Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأديب ( محمد سناجله ) روائي وقاص أردني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأديب ( محمد سناجله ) روائي وقاص أردني

    محمد سناجله

    ولد محمد سناجله في دير السعنة/إربد عام 1968، حصل على بكالوريوس طب (تخصص صحة بيئية وصحة مهنية) من جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 1991، يعمل محرراً غير متفرغ في جريدة الراي الأردنية منذ عام 1997، وعمل محرراً ثقافياً بمجلة شرقيات 2001-2002، له زاوية متخصصة في مجلة أفكار بعنوان (أفكارنت) حصل عام 2001 على جائزة افبداع العربي للرواية من دبي عن رواية ظلال الواحد، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وهو مالك مؤسسة سناجلة الثقافية الدولية التي يحتوي موقعها على الإنترنت موسوعة الأدب الأردني والتي تشتمل على زوايا (الرواية والقصة والشعر الأردني).

    مؤلفاته:
    1. وجوه الغروس السبعة (كحلي) (د.ن) عمان، 1995
    2. دمعتان على خد القمر (رواية) دار أزمنة، عمان، 1996.
    3. ظلال الواحد (رواية) المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001.
    4. رواية الواقعية الرقمية في التنظير النقدي، مبثوثة على موقعه الإلكتروني:
      WWW.sanajlehshodows.8k.com



    قصة:
    قلبان وشبح ووردة بيضاء
    محمد السناجلة
    "1"

    نظر من النافذة نحو السماء، كانت الشمس تغيب، مرسلة حمرتها القانية على رؤوس أشجار الزيتون واللوز في الكروم التي تمتد بعيداً في سهل حوران الرحيب.
    تأمل فيها قليلاً ثم عاد إلى داخل الغرفة، توجه ناحية الباب وأغلقه من الداخل ثم اتجه صوب خزانة ثيابه، فتحها وتناول منها بدلة سوداء وقميصاً أبيضاً وكرافتة مخططة بالأسود والأحمر وتوجه ناحية المرآة الصغيرة المعلقة على جدار الغرفة المغطى بورق جدران يأخذ شكل ورود بيضاء صغيرة. خلع منامته وهو يتأمل في صورة وجهه في المرآة، وجه عجوز في السبعين، خرفان كما يقول عنه أولاده وأحفاده، تذكر بأسى دامع.
    أنهى لبس البدلة وساوى ربطة عنقه بحذر وعناية حتى إذا ما انتهى واطمأن إلى إناقته، اتجه بحذر ناحية الباب المقفل وأصاخ السمع جيداً، لم يسمع أي صوت، فتنهد بارتياح ثم اتجه صوب النافذة من جديد.
    كانت الشمس قد أكملت مغيبها، نطر إلى الأسفل ثم قاس بعد النافذة عن الأرض، ليس أكثر من متر ونصف، ليست بالكثير على شاب، لكنها بالتأكيد أكثر قليلاً من الكثير على عجوز مثله.
    قاس المسافة من جديد بعينيه اللامعتين، بريقهما بريق شباب، ثم ببطء وحذر شديد مد جسده من النافذة، مبتدئاً بالرأس والصدر، معتمداً على ساعديه، ثم مد قدمه اليسرى، وأخرجها بجهد وعناء، مرتكزاً على حافة النافذة مخرجاً إياها إلى الحافة السفلى للنافذة، ارتاح قليلاً ثم أخرج الساق اليمنى ووضعها على الحافة الأخرى، فأصبح جسده بأكمله في الخارج، بزاوية 45 درجة، متكوراً ومنبعجاً. قاس البعد من جديد متذكراً آخر الدروس. أصابع القدمين أولاً ثم المشط والكاحل، زم شفتيه وأغمض عينيه متنفساً ملء صدره وبوحي رباني ومساعدة إبليسية قفز القفزة الأخيرة في الفراغ اللامتناهي....
    "2"
    في وسط السقف المزخرف باللون الذهبي على شكل وردة كبيرة، تتدلى مروحة، تئز بصوت خفيف ناشرة الهواء البارد على مساحة الغرفة الواسعة، المغطاة جدرانها بورق ديكور يأخذ شكل ورد بيضاء متكررة كتلك التي على السقف، يقطع تكرارها لوحة كبيرة مقلدة لمايكل أنجلو، تصور المسيح محاطاً بتلاميذه. فيما ينتشر على مساحة الغرفة الواسعة طقم جلوس يتكون من كنبات زرقاء اللون، يتوزعه رجلان وشاب وامرأة منفوخة البطن، يجلسون جميعاً متقابلين في الزاوية اليمنى من الغرفة.
    قالت المرأة: أن هذا حقه الشرعي.
    انتفض الشاب – أي حق هذا وفي مثل هذا العمر.
    قال الرجل الكهل: ماذا سنقول للناس.
    قال الأوسط سناً: أنها فضيحة وعليها شهود.
    قالت المرأة مترددة: لكن.... لكنكم لا تستطيعون منعه إذا أراد.
    هبّ الشاب واقفاً – بل نستطيع.
    قالت المرأة بهدوء: كيف.
    قال: الكهل: نحاول إقناعه.
    ردت المرأة: لكنه مصمم وأنتم تعرفون العجوز إذا صمم.
    قال الأوسط: نمنعه بالقوم إذا لزم. كله ولا هالفضيحة.
    قالت المرأة موضحة: أن القوة هنا لا تنفع، إذا استخدمت القوة ستكون الفضيحة أكبر.
    استفهم الشاب ببلاهة: كيف.
    رد الكهل وهو ينفخ بحيرة – سيقول الناس عنا أننا أبناء عاقون، يأخذون والدهم بالقوة.
    تساءل الأوسط بحيرة بادية – إذا ما العمل... ما العمل.
    ردت المرأة مسترخية في الكرسي الوثير مريحة بطنها المنفوخ بين يديها – رأيي أن نتركه يفعل ما يريد.
    رد الأوسط بيأس: لكنها ستكون المرة الرابعة.
    قال الكهل بتوكيد: لا لن نتركه يتزوج مرة أخرى، هذا لا يمكن، إذا فعلها ستذهب بما تبقى لدنيا من أرث.
    قال الأوسط: ولا تستبعدوا أن يأتي أولاد تلك العجوز الشمطاء ليقاسمونا في مالنا.
    قالت المرأة: لقد قلت رأيي، لا يوجد حل غير هذا.
    قال الشاب بحماسة: بل يوجد.
    تطلعوا جميعاً إليه.
    نحجز عليه في المحكمة ونقول أنه عجوز خرفان.
    طنت الكلمة في أذنيه كهدير مدفع وهو يفتح باب الغرفة ويدخل متكئاً على عصاه، محنياً بثقل سنواته السبعين.
    خرسوا تماماً عندما شاهدوه بالباب. عجوزاً وهرماً، تطلع فيهم جميعاً قاسهم بعينيه، عيني صقر لم يذهب بريقهما بعد، أرعبتهم النظرة، ركز عينيه في الصغير فأغضى وهو يشعر برجفة تهزه بفعل العينين العجوزتين.
    تراجع قليلاً وببطء أغلق الباب وغادر الغرفة من غير أن ينبس بكلمة واحدة.
    "3"
    خرفان..
    طفلاً صغيراً كان، ملائكي النظرات، شقي الحركة، أصابه المرض، صرع الأطفال كان، يصحو في الليالي السوداء يبكي بحرقة، يشكو ألماً ممضاً في الرأس، يتراءى له القمر شبحاً يمد له يديه الخرافيتين ليخطفه، يصحو مرتكباً يبكي ولا يهدأ إلا بين أحضاني، إقرأ له الصمدية والفلق فيهدأ وينام.
    في الصباح حملته بين ذراعي، أخذته إلى أفضل الأطباء، دفعت عليه كل ما أملك ولم يكن الكثير حينها، استدنت، بعت ما ورثته عن أبي من أرض قليله حتى شفي.. طفلاً كان ويقول عني خرفان.
    وهل في الحب من خرف.
    زينه كانت وردة، أحببتها منذ كنت طفلاً وكبرت، وكبرت الوردة، وأينع القلب أزهاراً ومواويل، تواعدنا، التقينا وتعاهدنا. حبا ما زال. لوعة أول حب...آخره. أول موعد.. أول لقاء... أول قبلة على الخد كانت.... جمرة في القلب تكوي ذكراها. ثم دارت بنا الدنيا دورتها، أضعتها في زحمة الطريق، جاء الوحش وخطفها مني ومضى.
    بحثت عنها في كل نساء الدنيا، تزوجت ثلاث مرات، أنجبت أولاداً، وأولادي أنجبوا أولاداً، بحثت عنها في النساء، في الأولاد، في الأحفاد، في المال، وفي المقاهي الكثيرة في زوايا المدن الغربية، بحثت عنها في كل مكان، ودوماً كان يرجع الصدى، وحشة الموت في صدر الغريب.. القريب.. يتساوى الغريب والقريب وأنت على حافة القبر.
    فجأة وجدتها أمامي عجوزاً مثلي، رسمت السنون على وجهها الرسوم، التقينا من جديد، نعم غيرتنا الأيام، شيبتنا، لكن الجذوة في الصدر أبداً لا تشيب.
    ويدور الزمان ليقولوا عني خرفان، وليحجروا علي ليأخذوا ما لم يجمعوه، ويدفئوا بطون نسائهم به، لم يتعبوا فيه ولا جعلتهم يوماً يتعبون، لم يجوعوا ولا تشردوا في الشوارع، وفي الليالي الباردة لم يفترشوا الأرصفة، ولا نبشوا في حاويات القمامة عما يقيم الأود. أتذكر، طردني والدي من بيته أنا وزوجتي الأولى، لم يكن لدي قرشاً واحداً، استصلحت رحمها الله فراً قديماً ومهجوراً كان في بيت عمها، بيضت جدرانه وأحضرت حصيرة من قش وفرشته بها، قالت رحمها الله في كل ساعة وفي كل يوم، أمضي ولا تخشى علي.
    مضيت إلى الزرقاء، قالوا إنها مدينة جديدة تُبنى، فيها عمل كثير، ذهبت غريباً ابن قرية، لا يعرف أحداً في مدينة غريبة، عشت أيامي وحيداً، في الليل أفترش الشوارع وألتحف السماء الباردة وفي الصباح أذهب إلى سوق العمال، أنتظر حتى يأتي أحدهم ويستأجر شبابي الفتي بثمن بخس، خمس وعشرون قرشاً في اليوم، عدت بعد الشهر وأنا أحمل الخبز والزيت واللبن.
    لم يجوعوا يوماً لا ولا افترشوا الشوارع.
    خرفان.......
    لو يأخذوا كل هذا العفن ويتركوني لزينة
    *من مجموعة "وجوه العروس السبعة".

Working...
X