Announcement

Collapse
No announcement yet.

أفكار النهضة بين الأمس واليوم - تحرير وجيه كوثراني

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • أفكار النهضة بين الأمس واليوم - تحرير وجيه كوثراني

    «أفكار النهضة بين الأمس واليوم»
    تقديم وتحرير وجيه كوثراني

    نحو قراءة جديدة للفكر النهضوي العربي


    كرم الحلو


    منذ التسعينيات من القرن الماضي بدأ الكلام عن نظام عالمي جديد، وهيمن الخطاب الاستراتيجي الاميركي المتستر بتاريخانية هيجلية متفائلة، كما عند فوكوياما، او بواقعية انتروبولوجية ثقافية حضارية، كما عندها نتنغتون، الامر الذي يحتم على الباحث العربي تجديد خطابه، خاصة بعد النهوض الملحوظ في الدراسات التاريخية والاجتماعية والفلسفية على امتداد العالم العربي. في هذا السياق التاريخي يطرح كتاب "افكار النهضة بين الامس واليوم من الدعوة لها الى البحث فيها" تحرير وتقديم وجيه كوثراني، منتدى المعارف 2011، افكار النهضة العربية، لا من زاوية طبيعتها الايديولوجية، بل من زاوية النقد الابستمولوجي، والتعامل مع الاجوبة السابقة التي طرحها النهضويون، بمناهج علوم الانسان والمجتمع واخضاعها للمساءلة البحثية لكشف نقاط الاستمرار ونقاط الانقطاع ونقاط التجاوز. على هذا الاساس رأى كمال عبد اللطيف ان لا معنى لدراسة تاريخ الافكار في مجتمعاتنا، الا باستخدام مناهج العلوم الانسانية والاجتماعية الحديثة، واستكمال الاطلالة المعرفية الاولى للمؤسسين الجامعيين الاوائل بالنقد الابستمولوجي، وتوسيع مجال النظريات بادخال معطيات الخصوصي والمحلي في ظل الحداثة السياسية والمؤسسات الراعية للبحث العلمي. ومن هذا المنطلق بالذات قرأ محمد سعد ابو عامود اشكالية الدولة العربية مستعرضاً آراء مجموعة من الباحثين العرب ليؤكد ان اسهامات هؤلاء تحتاج الى استكمال ومواصلة. فليس من الجائز التنكر للدولة التقليدية العربية تحت تأثير بعض المفاهيم الغربية الكلاسيكية، فمن الدول التقليدية العربية من هو عريق في تاريخه ونشأته كحصيلة لعوامل داخلية واقليمية اصيلة، معظمها سابق على الاستعمار، وكان يتمتع بشرعية سياسية نابعة من قيم المجتمع الاساسية وحضارته الخاصة. ولجهة تلاقي الدولة القديمة مع الدولة الحالية يتبنى ابو عامود رأي محمد عابد الجابري في ان دولة الملك العضوض التي أسسها معاوية ماثلة حية في الذاكرة التاريخية للمواطن العربي، ويتعامل معها في حياته اليومية، وهي تعيد انتاج نفسها مرة بعد اخرى وعلى مراحل تاريخية متتابعة في العالم العربي. ما يبرر التساؤل المسكوت عنه في الفكر العربي حول حقيقة التنظيم السياسي القائم، هل هو تنظيم يصل الى مرحلة الدولة بالمفهوم الغربي الحديث ام انه يقدم صورة مختلفة من صور التنظيم السياسي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ اما محدودية التمثل الديموقراطي في خطاب محمد عبده التي يثيرها محمد الحداد، فأسبابها تقع في حيز العوامل التاريخية. فاذا لم يستخدم عبده مفردة الديموقراطية، فليس معنى ذلك انه كان خصماً لها، بل لأن الفكر السياسي الحديث تأسس على طلب الممكن. ان التعامل مع الخطاب من خارج تاريخيته يمارس ظلماً على المدروس، وإذا ما مني هذا الاصلاح او ذاك بالفشل فليس بسبب خلل في بنية الخطاب، بل بسبب سياقات تاريخية تستدعي التأريخ لها بمنهج التأريخ للتحولات والانقطاعات وتعددها في لحظة معينة من التاريخ. مقالتا عبد الاله بلقزيز في منطق الخطاب الاصلاحي الحديث والاصلاحية الاسلامية يعبران عن هذا المنحى من النظر. وعليه فثمة ملاحظة تاريخية شدد عليها بلقزيز تقول بالقطيعة بين اجتهاد الاصلاحية الاسلامية النهضوية وبين اجتهاد الصحوة الاسلامية. فالاجتهاد الاول كان "انفتاحاً" والاجتهاد الثاني كان "انغلاقاً". العلمانية مقالة كمال عبد اللطيف حول علمانية فرح انطون والمجال السياسي في الفكر العربي ومقالة وجيه كوثراني حول اشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في العقل العملي بين فرح انطون ومحمد عبده تحملان هذا الهم المعرفي والنهضوي في المجال السياسي. اعتبرت الاولى ان "المقالة الفرحية الانطونية جاءت اشبه ما تكون بالطفرة النظرية" في الكتابة السياسية الجديدة في الفكر العربي، لأنها كانت "التأسيس لمفهوم العلمانية" عندما طالب فرح انطون "بالفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية". وإذا كان الفكر العربي لم يتمكن من تطوير المقالة العلمانية الأنطونية، فذلك مرده الى التقصير النظري الكبير الذي ما فتئ يشكل الملمح البارز في فكرنا السياسي، والمداخل المعرفية الاصلح لدراسة تلك العوائق النظرية تتمثل باستخدام علوم الانسان والمجتمع. اما الثانية فقد انصرفت الى بحث تجليات "العقل العملي" في الممارسة لدى عبده وأنطون. ان البحث عن ممارسة سياسية مشتركة بين الاثنين يقود الى العقل العملي ودوره في التقريب بين التوجهات والحلول، وقد اوصلت الممارسة عبده وأنطون، رغم اختلاف مرجعيتيهما بين اسلامية واشتراكية، الى موقف عقلاني عملي واحد من حقوق العمال. وهنا يتساءل كوثراني: ماذا جرى لهذا المنطق العملي العربي بعد أنطون وعبده؟ ماذا فعلت الاحاديتان الاسلامية والقومية بهذا العقل العملي؟ ولا بد في نظره للاجابة عن هذين السؤالين من مواصلة تأصيل العلوم الانسانية والاجتماعية واستخدام مناهجها استخداماً خلاقاً. في نظرة اجمالية نرى ان الكتاب يشكل دعوة لاعادة التفكير في اسئلة النهضة العربية وقراءتها قراءة معاصرة في ضوء المستجدات التاريخية، وانطلاقاً من مكاسب الفلسفة الحديثة والمعاصرة ونتائج مباحث العلوم الانسانية في الدين والمقدس وفي التاريخ والمجتمع، وهو يدفع من خلال ابحاثه الجدية في هذا الاتجاه، ويمهد لمزيد من الافادة من المخزون النهضوي الغني بتوجهاته واشكالياته التي لا تزال تتمتع بالحضور والراهنية. الا ان ذلك لا يعفينا من مناقشة بعض الاحكام والاجتهادات وكشف ما لابسها من مغالطة او اشكالية، من ذلك: أ ـ رأى كمال عبد اللطيف ان مقالات فرح انطون "أشبه ما تكون بالطفرة النظرية المفاجئة" في الفكر العربي، وفي ذلك جفاء للحقيقة وللتاريخ. فالمقالة العلمانية بمعنى فصل الدين عن السياسة وعدم استخدامه لأغراض سياسية، مطروحة في الفكر العربي بأشكال مختلفة قبل ان يولد انطون عام 1874 وليس عام 1847 كما ذكر خطأ في الكتاب. طرحها فارس الشدياق عام 1855 في "الساق على الساق" داعياً الى الفصل بين السلطتين الدينية والمدنية. وطرحها بطرس البستاني في "نفير سورية" عام 1860 لأن خلط الدين بالسياسة في رأيه يفسد الاثنين معاً، ولأن التعصب المذهبي يسبب الضرر للدين والمجتمع على السواء. وطرحها فرنسيس المراش صراحة في كتابه "غابة الحق" عام 1865 إذ دعا الى تنزيه الدين عن "الأغراض الخصوصية" والفصل بين السياسي والديني، وعدم اتخاذ الدين ذريعة للسياسة المطلقة. ب ـ ان الاستعانة بالمفاهيم الليبرالية ـ الدفاع عن الحرية والمساواة، فصل الدين عن الدولة، الدفاع عن التسامح والمواطنة ـ تشكل الأساس البنيوي للفكر الليبرالي عند فرنسيس المراش، طليعة الليبراليين العرب، وليست كما يظن عبد اللطيف ـ "مرجعية جديدة داخل الفكر السياسي الناشئ في ثقافة النهضة العربية". ج ـ ليس صحيحاً ان مسألة الهوية لم تكن مطروحة بالنسبة للنهضويين، وأن الاشكالية كانت تدور حول المسألة الديموقراطية، أي حقوق الانسان والمواطن. والحق ان اشكالية الهوية مطروحة صراحة في الفكر النهضوي، وان بدرجات وأشكال متفاوتة، سواء عند بطرس البستاني او فرنسيس المراش او ابراهيم اليازجي او أديب اسحق. وقد تم التصدي لها جنباً الى جنب مع اشكالية التقدم والديموقراطية السياسية والاجتماعية، وفي النص النهضوي ـ نثراً او شعراً ـ ما يؤكد ذلك. أفكار النهضة بين الأمس واليوم، تحرير وتقديم وجيه كوثراني، منتدى المعارف، 2011، 327 صفحة.

Working...
X