءت إليها فالمراجع، دون أن توضّح الأسباب بدقّة، تقول أن اللاذقية كانت في مطلع
    العصر العثماني في حالة خراب، وأن عدد سكّانها قد نقص جداً. ثمّ أخذت تستعيد تدريجيّاً نمّوها وأهميتها. وبنى قصراً لا تزال واجهته الجميلة قائمة (في زقاق في الطرف الجنوبي من شارع الغافقي حالياً) ولا ندري ما إذا كان قصراً أو داراً للحكومة أو خاناً. وفي عام 1693 قام حاكم اللاذقية وهو من أسرة المطرجي بإصلاح أبنية المدينة وإعادة شيء من رونقها وازدهارها. ويستدل من مؤلفات الرحّالة الأجانب الذين زاروا اللاذقية أنها عرفت في أواخر القرن السابع عشر تطوراً اقتصادياً ملموساً بسبب تصديرها التبغ إلى الخارج وبنوع خاص إلى دمياط في مصر.


    نبات التبغ في اللاذقية


    إن التبغ المدخون المعروف باسم «الدخان أبو ريحة» الذي اشتهرت به اللاذقية زمناً طويلاً قد ظهر إلى الوجود عام 1744. في تلك السنة قام أهالي الجبل بعصيان ضد الحكومة في اللاذقية، لذلك لم يتمكّنوا من بيع محصولهم من التبغ إلى تجّار المدينة فعلّقوه في سقف بيوتهم. ولمّا جاء الشتاء وأخذوا يوقدون النار للتدفئة التصق دخانها بالتبغ المعلّق فاسودّ لونه. وفي السنة التالية أصلحوا أمورهم مع الحكومة وباعوا التبغ الأسود إلى تجّار اللاذقية الذين أرسلوه كعادتهم إلى دمياط، وهناك أحبّ الناس الرائحة التي اكتسبها التبغ من الدخان فطلبوا من تجّار اللاذقية أن يصدّروا لهم دائماً هذا الصنف، ومنذ ذلك اليوم راجت سوقه في الخارج وذاع صيته في كل مكان، وهو يعرف حالياً في أوروبا وأميركا باسم «تبغ اللاذقية».
    في أواخر القرن الثامن عشر ألف تجّار اللاذقية شركة أسموها «شركة تجّار التبغ» وكان مقرّها ومركز تخزين بضائعها في بناء كبير قريب من البحر عرف باسم «خان الدخّان» (وهو حاليّاً مقرّ المتحف) ويقول أحد الرحّالة الفرنسيين، وكان قد زار اللاذقية عام 1784، أن المدينة تقوم بتجارة واسعة يتألّف معظمها من التبغ، كما أنه يذكر أن عدد سكانها يتراوح بين أربعة وخمسة آلاف نسمة.
    في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم 29 نيسان 1796 حدث زلزال هائل جداً في اللاذقية هدم معظم أبنيتها وقد تضرّر بنوع خاص القسم الذي يمتدّ من منتصف المدينة حتى البحر، كما أن عدد الضحايا كان كبيراً للغاية. ونرى في مؤلف رحّالة انكليزي زارها عام 1813 أن عدد سكانها يتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف وربما نقص بدلاً من أن يزيد بسبب زلزال 1796. ويتحدّث هذا الرحّالة عن تجارتها بالتبغ المدخون كما يذكر أن السكّان يؤمّنون الماء إمّا من الآبار أو من القرى المجاورة وخاصة من
    بسنادا. وفي 1822 تعرّضت اللاذقية من جديد إلى هزّة أرضيّة ألحقت هي أيضاً أضراراً في الأبنية. وقد هدم هذا الزلزال قسماً من برج المرفأ فتراكمت أنقاضه عند المدخل، وأصبح ضيقاً وعسيراً على دخول السفن وخروجها.
    في مطلع القرن التاسع عشر عاش في اللاذقية الشيخ محمد المغربي. لقد ولد في سوس (تونس) سنة 1773 ونشأ فيها، ثم جاء إلى سورية وبعد أن أقام فترة من الزمن في
    حلب وإدلب استقرّ في اللاذقية حيث لقي ترحابا كبيراً، فاجتذب القلوب ببلاغة الخطب التي كان يلقيها كل نهار جمعة في الجوامع. كان رجلاً صالحاً يرشد الناس بنصائحه الحكيمة، ويدعو دائماً إلى الإخاء والمحبة، وقد توفي بمرض الطاعون الذي انتشر في اللاذقية عام 1828، ودفن فيها وأقيم فوق قبره الجامع الذي يحمل اليوم اسمه.
    إثر حملة إبراهيم باشا على
    سورية بقيت اللاذقية تحت حكم المصريين من سنة 1832 حتى سنة 1840. ويمكننا أن نطّلع على وضع المدينة في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر ممّا يرويه رحّالة فرنسي مكث فيها سنة 1831 وزائر أميركي مرّ بها أكثر من مرّة بين عام 1841 و1845. كانت المدينة في هذه الفترة بعيدة عن البحر تفصلها عنه مساحة واسعة من كروم الزيتون والبساتين، وهذا يدل على أن القسم الغربي الذي هدمه زلزال 1796 بقي غير مأهول وأن المدينة أصبحت تحتلّ فقط القسم الشرقي من الرأس أي البقعة التي تمتدّ مباشرة غربي الهضبتين. أمّا حي المرفأ فكان مستقلاً وبعيداً عنها، وكان عبارة عن مركز تجاري ليس فيه منازل للسكن إنما يتألف من مستودعات ودكاكين، وكانت البضاعة المصدرة هي التبغ والقطن. وكان عدد سكان المدينة يبلغ آنذاك ستة آلاف نسمة، وفيه أحد عشر جامعاً (منها جامع في حي المرفأ) وخمس كنائس، كما كان فيها قنصليات لفرنسا وانكلترا وروسيا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك.
    على أثر تعديل تمّ سنة 1843 في النظام الإداري تحوّلت الحكومة في اللاذقية إلى قائمقام على رأسها قائمقام وبقيت تابعة لطرابلس. وفي سنة 1848 انتشر وباء الكوليرا في المدينة لمدّة ثلاثة أشهر. ومن مصدر يعود إلى سنة 1861 يتبيّن أن المرفأ كان مرتبطاً بخطوط بحرية شبه دورية مع عدد من موانئ شرقي البحر المتوسّط (الساحل السوري الفلسطيني، الإسكندرية، رودوس، ازمير، مرسين، قبرص) وفي سنة 1863 تمّ ربط اللاذقية بسلك التلغراف مع الأستانة وبغداد عن طريق حلب.
    وضع ترتيب جديد للنظام الإداري في نيسان 1865 قسّمت بموجبه المقاطعة التي تشكّل قائمقامية اللاذقية إلى أربعة أقضية على رأس كل منها مدير، مستقلّة بعضه عن بعض وتابعة مباشرة لطرابلس، وهكذا سُلخت عن إدارة اللاذقية أقضية صهيون و
    جبلة والمرق، وأصبحت اللاذقية مركز قضاء على رأسه مدير ويشمل المدينة وساحلها ونواحي البهلولية والباير والبسيط، وصار فيها مجل إداري ومجلس دعاوي ومجلس بلدي، مع العلم أن نصف واردات البلدية كان يدفع إلى بلديّة طرابلس. إما المدينة فقسّمت إلى ستة أحياء هي الشيخ ضاهر والعوينة والقلعة والشحّادين والصليبة، وأصبح كل حيّ يشكّل دائرة عل رأسها لجنة مؤلّفة من مختار وأربعة أعضاء. وفي السنة نفسها تم توسيع أسواق المدينة بهدم مصاطب الدكاكين البارزة عن أبوابها، كما رصفت الأزقّة على حساب الأهالي بالحجارة الخشنة المحدّبة.
    أوفدت حكومة الولاية إلى اللاذقية عام 1866 موظفين كلّفوا بإحصاء عدد سكانها ومسقفاتها لترتيب رسم التمتع عل الأهالي. وتبيّن من هذا الإحصاء أن عدد سكان المدينة في تلك السنة بلغ 11200 نسمة، وأنه كان يوجد فيها 1363بيتاً للسكن و828 دكانا مخزناً.
    في سنة 1867 أصبح حكّام الأقضية يحملوا اسم قائمقام عوضاً عن اسم مدير. وفي السنة نفسها عقد في بيروت اجتماع ضمّ جميع متصرّفي المقاطعات وعدداً من وجوهها ووجوه الأقضية للنظر في أمور مدن سورية. فاغتنم أهل اللاذقية هذه الفرصة ليتقدّموا إلى الوالي بعريضة يطلبون فيها جعل مدينتهم مركز متصرّفية فلم تنل وقتئذ مساعيهم إلا نتيجة محدودة هي إلحاق قضاء صهيون باللاذقية.
    هناك مصدر يفيد أنه خلال عام 1872 دخل إلى المرفأ 111 باخرة و676 مركباً. أمّا البضائع المصدّرة فكانت آنذاك التبغ والقطن والحبوب والأسفنج.


    المتحف الوطني في اللاذقية
    خان الدخان


    أصدرت السلطة العثمانية في نيسان 1874 قراراً بحصر التبغ في اللاذقية، وعلى الأرجح كان مقرّ إدارة الحصر في خان الدخّان الذي مرّ ذكره.
    وفي سنة 1875 ظهر وباء الكوليرا في اللاذقية وكان عدد الإصابات كبيراً جداً ممّا دفع البعض إلى الفرار إلى القرى المجاورة.
    في عام 1879 عيّن مدحت باشا والياً على سورية وكان يمتاز بالحزم والإقدام ويرغب فعلاً بإجراء إصلاحات في المنطقة التي تحت سلطته. فأراد بعض أهالي اللاذقية أن يثيروا من جديد موضوع رفع المدينة إلى رتبة مركز متصرّفيه، فقدّموا له مذكرة بهذا الخصوص. وفي أوائل شهر حزيران من السنة نفسها وصل إلى اللاذقية نبأ موافقة السلطة العثمانيّة عل هذا الطلب فعمّ السرور أرجاء المدينة، وفي شهر تموز وصل على ظهر باخرة أو متصرّف وهو أحمد الصلح من أهالي صيدا واستقبل استقبالاً حافلاً. وفي شهر آب وصل إلى اللاذقية عن طريق البحر الوالي مدحت باشا وأقام فيها بضعة أيّام بقيت المدينة خلالها مزيّنة بالأعلام، وأقيمت على شرفه الاحتفالات والمآدب وتضمّنت الخطب التي ألقاها إرشادات إلى الأهالي يحثّهم فيها عل التآخي والمحبة بين جميع المواطنين والسهر على مصلحة مدينتهم ونظافتها ونموّها. وفي أثناء إقامته تفقّد عن كثب أوضاع المدينة وأسواقها كما نظّم تقسيمات المتصرّفية الجديدة التي أصبحت تتألّف، علاوة على المركز، من ثلاثة أقضية هي صهيون وجبلة والمرقب.
    ألحقت متصرّفية اللاذقية عام 1893 بولاية بيروت، وفي هذه الفترة بلغ عدد سكان المدينة 22000 نسمة، وفي عام 1905 قام متصرّف اللاذقية شكري باشا بأعمال تنظيميّة هامة. لقد ذكرنا أنه عل أثر زلزال 1796 أصبحت المدينة منحصرة في البقعة الشرقية من الرأس وكانت المنازل فيها متراصة. فرأى المتصرف أنه يستحسن مد المنطقة المسكونة غرباً وذلك ببناء البقعة الواقعة بين المدينة والبحر والتي كانت عبارة عن كروم وبساتين، فأمر بتخطيط شوارع في هذه البقعة ليشجع الأهالي على بناء منازل فيها وأخذت فعلاً تبنى تدريجيّاً. كما أمر أن تشيّد في هذا القسم بالذات دار الحكومة التي عرفت باسم «السرايا» والتي بقيت مركز الدولة حتى انتقال الدوائر الرسمية الرئيسة إلى القصر البلدي الحالي في شهر آب من عام 1972.
    كان الأتراك لا يزالون في اللاذقية عندما بدأت فرنسا وانكلترا فيما بينهما المفاوضات حول المناطق التي ستُخرِجان منها الأتراك. وبموجب اتفاقية سيكس بيكو المعقودة سرّاً في أيار 1916 أصبح الساحل السوري ضمن المنطقة المخصّصة للفرنسيين. وقد غادر اللاذقية آخر الموظفين الأتراك في 9 تشرين الأول 1918.
Working...
X