Announcement

Collapse
No announcement yet.

خيارات التجديد عند الموسيقي العربي والانتقال نحو نهضة موسيقية عربية معاصرة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • خيارات التجديد عند الموسيقي العربي والانتقال نحو نهضة موسيقية عربية معاصرة



    الموسيقي العربي وخيارات التجديد
    الوطن - علي الأحمد
    لا يخفى على أحد أهمية الانتقال نحو نهضة موسيقية عربية معاصرة تكمل وتتماهى مع منجز النهضة والثورات الموسيقية البازغة التي قامت تحديداً في بدايات ومنتصف القرن الماضي حيث لعبت العلوم والأدوات الغربية دوراً عميقاً في التحولات الملموسة التي طالت بنية الموسيقا العربية كتابة وممارسة أفضت إلى ولوج هذه الموسيقا ولأول مرة كما يرى الباحثون وعلماء كثر مناخات التعبير الموسيقي في إشارة دالة على عمق هذا التحول وامتداده عبر نتاجات موسيقية غير مسبوقة وفي كلتا الموسيقيتين الفنية بتقاليدها العريقة والشعبية بفطريتها وتلقائيتها السامقة.
    ولعل المنجز الذي تحقق ما كان له أن يحدث الأثر المطلوب بعد مرحلة التطريب العتيدة لولا هذا البعد التعبيري الذي فتح المجال واسعاً لدخول تقانات وافدة كما أسلفنا من علوم موسيقية وآلات دخلت قلب الحياة الموسيقية العربية بفضل أعلام رواد في سورية ومصر ولبنان والعراق مؤسسين بذلك مدارس موسيقية غير مسبوقة وتحديداً في إغناء البعد الجمالي والذوقي الذي كان مغيباً ومهمشاً إلى حد كبير في نتاجات الحقب الطربية بما لها وعليها. ولا يخفى هنا أهمية انعقاد أول مؤتمر دولي للموسيقا العربية بدايات القرن الماضي بمشاركة واسعة من باحثين وعلماء كبار في الموسيقيتين العربية والغربية بما تمخض من توصيات وحلول ناجعة للانتقال من المرحلة القديمة بمناخاتها وسطوتها في الذاكرة الجمعية إلى مناخات مغايرة كلياً تماهت مع تلك الثورات والنهضات الموسيقية التي قامت في الشرق والغرب على حد سواء ومن خلالها تم إرساء العلم الموسيقي الأكاديمي كمدخل أساس للشروع في هذه النهضة الموسيقية الموعودة التي طالت لأسباب تاريخية معلومة وكانت البدايات مع مدرسة التعبير التي رسم خطاها المبدع سيد درويش ومن تتلمذ لاحقاً في هذه المدرسة الموسيقية الباذخة... محمد القصبجي، محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، محمد الموجي، كمال الطويل، بليغ حمدي، وزكي ناصيف، وتوفيق الباشا، وعبد الغني شعبان، والرحابنة، ومدرسة بغداد في العود، وفي سورية نوري رحيباني، وصلحي الوادي، وأمير البزق، ونوري اسكندر، وأسماء مبدعة لا تحضرنا، ساهمت بشكل كبير في التحولات العميقة للفكر الموسيقي العربي المعاصر بفضل روح التثاقف والحوار الحضاري مع الآخر في الشرق والغرب ما وضع الموسيقا العربية في مكانتها التي تستحقها على الرغم من وجود التيار الاستهلاكي الذي سار جنباً إلى جنب مع هذا التيار الإبداعي الراسخ الذي مع الأسف يحارب الآن من القيمين على مقدرات هذا الفن وخاصة شركات الإنتاج التي تسعى إلى تقويض هذه النهضة العظيمة والتعتيم على رموزها وصناع بهجتها الخالدة، في سبيل إحلال لغة جديدة تتخفف من كل هذا الإرث العظيم، تتماشى مع روح وروحية العصر الملتاث، اللاهث، عصر اللامعنى، التي تدل عليه نتاجاته بما تشي بالفقر والخواء الإبداعي «إلا ما ندر» حيث يفتقد الموسيقي المعاصر تلك الجذوة وروح المغامرة التي امتلكها الموسيقي القديم في سعيه إلى الوصول إلى الجوهر الأصيل لهذا الفن النبيل، ليعثر على لقى ومفردات تزيد لغته رسوخاً وتجذراً في تربته، كما تمنحه الوصول إلى كنه وسر الكتابة التي تؤنسن الحياة وتجملها بأبعاد وصور وثيمات، تتناقلها الأجيال بكل تقدير ومحبة.
    إن مآل التجديد في الموسيقا العربية المعاصرة إلى زوال، إن لم يمتلك الموسيقي العربي هذه الروح التواقة للتغيير والتجديد المبني على فهم وإدراك عميق بموروثه وعناصر هويته الإبداعية، تجديد يتكئ على المعرفة ودينامية تلحظ التطورات المذهلة التي لحقت بهذا الفن عبر أزمنة متسارعة، وعبر كتابات كان التجريب فيها يعتمد أولاً وأخيراً على هذا الرصيد الإبداعي الموروث، دون أن يعني ذلك التقليد واستنساخ هذه الروح القديمة، فمن حق الموسيقي العربي اليوم أن يكتب موسيقاه بعيداً عن التأطير والنمذجة كما من حقه أيضاً أن يختار تقنيات وأدوات الكتابة التي يرى أنها تعبر عن مشروعه ورؤاه فكراً وممارسة، وهو ما بدأ يعطي ثماراً يانعة وقطوفاً دانية مع أسماء مهمة باتت تكتب صمتها الموسيقي الهادر وسط هذا الضجيج الذي يلف العالم، تجارب مرسيل خليفة، زياد الرحباني، شربل روحانا، زياد سحاب، أنور إبراهيم، سعيد الشرايبي، نصير شمة، أحمد مختار، عمر بشير، وفي سورية: غزوان زركلي، رعد خلف، صفوان بهلوان، وعصام رافع، كنان العظمة، حسام الدين بريمو، ماجد سراي الدين، زيد جبري، حسان طه، معن خليفة، رامز غنيجة، جوان قره جولي، محمد عثمان، وإسهامات الأوركسترا الوطنية بقيادة المبدع ميساك باغبودريان، وعطاءات جوقة الفرح والأب النبيل الياس زحلاوي، وفرق وأسماء أخرى تسهم بكل محبة وعطاء حقيقي في تحقيق هذه النهضة الموسيقية المعاصرة التي تحاول الوقوف في وجه القبح والرداءة التي تقوم كما هو معلوم على أنقاض كل ما هو جميل وجليل في الفن باتت تسيطر على المشهد الموسيقي العربي لأسباب باتت معلومة ولا تحتاج منا إلى التذكير بها يقول الموسيقار العظيم «دي فاليا»: على المؤلف ألا يكون أنانيا، بل أن يكتب للآخرين، وأن يكتب للجمهور دون أي تنازلات، فشغلي الشاغل هو تأليف موسيقا جديرة بمثلي العليا، وأن أسعى لذلك مهما كلفني ذلك من جهد ومعاناة؟ فهل من آذان مصغية تؤكد هذه القيم والمُثل في خيارات التجديد عند الموسيقي العربي؟
Working...
X