Announcement

Collapse
No announcement yet.

للسعودية سهام مرضي رواية ( حين رحلت ) ضحايا الجهل والخرافات

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • للسعودية سهام مرضي رواية ( حين رحلت ) ضحايا الجهل والخرافات

    ضحايا الجهل والخرافات في رواية

    «حين رحلت» للسعودية سهام مرضي

    النسيان بالكتابة





    صورة 1 من 1

    محمد خضر

    من بين روايات كثيرة في المشهد الروائي المصاب بطفرة ونتاج متفاوت ومتباين في جودته ومدى قدرته على الإدهاش، أصدرت الروائية السعودية سهام مرضي روايتها الثانية “حين رحلت”، عن الدار العربية للعلوم ناشرون. رواية تدور أحداثها على لسان بطلتها ريم وعن طريق رسائل موجهة إلى حبيبها الذي ارتحل بعيداً عبدالله، تستدعي ريم في رسائلها قصة حياتها بدءاً بحادثة غيرت مجرى حياتها في صغرها وجعلها عيباً وعاراً وأنوثة مخدوشة في مجتمع معقد وغير مستعد لقبولها بأهلية كاملة، هذا ما جعلها تتزوج رجلاً تحت ذريعة الخلاص، وهو جد لمعاذ المعاق حفيد هذا الجد والذي تنشأ بينه وبين ريم علاقة إنسانية عميقة استطاعت الروائية أن تصل بنا إلى ذروتها حين يكونان خلاصاً لبعضهما ويلتقيان في مصائر مشتركة، إذ يتعلمان من بعضهما كثيراً من الحياة ويكسران الكثير من العقد والرتابة التي نسجت حولهما تحت مسميات الأخلاق والعادات والتدين.
    تكتب ريم لعبدالله المرتحل والذي يبدو أنها يائسة من لقائه، بل تنتظر مصادفة سماوية تجعله يقرأها، تكتب نموذجها الخاص كضحية تبحث عن خلاصها، لكن الأبواب ليست مشرعة تماماً، فتتداعى ليس لتبوح بل لترى انعكاسها وملامحها في مرايا كل ما يحدث من حولها، بدءاً بنظرة المجتمع للمرأة وكيف كانت إحدى هؤلاء المسحوقات اللواتي لم يجدن أمامهن غير أن يأخذن حريتهن عنوة ولو في خيال ضيق وفضاء معتم، حيث الحقوق مهدرة، والقدر خصم أنوثتها اليانعة، بل وكل ما تحكي عنه يشكل ما يشبه التواطؤ المصرح به ضدها، ونعثر على مقطع في إحدى صفحات الرواية يشير إلى فلسفة هذه الكتابة إلى عبدالله الذي يمثل الحب والجسر الذي تحمل عليه كل هذه التداعيات والحكايات المخبوءة فنقرأ: “وأنا أكتب لك رسائلي لأنني أريد أن أقترب بك من الحقيقة، أتطهر بحروفي من أرتال الزيف الذي يغطي وجودنا، أكتب لك لأنني لا أدري، وبالكتابة لك سأحاول أن أدري سأحاول من خلالك وبها أن أصل إلى المعرفة، للخلاص، للانعتاق من قيد الشعور بالضآلة والعجز والبؤس والاغتراب”. ومع هذا، يبقى الحب هو طريقها وإيمانها الكبير: “الإيمان هو أن تبذل روحك، دون أن تتيقن الحصول على مقابل، فهل يعد الحب إيماناً هو الآخر”.
    تلتقي ريم بالكثير من أطياف المجتمع وأفكاره المختلفة بين سالم الذي يدعي الألوهية وبدر الذي أحبها بصمت موجع، وآخر يلقب نفسه بالذئب الوحيد والكثير من الشخصيات المتناقضة والتي تمثل صورة مشوهة عن التدين وعن الأخلاق، بل ومن تصفهم بالليبراليين الفاسدين، وتعايش أيضاً الكثير من الأحداث التي تولد الأسئلة الكبرى كضحايا السيول في جدة التي لم تندمل جراحاتهم في روحها مثلاً، وريم البطلة بامتياز والمثقفة والمحبة للحياة والحرية تقرأ واقعها وما حولها عن قرب ودراية لتكشف وتعري واقعاً معقداً ومتأزماً كانت هي ضحيته بجدارة، الواقع المزيف في الثقافة والمملوء بالألغاز والحكايات التي تدهشها؛ لأنها أكثر من المتوقع والواقع الذي يدعي الخير والصلاح ويجترح كل شيء باسم القانون والأخلاق والقيم والاحتساب، والمرأة تظل هي الضائعة حقوقها تماماً بين هذا الزحام الشره، ويستمر هذا مع صديقاتها خلود التي كان يمكن أن تكون هي ريم ذاتها لولا خيط شفيف بينهما، وعواطف السمراء التي لم تطاردها النظرة العنصرية أينما ارتحلت، فتقول: “هكذا بكل سخف اعتبرَ سوادي عيباً لا يمكنه تقبله”، وريما المذيعة التي تفضح وتكشف فداحة ما يدور في حياتها مع المحتسبين والتهديد لها بالقتل والتفاصيل المثيرة التي تمتد حتى الغائب عبدالله.
    ويبقى معاذ يطل في كل الأحداث يرافق ريم ويشعر بتحولاته ونموه فكرياً ومعرفياً؛ لأن إنسانية ريم كانت بالمرصاد تفتح له نوافذ الحياة وتعلمه أن العجز لم يكن يوماً حائلاً للحيلولة بينه وبين أي شيء يريده، وحتى يوم أن قرر والد معاذ أن يزوجه من امرأة مصابة في عينيها بإعاقة، كان معاذاً قد تعلم كيف يواجه مصيره وكيف يأخذ العبرة والدرس حتى لو من أقرب الناس إليه ريم، لكنه في النهاية رضخ لحكم والده وذهب ليتزوج ويختفي بعدها مدة من الزمن بينما تمتلئ ريم بالحزن من جهة وبالثقة من كونها تعرف الآن أن معاذاً لم يعد هو الضعيف غير القادر على تسيير حياته كما يريد، مع أن حياتهما بقيت في حكم الحياة مغتصبة ومهدرة ومثقوبة، كان معاذ هو حلمها كما تقول ريم: “الذي خلقته بنفسي بجهدي بالنوافذ المعلقة على ارتفاع شاهق بالفسح الصغيرة بين كومة الواجبات”.. يمضي معاذ وتشعر ريم بأن حريتها أخذت مرة أخرى وهنا يبلغ النص ذروته في حالة فقد بائسة مليئة بالشجن والحزن ويبقى عبدالله حلم منتظر.


    الرواية تطرح وتعالج بجرأة وآراء مختلفة الكثير من القضايا المهمة والكبرى، وتعيد بها سهام مرضي متعة أن نقرأ رواية بعيدة عن ركام الطفرة الروائية.
Working...
X