Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأديب علي حسين خلف (1945-1996) قاص وروائي أردني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأديب علي حسين خلف (1945-1996) قاص وروائي أردني

    علي حسين خلف (1945-1996)

    ولد علي حسين خلف في قرية قومية/ بيسان في 31/5/1945. نزح مع أسرته على أثر نكبة 1948 إلى الأردن. عاش في إربد وتلقّى تعليمه الابتدائي والثانويّ فيها. التحق بجامعة عين شمس في القاهرة، وتخرّج فيها عام 1968، وعمل معيداً في الجامعة نفسها (1973-1976).
    عمل مديراً لتحرير جريدة أكتوبر اليومية في عدن من سنة 1970-1972. تولى مسؤوليّة القسم الثقافي في مجلة "الحريّة" في بيروت من 1976-1980. أسّس داراً للنشر والتوزيع "دار ابن رشد" في عمان، عام 1983، وتوفي في عمان بتاريخ 12/2/1996.
    مؤلفاته
    * القصة:

    1. خذوني إلى بيسان، دار ابن رشد، بيروت، 1977.
    2. الصهيل، ط1، اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، بيروت، 1981، ط2، دار الأسوار للطباعة والنشر، عكّا، 1981، ط3، رابطة الكتّاب الأردنيين، عمان، 1983.
    3. الغربال، دار ابن رشد، عمان، 1983.
    4. الحسّون يكشف السرّ/ قصّة للأطفال، دار ابن رشد، عمان، 1994.
    5. مدن وغريب واحد، ط2، دار ابن رشد، عمّان، 1985 ، ط2، دار الحوار، اللاذقية، 1986.
    6. ممر ضيق إلى سفوان، دار ابن رشد، عمان، 1993.
    7. طيور الجنّة، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1998.
    * الرواية:
    1. عصافير الشمال، دار ابن خلدون، بيروت، 1980. ط2، رابطة الكتّاب الأردنيين، دار الكرمل، 1997.
    2. حافّة النهر، دار ابن رشد، عمّان 1989.
    3. نجم المتوسّط، ط1، دار ابن رشد، عمان، 1993.
    * الدراسات والمقالات:
    1. حصار تلّ الزعتر: شهادات وتحليل، ط1، د.ن، بيروت، 1976، ط2، دار ابن رشد، عمّان، 1985.
    2. توفيق عبد العال: الخطّ، اللون، التصميم، ط1، د.ن، بيروت، 1980، دار ابن رشد، عمّان، 1985.
    3. أبو سلمى زيتونة فلسطين، ط1، اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، بيروت، 1980,
    4. فلسطيني في برلين شمالاً إلى بحر البلطيق، دار العودة، بيروت، 1982.
    5. الحصار، يوميّات، بيروت 82 · وصدر عن دار ابن رشد، عمّان، 1983.
    6. تجربة الشيخ عز ّالدين القسام، جـ1، دار ابن رشد، عمّان، 1984. ط2، دار الحوار، اللاذقية، 1986.
    7. الحضارة الكنعانية والتوراة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999.
    * من مراجع ترجمته:
    1. رضوان (عبد اللّه): بالاشتراك مع محمد المشايخ، انطولوجيا عمان الأدبية، منشورات أمانة عمان الكبرى، 1999.
    2. شاهين (عمر): موسوعة كتاب فلسطين في القرن العشرين، دائرة الثقافة، منظمة التحرير الفلسطينية، 1992.
    3. المشايخ (محمد): الأدب والأدباء والكتّاب المعاصرون في الأردن، مطابع الدستور التجارية، عمان، 1989.
    قصّة الحصان الأخضر
    منذ يومين وأنا أتحرَّق شوقاً لأن أقول له إنّه غبّي وبليد وأحمق، حتى لو أدّى الأمر إلى احتجازي في القبو الرطب. هو يعرف أنّه لا يستطيع شراء لساني بعلبة سردين، وأنا أعرف أن ابتسامته كمين منصوب لاصطيادي في مأزقٍ ما. بيني وبينه أربع ساعات من الانتظار المنفرد في خيمة تطلّ شقوقها على البحر، حتّى يحين موعد نوبة الحراسة.
    شعرت للحظة أنّني حزمت أمري وقرّرت أن تكون الليلة آخر نوبة حراسة أمضيها في الكتيبة. ففي جلسة الغد سأضعه بين خيارات صعبة، فإمّا أن يختار معدته وشهوته للتسلّط، وإما أن يختار الارتقاء بجسومنا الناحلة والتطلّع إلى ما نعانيه.
    شككت في قدرتي على مجابهته ووددت لو أستطيع الآن أن أركض تحت المطر باتجاه الشاطئ، فأغرق حذائي وأطراف البنطال في الموج، حتّى أعود إلى الخيمة وأجد ما أفعله قرب موقد الحطب. وتراءى لي أنّه بمقدوري أن أركض نحو البلدة وأقرع بابا، فتهرع "دالية" وعلى صدرها يرفّ القلب الذهبي الذي كتبنا عليه ذات يوم، الأحرف الأولى من اسمينا.
    جنون المخاطر كفّ يدي عن ارتداء "البوت" وتعلّقت بفتيلة السراج والندب البنيّة الداكنة في سقف الخيمة، ولعلّي أحسست حينها بالاختناق، بحجر يتدحرج من رأس التلّة إلى صدري، وبوجه ينبثق من الحجر ويرمي بثقل يديه على فمي. إنّه حمدان، قائد الكتيبة بلحيته الغبراء، وعيونه المحشوّة بالخداع، لكن الحجر نما وتمدّد حتّى كاد يغلق باب الخيمة، فلمحت فيه وجه ضرغام، قائد الثكنة المجاورة، وهو يصطاد المارّين على الحاجز واحداً وراء الآخر.
    كانت كتيبتنا عبارة عن خيام مموّهة تحت الأشجار، تمتّد أطرافها إلى ماء البحر، وتحاذي بوّابتها تلك القرية قرب الشارع الرئيسي. أثناء زيارتنا للقرية نمرّ إلزامياً على حاجز الثكنة، نحيّي الجنود ونعبر إلى حانة صغيرة في الجوار. وعندما نعود يحجزنا قائد الكتيبة في القبو، هكذا كنّا نسمّي ملجأ اعتباطياً شيّد تحت غرفة من الطوب استخدمت مقرّاً لقيادة الكتيبة.
    بيني وبين نوبة الحراسة أربع ساعات. حاولت التحديق من شقوق الباب، فلم أتبيّن سوى سيجارة الحارس وهو يستظلّ بسقيفة من أغصان الأشجار. تخيّلته وحده يصحو ويدخن في سهل من النيام، وتساءلت: لماذا نصحو وحدنا في موعد نوم الآخرين؟ وهل الحراسة تساوي الأوعية الدموية المعطوبة وتوتر الجهاز العصبي؟
    نائب قائد الكتيبة- وهو عامل مطبعة قديم- كان يقول إننا نحرس الأمة ونمنع عن رقبتها سكّين الغزو، على أمل أن تنهض ذات يوم مستعيدة وقتها الضائع، نحن لا نحرس الأشجار والخيام المموهة وأطقم الكاكي، فنوبة الحراسة هي لحظة اختبار بين الإنسان وضميره. كان يخجلنا نائب قائد الكتيبة، وكنا نلقبه بالمفتاح، فألسنتنا تقصّر في حضرته، تختبئ في حلوقنا، لأنه يمثّلنا أمام قائد الكتيبة وينتقده بصرامة ووضوح، ويرفض- حين نعود من دورية الاستطلاع التي يقودها- أن نثمّن شجاعته وحكمته وأي عمل مميّز يقوم به. حتى الثكنة المجاورة وقائدها، لا تحسب حساباً إلا له، فيرتعش جنود الحاجز حين يشاهدونه على الأسفلت، ويؤدّون التحيّة رهبة، ويلعنونه عندما يتوارى خلف بيوت القرية. لم يستطع جندي كلّف باغتياله أن يطلق دون أن ترتعش يده، فطارت طلقة في الهواء سحبت جنديّاً من الثكنة إلى القبو الرطب. وعجبنا، بعد الذي حدث، كيف يواظب المفتاح على زيارة الجندي في القبو ويمضي الساعات معه، حتى صار صديقاً، فأطلقوا سراحه وعاد إلى الثكنة.
    بيني وبين نوبة الحراسة وجه "دالية" وضحكاتها الرطبة ونحن نفترش سقف الأفق فوق التلّة. نرسم على الأرض همومنا داخل أجمة من الأشجار، تنفرج شقوقها على الجهات الأربع، منها يطلّ البحر بعناده العجيب على مخاصرة سفح التل، وتبدو خيام الكتيبة مثل وشم في جبهة الأرض، ومن بعيد تلمع أضواء مستعمرة "المطلّة" وخلفنا طريق ترابي طويل طويل يمتدّ إلى مدينة صور. أنا - بنظرها- الحصان الأخضر الذي يأتي عند الفجر فيحملها على ظهره ويطير إلى البراري البعيدة فينقذها من ملل البيت ورتابة الطقوس، ووجه ضرغام، وهي- بنظرِي- الحصان الأخضر الذي يطرّز واقعنا الجافّ بسنابكه الذهبية وجبهته المشرقة. حصان أروّضه على اجتياز الحواجز فيقفز فوق الحفر والأنهار والحدود حتى يغدو علامة فارقة في جبين صباحاتٍ آتيةٍ كلَّ صيف. ولعلّنا نسينا أنّ الحصان الأخضر هو اللقب الثاني لنائب قائد الكتيبة، قبل أن نستبدله بالمفتاح.
    "دالية" دائمة التخيّل إنّها تمشي فوق الماء، فتفيق فزعة وهي ترى سمك القرش على هيئة وجه قائد الثكنة ضرغام. ساعتئذ تستعيد دم أبيها المقتول في بلدة "الخيام"، وتكتب اسمه على قصاصة ورق تقذفها في نهر الليطاني حتّى صار خيالها كلّ صباح يمشي مع النهر إلى مصبّه، منتظراً ظلال الغروب التي تتحوّل إلى حصان أخضر يصهل في البحر الواسع ويضيع في المدى. سألتني مرّة: من أين يأتي المطر؟ من أين تخرج العاصفة؟ لم أجب لأنّ دمعة تسلّلت من أرنبة أنفها إلى التربة الطينية. قال الفلاحون، وهم يصفون مقتل أبيها، احنوه فانحنى قرب سلسلة حجرية تسوّر كرم تين وعنب، وقف كفرس البحر فانفتح الماء حوله وتباعد الجنود، وحين تكاثروا عليه سدّ الماء رأس فرس البحر ولمعت حربة بالدم القاني وقهقه الجنود.
    بيني وبين نوبة الحراسة أربع ساعات هي فترة اختيار مرّ، بين أن أنسحب بصمت، تصفعني تعليقات قائد الكتيبة بالتساقط وإضعاف الروح المعنويّة، ومعنى ذلك أنْ أرفض نوبة الحراسة بحجةٍ ما، وبين أَنْ أواصل رفقة نائب قائد الكتيبة وهو يقول: نوبة الحراسة هي اختبار للمرء على يقظة ضميره، فنحن لا نحرس الأشجار وإنّما نحرس الأمّة النائمة حتى تفيق.
    أشعلت سيجارة، ما زلت أذكر ذلك، ويدي تتراخى إلى جوار المقعد، والمطر لا يتوقّف عن الانهمار حتّى أطلّ رأس الحارس من بين أزرار فتحة الخيمة، والماء يتساقط على معطفه، وهو يقول: جاء دورك، أرجوك استعجل، أريد أن أنام. نهضت معتمداً على يده، وشاهدته يختفي في الظلمة، وأنا أتّجه نحو سقيفة أغصان الشجر.

Working...
X