Announcement

Collapse
No announcement yet.

الدكتور بشار الأسد و قصيدة البارقة السياسية

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الدكتور بشار الأسد و قصيدة البارقة السياسية



    يكفي أن تسمع أو ترى أو تقرأ ما تفيض به مفاهيم و أفكار و كلمات و رموز الرئيس العربي الشامل الدكتور بشار الأسد لتشعر بأنك في ملكوت إنساني مكثف بالشعرية العالية و الروح النقية و الضمير الصافي و الصحوة الدائمة في شطح أقرب إلى الصوفية بما فيها من سموّ في العدالة و الرؤيا و الإرادة على إحقاق الحق .

    و كلما أقرأ الفصاحة المضيئة للفكرة و المفهوم و احتمالات الكلام ، أجدني ـ مثل كل مواطن عربي سوري ، أزداد ثقة بالوطن ماضياً ، حاضراً ، و مستقبلا ً ، و بالتالي ، أزداد ثقة بالإبداع ، و أحمد الله على كل شيء رغم كل الظروف المحيطة بنا واثقة بأن النصر قادم من الله لا ريب فيه ، و لا أعني بالضرورة النصر العسكري كونه كما قال سيادته في حديث له إن الرد لا يعني صاروخاً بصاروخ ، و قنبلة بقنبلة ، لدينا أدواتنا للرد ربما سياسياً ، و ربما بطرق أخرى ، لكن يبقى من حقنا الرد و بطرق مختلفة إذا أردنا أن نرد عسكرياً فإن ذلك يعني أننا نعمل طبقاً للأجندة الإسرائيلية " .
    جماليات الرؤيا و المعنى :
    الملفت من الناحية الجمالية الفنية في أسلوب الدكتور (الأسد) أنه قادر على اختزال المعنى في الرمز ، و على اختزال الرمز في الشفافية ، و بهذه الفنية تمتلك حكمته كثافاتها و مقاماتها ، فتغدو سابحة في فضائها اللا محدود و اللا متناهي لكنه الفضاء دقيق الحسابات ، حاذق الرؤى ، مبصر الحركية في الكون و أفعاله المتماوجة بين : (ما كان ) و ( ما يكون ) و (ما سيكون) ! .
    و تمتاز كل هذه البصائر ، بكل تأكيد ، بالفاعلية لا بالانفعالية ، بإبداع اللـحظة وتفجير كل طاقاتها الكامنة و المكنونة ، و هذا يعني : عدم القبول بالجاهزية ، والأفكار مسبقة الصنع ، و القرارات المعتمة القابلة لكل زمان و مكان إلا الزمان السوري ، والمكان السوري ، كون سوريا مهد الإشراق الإنساني و الحضاري والروحي .. و حتماً ، مَـن هو أعلى لا يقبل بأن يكون كمن هو أدنى ، لكن لربما يساعده ليخرجه من الظلمات إلى النور .
    و إضافة إلى هذه الجماليات الفعلية ، تشرق الجماليات الفنية المتوازية مع القائل ومقولـه ، فتبرز اللغة بإشاريتها و إنارتها و إشعاعاتها المتراكمة بروزاً يفلسف ـ و بطريقته المثقفة الخاصة ـ التجربة الإنسانية ذات السمات الكونية الرافضة للحرب، المتحاورة مع السلام حواراً موضوعياً راقياً ينقض مبدداً الأدلجة و المقاصد الغائية المظلمة التي كتب فيها هنتغتون صراع الحضارات و نهاية التاريخ ، فيثبت العكس مع كلمات (الأسد) التي أعتبرها قصائد وامضة ، بارقة ، راعدة بالخير والمحبة والوعي المشرق في أقصى تجلياته المولوية و الواقعية في آن ٍ معاً .
    لنقرأ هذا (الجواب القصيدة) بكل ما فيه من كثافة دلائلية و ذهنية و عفوية و حركية : " لم أعلم أنهم يعرفون تفكيري أو أنهم يعرفون بأنني تلقيت الرسالة " ، و ذلك رداً على سياق الحديث الذي كانت تطرحه (ليز) : " إسرائيل تقول بأنها بعثت برسالة، وواشنطن تقول بأنها بعثت برسالة ، و يقولون بأنكم تلقيتم الرسالة فماذا تقولون لهم ؟ و ما رسالتكم لهم ؟ " .
    إن المبصر لبصيرة الجواب سيستشعر المتناغم و هو يترامز بقول فيزيقي ليترنـّـم بالميتافيزيقي ، موضحاً ، و بكلمات بسيطة ، عمقاً موشورياً اختزلـه المعنى ، ومعنى المعنى ، لا سيما في قولـه : " لم أعلم أنهم يعرفون " ! و ما عبَر فيها ، منها ، وإليها، من دلالات شملها النسق بين إرسال القصد و تلقـّـيه ، و من جهة أخرى للبصيرة ، بين الشيفرات المكثفة للروح المتكلمة و ذاتها المستشرفة .
    جماليات الفعل و المبنى :
    مع منهجية (الأسد) يثبت المعاكس لهينتغتون و حلفائه و أعني : سوريا بداية التاريخ و حوار الحضارات .
    أوقن بأن هذا ما يعرفه الكثيرون سواء تناسونه أم تجاهلونه ، المعادون أم الذين جعلوا من أنفسهم أعداء ، إنهم يوقنون ، تماماً ، بباطنهم قبل ظاهرهم ، بأن سوريا وقيادتها ، شعباً و حكومة ، ما هي إلا الأمُّ الكونية الوحيدة للسلام و الحضارة والإشراقات المتسامحة ، القوية بالحق و الحقيقة ، و دليلنا على ذلك احترام الأعداء لنا ليس بطيبة خاطر فقط ، و إنما بما تعكسه مرايانا العالية المتعالية .. و لأن الاحترام بكل أشكاله لا يكفينا إذا كان كلاماً ، فلنا أن نتركهم يجسـّـدونه أفعالاً، تماماً، كما يقول الرئيس الأسد مجيباً عن سؤال المحاورة الصحفية ليز دوسيت : " الصراع الدائر حالياً يعود إلى ستة عقود من الزمن في المنطقة ، و هذا لا علاقة لـه بالأمور الشخصية أن يعجب بي ـ و الضمير الغائب هو عائد على إيهود أولمرت ـ أو أن يحترمني ، الأمر يتعلق بالحقوق . هناك أرضنا المتمثلة في مرتفعات الجولان و هي أرض محتلة و يجب أن تعود إلينا . و هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام ليس فقط بإطلاق الأوصاف أو بالقول إنهم يريدون تحقيق السلام ، و هذا الهجوم يؤدي إلى اتجاه معاكس " .
    جماليات الكشف و إزاحة العمى
    غالباً ما تكون المقدمات و النتائج و ما بينها واضحة كالشمس ، و حين تصاب الدواخل بالضلال و الفساد في الأرض فإنها تصبح كأمريكا التي ينطبق عليها بيت شعريّ للمتنبي :
    فليس يصح ُّ في الأفهام ِ شيء ٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليل
    و هذا ما أوضحه الدكتور (الأسد) في ردّه ِ على ليز و هي تطرح رأي كونداليزا رايس التي " لم تر شيئاً في سلوك سوريا حتى الآن يوحي بأن سوريا تقوم بأي شيء سوى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط و لذلك يقولون إنهم لا يريدون التحدث إليكم في الوقت الحاضر " !
    أولا ً ، لا أحد عاقل يستطيع أن يتصور أوهام (رايس) ، و ما تختلقه من هواجس هي أول من يصدقها ! و تالياً ، لا يمكن لعاقل أن يثق بأن (بوش) ليس مريضاً نفسياً ومعقداً كزميلته (رايس) ، و أنهما معاً مصابان بعاهة (مركز الكون الدولي) التي تخدع المصاب بها فتجعله تابعاً لهوسه لا لعقله ، و تضخم لـه التهيؤات المختلفة فيظن الآخرين حجارة شطرنج متى شاء أشعل هذا البلد ، و متى شاء قصف تلك الدولة ، و متى شاء قسّـم هنا ، و زرع الحقد و الطائفية و الإرهاب هناك ، و متى شاء رجم من لا يتفق معه ! و هذه صفات ضعف لا قوة ، و هي ذاتها صفات إسرائيل التي قال عن تصرفاتها ـ لا سيما الأخيرة ـ سيادته : " ثمة حكومة ضعيفة في إسرائيل .. والحكومات الضعيفة يمكنها أن تشن الحروب لكن لا يمكنها أن تصنع السلام " .
    و إذا ما عدنا إلى نهار المتنبي ، و شمس الأسد ، و الأفهام ، لتساءلنا : كيف لم تدرك رايس و بوش و ليز و السائر معهم هذه الحقيقة : " لا أعتقد أننا من أشعل الحرب في العراق حتى نتحدث عن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط ، لم نكن نحن من سبب المشاكل الأخيرة في لبنان ، نحن لم نتدخل في شؤون البلدان الأخرى لزعزعة استقرارها ، هذا أولا ً .. ثانياً : ليست لدينا أية مصلحة في زرع بذور عدم الاستقرار في المنطقة .. لدينا مصلحة قوية في أن تكون المنطقة مستقرة ، و هذا ما نعمل من أجله ، و لذلك فإننا لا نأخذ هذه التصريحات بعين الاعتبار " .
    و هناك العديد من المفارقات التي لن يراها المنطق الأعمى ، مثل : التركيز الحاصل على اغتيال اللبنانيين " المعادين لسوريا" و نسيان اغتيال اللبنانيين الآخرين لا سيما من " أصدقاء سوريا " كما يشير إلى ذلك صراحة الأسد ، و هذا يدعونا إلى سؤال استنتاجي آخر : هل التمييز المعياري ، و الكيل بمكاييل متعددة ، أصاب أمريكا ومن يحذو حذوها بالعمى السياسي حتى اختلطت عندها المفاهيم بين الإرهاب و الدفاع عن الحق (المقاومة) ، و أشكلت عليها ألوان الدم فصارت ترى دم المعادين لسوريا و لا ترى دماء الفلسطينيين و العراقيين و اللبنانيين الآخرين ؟ !!! .
    أعتقد جازمة بأن عمى الألوان السياسي الأمريكي ممنهج و مقصود و ذو غايات متعددة ، متشابكة ، لكنها قريباً ستنحل ، أ ليس ما بني على باطل هو باطل ؟
    إذن ، بأي حق ، و إلى متى يطالبون سوريا بالتنازلات ؟ ! و هذا ما طرحته ليز أيضاً : " هل يمكن أن تقدموا تنازلات سياسية كبيرة لكي تغيروا من سياستكم الخارجية ؟ " ، و جاء الرد بالحق فانتبذ الباطل من الهامش مكاناً قصياً مرتداً على نفسه ، محترقاً جليـّـاً :
    " لن نساوم على حقوقنا و مصالحنا ، و ينبغي أن يكون ذلك واضحاً . لن نعمل من أجل مصلحة الآخرين ، نحن نعمل و قبل كل شيء من أجل مصالحنا ، وإذا كانت هناك مصالح مشتركة ، فنحن مستعدون للتعاون مع أي بلد في العالم ، عليهم معرفة ذلك ، ثم .. ماذا يقصدون بالتنازلات ؟
    إن الجميل من تجمـّـل بالحق ، فكانت صورته لائقة بتلك الأمانة .. فماذا نقول فيمن جمّـل الأمانة بجمالياته الباطنة و الظاهرة تاركاً لروحه التحليق في ضوء يتناسل من ضوء ؟
    المتابع لأفعال و أحاديث و خطابات الدكتور بشار يكتشف أن السحر المكنون في جمالياته يصقل الكون من جديد ، و يترك الصورة أن تتعرف إلى الهيولى كما شهدها (ابن عربي) حين كتب وحدة الشهود و وحدة الوجود ، تاركاً للعارفين الاستبصار والاستغوار و الاستعماق ..


    (منقول )
    أضعف فأناديك ..
    فأزداد ضعفاً فأخفيك !!!
Working...
X