Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأديب ( محمود لطفي أحمد الريماوي ) روائي وقاص أردني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأديب ( محمود لطفي أحمد الريماوي ) روائي وقاص أردني

    محمود الريماوي
    ولد محمود لطفي أحمد الريماوي في بيت ريما/ رام الله 2/10 من عام 1948، درس لمدة سنتين في جامعة بيروت العربية (تخصص لغة عربية) عمل صحفياً في بيروت خلال العامية 1968-1969، وصحفياً في الكويت خلال السنوات، 1973-1987 وصحفياً في عمان منذ 1987 وحتى الآن وتراوح عمله بين أن يكون كاتباً ومحرراً ومسؤولاً عن التحرير الصحفي.
    وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، ونقابة الصحفيين الأردنيين، واتحاد الصحفين العرب ، واتحاد العرب، وقد حصل على جائزة فلسطين للقصة القصيرة عام 1997.

    مؤلفاته:
    1. العرب رفي صحراء ليلته (قصص قصيرة) وزارة الثقافة والإعلام بغداد 1972.
    2. الجرح الشمالي (قصص قصيرة) د. ابن رشد، بيروت، 1980.
    3. كوكب تفاح وأملاح (قصص قصيرة) دار الكرمل، عمان 1987.
    4. ضرب بطيء على طبل صغير (قصص قصيرة) دار الثقافة الجديدة، القاهرة 1990.
    5. غرباء (قصص) وزارة الثقافة/ عمان 1993.
    6. أخوة وحيدون (نصوص) دار أزمنة، عمان، 1995.
    7. لقطار (قصص قصيرة) المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عمان 1996.
    8. كل ما في الأمر (نصوص) دار الأزمنة، عمان، 2000.
    9. شمل العائلة (قصص قصيرة) المجلس الأعلى للثقافة والفنون، القاهرة، 2000.
    10. الاعمال القصصية الكاملة (وزارة الثقافة، عمان، 2002.
    11. لقاء لم يتم (مختار قصصية) أمانة عمان الكبرى، 2002.


      شمل العائلة
      كان له ما أراد، إذ لم يبتعد عن غرفة نومه، وعن باحة البيت التي شهدت جلساته المسائية اليومية التي دأب عليها دون انقطاع. ولم يكن في جلسته تلك، باستثناء أيام الشتاء القاسية، لينعم بما لا يملك ولا يسع. من هم على مرتبته ومركزه وعمره، إذ كان يكتفي بشيء من فواكه المواسم يقطفها الأولاد من البستان، وبالأرجيلة التي تظل منتصبة، وبركوة من القهوة. وكان محظوراً على الاولاد، أولاده، أن يقتربوا منه، أو أن يثير أحدهم أية ضوضاء في دائرته القريبة. لهم أن يفعلوا ذلك بعيداً عنه، في تالشارع وإذا ارتكب أحدهم أو تسبب في مشكلة ما، فعليه أن يحّها قبل العودة إلى البيت، بالحسنى أو بالذراع.
      لم يبتعد عن غرفة النوم وعن جلسة كل يوم، سنرى نحو عشرين متراً، هي المسافة التي تفصل البيت الحجري، عن شجرة الخروب الفارغة الوارفة المحاذية للسور الخارجي، حيث تم دفنه هناك.
      ربما لو كان لسواه مثل هذه الرغبة، ولو عبّر عنها أحد بمثل ما فعل هو، بوضوح تام وباشتراط لا رجعة عنها، لكان له ما كان لأبى راجي، الذي لم يحشر نفسه في زمرة موتى بلا عدد، وفي مقبرة بائسة لا ملامح ولا تخوم لها، حتى أن الدواب الشاردة تسلكها من دون من يعترضها. وقيل، عن حق، أن الرجل السبعيني، الذي نأى بنفسه في حياته الحافلة عن العوام: عن الثرثارين والبليدين والمتطفلين، عن عديمي الذكاء والمحرومين من الدعابة، وقصر دائرته على الفهيمين والفالحين، ومتذوقي الحياة قد فعل الشيء ذاته في مماته، وبتطرف أشد، إذ لم يغادر مملكته الأثيرة، بل انتحى ركناً فيها، والذي يريده يأتيه هناك، ومن يأتيه محظوراً عليه أن يزعجه، بثقيل الكلام وطويل الزيارة.
      حين تم له ما أراد، في سنوات الثمانينات، أنقسم المتدينون، وجلّ أهل البلدة منهم، بين مؤيد ومستهجن للفكرة. وعلى أنهم اتفقوا في النهاية أن لا تحريم قاطعاً. ولم ينتظر الأولاد –أكثر من عشرة بين أبناء وبنات- فتوى من أحد، فقد نشأوا على طاعة الأدب فكيف بوصيته الأخيرة؟ والأب أبونا والأرض أرضنا، فما شأن من ليس لهم من عمل سوى الثرثرة والتسبيح، ما شأنهم بنا؟
      وإذا تفرقوا بعدئذ وقد شبّوا، تزوج منهم من تزوج، وغادر البلدة من غادرها من دون رجعة، فقد نسى الناس، في زحمة حوادث الموت، ما كان من أمر أبي راجي ومرقده تحت شجرة الخروب داخل سور بيته، حتى تناهى إلى مسامعهم أن ام راجي، التي تصغر زوجها بعشر سنين، قد بدأت تفقد ذاكرتها، ولم تعد تتعرف إلى ابن بار وآخر عاق، أو ثالث عائد، أو ابنة قريبة لا تفارقها. وتأسى الأهل والأقارب والفجيران، على ما أصابها مما يعيا الأطباء عن مداواته. وقد ذهبت عنها في الأثناء كل ملاحة باقية ووجاهة غابرة، وكل توقير طالما فرضته على من يخالطنها من نساء الحي.
      حينئذ استذكر الناس سبباً، لا سبب سواه، للنازلة التي نزلت بها، حتى أن من تبقى من الأولاد حولها اعترف أنها في سنواتها الأخيرة، كانت تحوم لساعات طويلة كل يوم حول شجرة الخروب، حيث يرقد الرجل الذي لم تجد بعده أي تعويض. وقيل أنها كانت تتناول القهوة هناك. واعترفت صغرى بناتها بأن أمها صارحتها، قبل أن يصيبها ما أصابها، بأن الأب لمن بختر مكان رقدته الأخيرة قرب البيت، إلاّ لتعلقه الشديد بأمها التي أتى بها من قرية بعيدة.
      في أخريات أيامها بدا بعض أبنائها نادماً لأنه أخذ بوصية الأب. فلو أنه رقد بعيداًفي المقبرة لاحتفظت الأم بمداركها، ولما أصيبت بالعارض الذي دفع الجميع للإنفضاض عنها، بمن فيهم من أمضوا حياتهم في السعي للتقرب منها. وحين ماتت مؤخراً، بعد طول عذاب، لم يستهجن أحد أن ترقد بجوار أبي راجي، حتى أولئك، الذين رأوا في الأمر إثماً خالصاً. استغرب الناس، فقط، ههذه المرة أن الأبنة الصغيرة الباقية دون زواج أخذت تولول وتندب قائلة أنه لن يكون لها هي قبر على الأرض، سوى بجوار أمها وأبيها..
      أحد الأبناء، وهو الذي يعقب الإبن البكر (راجي) وهذا تجاوز الخمسين، بدرت عنه حينئذ ضحكة صغيرة مريرة تلاها بالقولف: "بهذا يجتمع مجدداً شمل العائلة... بهذا لن يفكر أحد من إخوتي ببيع البيت أو البستان. لن يضعف أحدهم أمام ارتفاع أسعار الأراضي. فمن يبيع عظام أمه وأبيه". قال ذلك وهو يعاين بأسى صيرورة بستان الحياة، مدفناً عائلياً.

Working...
X