Announcement

Collapse
No announcement yet.

رؤية د. رشدي راشد حول تأريخ العلم العربي بمنهج جديد - بقلم : الدكتور محمود الحمزة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • رؤية د. رشدي راشد حول تأريخ العلم العربي بمنهج جديد - بقلم : الدكتور محمود الحمزة

    " إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية "


    " إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية " بقلم : الدكتور محمود الحمزة

    مقدمة لا بد منها:
    عند دراستنا للحضارة التي ازدهرت في القرون 8-16 في ظل الدولة العربية الإسلامية لا بد من توضيح بعض المصطلحات:
    1- إن كلمة " مسلم " تعني كل من أعتنق الإسلام بغض النظر عن قوميته وجنسيته. أي هناك علماء مسلمون ليسوا عرباً، كما أن هناك علماء عرب وغير عرب ليسوا بمسلمين ، ساهموا جميعاً في بناء الحضارة الإسلامية .
    2- إن كلمة " عرب" لا تعني المنحدرين من العرق العدناني أو القحطاني فحسب ، إنما تشتمل في هذا البحث على كل من نطق أو تثقف بالعربية . وعندما نقول العلماء العرب والمسلمين نقصد كل العلماء الذين كتبوا باللغة العربية وعاشوا في ظل الدولة العربية الإسلامية . ولو كانت هناك جوازات سفر لحملوا الجواز العربي. لذلك نسميهم علماء عرب لأن ثقافتهم عربية بغض النظر عن جنسيتهم الأصلية . انظروا إلى أمريكا فيها علماء من جنسيات مختلفة ( عرب- ألمان - روس وغيرهم ) ولكنهم يعتبرون أمريكان لأنهم يحملون الجواز الأمريكي ولا يمثل هذا انتقاص من انتمائهم الأصلي لقومية ما بل واقع الحال هو الذي يفرض ذلك .

    1) حول تأريخ العلم العربي بمنهج جديد
    (رؤية د. رشدي راشد)

    الحديث عن التراث العلمي العربي عادة ما يتشعب ويطول وهناك جدل دائر منذ أكثر من نصف قرن أثاره المثقفون العرب والمسلمون حول التراث العلمي كإحدى وسائل التجديد. ونطرح هنا السؤال: لماذا العودة إلى الماضي الذي انطوت صفحاته؟ لماذا لا نهتم بالحاضر والمستقبل؟.هذه أسئلة مشروعة. ولكن البحث عن الجذور والأصالة لا يعني بأي شكل من الأشكال التبجح بالماضي أو ربطه بعوامل قومية أو دينية بحتة. وكذلك لا يعني إهمال الحاضر وعدم التفكير بالمستقبل.
    ولتوضيح الصورة بشكل أدق نعود إلى الأسباب الحقيقية لظهور الاهتمام بتاريخ العلوم العربية والإسلامية. بدأ الاهتمام بتاريخ العلوم مع ظهور فلسفة التنوير في أوروبا في القرن 18 م. ففي فرنسا طرحت لأول مرة أفكار عظيمة حول القديم والحديث واحتاجت فلسفة التنوير لتعريف الحداثة. فقد أصبح ينظر إلى مفهوم التقدم المستمر للحقائق أو التراكم المستمر لها (د. راشد) وإلى التقدم المستمر للإنسانية مأخوذة كعقل واحد أو كشخص واحد (ومنهم الفيلسوف الفرنسي كوندرسيه الذي تحدث عن التقدم الذهني الإنساني). وهنا يظهر تمجيد العقل الإنساني بغض النظر عن اللغة أو العرق أو الدين. وطرح فلاسفة التنوير مهمة دراسة الفترات المتعاقبة والتطور الذهني خلال تلك الفترات. ولكي يتم رسم لوحة متكاملة لتطور الفكر الإنساني لا بد من دراسة جميع مراحل تطوره وهنا وجب التعمق في التراث العلمي العربي – كما يشير د. راشد. وعلى يدي كوندرسيه الفرنسي ظهر العلم العربي لأول مرة كإحدى فترات التاريخ المهمة. ومن يومئذ لم ينقطع اهتمام فلاسفة العلوم ومؤرخيها بالعلم العربي. وقد رأى بعض المؤرخين أهمية العلم العربي بأن ظهر في فترة سيطرت فيها الخرافات في أوروبا ولذلك بدأت بحوث مهمة في تاريخ العلم ومنها في تاريخ الرياضيات والطب والفلك. وكانت صورة العلم العربي مشرفة في هذه الفترة. ولكن فقر المعلومات وصعوبة التعرف على العلم العربي بسبب قلة المخطوطات العربية التي درست، وبالتالي فقد اعتمدوا على الترجمات اللاتينية للمخطوطات العربية، أي أن مؤرخي العلم في تلك الفترة لم يتعاملوا مباشرة مع المخطوطات العربية.



    ولكن ظهور مدرسة الفلسفة الرومانسية الألمانية وعلى رأسها ماكس مولر وغيرهم ترك اثراً كبيراً في دفع الاهتمام بتاريخ العلوم والتي استفاد منها العلم العربي في البداية ثم أصبح من ضحاياها لاحقاً (انظر محاضرة د. راشد). وجرى التمييز بين الأجناس حسب اللغات. فاللغات الآرية صالحة– برأي أصحاب الفلسفة الرومانسية - كعقلية علمية فلسفية أما اللغات السامية فتصلح لذهن ديني شعري فقط. وبالتالي انتشرت فكرة العبقرية اليونانية أو الأوروبية وأن العلم ظاهرة أوروبية صرفة. ولكن الرجوع إلى النصوص اليونانية أجبر المؤرخين العودة إلى النصوص العربية. التي حفظت فيها العديد من المخطوطات اليونانية والتي فقدت في أصلها اليوناني مثل كتاب ديوفنطس في المسائل العددية (7 كتب باليونانية و 4 بالعربية) وكتاب أبولونيوس في المخروطات (4 كتب باليونانية و3 بالعربية). واستمرت تلك النظرة العنصرية أو العقائدية تجاه العلم العربي على مدى قرنين (19 – 20) وبقيت آثارها حتى اليوم.
    وللأسف لوحظت ظاهرة مؤسفة في أعمال حتى كبار مؤرخي العلم مثل كارا دي فو الفرنسي الذي لم يتمكن من رؤية ما كتبه نصير الدين الطوسي في كتابه "التذكرة النصيرية" حول نظام هيئة جديد (نظام فلكي) مخالف لنظام بطلميوس الوارد في كتابه "المجسطي". إلى أن جاء نيجيباور الأمريكي لينتبه لهذا الاكتشاف العظيم لنصير الدين الطوسي.
    لكن الواقع أصبح يفرض نفسه وبدأ اهتمام واسع بالعلم العربي. وتميز العلم العربي بصفة جديدة لم تتوفر في أي علم آخر قبله وهي صفة العالمية.
    فالعلم العربي عالمي بمنابعه ومصادره وهو عالمي بتمدداته وتطوراته. فمصادره هي الهلنستية والسنسكريتية والسريانية والفارسية وكان لهذا التنوع تأثير حاسم في صياغة ملامح العلم العربي والتي تمثلت بشكل خاص في انصهار تلك العلوم تحت قبة الحضارة الإسلامية ( راشد). وقد كان الهدف من ترجمة العلوم القديمة إلى العربية هو متابعة البحث بنشاط وحماس، علاوة على تلقيه الدعم الكبير من قبل السلطة السياسية آنذاك. وتكونت مدارس علمية كاملة مثل مدرسة حنين بن اسحق وابنه وأهله، ومدرسة بني موسى وتلاميذهم مثل ثابت بن قرة ومدرسة قسطا بن لوقا والمراصد الفلكية الكبرى التي تأسست وتبلورت حولها مكتبات علمية ضخمة لغتها الأساسية هي العربية – لغة العلم العالمية لعدة قرون. ومثال تلك المراكز مرصد مراغة الذي أشرف على تأسيسه نصير الدين الطوسي (ق 13) في عهد هولاكو. فقد كان الطوسي يستخدم الأموال التي يغدقها عليه الحاكم المغولي بسخاء، في شراء الكتب العلمية وصناعة الأجهزة وغير ذلك بما يخدم العلم والبحث العلمي. ويقال أن عدد الكتب في مكتبة المرص وصل إلى 400000 كتاب.
    لقد تفاعلت التقاليد العلمية المختلفة لتنتج علوماً ومناهج جديدة مثل الجبر والاسقاطات الهندسية وعلم المناظر وحساب المثلثات وغيره. وكان للمجتمع والمدينة الإسلامية دوراً مهماً في انبثاق تلك الظاهرة التاريخية الجديدة وهي العلم العربي.
    وقد أشار راشد إلى أهمية الممارسات الاجتماعية للعلماء وأهمها:
    - التنقل والسفر الذي أصبح وسيلة للتعلم والتعليم. وظاهرة السفر في نطاق الدولة العربية الإسلامية من حدود الصين إلى أسبانيا لم يشهد لها التاريخ مثيلاً (ففي عهد الاسكندرية مثلاً كانت ظاهرة تنقل العلماء موجودة ولكنها لم تكن بتلك الأبعاد).
    - المراسلات العلمية والتي شملت كل حقول المعرفة مثل مراسلات القوهي والصابي ومراسلات السيجزي مع رياضيي الري وخراسان ومراسلة شرف الدين الطوسي مع رئيس نظامية بغداد.
    وخلاصة ذلك أنه حدثت تغيرات هائلة. فالعلم العربي تقدم محاطاً بموكبة من التحولات وتجددت العلاقات بين التقاليد العلمية الموروثة ولم تعد على ما كانت عليه وتغيرت محتويات المكتبة العلمية وامكانياتها. وتوحدت لغة العلم وزادت كثيراً تنقلات العلماء ومراسلاتهم.
    ويرى راشد بأن النظرة العقائدية التي سادت في أوروبا لقرون طويلة أفقدت العلم طابعه العالمي الذي تميز به العلم العربي. واعتبروا في أوروبا علوم القرنين السادس عشر والسابع عشر هي المقياس الذي تقاس به كل العلوم ولم يكونوا يعرفون بأن تلك العلوم اعتمدت على العلوم العربية وذهبوا إلى أكثر من ذلك بأن اعتبروا تلك العلوم ثورة في التاريخ وأنها بدأت من الصفر أي اعتمدت فقط على العلم الأوروبي المكتوب باللاتينية وكأن علماً لم يسبقه.
    وهذه كارثة في تاريخ العلوم فقد سادت تلك النظرة نتيجة جهل أوروبا أو تجاهلها للعلوم العربية التي قطعت أشواطاً متقدمة جداً في الاكتشافات الجديدة. ويؤكد راشد بأن ذلك التعالي الأوروبي لم يكن ممكناً لولا الجهل بأعمال مدرسة مراغة في علم الهيئة ومدرسة الخيام الجبرية وشرف الدين الطوسي في الهندسة التحليلية وكتابات بني موسى وثابت بن قرة في التحليل الرياضي ورسائل وكتب ابن سهل وابن الهيثم في المناظر وغيرهم الكثير. والحقيقة التي كان عليهم معرفتها هي: إن لم تعرف ما فعله العلم العربي لن تفهم ما تم قبله وما تم بعده.
    ويؤكد راشد بأن إعطاء العلم العربي موقعه الصحيح لا يعني الانتقاص من أهمية مكتشفات ديكارت في الهندسة التحليلية وفيرما في نظرية الأعداد وكوبرنيكس في علم الفلك وغاليلو في علم الحركة. ويورد مثالاً على نظرية عمر الخيام (ق 12) في الهندسة الجبرية والتي تنص على حل المعادلات التكعيبية بواسطة القطوع المخروطية. أما الجديد عند ديكارت فهو دراسة المنحنيات بالمعادلات الجبرية. ولكن في أوروبا عندما درسوا أعمال ديكارت اعتقدوا أنه استفاد من أعمال أبولونيوس (ق 2 ق.م.) في القطوع المخروطية ولم يعتبروا أن أحداً جاء بعده ودرس هذه المواضيع. وبالتالي حدث خلط بين ما هو معروف قبل ديكارت وما هو الجديد عنده. إن في ذلك إساءة لسمعة ديكارت العلمية ومكانته في تاريخ العلم.
    ويصل راشد إلى استنتاج مفاده أن الاهتمام الجدي والموضوعي بتاريخ العلم العربي لا بد منه لتحقق ثلاث مهمات: لفتح الطريق أمام فهم حقيقي لتاريخ العلم الكلاسيكي (ق 16-17 م) أو للعلم في القرون 9-17، ولتحديد تاريخ العلوم عامة لإعادة رسم الصورة التي شوهتها النظرات الإيديولوجية أو العقائدية. وأخيراً لمعرفة الثقافة العربية الإسلامية حق المعرفة بإعادة ما كان من أبعادها وهو البعد العقلي العلمي. فالتراث الإسلامي لم يكن لغة وديناً وأدباً وحسب بل كان أيضاً علوماً وفلسفة ومنطقاً. وكانت أصالة هذا التراث في عالميته وانفتاحه.
    وهنا يطرح سؤال نفسه: على ماذا يجب أن يركز الباحث في تاريخ العلوم العربية؟ يؤكد راشد على ضرورة التفريق بين سرد الوقائع وبين كيفية بناء النظريات. فإن لم يتعرض المؤرخ إلى التقنيات التي استخدمها العلماء وكيفية تطورها فإن لا قيمة لعملهم . أي أن تاريخ العلوم ليس تأريخاً بالمعنى الخاص بل هو علم قائم بذاته ومهمته الكشف عن تاريخ النظريات العلمية وتكونها وعن تبلور أفكار العلماء وتقدير اسهاماتهم مقارنة بمن سبقوهم ومدى تأثيرهم على من أتوا بعدهم. إن تاريخ العلوم هو علم له مقوماته وله منهجه العلمي. فالمستشرقون الذين كتبوا في تاريخ العلوم العربية منهم من حاول غرس بعض الأفكار بتركيزه على جوانب معينة من التاريخ كأن روجوا لفكرة ان العلم هو ظاهرة عربية أو إسلامية أي حاولا ربطها بالجانب القومي أو الديني لكي يبرروا أفكارهم العقائدية حول غربية العلوم. أو روجوا لفكرة أن العلم العربي انهار منذ القرن الرابع عشر مثلاً. والحقيقة هي أن قلة الاطلاع على المخطوطات العربية هي السبب في عدم اكتشاف ما قدمه العلماء العرب في القرون الخامس عشر وحتى السابع عشر وخاصة في مجال الفلك (مرصد أوغ بك في سمرقند وغيره).

Working...
X