Tweet
معروف شقير: النحت وعي جمالي لمفردات الحضارة
السويداء أثر من روعة التجدد والرسوخ
دمشق ـ المفتاح ـ علاء الجمّال
يعدّ النحات "معروف شقير" من مؤسسي وجهة النحت الفطري في السويداء معتمداً على خامة البازلت لإبراز جماليات الشكل المتخيل الممتد في تشكيليه البصري إلى التاريخ والأسطورة تارة والطبيعة تارة أخرى، فبات عمله النحتي المعاصر بتعبيريته الفطرية ودلالات رموزه محوراً للحديث وركيزة معرفية في دراسة الكتلة وأبعاد الشكل والتكوين.
"شرفات" زارت النحات "شقير" في بلدة "القريا" وأجرت بحثاً حول خصوصيته في تكوين العمل النحتي وفلسفته في تحليل للشكل المتخيل، فكان الحوار التالي:
* حدثنا في البداية عن النشأة الأولى مروراً بعملك النحتي؟
** نشأت وسط أسرة فقيرة، مكونة من عشرة أفراد أنا أكبرهم، لم نكن نملك أرضاً أو بيتاً فكان العناء والعمل مبكراً، هجرت دراستي الأكاديمية "للجغرافيا" متجهاً إلى بعض الدول طلباً للرزق، فكانت رحلتي الأولى مع النحت فما من دولة زرتها إلا وزرت متاحفها ومواقعها الأثرية وهناك أستذكر مشاهد من طفولتي.. اهتمامي بجمع العملات القديمة والفخاريات.. وتأملاتي لمدينة "بصرى" الأثرية القريبة من بلدتنا، أزورها وأستظل بفيء مدرجها الضخم، أتمعن في تلك الآثار وذاك البناء الهندسي الرائع، وأتساءل: كيف بنيت هذه الحضارة ومتى؟ كيف كانت حياة الناس فيها وما هي سماتهم؟
أما الجواب فيسمعني يقيني إياه: «انحت الحجارة السوداء كما نحتها الأقدمون، تجد الجواب لأسئلتك وينالك من علمهم إرثاً تكتفي به» فحسمت هذه الهواجس خياري وقررت أن أصبح نحاتاً متميزاً في حياتي وعملي فكانت تجربتي الأولى مع النحت عام 1973 بتكليف من والدتي أن أنحت لها جرناً مقعراً من حجر البازلت لتحضير وجبة الكبة النية.
* ماذا عن اهتمامك بالأشكال النحتية النصبية والمشروعات التي نفذت منها؟
** بعد دراستي لحجر البازلت امتد بي الفكر إلى تشكيل الأعمال النصبية كونها مع الزمن تصبح إرثاً خالداً يحقق خدمة معرفية للمجتمع الإنساني، فبدأت العمل على نحت الكتل الصخرية الضخمة، والبازلت حجر نبيل ووقور لا يخدع فكر الفنان وما يصبو إليه، فكان عملي النصبي الأول في العام 1986 نحته يدوياً بالمطرقة والإزميل واستغرق إنجازه 20 شهراً أسميته "عنقود وفلاح" ارتفاعه 180 سم ووزن كتلته تزيد عن 2 طن وأعتقد أنه أكبر عنقود عنب نحتي في العالم.
ومع الاستمرار تخصصت بتشكيل المسلات النصبية تيمناً بالمسلات الفرعونية، فقمت بتنفيذ العديد منها حيث وزعت في مواقع خاصة وعامة في السويداء والقريا وأحدها في منطقة بعبدا ـ لبنان مسلة نصبية وضعت في ساحة القصر الجمهوري وآخرها نصب "المجد للكتاب" أمام مبنى المحافظة في السويداء، أما الأضخم بين أعمالي فهو نصب "تفاحة آدم" الذي يزن 3 طن بقطر م3.
* يبدو أن ميولك للأعمال النصبية يتعدى اهتمامك بالمنحوتات الصغيرة؟
** نعم، لأن طبيعة البازلت تحمل فلزات ضعيفة، فهي لا تحتمل ككتله نحتية صغيرة فراغاً دقيقاً بها لأنها قابلة للكسر والعطب، وذلك يختلف مع بساطة العمل في الكتل الكبيرة والفنان إن لم يتقن التعامل مع عمله الفني بخبرة تراكمية ودراية لن يكون عمله متماسكاً ومقاوماً للزمن.
* كيف وجدت التغيير المعرفي في الذاكرة العامة من حيث فهم عمل النحت ودوره كإرث حضاري؟
** ما زلنا في سورية نفتقر إلى القراءة النموذجية التحليلية للوحة والمنحوتة علماً أن النحت يشكل عصب التطور الحضاري في المجتمع، ومتى فقد حس الجمال والدهشة والاستمتاع فقد حس الإبداع به كثقافة بصرية عالية واضمحلت جوانب المعرفة به التي من شأنها الرقي الحضاري بالمجتمع والنهوض بسياساته وإنسانه.
النحت يحتاج إلى الوعي ولسمة الجمال
* أدرج النقاد عملك النحتي تحت اسم مدارس فنية مختلفة ووجه بعضهم النقد حول عدم تحقيق نظرية الكتلة والفراغ في حداثة الشكل، كيف تتعامل مع هذه الآراء؟
** عملي مستخلص من شخصيتي وعفويتي وفطريتي، قد لا أكون أكاديمياً لكنني أبدع ما يريح الفكر والنفس، وعملي أقدمه للجمهور كما هو بلمسته ودلالته وليسميه النقاد كيفما شاءوا تجريداً تعبيراً… المهم أن تصل رسالتي عبر عملي النحتي إلى الجميع، وأحمد "الله" أن أعمالي لا تحتاج إلى شيفرة تحليل أو مترجم بصري لقراءتها لأنها بسيطة التكوين.
قد يكون تقصيراً مني عدم تحقيق نظرية الكتلة والفراغ في أعمالي لكني في النهاية أنحت روحاً متماسكة، صلبة، كتيمة من البازلت ونظراً لدراستي حول هذه الخامة لم أرى في متاحف الوطن ما يشير إلى تحقيق نظرية الكتلة والفراغ أو التحويرات المفرغة ولكن مع الآلة الحديثة قد يتحقق ذلك بسهولة.
* ماذا تقترح لتطوير فن النحت؟
** النحت عموماً يحتاج إلى مواطنة حقيقية من المسؤولين وكل من يملك الوعي ويتذوق الجمال. في محافظتي لمست المواطنة فعملي المنتمي إلى الوطن ذهب إلى ساحات الوطن بإشراف أبناء الوطن، وهنا أذكر جملة قالها أحد الإعلاميين: «من طحين الحجر يصنع النحات معروف شقير خبزه»، وأقول: «النحت عندما يخرج من الذات الإنسانية يصل إلى الذات الإنسانية بلمسته الإنسانية النبيلة» لذلك يجدر باتحاد الفنانين التشكيلين السوريين أن يعمل على تفريغ النحات البارع لعمله وتصعيد طاقة الهاوي للمبادرة والإنجاز، وأن يعطى النحات حقه مادياً ومعنوياً كونه ترجمان المستقبل للمجتمع الحاضر بل منارة جمالية للأجيال وأجيال، فلماذا لا نهيئ كواعين للفن مناخاً مثالياً يسمح للمبدع أن يقدم ما لديه من أفكار بحرية ومسؤولية وحب.
* متى برأيك يصبح الفن متنفساً للهم الإنساني وآخذاً بناصية التغيير؟
** كلما كان الفن لصيقاً بحياة الإنسان معايشاً لهمومه وأحلامه كلما ازداد اعتباره وتقديره، والعمل الفني إن لم يحمل في تعبيريته دلالات تاريخية وإنسانية ووطنية وجمالية لن يكون ذو رسالة، وبالتالي يصبح فناً عبثياً لا قيمة له فالوطن الجميل يبنى على أربعة ركائز: العلم والقوة والعطاء والمحبة.
بدوري كنحات جسدت هذه الركائز في أعمالي النصبية التي رمزت فيها إلى قوة العلم وعدل السيف وعطاء سنبلة القمح وتخليد العظماء في روائع التاريخ.. مثلاً عملي النصبي "المجد للكتاب" ارتبط بالقيم التي ذكرت مع التذكير بالآية القرآنية: «اقرأ بسم ربك الأعلى» والإشارة إلى عظماء الحكمة في التاريخ وتأكيد المعرفة ودورها في جعل النفس فاضلة الكلمة والتصرف.
* السويداء معلم حضاري عريق الأثر،كيف تنظر إليها كنحات ؟
** إنها روعة التجدد في أي زمن كان، وأتساءل: ما الأثر الحضاري الذي يكافئ أثر البازلت في تلك الروائع والصروح المعمارية الخالدة؟ إنها الجذور والامتداد والرسوخ.
تحليل ورأي
حول أعمال النحات كتب الناقد التشكيلي السوري "سعد القاسم": «إن استخدام معروف شقير لحجر البازلت يجعل من تجربته النحتية امتداداً للتراث خاصة وأنه في عدد غير قليل منها لا يستخدم الأساليب التقليدية للنحاتين القدماء فحسب وإنما يستلهم الأشكال التي صنعوها محاولاً في الوقت ذاته ألا يقع في موضع التكرار، فنراه يقوم بصنع منحوتات ذات مواضيع أكثر حداثة منها ما هو معاصر، وبعضها ينسحب تدريجياً نحو الذاكرة و الماضي».
وأضاف: «إن معروف شقير يختزل عبر أعماله أشكالاً واقعية إلى أبسط شكل هندسي لاغياًً منه تفاصيل تشريحية لا تفقده إيحاءه البصري، ويبدو أنه حقق ضمن تعبيريته فرصة للكشف عن مقدرته كنحات في تشكيل المستلهمات المأخوذة من التاريخ، إن تجربته تملك الكثير من الجدية والدأب ولاسيما أنه يتعامل مع مادة كتيمة استخدمها المبدعون قبل 2000عام».
في سطور
ولد "معروف شقير" في القريا ــ السويداء عام1957، تفرغ للنحت منذ عام 1983 بعد أن ترك دراسته لمادة الجغرافيا في كلية الآداب ـ دمشق، وهو عضو إتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وعضو في نقابة المعلمين وجمعية العاديات وجمعية حماية البيئة في سورية، مشارك دائم في معارض الدولة الرسمية منذ العام 1983 له سبعة وعشرون معرضاً شخصياً ومشاركات في ملتقيات نحت دولية، أعماله موزعة في عدد من المواقع العامة والخاصة في المناطق السورية، من مختارات أعماله النصبية: "شيخ الغابة الحزين، تفاحة آدم، الراحل سلطان باشا الأطرش، العلم والعلماء".
من أعمال النحات معروف شقير
ـ قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش
ـ نصب المجد للكتاب
ـ جورية من البازلت
ـ إطلالة على التاريخ
ـ أمومة
ـ النحات معروف شقير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
النحات معروف شقير ـ القريا ـ السويداءـ علاء الجمّال ـ دمشق
Comment