Announcement

Collapse
No announcement yet.

الألماني العظيم يوهان فولفغانغ غوته والمفكر السوري أدونيس

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الألماني العظيم يوهان فولفغانغ غوته والمفكر السوري أدونيس

    بين غوته وأدونيس
    حسونة المصباحي
    كان الألماني العظيم يوهان فولفغانغ غوته "1749 ـ 1832" متعدد الاختصاصات. فقد كان روائيا، وكاتبا مسرحيا، ومفكرا قديرا، وشاعراً اخرج الادب الالماني من محليته الضيقة، مانحا إياه ابعادا كونية تماما مثلما فعل شكسبير بالنسبة للادب الانجليزي.
    والی جانب هذا كله، اهتم غوته بالعلوم الطبيعية، وبالكيمياء والفيزياء والرياضيات والتنجيم، وبمجالات اخری كثيرة ومتعددة، وكان اول شاعر ألماني يهتم بالشرق وبالثقافة العربية، والفارسية وبالاسلام في جوانبه الحضارية والثقافية، وينعكس اهتمامه هذا في كتابه الشهير "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" الذي نقله الی العربية الراحل عبد الرحمان بدوي.
    وقبل ان يؤلف هذا الكتاب كان غوته قد تعمق في دراسة القرآن ودرس آداب الفرس فقرأ قصة "المجنون وليلی" التي ألفها الشاعر الفارسي الشهير نظامي. كما قرأ أشعار حافظ الشيرازي وأشعار العديد من الشعراء العرب قبل الاسلام وبعده.
    وعن هجرته الخيالية الی الشرق كتب غوته في "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" يقول:
    "دعوني وحدي مقيما علی سرج جوادي،
    واقيموا ما شئتم في دياركم ومضارب خيامكم.
    اما انا فسأجوب من الانحاء قاصيها علی صهوة فرسي،
    فرحا مسرورا لا يعلو علی قلنسوتي غير نجوم السماء.
    وفي مقطع اخر من هذا الديوان يقول غوته:
    لله المشرق
    ولله المغرب
    والشمال والجنوب
    يستظلان بالسلام بين يديه
    وكان اهتمام غوته بآداب وثقافات الامم الاخری ينطلق من فكرة اشتهر بها في زمنه، وترمي هذه الفكرة الی محاولة الجمع بين آداب الامم كلها.
    وفي هذا العام 2011 حصل الشاعر العربي الكبير ادونيس علی "جائزة غوته" التي تمنح مرة كل ثلاثة اعوام.
    وهو اول عربي ينال هذه الجائزة المرموقة التي نالها من قبله ادباء وشعراء من اوروبا وامريكا وآسيا يجمع بينهم جميعا الاهتمام بالثقافات العالمية.
    وهذا الجانب جانب الاهتمام بالاداب العالمية، يختص به ادونيس، فمنذ سنوات شبابه خصوصا بعد انضمامه الی اسرة تحرير مجلة "شعر" في الخمسينات من القرن الماضي، لم ينقطع ادونيس عن الاهتمام بالاداب العالمية القديمة والحديثة علی حد السواء.
    وهذا الاهتمام هو الذي دفعه الی المشاركة الفعالة في تقويض البنية الكلاسيكية للقصيدة العربية، مؤسسا بنية جديدة تنسجم مع العصر.
    وقضاياه ورؤاه الجمالية والفلسفية وايقاعاته، ولم يفعل ذلك في قصائده فقط. بل عبر عنه في كتاباته النقدية الكثيرة التي تعد من اعمق الكتب النظرية في مجال الشعر عرفتها ثقافتنا العربية خلال القرن العشرين، وصحيح ان هناك شعراء اخرون شاركوا ادونيس في بعث القصيدة العربية الحديثة، غير انه لا احد منهم عبر عن ذلك نظريا وفكريا مثله، في كتابه "زمن الشعر" كتب ادونيس يقول: "اقول دائما ان علی الشاعر العربي الجديد ان يتأهل حتی الغربة.
    واعني بهذه العبارة ان الشاعر العربي الجديد حقا لابد ان يكون متأهلا في التجربة العربية بابعادها الشاملة في نارها، في لهبها، لكن الی درجة الغربة عن نمطية التعبير عنها، أي عن الاثافي وعن الرماد، وفي نفس السياق يضيف ادونيس قائلا: "الشعر التجريبي العربي هو وحده الشعر الجديد وهو وحده، الشعر الثوري، انه اولا، ليس متابعة ولا انسجاما ولا ائتلافا وانما هو علی العكس اختلاف. وهو ثانيا بحث مستمر عن نظام اخر للكتابة الشعرية، وهو ثالثا، تحرك دائم في افق الابداع لا منهجية مسبقة، بل مفاجآت مستمرة وهو رابعا ليس تراكما كما هي الحال في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بل بداية دائمة، فقيم الشعر ليست تراكمية بل انبثاقية. وهو اخيرا، تحرك دائم في افق انساني ثوري، من اجل عالم افضل، وحياة انسانية ارقی".
    وتدل كتابات ادونيس النظرية علی عمق فلسفي وفكري لا تجد له مثيلا عند الشعراء العرب الاخرين، وهو لم يتعمق فقط في دراسة اعمال الفلاسفة القدماء سواء من اليونان او من العرب او من الرومان وانما هو اولی اهتماما كبيرا للفلاسفة المفكرين الذين اثروا تأثيرا ملحوظا واساسيا في العصور الحديثة.
    ففي فترة التأسيس للقصيدة العربية الحديثة تأثر ادونيس بنيشه، وقد انعكس ذلك التأثير في مجموعته الشعرية الشهيرة: "اغاني مهيار الدمشقي".. فمثل زرادشت، كان مهيار يصلح لعالم جديد لا يمكن ان ينهض ويتأسس الا علی انقاض العالم القديم.
    وفي العديد من كتاباته النظرية الاخری. خصوصا في "المحيط الاسود" نلاحظ ان ادونيس درس بعمق الفلاسفة والمفكرين المحدثين الفرنسيين منهم بالخصوص من امثال فوكو وليفيناس وبودريار وبورديو ورولان بارت ولم يكتب ادونيس الرواية والمسرحية مثلما فعل غوته.
    لكنه اهتم مثله بالموسيقی وبالفن المعماري وبالطموح الی كتابة الاثر الخالد، وهذا ما حاول ان يفعله في اجزاء "الكتاب" الثلاثة والتي سعی فيها الی قراءة التاريخ العربي المعاصر من خلال التاريخ العربي القديم مزيلا عن هذا الاخير سمات المجد التي يتعلق بها الكثيرون، كاشفا عن عتماته وعن جوانب الظلم والقهر والاستبداد التي طبعته في اطوار مختلفة من انظمة الحكم التي عرفها العرب منذ ظهور الاسلام وحتی انهيار الامبراطورية العباسية.
    وفي زمن السكون والصعود والجمود في حياة العرب المعاصرين، لم ينقطع ادونيس عن تحريك السواكن، مهاجما بشدة النظام السياسي والفكري والديني القديم منتقدا اياه محاولا استنهاض الهمم بهدف بعث ثقافية عربية انسانية جديدة تماما مثلما فعل غوته بالنسبة للثقافة الالمانية قبل ثلاثة قرون.. في "زمن الشعر" كتب ادونيس يقول: "ليس التراث مركزا لنا ليس نبعا وليس دائرة تحيط بنا. حضورنا الانساني هو المركز والنبع!".

Working...
X