Announcement

Collapse
No announcement yet.

إلى الغرب مهاجراً يا أبا الجود من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • إلى الغرب مهاجراً يا أبا الجود من رواية ( أبو الجود ) د. محمد عبدالله الأحمد

    من رواية ( أبو الجود )
    د. محمد عبدالله الأحمد

    إلى الغرب مهاجراً يا أبا الجود:

    أصبحت المدن العربية أمكنة للفوضى والفساد والعذاب والفقر و... . الدم عندما يكون الحديث فلسطينياً أوعراقياً خاصة ولا تعفى باقي أرض العرب من حصص تقل هنا وتكثر هناك من شراب القهر الذي نقصده.
    برغم هذا فإن كفاحاً الذي وصل جنيف السويسرية لم يكن يحسد جنيف وأهلها على نمط حياتهم، فالجنيفيون لم يبدوا عندما كان كفاح عندهم بنظره فرحين ومبتسمين بل كانوا يشبهون معسكراً للجيش متوزع الأدوار ويعمل بصمت والفرق الرئيسي بين جنيف وكل ما هو عسكري هو الألوان... . .فأهل جنيف يستيقظون باكراً مثل العسكر ويتصرفون كل يوم بنمطية واحدة صأعدين إلى الحافلات أو إلى سياراتهم ويذهبون إلى عملهم في الصباح متبعين لتعليمات صارمة، لا يخالفها أحد.
    يرتاحون لغداء سريع بين الواحدة والثانية بعد الظهر ويعودون لأعمالهم حتى الخامسة حيث تعود طوابير السيارات والناس للظهور قوافل في شوارع المدينة المنظمة ثم لتختفي في مرائبها وكراجاتها وأمام البنايات ويغط الجنيفيون في نمط حياتهم المسائي بصمت شديد لا يقطعه إلا كلمة (بونجور) أو( بونسوار) مهذبة يلقيها أحدهم عليك في الشارع.
    الألوان... . الألوان هي التي تختلف فلا ريب أن جنيف لم تترك وسيلة لتزين بها نفسها ولا لوناً حلواً إلا واستخدمته لكي تظهر نفسها بحلة أحلى... . ولكن! ؟؟.
    برأي كفاح ليس هناك ما يحسد عليه أهل هذه المدينة... . إلا ذكاءً أكسبهم المال واللعنة، حيث يزيد عدد البنوك على عدد الدكاكين فيها وحيث تسكن رزم كبيرة من الأموال التي وَجَدَت في جنيف منجاةً لها من النور، فهذا المال الذي نتحدث عنه هو مال الظلام، الظلام دون تشديد اللام ولا مانع من تشديدها إذا أراد القارئ الاستدلال على أصحاب هذه المال !! ... .
    هكذا كان كفاح يفكر وهو العربي الذي سحقته مطحنة الظلم الآدمي فلم يستطع أن يرى حتى ذلك الوجه الذي لم يَظلِم أحداً في عاصمة الكانتون الفرنسي السويسرية وقرر ( أي الكانتون) أن يشتغل مصرفياً وحامياً (للنفائس) عند باقي الأمم، وربما نقول ربما، أنه اقتنع بأنه لن يستطيع ممارسة دور القاضي العالمي في وقت تمارس فيه الدول الكبرى ماهو أبشع من تخبئة المال واختراع الأقفال المعدنية والإلكترونية والرقمية وحتى... . السياسية.
    عندما كان كفاح في المدرسة الابتدائية كان يحتار في زميله عمّار الذي تعلم من أمه الأجنبية كيف يرتب كل شيء بعناية فائقة إلى حد لا يطاق، فلقد كان عمّار ساعةً تمشي على قدمين فلقد استطاعت أمه الروسية برغم عجينة ابنها العربية – أبوه سوري- أن تجعل ابنها يرقم حتى أقلامه واحداً واحداً وكانت دفاتره مثار إعجاب المعلمات في المدرسة، حتى أن (وظائفه) كانت تأخذ أنظارهن بزينتها، فكن قليلاً ما يعطين اعتباراً للمحتوى، وبرغم أن عماراً القادم من صقيع روسيا كان يقول اسمه (أمّار) بدلاً من عمار وقد احتاج لوقت غير قليل لتحسين الفعل والفاعل والمبتدأ إلا أنه بتنظيمه وترتيبه حاز بسرعة على مكانة وحظوة مثلى لدى الطاقم التعليمي... .
    ثمن ( السيستم) العماري بالطبع كان باهظاً برأي كفاح لأن عماراً هذا كان غريباً بسلوكه عن أقرانهِ، فحين تحين الفرصة ويُخرجُ عمار وجبته الدسمة ( سندويشة + موزة + تفاحة + شوكولاته) لم يكن يسرع مثل الجميع لتضييف لقمة ( عضّة) للآخرين، مثلما كان يفعل أغلب التلاميذ..!
    يقر كفاح داخلياً بنوع من الغيرة الداخلية من ( أمّار) هذا برغم أن لفافة (المكدوس) التي كان يأكلها، كانت أطيب من خاروف محشي، ولكن منبع الغيرة هو أن ( أمّار) كان يأكل وكأنه يخبّئ شيئاً عن الآخرين وكان الجميع يتمنى أن يكتشفه... . .
    بعد سنوات أصبح ( أمّار) عْمّاراً بكل معنى الكلمة ورغم بقاء نزعة أجنبية بسيطة فيه إلا أنه تكيف واندمج بقوة مع محيطه ولم يعد يلحس الموزة قبل
    أكلها بل وصلت عروبته إلى حد بلعها بسرعة والإنخراط في ألعاب التلاميذ الممتعة من مصارعة ومباطحة... . وكرة قدم... . .
    وجه المقارنة كان صحيحاً لدى كفاح بين هذه المدينة السويسرية شديدة الترتيب والتنظيم وذاك الـ ( أمّار) النصف روسي الذي صار فيما بعد صديقاً عزيزاً سافر دون عودة إلى الولايات المتحدة ولم يخطر ولا مرّة على باله أن يتذكر طعم الخبز والسكر... . عفواً الخبز والملح، الذي أكله مع أحد في المدرسة ولا حتى في الحي الذي اشتركا فيه مع صاحبنا كفاح... .
Working...
X