Announcement

Collapse
No announcement yet.

عزيزي أبا الجود المقدمة القصصية - من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • عزيزي أبا الجود المقدمة القصصية - من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

    من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

    عزيزي أبا الجود المقدمة القصصية:

    وقف كفاح يتأمل في داخله هنيهة بعد قراره بالرحيل والحزن يقتله، والفرح يدعوه إلى المقامرة لتجريب حظه مع أية طائرة مغادرة أو قطار مطلق العنان أو حتى دابة تئن تحت حملها ولكنها لا تتوقف لأنها... دابة.
    حدثَ نفسه:
    -" نحن الراحلون أبداً... المغادرون إلى كل المحطات... أيه محطات نلتفح من برد أوروبا بلباس أبنائها الثقيل وقلبنا ملآن بالحرارة والدفء وذاكرتنا ملآنة حافلة بأشياء وأشياء! تذكر ميساء التي تمنى أن يتزوجها بكل الرومانسية التي وجدت على الأرض منذ أن أغرت حواء آدمها بدراقةٍ أوتينةٍ أوتفاحةٍ... لا يهم.
    المشكلة فينا أن أطرافنا تبرد بسرعة وخاصة في البداية، فنحن نأتي بأحذية من عندنا، تنفع عندنا، أما هنا فلاهي تعقد هدنةً مع الصقيعات ولاهي تتفأهم مع الثلوج الدائمة إلأنتشار في شوراع المدن إلاوروبية، وبما أن البدايات تكون عادة خارج المبأني الفارهة المدفأة أوالسيارات المعدة هي الأخرى لكي تمد لسانها للحرارة ماتحت الصفرية وتقول لها (طقي موتي)، فحتى يتسنى لك ركوب سيارة ( طقي موتي) عليك قضاء وقت ليس بالقليل وأنت تنتعل ما يعرفه الناس هنا بحذاء الموتى. ( يدفن هنا الموتى بلباسهم وينتعلون أحذية سوداء كرتونية للمنظر فقط)
    المهم... المهم أن الدوران حول الذات لا ينتهي والبحث عنها لا ينتهي أيضاً والهروب الأول الذي تمت ممارسته لا يرضي ولا يقنع إلا بهروبات أخرى تلحقه متتالية حتى إذا صار العمر هروباً متتابعاً والذاكرة محطات تليها إذا شئتَ فقط محطات".
    أخونا كفاح هذا كتلة من التناقضات والمنولوجات الداخلية التي تحتاج كما يقال ( لحلم الله) حتى تفهمها وتهضمها، ولوصفه بشكل جيد لابد من أن تبدأ من طموحه، فهو شديد الطموح، ودائم البحث عن ذاته، واكتشاف محيطه والناس أيضاً.
    حاول في المدرسة كتابة الشعر فكان شعره وسطياً مثله ودراسته نفسها كانت وسطية مثله، ولكن من المهم القول أنه لم يتخلف في دراسته أبداً ولكنه لم يكن متفوقاَ وإذا سألته لماذا فربما أجابك بأنه ليس من الضروري
    أن يكون متفوقاً ولربما تفلسف عليك حول المنهاج التعليمي وأخرج أمامك نظرية نقدية لواقع التعليم عندنا معتقداً أنك من اليونيسكو.
    مسكين صديقنا ومسكين جيله كله معه فعندما كان تلميذاً في الابتدائية وكانت كفه صغيرة كان يكتب كلمة التلاميذ السنوية في عيد الاستقلال ويمسك بواسطة كفه الصغيرة العدو من أذنه ويشد يشد،حتى يبكيه!! وينهال عليه صفعاً ( وهم يصفقون) ويركله ( وهم يصفقون) ويقسم أن يقوم بأشياء كثيرة ( وهم يصفقون) وحين كبرت كفه قليلاً بدأ يعرف أن أذن عدوه بعيدة عنها،( المقصود عن كفه) وأن وأن... .
    حين أصبح طالباً في الثانوية قرر الثورة... فماذا فعل؟
    سب وشتم وانتسب ( للمقاومة الحقيقية) !! وذهب إلى المعسكرات ومع ذلك تعلم أن تدخين ( المارلبورو) متعةَ مابعدها متعة! ... وهو يناقش الشباب ويتشاجر معهم حول ( عرفات) مثلاً أو لنقل ربما حول ( الحبيب بورقيبه) فكل النقاشات تحلو وهو يستطيع حتى الآن تدبر ثلاث ليرات ونصف ثمن علبة ( المارلبورو) وتأجيل وجبة الطعام لحين العودة إلى البيت.
    كان جزءاً لا يتجزأ من متناقضات المجتمع ذلك المجتمع المسكين الذي يستعد كل يوم للحرب، أو للدفاع!!
    فهذا المجتمع يحرق كل يوم كميات هائلة من البنزين على ( حساب الدفاع)، يصرف رواتب على ( حساب الدفاع)، يشتري المعدات والمركبات السياحية وغير السياحية على ( حساب الدفاع) وكان يبني أشياء جديدة متناقضة هي أيضاً، يبني مثلاً قصوراً للرياضة بينما يبني أحياءً سكنية عشوائية... . نعم عشوائية وكان اسم أحد هذه إلاحياء يتأتى أيضاً من اللحظة! فالحي العشوائي الذي يعرفه كفاح جيداً يسمى حي الـ (86) مثلاً لأنه ترعرع بقربه أوعلى مرمى حجر منه وجل رفاقه كانوا يعيشون فيه...
    تتشابك في الـ 86 البيوت ببعضها مثلما تتشابك أسلاك معدنية تأتي إليه.وكان كفاح يسأل نفسه دائماً ويقسم لها الأيمان المعظمة أنه لايعرف ماذا تفعل هذه الأسلاك هناك فهل هي أسلاك هاتف أم أسلاك كهرباء... أم ماذا؟ أم ربما ماذا؟ أم بحق الله ماذا؟
    هل صحيح أن كل شيء في هذا المجتمع ( المدافع) يسير بقدرة قادر؟
    كل شيء يسير كما قال ذلك المهندس الشيوعي الروماني لوزير الطاقة الروماني في بلده حين كتب يقوم العمل في مصفاة النفط عندنا
    أيها الرفيق الوزير:
    لقد آمنت بالله فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
    وأضاف ملاحظة صغيرة لرسالته بأن هذه المصفاة التي تؤدي عملها بشكل معقول تعمل بقدرة إلهية ليس إلا.
    ومع ذلك فإن كل شيء بالنسبة لكفاح كان يستاهل التضحية وأن أكبر تضحية يقدمها هذا المجتمع من أجل دفاعه والذود عن حريته هو دماء أبنائه و... تطوره الطبيعي.
    لقد عرف كفاح لأول مرة أن العدو قوي ( وليس كما كان يصفه عندما كان تلميذاً تصفق له المعلمات ويقمن بالثناء عليه عندما يلوح بقبضته الصغيرة صائحاً في ( مكريفون) المدرسة أنه سيدمر هذا العدو الجبان)، في الثانوية عندما رأى مدرس اللغة العربية يبكي في الصف أمام الطلبة جميعاً شعر بقوة العدو وذلك لسبب لم يعرفه كفاح بل أسرّ به المدرس له فيما بعد، فلقد كان أستاذ العربية هذا من النازحين من الجولان ولقد ترك وراءه عزّاً وجاهاً وكان قبل احتلالها مزارعاً ويمتلك مع أخوته وأبيه أرضاً كبيرة وقطعاناً من الماشية... الخ ولقد عانى هذا المدرس الأمرين بعد النزوح وتحول هو أيضاً إلى مكافح عبر قلمه حيث كان يكتب ويؤلف أدباً نضالياً رفيعاً... .بكى هذا المعلم أمام طلابه مرةً نتيجة صفعةٍ تلقاها من عسكري!! في سوق الخضار...
    في ذلك اليوم شعر كفاح بقوة العدو وجبروته وسطوته وقدرته على الاستمرار في العدوان.
    ( لازال همنغواي يبحث عمن له تقرع الأجراس!)
Working...
X