Announcement

Collapse
No announcement yet.

الناقد شوقي بدر يوسف (الرواية سيدة ) حوار: محمد عطية محمود

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الناقد شوقي بدر يوسف (الرواية سيدة ) حوار: محمد عطية محمود

    الكاتب محمد عطية محمود مع الناقد شوقي بدر يوسف
    شوقي بدر يوسف
    الرواية سيدة مجال السرديات الآن إبداعيا ونقديا



    حوار: محمد عطية محمود

    الناقد شوقي بدر يوسف، واحد من النقاد المبدعين الذين يثرون الساحة الثقافية بجهودهم الخلاقة في مجال النقد الأدبي، في مصر، وقد امتد نشاطه النقدي ليتخطى حدود الإقليمية، بتواجده الفاعل في أكبر الدوريات العربية الثقافية، وبإمداداته للمكتبة العربية بالعديد من الإصدارات النقدية منها "غواية الرواية"، "الرواية والروائيون"، "جبل الثلج العائم" وغيرها، والتي تناولت بالنقد والتحليل عددا ليس بهين من المبدعين المصريين والعرب على حد السواء، وموسوعية بحثه الذي يعتمد فيه على مرجعية مكتبة ببلوجرافية سردية موسعة الكترونية لكتاب من مختلف أنحاء العالم السردي، تضم الآلاف من الكتب والمراجع والدوريات العربية والمترجمة المهتمة بكافة أمور السرد من إبداع و نقد، وكذا مشاركاته الفاعلة في العديد من المؤتمرات الأدبية في مصر وخارجها بأبحاثه المتميزة، و قد كان لنا معه هذا الحوار:

    البداية دائما إبداعية


    * تتميز كتاباتكم النقدية بحس إبداعي ملحوظ، بجانب الوعي النقدي المدروس، الذي يؤطر تلك الكتابات، بما يشي بوجود روح إبداعية متأصلة، فهل كانت البدايات الأولى إبداعية؟ وهل كانت مع الشعر أم السرد؟


    - الحس النقدي عند أي ناقد ينشأ من تراكمات إبداعية مختلفة ومتعددة وتظل هذه التراكمات متوارية إلى أن تسنح لها الفرصة فى التعبير عن الإبداع بإقامة محطات موازية للنص الإبداعي المراد إضاءته والتعبير عنه، وقد مررت بمحطات أدبية عديدة أولها بطبيعة الحال كان الشعر، جميع الأدباء دون استثناء بدأوا بالشعر وقد ألقت بهم بحور الشعر إلى الأجناس الأخرى من الإبداعات، وبعضهم مكث فى محطة الشعر إلى النهاية، وهناك مقولة تدعى على الناقد بأنه مبدع فاشل، وهذا الكلام مغلوط وغير صحيح، فالناقد له دور كبير فى الحركة الإبداعية لأن ما يكتبه هو نوع خاص من الإبداع الموازى لمتون ما تخرجه المطابع من إبداعات فى كافة الأجناس الأدبية، والنقد عالم له تياراته ومدارسه وتجديداته و تجريباته المختلفة شأنه شأن الإبداع، وأعتقد أن هناك متعة كبيرة فى تطبيق الرؤى النقدية على الأعمال الإبداعية بكافة أجناسها يعرفها تماما النقاد فى شتى المجالات. أما بالنسبة للسرد فقد كانت لى محاولات أولها عندما كنت طالبا فى ثانوي كتبت قصة عن أحد العمال الذين كانوا مشتركين فى حفر قناة السويس وأرسلتها إلى مجلة الصباح التى كانت تصدر فى الخمسينيات من القرن الماضي، ولا أعلم عنها شيئا، القصة الثانية نشرت فى مجلة عالم القصة وتحولت إلى سهرة تليفزيونية بعنوان "النشال"، وقد قام بمناقشتها الراحل سيد حامد النساج فى البرنامج التليفزيوني التى كانت تشرف عليها سميحة غالب زوجة الشاعر صلاح عبد الصبور، وهو برنامج "القصة القصيرة".

    * تنتشر مساهماتكم النقدية المتميزة على صفحات الدوريات المصرية والعربية بشكل جيد وفاعل، بما يكفل لكم حضورا لافتا.. هل تؤمنون بالدور الذي تلعبه هذه الدوريات في الحركة الأدبية.. أم أن الكتاب النقدي له تأثير خاص وأعمق، بحيث أنه يمكن إضافته للمكتبة العربية، فضلا عن كونه في تلك الحالة مرجعا؟
    - للدوريات دور مهم ويجب أن يكون فاعلا تجاه الحركة الثقافية والأدبية بصفة عامة، والصفحات الثقافية فى الدوريات اليومية السيارة من أهم الصفحات حيث ترصد كل جديد فى الساحة، وتعّرف القارئ بأهم الإصدارات وأهم القضايا المطروحة، وهى مرصد جيد للمتابعات، والمتابعات هى لفت للأنظار لأهم الإصدارات الأدبية حتى يقبل عليها القراء، فهي أداة تعريف بكل جديد يصدر على الساحة، والصفحات الأدبية تتبارى فى تنظيم خطوطها ومادتها حتى تحظى بأكبر عدد ممكن من القراء والمتابعين لها.

    كما أن هناك أيضا الدوريات المتخصصة وهى الدور الثاني والأهم فى الحركة الأدبية فهي التى تواكب كل جديد فى مجال النشر وفى القضايا المطروحة على الساحة، ومجلات القصة والشعر والمسرح والرواية المتخصصة فى هذا المجالات لها دور كبير وحاضر على الساحة ونأمل فى أن تزيد هذه المجلات المتخصصة فى هذه المجالات لدورها الكبير فى إثراء الحركة الإبداعية والنقدية المتخصصة. وهذا طبعا لا يغمط دور الكتاب بأى حال من الأحوال فالكتاب هو أبو الإبداع والعلوم والفنون وهو سيد الموقف حتى الآن على الرغم من المنافسات الشديدة لوسائل الاتصالات والأعلام الأخرى.

    الجوائز محفزة على الإبداع والبحث

    * فزتم بجائزة المجلس الأعلى للثقافة بمصر، عن دراسة ضياء الشرقاوي وعالمه القصصي، والتي مثلت بواكير إنتاجكم المطبوع. حدثنا عن تجربتك مع الجوائز، ومدى تأثيرها على أداء المبدع والناقد معا..

    - هذه التجربة مر عليها أكثر من خمسة وعشرين عاما ولم تتكرر بعد ذلك، كانت مسابقة دورية يقيمها المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة كل عام تحت اسم الأديب الراحل يوسف السباعي وهى مسابقة فى النقد، وكنت وقتئذ مبهورا بجيل الستينيات وفرسانه فى مجالات الإبداع المختلفة بهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم ومحمد حافظ رجب ومحمد إبراهيم مبروك وصبري حافظ ومجيد طوبيا وضياء الشرقاوي وعبد العال الحمامصي وأمل دنقل وحسن محسب، واستهوتني المسابقة فقررت أن أشترك فيها وحرت عن من أشترك فى هذه المسابقة وكان ضياء الشرقاوي هذا الأديب الملغز الذى كان يبدع فى كافة المجالات السردية القصة والرواية والنقد والدراسات الجمالية والفنية وكان ضياء من الأدباء الذين لا يسلمّون أعمالهم للمتلقي بسهولة فقد كان يتكيء على الغموض والتهويمات والفلسفة، وكانت أعماله من الأعمال الصعبة، فقررت أن أركب الصعب، وأن أكتب عن ضياء وأذكر وأنا أسلِّم موضوع المسابقة فى مقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة أن التى استلمته هى المترجمة أنسية أبو النصر زوجة الشاعر الراحل فوزى العنتيل وقالت لى بالحرف الواحد: "ـ كويس إنك كتبت عن واحد من الأدباء الشبان، كل اللي اشتركوا فى المسابقة كتبوا عن نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم من كبار الكتاب"
    وكنت سعيدا بهذا الحوار الذى حققت من خلاله تفردا خاصا فى هذا المجال، بعد أن كنت أقدم عملي على استحياء فى ذلك الوقت، وقد فاز بحثي وقتها بالجائزة الأولى وكانت عبارة عن مبلغ 400 جنيها وكان مبلغا كبيرا فى هذا الوقت. وأعتقد أن الاشتراك فى المسابقات هو تحفيز للمبدع أكثر منها للمكسب المادي، هذا الحافز الجميل الذى يجعل المبدع يقدم على التسابق ومحاولة الوصول قبل غيره إلى الهدف المأمول من المسابقة وهو التفرد والتميز على نفسه وعلى منافسيه فى مجاله الإبداعي. جميع المبدعين دون استثناء مروا بهذه المرحلة ولا شك أن كثير منهم كانت المسابقات حافزا مهما فى تأصيل وتجديد عالمهم الإبداعي، هى وجهة نظر قد تحتمل الصواب والخطأ، ولكنها هى الحقيقة، كثير من المبدعين كنت اقرأ أسماءهم فى العديد من المسابقات فى الدوريات القديمة، نجيب محفوظ خاض العديد من المسابقات، وكلنا يعرف فوزه بالمركز الثاني فى مسابقة قوت القلوب الدمرداشية وفوز عادل كامل بالجائزة الأولى عن روايته مليم الأكبر.

    * مع الرواية كان لكم إسهام نقدي حول أعمال كل من محمد جلال وسعد مكاوي.. لماذا كان هذا الاختيار بالتحديد، على الرغم من وجود أسماء روائية أكثر لمعانا وبريقا وظهورا على الساحة الأدبية في ذاك الوقت؟.. نجيب محفوظ مثلا الذي قدمتم له فيما بعد ببلوجرافيا تحليلية لأعماله.
    - كنتُ مغرما بالأرض البكر فى التناول النقدي خاصة فى إعداد الكتب، فقد كنت أختار الكتّاب الذين لم يكتب عنهم كتب قبل ذلك حتى تكون الريادة لى فى هذا المجال، وكانت أيضا المسابقات هى الحافز نحو هذا الموضوع، وكما قلت إن هذا الموضوع قد مر عليه أكثر من خمسة وعشرين عاما، فمن خلال مسابقات المجلس الأعلى للثقافة اشتركت بكتابي محمد جلال وسعد مكاوي فى مسابقات الدراسات النقدية والدراسات الأدبية وكنت أعمل بهما بجد واجتهاد غير عادى، وأعتقد أن كتابىّ عن هذين الكاتبين الكبيرين كانا حافزا بعد ذلك لالتفات الأكاديميين لهما، فقد علمت بعد ذلك بأن هناك رسالة دكتوراه عن القصة القصيرة عند سعد مكاوي، كما أن كتابي عن محمد جلال كان هو الكتاب الوحيد عنه. وهناك محاولات جديدة إن شاء الله للمنجز الروائي عند بعض المبدعين فى الوطن العربي.

    مكتبة وأرشيف الكتروني


    * أسهمتم بشكل فاعل في مجال الببلوجرافيا المرتبطة بمبدعي الإسكندرية بصورة خاصة، فصدرت لكم ببلوجرافيا تطور القصة القصيرة في الإسكندرية.. إلى أي حد يكون تأثير الببلوجرافيات والأنطولوجيات على الحركة الأدبية في تصورك..؟
    - مجال العمل الببليوجرافي مجال مهم وقد استفدت من هذا المجال استفادة كبيرة، وكانت بدايته فى عدد خاص من مجلة المجلة صدر فى الستينيات من القرن الماضي عن أمير الشعراء أحمد شوقي، بهرني هذا العدد بموضوعاته وبالببليوجرافيا التى تضمنها، ففكرت أن أرتب مكتبتي من هذا المنطلق التنظيمي، وكانت البداية حول القصة والرواية فى مصر، ثم امتد الأمر إلى العالم العربي، ثم إلى مشاهير الكتّاب فى العالم كله، والموضوع لم ينته ولن ينتهي، بل استمر وسيستمر إلى أن يستلم أحدهم منى الراية ويكمل هذا الثبت الهام من السرديان الحديثة، وقد تطور الموضوع باستخدامي جهاز الكومبيوتر حيث إنني أحمل فى هذا الجهاز مكتبتي الكبيرة كاملة منظمة بطريقة يستطيع معها الباحث عن أن يصل إلى مبتغاه بأقصى سرعة وقد قمت بمساعدة عدد من الباحثين ممن قصدوني لعمل أبحاث أكاديمية وقد حضرت عندي أكثر من باحثة وأكثر من باحث من الجزائر ومن أوزباكستان ومن مصر لهذا الغرض، واستطيع أن أقول أن مجال التنظيم والجرد البحثي هو من أعظم الأعمال التى يجب أن يتم الاهتمام بها فى ظل ثورة المعلومات الحالية.

    زمن الرواية

    * استنادا إلى إمداداتكم المتواصلة للمكتبة العربية بكتبكم المتميزة عن الرواية تحديدا، مثل "الرواية والروائيون"، و"غواية الرواية"، وما تحت الطبع .. هل تتفقون مع المقولة السائدة بأن هذا الزمن زمن الرواية ؟.. وهل تحقق هذا الأمر أم أنها محض صيحة وقتية لكثرة الأعمال الروائية المطروحة على الساحة؟

    - هذا الزمن هو زمن الرواية بالتأكيد، الرواية هي سيدة مجال السرديات الآن إبداعيا ونقديا. حتى أن بعض الشعراء قد تحّول إلى مجال الرواية، وخاض التجربة، واستمرأها، واستمر فيها وأذكر اسمين كبيرين فى هذا المجال هو الشاعر السوري سليم بركات والشاعر الأردني إبراهيم نصر الله لقد أصبحا الآن علمين كبيرين فى عالم الرواية. وقد حققت الرواية فى هذا الزمن حضورا فاق كل التوقعات على مستوى العالم كله وليس على مستوى مصر أو العالم العربي. وقد طرأ على عالم الرواية تحولات وتطورات كثيرة طالت هذه التحولات الشكل والقضايا والإشكاليات والتيارات والتنظير النقدي لمثل هذا المجال شكلا ومضمونا.

    * من مِن الروائيين المصرين والعرب يستوقفكم إنتاجه المتميز؟

    - الإنتاج الروائي كما قلت عالم غزير ومتنّوع ومتعدد التيارات والاتجاهات، ولا أستطيع أن أحدد روائيا بعينه ليكون المميز لدى، فكل عمل روائي هو شريحة من الحياة تتشكل وتتكّون حسب اجتهاد كاتبها وعالمه الخاص ومخزونه التقني والمعرفي والفني. وكل حسب اجتهاده، لكن كل بلد من البلاد لها كتابها الذين لهم حضور على ساحتهم وعلى الساحة العالمية. ماركيز وكارلوس فوينتس وجورج آمادو وإيزابيل ألليندى وخوليو كورتاثار وأرنستو ساباتو وغيرهم من كتّاب أمريكا الجنوبية لهم حضور كبير فى الرواية العالمية. وفى الخمسين عاما الأولى من القرن الماضي كانت أمريكا بكتابها هم أصحاب الحضور الأفضل فى هذا المجال وعلى رأسهم هيمنجواى وهنرى ميللر وصو بيللو وجون شتاينبك وتورمان كابوت وأرسكين كولدويل ووليم فولكنر وبعض الكتّاب السود أمثال جيمس بولدوين ورالف إيلسون وتونى موريسون التى حازت جائزة نوبل فى التسعينيات، وكل عام تخرج لنا الجوائز أسماءً جديدة ربما هى بعيدة عنا ولكنها تصبح ملء الأسماع والأبصار وتبدأ أعمالهم فى الظهور والانتشار بسرعة كبيرة ولا نسمع الآن عن الشعر إلا النذر اليسير الآن، والكتّاب العرب لهم حضور كبير على الساحة الروائية وطبعا كل بلد عربي له أسماؤه المتميزة كما أن لمصر حضور طاغ فى هذا المجال بالعديد من روائيها، وسامحني في عدم ذكر أسماء لأن ذلك سوف يعقد الموقف بالنسبة لي، والأعداد كبيرة وكل حسب تميزه.

    محمد حافظ رجب والتجريب في القصة

    * القصة ورأس الرجل.. نعلم أنها دراسة تحت الطبع لكم حول القصة عند محمد حافظ رجب الذي أثارت قصصه جدلا نقديا واسعا.. هل هي استمرار لغوصك في تجارب القصة القصيرة، في سياق كتابيك "هاجس الكتابة"، و"جبل الثلج العائم"، أم هي محاولة لمقاربة جديدة وتعاطف مع تيمة التجريب والتجديد لدى مبدع مختلف ومتميز؟

    - في أحد الأعداد الأخيرة من مجلة القصة المصرية كانت لي دراسة تحت عنوان "القصة القصيرة والخروج من دائرة الحكي" تناولت بعض الكتّاب الذين كان نزوعهم إلى التجريب هو ديدنهم فى معظم إبداعاتهم فى القصة القصيرة المصرية والذين خرجوا من عباءة الإسكندرية على وجه التحديد أمثال إدوار الخراط ومحمد حافظ رجب ومحمد إبراهيم مبروك ومحمد الصاوي ومحمود عوض عبد العال والسعيد الورقي، هذه الدراسة كانت ضمن ملف خاص عن القصة في الإسكندرية المدينة الروائية التى أخرجت الكثير من كتاب القصة والرواية المصرية، وقد قصدت من هذه الدراسة لفت الأنظار إلى أن الإسكندرية كانت محطة رئيسة متميزة لإبداعات القصة الحديثة. والكتابة عن محمد حافظ رجب أحد رموز هذه المنظومة التجريبية يعد أحد العلامات والإشارات المهمة لإضاءة واقع القصة السريالية منذ مرحلة الستينيات وحتى الآن. ويعد هذا الكتّاب الذى كانت قصته الكرة ورأس الرجل لحافظ رجب هي فتح جديد فى القصة المصرية وفي عالمه الخاص. وهو من قال عنه الدكتور صبري حافظ : "إنه لا بد لأي دراسة جادة عن أدب الستينات أن تبدأ بمحمد حافظ رجب، لأنه أول من فجر قضية الأدب الجديد، وطرح الأسئلة حول هويته في مطلع هذا العقد الغريب، ولأنه أول من نقل قضية الكتابات الجديدة من منطقة الهواجس المبهمة والإرهاصات المبعثرة الغامضة، إلى نطاق التناول العقلي والإدراك الشعوري. ولأنه أول من استشعر ضرورة البحث عن أساليب تعبيرية ومنطلقات بنائية طازجة تتمكن الأقصوصة عبرها من استيعاب هذا التغّير الشامل فى الحساسية، وهذا الانقلاب الجذري في النمط البشري الذي تستقطب همومه"، وعندما ظهرت مجموعة "مخلوقات براد الشاي المغلي"، كتأصيل لمعنى الحداثة والتجديد فى فن القصة القصيرة، بدأت حملة كبيرة على أسلوب حافظ رجب فى الكتابة القصصية، وانقسمت الساحة على هذا الحدث، إلا أن هذه المجموعة ومجموعة "الكرة ورأس الرجل" كانتا المحور الأساسي فى حالة تطور القصة القصيرة الحداثية فى بنيتها الجديدة. فإن هذا الهذيان المتحكّم فى نصوصه القصصية إنما هو هذيان الحالة العامة، وأن هذه التهويمات التى طالت نصوصه الكاشفة آنئذ هى نفس التهويمات التى كانت تظلل المجتمع والمنطقة الثقافية فى ذلك الوقت، إن اكتشاف العلاقة بين ثالوث التأويل النصي وهو الكاتب والمتلقي والنص يضاف إليه بعد رابع وهو الحالة العامة وهى التى يعبّر عنها الكاتب فى هذه المجموعة من القصص التى تشكل عالمه السردي ونزوعه الخاص إلى كتابة جديدة تبرز ما هو موجود على مستوى الواقع من خلال مستويات ذهنية، ونفسية وهى الحالة التى حددها حافظ رجب فى الاستهلال الأول للمجموعة وللقصة التى حملت عنوان المجموعة حين جاء هذا الاستهلال على النحو التالي: "قال الرجل الذى بلا رأس.. للشرطي الواقف خلف سور الملعب: ـ هل لك أن تساعدني يا سيدي الشرطي.. لأسترد رأسي الذى يلعبون به داخل الملعب؟"
    بهذه العبارة الاستهلالية للمجموعة، بل وللمرحلة الجديدة عند حافظ رجب، يكون حافظ رجب قد حدد بداية طريقه الجديد نحو التجريب، فهو يحاول أن يغّير من الحالة المتردية للثقافة التى هى الواجهة الأولى لوعى الناس، بأن يسترد الرأس المتحكمّة فى كل شئ فى هذه الحياة بأن يغّير من هذا الواقع، وأن يحاول أن يطور فى بنية الأسلوب الجديد لفن القص من خلال هذه الإرهاصة التى حددت ملامح جيل بأكمله سار على النهج، وأعتقد أن بداية التطور لهذا الفن بجانب جيل حافظ رجب كانت هذه العبارة الموحية والدالة على عمق المأساة التى كانت الثقافة تعانى منها فى ذلك الوقت.

    * كيف ترى المشهد القصصي والروائي العربي الآن؟

    - المشهد القصصي والروائي العربي الآن بخير والدليل على ذلك هذا الزخم الكبير فى المكتبة العربية من إبداعات القصة والرواية. ناهيك عن المؤتمرات التى تعقد لهذه المجالات..

    * شاركت بالعديد من المؤتمرات المتخصصة في السرد في دول عربية مختلفة.. حدثنا عن تجربتك مع تلك الفعاليات التي ولابد لها من تأثير جلي على مشوار الباحث والناقد والمبدع أيضا.. وما أبرز المؤتمرات الأدبية التي شاركت بها، على المستويين المحلي والعربي؟
    - تجربتي مع المؤتمرات تجربة جميلة للغاية لي بجميع مقاييسها، الحضور البحثي، مقابلة المبدعين والنقاد من مصر والعالم العربي، والاحتكاك بالساحة عن قرب، توزيع كتبي والحصول على العديد من المطبوعات من أصحابها مباشرة، المشاركة فى المداخلات والمناقشات فى فعاليات المؤتمرات وهى من الأمور التى تحقق للذات أبعادا ممتعة فى هذه المشاركات. وقد شاركت في مؤتمرات عديدة للرواية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر، مؤتمر السرد الرابع للقصة والرواية باليمن، مؤتمر السرد الأول دورة غالب هلسا بالأردن، ومؤتمر اتحاد الكتّاب العرب الرابع والعشرين بليبيا، وغيرها، ولا شك أن المشاركة فى المؤتمرات الأدبية تعطي للكاتب حضورا خاصا في الساحة الإبداعية من خلال لقاءاته بفعاليات هذه المؤتمرات.
Working...
X