Announcement

Collapse
No announcement yet.

التسويف - الغفلة - إعداد المحامي :بسام المعراوي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • التسويف - الغفلة - إعداد المحامي :بسام المعراوي

    التسويف - الغفلة
    إعداد المحامي :بسام المعراوي
    قال تعالى : (( و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدهم الموت فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين، و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها و الله خبير بما تعملون)) ( المنافقون /10-11) .
    لا يشك العاقل في أن تأجيل الأعمال إحدى مهدرات الوقت .
    يقول سبحانه : ( بل تؤثرن الحياة الدنيا و الآخرة خير و أبقى )، ( الأعلى / 16-17) .

    و لكن جهل الإنسان و نظراته الضيقة تجعله مسوفا في أعماله، و لربما يلسع المرء من هذا العقرب ألا و هو عقرب التأجيل و التسويف، و لكنه يعود إليه بكسله و توانيه، و الكل منا قد مر بحالات – أو حالة على الأقل – من هذا النوع، و عرف نتيجة التسويف جيدا، و لكنه البش الذي يتوب فيعود، و بعودته هذه يفقد وقته و عمره و حياته .
    و في هذا المضمار كتب الأستاذ ( مالك بن نبي ) في كتابه ( بين الرشد و التيه ) تحت عنوان ( وزن الوقت ) :
    ((إن الزمن نهر قديم يعبر العالم،و يروي في أربع و عشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب، و الحقل الذي يعمل به، و لكن هذه الساعات التي تصبح تاريخا هنا و هناك، قد يصير عدما إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها )) .
    فقد تمر على الإنسان فرص كثيرة، لو أنه استثمرها لصنع تاريخا جديدا، و لربما كانت فرصة واحدة تمر على أحدنا، لو أنه اغتنمها لنقش اسمه في صفحات التاريخ المشرق، و لكن الإنسان يخادع نفسه فيقول : ( الوقت طويل، فلم العجلة ؟ ) و كأنه قد ضمن حياته ! و ليس له أن يضمها .
    إن التسويف يسرق من الإنسان عمره، و يقعد بصاحبه عن القيام بواجبه، فيحول بينه و بين ما يطمع و يتمنى و كل ذلك تحت طائلة التسويف و التأجيل .
    يذكر الكاتب المعروف ( دايل كاربجي ) في كتابه ( كيف تكسب الثروة و النجاح و القيادة ) قصة تلامس مشكلة التسويف فيقول ( أخبرني مدير إحدى دور النشر أن آلة الكاتبة فقدت من حجرة مكتبه، و ظلت مفقودة أكثر من عامين، ثم اتفق بعد ذلك أن كان يبحث مع سكرتيرته عن ورقة خاصة بين الأوراق المتراكمة على المكتبة، فإذا هما يعثران على تلك الآلة المفقودة مطمورة بين تلك الأوراق ) .
    و سبب ضياع الآلة راجع إلى تأجيل الأعمال المدونة في تلك الأوراق بلا شك .
    و في موقع آخر كتب ( لقد روى الدكتور (( وليم سادلر )) – أحد كبار الأطباء النفسانيين – أن مدير إحدى المؤسسات الكبيرة بشيكاغو،جاء إلى عيادته يوما يشكو التعب و الاجتهاد، و بينما هو يروي قصته، دق جرس التلفون، و إذا بمدير المستشفى الذي يعمل فيه الدكتور منه موافاته بتقرير عن مسألة معينة، فأسرع إلى كتابة التقرير، و أرسله لساعته.
    ( ثم عاد يستمع لقصة زائره، و لكن جرس التلفون دق مرة أخرى، و كان هناك طلب عاجل أيضا، فبادر إلى تنفيذه، و ما كان يفعل حتى جاء زميل له يستشيره في حالة مريض في حالة خطرة، فأدلى إليه بالمشورة المطلوبة .
    ثم أقبل على زائره – مدير الأعمال – معتذرا عن تأخيره، و شد ما كان عجبه حين رد عليه قائلا : لا داعي للاعتذار، إن الدقائق التي قضيتها الآن هنا، جعلتني ألمس مصدر علتي، و قد تعلمت منك عمليا كيف أعالجها بأن أنجز مثلك كل ما أستطيع إنجازه من الأعمال، دون أن أؤجله ساعة أخرى ) .
    و في هذا المجال أكثر المقولات و الأحاديث الرائعة التي سطرها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، و هنا عرض لبعض منها :
    يقول صلى الله عليه وآله وسلم : (( يا أبا ذر، إياك و التسويف بأملك، فانك بيومك، و لست بما بعده، فان يكن غدا لك لم تندم على ما فرط في اليوم )) بحار الأنوار (ج77،ص75) .
    يشير الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث إلى أن الأمل الكاذب يؤدي بالإنسان إلى التسويف، و أن يوم الإنسان هو الذي في يده، و إذا جاء الغد و استثمره فانه يحق له أن يندم على ما فاته .
    يقول الإمام علي عليه السلام : (( فتدارك ما بقي من عمرك، و لا تقل غدا أو بعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني و التسويف، و حتى أتاهم أمر الله بغته و هم غافلون)) بحار الأنوار (ج73،ص75) .
    و يقول الإمام الباقر عليه السلام :
    (( إياك و التسويف ! فانه بحر يغرق فيه الهلكى )) بحار الأنوار، ( ج73،ص36) .
    و يقول عليه السلام أيضا : (( أوسع أبواب جهنم باب يسمى باب الموسوفين )) .
    و لأن الموسوفين كثرة أ جعل أوسع أبواب الجنة مخصصة لهم .
    و جاء في دعاء للإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام :
    (( و أعني بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف و الآمال عمري، و قد نزلت الآيسين من خيري ))، بحار الأنوار (ج98،ص88) .
    و لا ملامة إن بكى الإنسان حسرة على ما ضيعه من عمره بالتسويف ! فالتسويف لا يغنى سوى حرق ساعات العمر دون فائدة !
    يقول الشاعر في صورة أدبية رائعة :
    إذا أنت لم تزرع و أبصرت حصادا ندمت على التفريط في زمن البذر
    إن أقوى سلاح يجب أن يشهره الإنسان في وجه التسويف، هو أن يتذكر الآخرة و الموت تذكرا دافعا إلى مبادرة الأعمال الصالحات، و ليس تذكرا لا يعدو كونه خيالا سرعان ما يتبخر .
    و يشير عبد الله بن المعتز في أبيات شعر له، إلى حقيقة التفريط و التسويف، فيقول منشئا :

    نسير إلى الآجال في كـل سـاعة و أيامنا تطوى و هـن مـراجـل
    ولم نرى مثل الموت حقـا كأنـه إذا ما تخطته الأمــاني بــاطـل
    و ما أقبح التفريط في .مـن الصبا فكيف به و الشيب في الرأس شامل
    ترحل عن الدنيا بزاد من التقـى فـعـمرك أيـام تــعد قـلائل

    - الغفلة
    ينبغي التأكيد على أن كثيرا من المزالق التي يتعرض لها الإنسان في حياته، منشأها الغفلة، إذ غفلة الرأس المعاصي، فهي تقود الإنسان إلى نسيان الله، و التكذيب، و الكفر .
    و لقد تناول القرآن الكريم مشكلة الغفلة في مجموعة من آياته البينات، منها الآية الكريمة التالية :
    (( و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ))، ( الأعراف / 179) .
    إن خطورة الغفلة تكمن في إنها تلغي دور الحواس لدى الإنسان، فتنسيه قيمه و مبادئه و أهدافه، و تحوله إلى مجرد باحث عن الذات و الشهوات، و من يكون على حالة كهذه، لن تجد للوقت عنده ثمنا .
    و في حقيقة الأمر أن الغفلة على قسمين :
    أ- الغفلة البسيطة ( الجزئية ) .
    ب- الغفلة الكبيرة ( الكلية ) أو ( المركبة ) .
    فقد يغفل المرء عن موعد امتحانه الدراسي – مثلا – فيضطر إلى إعادة الامتحان، و لربما لاعادة الدورة الدراسية، و هذه غفلة جزئية، تكلفه كثير من الجهد، فتصرف من وقته الكثير أيضا .
    و أخطر من هذه الغفلة البسيطة، الغفلة الكبيرة، و هي أن يغفل الإنسان دورة في الحياة، و مسؤوليته فيها، و هذا النوع من الغفلة يحرق عمره فلا يلتفت إلا عند الموت، و كأنه كان نائما فانتبه، و لكن بعد أن فات الأوان .
    و المصابون بهذا النوع من الغفلة هم الذين يقول عنهم الإمام علي عليه السلام :
    (( فيا لها من حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، و أن تؤديه أيامه إلى الشقوة ! ))، ( نهج البلاغة،خطبة/64) .
    و يقول الله تعالى : (( و أنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر و هم في غفلة و هم لا يؤمنون ))، ( مريم /39).
    و يحذر بني آدم من الغفلة الكبرى، فيقول سبحانه :
    (( و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )) ( الأعراف /17).
    فلماذا هذا التحذير ؟
    لأن الغفلة مرض عضال، يضيع عمر الإنسان، فيفتك به.
    و كمثال على تشبيه الغفلة، يحكى أن سارقا دخل بيتا ليسرقه، فاستيقظ صاحب البيت،و قال في نفسه، لأسكنن حتى أنظر غاية ما يصنع، و لأتركنه،حتى إذا فرغ مما يأخذ، قمت إليه فنغصت ذلك عليه و كدرته، فسكت و هو مضطجع في فراشه، و أخذ السارق يطوف في البيت، و يجمع ما قدر عليه، حتى غلب على صاحب البيت النعاس، فنام، و رافق ذلك فراغ السارق، فعمد الأخير إلى جميع ما جمعه و احتمله و انطلق به، و استيقظ الرجل بعد ذهاب السارق، فلم يجد في منزله شيئا، فأخذ يلوم نفسه و يعاتبها، و هو يقلب كفيه و يعض أنامله أسفا و حسرة، ولات ساعة أسف و حسرة ! .
    وهكذا تفعل الغفلة في الإنسان، فتنسيه دوره و مسؤوليته، و تسرق منه حياته و تفسد عليه أعماله .
    و من هنا يقول الإمام علي عليه السلام : (( إياك و الغفلة و الاعترار بالمهلة، فأن الغفلة تفسد الأعمال)) .
    و قد جعل الإمام علي الغفلة على رأس قائمة أعداء الإنسان فقال : ((الغفلة أضر الأعداء)) .
    قال عليه السلام محذراً الغافل و متوعداً إياه :
    ((ويل لمن غلبت عليه الغفلة فنسى الرحلة، و لم يستعد))، ( غرر الحكم ) .
    و يصف عليه السلام الغافل بقوله :
    (( كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه و إنما هو كفنه، و يبني بيتا ليسكنه و إنما هو موضع قبره ))، بحار الأنوار ( ج 77،ص401) .
    و يقول الإمام علي عليه السلام – أيضا – موجها الإنسان إلى اجتناب الغفلة : (( كفى بالمرء غفلة أن يضيع عمره فيما لا ينجيه ))، ( غرر الحكم ) .
    و يقول عليه السلام – أيضا - :
    (( ألا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدته ))، ( المصدر ) .
    و يقول أيضا :
    (( إن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ))، بحار الأنوار (ج7،ص381) .

    الخلاصة
    و هكذا فأن للوقت آفاته القاتلة، هذه الآفات التي يجب على المرء أن يكافحها و يحاربها، لكي يغتنم عمره و حياته في عما الصالحات، و ليحفظ دوره و مسؤوليته في الحياة، و تلك الآفات هي :
    الفراغ .
    اللغو .
    اللهو .
    التسويف .
    الغفلة .
Working...
X