Announcement

Collapse
No announcement yet.

نصف لحظة لا تأتي - الكولومبية ليانا ميخي - سناء عبد العظيم

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • نصف لحظة لا تأتي - الكولومبية ليانا ميخي - سناء عبد العظيم


    نصف لحظة لا تأتي - الكولومبية ليانا ميخي - سناء عبد العظيم


    الكولومبية ليانا ميخيا تجابه الموت بشعرها
    عزلة تتمدَّدُ فوقَ قبرٍ
    حازت ليانا ميخيا Liana Mejía المولودة عام 1960 عددا من الجوائز في الحقل الشعري في سنّ مبكرة من عمرها. كما أصبحت عضوا في هيئة تحرير مجلة “بروميثو” الأدبية ذائعة الصيت في بلدها كولومبيا في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي أيضا.
    ترى هذه الشاعرة أنها تكتب لأنه ينبغي عليها أن تتقاسم مع القارئ ذلك الإحساس ذاته المُلقى على الطريق بوصف هذا الاحساس هو القصيدة التي لاحظت أن بإمكانها أن تجعل الآخرين يدركون ما يمرّ سريعا عبر حياتهم، إذ أنها دائما قصيدة خطرة حيث الروح العارية للقارئ تجعل منه أكثر حساسية تجاه كل قصيدة جديدة يقرأها.
    توصف قصائد ليانا ميخيا في بعض الدرس النقدي بأنها شعر “يجابه الموت”، فقد ولدت في مدينة ميدلين وعاشت بها. وهذه المدينة خرافية على نحو تراجيدي بسبب الجريمة والعنف اللذين ملآ شوارعها وأزقتها، وهذا بالضبط ـ أي الجريمة والعنف ـ ما انتزعته من الواقع إلى شعرها. ودون أنْ تسميها، تتعيَّنْ مدينتها الأم من خلال المجاز والمزاج والتوصيف عبر لغة الظلال والخوف.
    ما يلي ترجمة لعدد من قصائدها - شعر: ليانا ميخيا


    نصف لحظة لا تأتي

    سناء عبد العظيم *

    كان مساء تهادت فيه كليوباترا، ساحبة خلفها ذيول الخيبات، والخضات، بدلال تتهادى .. بتوق لهفان إلى ظل غاب .. بوجع مكتوب في القلب قبل الجبين.. بملء الكون حنين لما لا تعرف.. بحلم أبدي بالامتزاج.. بصدى أغنية في البال تتردد: “ليه يا بنفسج بتبهج وأنت زهر حزين؟”.. برؤية تائهة في عالم الأضغاث.. بأي شيء، وكل شيء، كل ما عرفته أنها كانت تتهادى، مقطوعة الأنفاس تلهث في مخاض ملايين الآهات.
    نظرت شزراً خلفها، فوجدت سهماً بين نقطتين، مغروساً قهراً بين الضلوع، واثق الخطوة يشق لنفسه طريقاً دامياً نحو القلب مستقراً ومستودعاً..
    وأماماً ذلك الآتي من خلف البحر، والعمر، يمد لها توقاً وسحراً.. وملايين الوردات.. علها تهديها لطريق نحو الجنة، يميناً ويساراً، من فوقها ومن تحتها.. ملايين الحيات تناديها، ترسم لها حلم الخلود..
    هناك، حيث يبلغ الأمل منتهاه، وحيث اليأس سيد مطاع، في عالم اللاوجود، واللاصوت.. صرخت كليوباترا بمدى الصمت: لست ملكة أنا أيها الآتي من خلف البحر والعمر.. أنا تاء التأنيث المربوطة بقيود حريرية.. المسجونة بعيون طفلة خلقها جوبيتر ووحده رآها.. نقطة ليست آخر سطر الموصومات بالحلم.. خرساء صرخت يوماً: حياة.. فناداها رجع الصدى: حمقاء..
    أحياناً نتمنى اللحظة، فإذا جاءت تمنينا لو ما جاءت أبداً..
    أحياناً نركض بأقصى أفكارنا نحو قطار يرحل، فإذا لحقنا آخر أنفاسه، أوجعتنا لحظة حنين لما تركناه خلفنا..
    أحياناً نتساءل هل تساوي اللحظة ما فعلناه، تركناه، خلقناه، قتلناه.. من أجلها؟
    أحيانا نتواصل، نتصارخ، نتلامس، نتعانق، وفي لحظة الامتزاج ننظر خلف اللحظة ماذا تحمل في يدها خنجر.. أم قنبلة موقوتة بعمر اللحظة الآتية؟
    أحياناً ندعو، نتوق، نحلم، نتمنى، فإذا جاء الوعد، تساءلنا: أهذا حقاً ما تمنينا؟
    أحياناً ننتظر ميلاد اللحظة، نرحب، نزين، نرقص، نتغنى، فإذا مضت اللحظة بكينا، للحظة نقصت.. ورصيد تقلص..
    أحياناً يؤلمنا الحضور، ويوجعنا الغياب، ويزهق اللاحضور واللاغياب أنفاسنا ببطء.. وتلذذ..
    أحياناً تداهمنا الفكرة، تحتلنا، تستبيح نقاءنا، وتستحل طهرنا، فإذا انتشت غادرت.. بلا كلمة عزاء.
    أحياناً تواتينا الجرأة لنبحر، يشعلنا إقدام أحمق فنبحر بلا شراع ولا مصباح ولا خاتم سليمان، نبحر ونعود بملء الكون حماقات أكبر..
    أحياناً تشجينا الغنوة، تضرب أوتاراً منسية، تتحسس أصابع أرواحنا، فوق.. تحت.. تحت.. فوق.. دو.. ري.. مي.. آه.. آه.. فإذا دقت الطبلة الأخيرة، انفض السامر والمسرح.
    أحياناً تأخذنا غيبوبة زار مجنون، لعفريت مأسور بداخلنا، نلف، ندور حول المعبد، نقدم قرابين بيضاء، وحمراء، وكنوز شتى، عله يرضى، فإذا انتهكنا، وأنهكنا، غادرنا غير مأسوف علينا.
    أحياناً نتسامر، نتقامر، نعاقر خمراً لا يسكر، نعصر شهداً لا يروي، يغمرنا العطش، فنغرق.. وبين العطش والغرق، نصف لحظة لا تأتي.
    أحياناً تستهوينا اللعبة، تأخذنا قسراً من ذاتنا، تسرقنا من أقرب لحظاتنا، تخنقنا من أبسط أنفاسنا، ترفعنا، تطرحنا، تجمعنا، تضربنا بأروع ما فينا.. وبنزق أيضاً تلقينا.
    هكذا أجابته ذات سؤال لم يسأل بـ”لماذا؟”.
    بدون أن أدري ضغطت يدي على الرد....
    هل لأدفع عن نفسي تهمة الغياب؟ أم لأفرض تواجدي على تلك الرحلة؟ بل ربما فقط لأقول: لا بل أنا هنا.. أو هناك..
    وبين استراحة المحارب، واستفاقة الحياة، غرست كليوباترا روحاً، وتداً في قاع البحر، وكأنها تخشى المد الآتي.. “نموت قبل الموت”.. ونموت أيضاً قبل الحياة.. نخاف الموت.. ونخاف حد الرعب من الحياة.. نخاف ذلك المجهول الذي نتنفسه كدخان أزرق علناً نجد فيه لذة مفقودة، أو خيال نشوة طال انتظارها، حتى استوحشت محطات العمر من الخواء، فعلقت لافتة: كانت هنا روحاً تنتظر ما لا يأتي..
    أيها الآتي من خلف البحر، والعمر.. رمالي أنا متحركة بلا قصور.. تسكنها “النداهة” ويحرسها الغول بلا خل وفي.. ومن النداهة للغول.. يا قلبي ما تفرح.. فليس للفرح مكان.. ولا عزاء.
Working...
X