Announcement

Collapse
No announcement yet.

ديكارت يفكر وهو غير موجود - عداد المحامي :بسام المعراوي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • ديكارت يفكر وهو غير موجود - عداد المحامي :بسام المعراوي

    ديكارت يفكر وهو غير موجود
    إعداد المحامي :بسام المعراوي
    الحياة الأكثر اتساعاً من كل أشكال التفكرن، تمضي وكيفما كانت تمضي كالنهر الجارف يدفع تياره الشديد كل ما يمكن له الوقوف حاجزاً في طريقه، والحياة تضعنا بدون قصد أمام متاهتين.
    بين واقع مفكر لا يقبل التجزئة، أو واقع لا يمكن التفكير به إلا من خلال تجزئته، وكأن الفكر لوحده ينصب أمامه هذا القدر, فالكلية والجزئية، والتضاد والتناقض، وما فوقهما أو تحتهما من الزمان والمكان، كل هؤلاء هوامش على كتاب الحياة الأبدية.
    المظاهر العلمية من خلال الفكر النافذ ليست سوى الأحجار الهشة المنزلقة حين تفكر بالاستناد عليها, ويغدو العلم الصارم القسمات مجرد تظاهر زائف أمام لجاجة الفضول العقلي المتوتر من الشحنات النفسية الحاثة، والاستباقية في الوصول إلى إدراك اكتشافي لكُنهِ الحياة، ليتمتع الفكر القلق والمضطرب ولو بلحظات أمان، وكأن الحياة تلهو معنا، و( الفكر العلمي ) يهدف هكذا ببساطة إلى لحظة يفهم فيها معاني لهوها العظيمة، إن كان الأمر صحيحاً.
    وحين يصطدم الفكر بجدارها الأصم يعود القهقرى، كمن يصطدم رأسه بصخرة, وحين يصحو من سكرة الصدمة، يشجع نفسه غير المُقلَقة, وعقله المضطرب من حرارة النفس وتيار الشعور، بالقول: سنحاول كرةً أخرى، وما فعلناه ليس سوى التجربة، ولابد من استمرار التجارب على وزن مغامرات الاكتشاف من وحي الشجاعة والصبر.
    نحن المتفكرون، داخل الكرة أم على سطحها ؟
    قابلية التفكير أو الأخشاب المجوفة التي تعوم مع أمواج بحر الحياة !
    حين استرخى الفيلسوف الفرنسي ديكارت على سريره المتأرجح، وراح يتأمل ( بعمق )، تناهى إلى حدسه فرضية أن يكون الوجود محكوماً بالفكر، وأطلق فرضيته الفاشلة: أنا أفكر إذن أنا موجود..
    مقولة ديكارت الشهيرة تلك، لم تتحمل حتى الاختبار الأولي لها لكي تكون صالحة لما يتبع من اختبارات المنطق الرياضي.
    ويبدو النفي للبعض مجرد اختبار سهل، ومن غير المعقول ألا يكون بمقدور فيلسوف رياضي مشهور أن يجتاز مثل هذا الحاجز أو الاختبار الأولي البسيط في المنطق الرياضي، وهو العالم الرياضي الشهير بورقة ديكارت كحالة معقدة في التحليل الرياضي.
    المتاهة بالنفي البسيط الذي ليس هو سوى قول... ( لا )... وعلى الأكثر: ( ليس صحيحاً ) النفي ليس عملاً بسيطاً يقوم به الفكر المتفلسف أبداً.
    من حيث البناء اللغوي العربي والنحوي، إذا أردنا أن نقول (الجو بارد ٌ) فالنفي يكون على النحو: ليس الجو بارداًً وبالمقابل ( بدل أخوة كان، نستعمل أخوات إن ) فنقول ولتحقيق النفي ( إنَّ الجوَّ حارٌ ) وهذه أوضح من صيغة النفي الأولى.
    وليست كل العبارات سهلة المضغ في فم النفي عربياً كان أو أجنبياً، من مثل:
    في كل يوم يحدث بالرقة على الأقل حادث مروري بسبب سوء الطرقات ورعونة السائقين..
    أعتقد أن نفي العبارة السابقة ليس من اختصاص أساتذة اللغة العربية المفلقين، لأنه لو قال ليس صحيحاً تلك العبارة، فسأضحك في عبي، فما المقصود من قوله ليس صحيحاً، هل يعاند فقط ؟
    لست تعجيزياً، ولكنه إذا أراد أن ينفي هذه الحقيقة، فليوضح تفاصيل نفعه حتى لا يشكل أمامنا مجرد حالة رفض نفسي مبهمة, وإذا قال أنا لا أستطيع تبيان تفاصيل النفي اللغوي، لأنه علينا أن نرجع إلى قوالب المنطق الرياضي, وهذا ليس من اختصاصي، فهو هنا يتصرف بحكمة، حين يعترف أن النفي اللغوي قاصر ولا يدرك عتبات النفي في المنطق الرياضي.
    إذن يوجد إيجاب كما يوجد استلاب ( سلب ) ناف له، ولكن المعنى ليس واضحاً كالشمس في رابعة النهار – كما يقال.
    فنفي مقولة الفيلسوف الرياضي المتأمل ديكارت هي على النحو:
    أنا أفكر وغير موجود، هل نبتسم ؟ هل نضحك ؟ أم نضبط أعصابنا، لنقول له أحسنت مشجعين لغيره من علماء الدنيا.
    كانت هذه محاولة، ولا بد من الإصرار على التجارب.
    لو أدرك ديكارت زمن المنطق الرياضي الحديث، وهو زمن الكومبيوتر،لـ(قفز) من على سريره وتوقف عن التأمل وربما مشى مع المشاءين، أو الرواقيين ولربما اخترع بعبقريته الفذة مدرسة للفلسفة العدائية في سباق الماراتون, و لكان له أولمبياد ه الخاص بحكم عبقريته الرياضية.
    يسألني بعض المهتمين بالشأن المتفكر على هامش الحياة، وما هذا المنطق الرياضي الذي يكتفي بإطلاق الصافرة كشرطي المرور؟! ولكن الحوادث تقع باستمرار، إذا كان كل ما نقوله خطأ، فما هو الصحيح إذن ؟ ! فأقول لهم:
    اسألوا الكومبيوتر، لعله.. لعله يخترع الإجابة على أسئلتكم.
    - لماذا الكومبيوتر بالذات، ؟
    - في الكومبيوتر كل شركات العلوم الحديثة وكل أشكال الذكاء الاصطناعي,وهو العقل الحديث المعاصر المتطور وكل عقل منا ليس سوى نملة تمشي في كرته ما فوق الأرضية ؟
    ثم ألتفت أحدهم مصفراً متهماً إياي بالتعجيز.
    أنا يا رجل ؟ .. لا والله، ولكنها الحياة تهزأ بفكرنا وتقول لنا هذا خطأ وتترك المجال مفتوحاً أمام إحدى النهايات ولكنها لن تكون مطلقا نهاية النهايات.
Working...
X