Announcement

Collapse
No announcement yet.

في حمص حقيقة الجدبة و الطرافة والنكته الحمصية - مصطفى الصوفي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • في حمص حقيقة الجدبة و الطرافة والنكته الحمصية - مصطفى الصوفي



    حقيقة الجدبة و الطرافة الحمصية
    مصطفى الصوفي

    منذ سنوات وأنا أجمع كل ما يتعلق بأهل حمص من النكات والطرائف والغرائب التاريخية القديمة، والمعاصرة التي لفتت انتباهي وشدّتني إليها، وأثارت لدي جملة من التساؤلات وفضول البحث، والتفتيش عن جذورها بعد أن وجدتها تملأ كتب التاريخ والتراث العربي قديمه وحديثه...
    اكتشفت بين مختلف هذه المواضيع التي تتعلق بالطرافة والغرابة الحمصية، وما يدور فيها من أحداث وأخبار خيط واحد هو حدوثها في بيئة جغرافية وتاريخية محددة تعطي وصفا شاملا لأهل البلد وسكانه، وتغوص في الجذور العميقة لتكشف أسرارها وأسبابها ونتائجها
    وقد وجدت من خلال دراستي أن الأقوى والأخطر والأكثر إثارة في الموضوع هو أن يتهم أهل حمص بالحمق والتغفل والجدبة والجنون، وجميعها مصطلحات تؤدي إلى تكوين صورة واحدة غريبة عجيبة عن أهل بلد بأجمعه يوصفون بتلك الأوصاف، ثم تشيع في الأمصار وتنتشر في أمهات الكتب وتمتلئ صفحاته بها تشنيعا، وتعريضا في سمعة أهل البلد.
    ورغم شيوع ألقاب في المدن الشامية لا تقل تشنيعا عن سابقتها كعوران حماة وقرعان حلب وبنادق دمشق إلخ ... غير أنه لم يكن لهذه الألقاب ذكرا ذو شأن في كتب المؤلفين والمؤرخين، فصفة عوران حماة لم أجد لها سوى إشارة عابرة عند وصفي زكريا في رحلته الأثرية عندما يصف أجواء مدينة حماة، ووخامة تربتها وغبار هوائها الذي يؤدي إلى انتشار أمراض العيون والعمى في أهل حماة فيقول: ( يكثر في أهل حماة القرع وأمراض العيون لكثرة العجاج وشدة الحرارة والرطوبة في الصيف وقلة العناية الصحية ). ص 261
    وقصة بندقة أهل دمشق لا تذكر إلا عرضا في معرض ذكر حادثة قيام تيمورلنك باستباحة مدينة دمشق عند فتحها، ولم تستخدم الحادثة في عملية تشنيع منظمة بأهل دمشق، وهكذا بقية ألقاب أهل المدن الأخرى.
    أما الجدبة الحمصية فيبدو أنها أثارت قريحة المؤرخين والكتاب والمؤلفين، وشهيّتهم لتناول أهل حمص والتشنيع عليهم لأسباب كثيرة، وعوامل متنوعة تشمل كما ذكرنا عمق الجذور التاريخية، والجغرافية لمدينة حمص فنجد هذه الظاهرة تغطّي الجوانب التالية:
    قوة الجدبة الحمصية أثارت حفيظة بقية المدن وغيرتهم، وكشفت عجزهم عن تمثّلها، وخاصة جدبة أهل حمص مع تيمورلنك الفاتح المغولي عند اجتياحه مدن بلاد الشام، وتعرّضها للخراب والقتل والإبادة والاستباحة، بينما أنقذت الجدبة الحمصية مدينة حمص من البلاء كما تذكر الثقافة الشعبية ...
    ثانيا نجد امتدادا لجذور الجدبة الحمصية في التاريخ قد تعود إلى أيام العهد الروماني في بلاد الشام، ( والموضوع بحاجة لمزيد من الدراسة لإثبات هذه المقولة ) وظهور معبد وطقوس عبادة آلهة الشمس في حمص
    اعتناء أهل حمص باحتفالات أعياد الربيع ، والتي لا نجدها في مدينة أخرى غير حمص وهي معروفة
    بالمسميات التالية: خميس الضايع "التائه"، خميس الشعنونة، خميس المجنونة، خميس القطط، خميس النبات، خميس الأموات، خميس المشايخ ويسمى أيضاً " خميس الأسرار، وخميس البيض".
    ونقطة البحث في اختصاص أهل حمص بعيد المجانين يماثله ( خميس المجنونة) كإحدى خُمسانات أعياد الربيع، والذي قيل إنه كان يشتمل على تصرفات وطقوس شاذة وإباحية دعت إلى الاعتقاد أن في الشعب الحمصي لوثة من الجنون...
    تخصص أهل حمص بيوم الأربعاء
    فلم يكتف المؤرخون والرحالة بالاستفاضة بأخبار خبال أهل حمص وجنونهم، وإضفاء الأوصاف العديدة عليهم بل حددوا لأهل حمص يوما في الأسبوع عيداً لهم يحتفلون به، ويمارسون طقوس الجنون الغريبة.
    وفي هذا أخبار لم تثبت ربما تكون هي وراء نسبة هذا العيد على أهل حمص لكنها رغم جذورها الواهية فإنها تشكل حالة ثقافية فريدة من نوعها نستعرضها باختصار:
    يقال إن أباطرة الروم كانوا يعيّدون ويحتفلون يوم الأربعاء، فنقلوا العيد إلى أهل حمص أيام قوة العلاقة بين حمص وروما. ومنها ما يقال إن العرب كانت تتشاءم من يوم الأربعاء، فتفاءل به الحماصنة فنسب إليهم.
    وبما أن يوم الخميس هو عيد الجنون فإن يوم الأربعاء هو وقفة العيد، فتحول عيد الجنون عند أهل حمص من يوم الخميس إلى الأربعاء ربما يتعلق بالصدفة التاريخية وحدها لحادثتين مهمتين قام بهما أهل حمص يوم الأربعاء كما في المرويات الشعبية التي تسندها بعض المرويات التاريخية هما ( جدبة أهل حمص مع تيمورلنك كانت يوم الأربعاء، وقيام أهل حمص بصلاة الجمعة يوم الأربعاء عند خروجهم مع معاوية لقتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) مما جعل أهل الشام يعتقدون أن أهل حمص غيروا يوم عيدهم من الخميس إلى الأربعاء، وتحول العيد السنوي إلى عيد أسبوعي شكل هذا تحولا خطيراً في فلسفة الجنون والجدبة الحمصية، فأصبحوا محط هجاء واسع عند المؤرخين ذوي الميول الشيعية وعندما تسنن أهل الشام تحول أهل حمص إلى المذهب الشيعي، وبذلك لم يسلموا من هجاء مؤرخي أهل السنة أيضاً، كما يقول ياقوت الحموي الذي وصفهم بالتزام الضلال أولاً وأخيراً ....
    5 ـ تاريخ حمص الإمبراطوري وعبادة الشمس
    يذكر التاريخ أن إمارة عربية قامت في حمص من سنة 81 ق م إلى سنة 96 بعد الميلاد تقودها أسرة عربية هي آل ( شمسغرام ) وعندما جاء القائد الروماني ( سبتيموس سيفيروس ) تزوج من الأميرة الحمصية ( جوليا دومنا ) ابنة كاهن معبد الشمس باسيان عام 187 م الذي استلم عرش الإمبراطورية بعد عشر سنوات، فشهدت حمص خلالها ازدهاراً كبيراً وساهم هذا في انتشار عبادة الشمس الحمصية في أنحاء الامبراطورية الرومانية غير أن اللوثة الحمصية لاحقت أباطرة الرومان من أصل حمصي في روما فأدت إلى نهايات وموتات شنيعة مشهورة لهم ...
    ويذكر أن طقوس عبادة آلهة الشمس كانت الصاخبة في المدينة لفتت أنظار الناس إليها وأصبحت حمص محجة يفد إليها الناس من كل حدب وصوب.
    النهر المقلوب ( العاصي ) الذي لعب دورا مهما في ترسيخ جذور الجدبة الحمصية، وإعطائها مظهراً قوياً ساهم في انتشارها وحدتها، فالعاصي ينابيعه بعضها من لبنان على حدود محافظة حمص، وبعضها من داخل أراضي المحافظة، ولقد حاول الحماصنة استغلال النهر إلى أبعد حد وتوظيفه لمصلحتهم الاقتصادية والسياسية، فأصبح موضع نزاع بينهم وبين جيرانهم الحموية على تقسيم مياه النهر، وحصة كل منهما منه. وبرزت قوة الخلاف خاصة أيام حكم أسرة شيركوه الأيوبية في حمص، وأسرة التقويين الأيوبية أيضا في حماة وهم أبناء عمومة، وكان المجاهد أسد الدين شيركوه الثاني ملك حمص من الصلابة والشراسة بحيث أنه قام بخطوتين خطيرتين ليس لهما سابق في التاريخ، أولهما قطع مياه نهر سلمية إلى حماة، والثانية قطع مياه نهر العاصي كاملة عن مدينة حماة لتجويعها وحرمانها من المياه، والضغط على حكامها لتنفيذ شروطه، فجفت مياه حماة وتوقفت النواعير وعطش الناس وضج أهل حماة ودعوا على ملك حمص، فقامت مياه النهر بهدم السد الذي صنعه المجاهد وعادت إلى مجاريها الطبيعية وأنقذت أهل حماة ...
    وقد ساهم النزاع بين المدينتين حول مياه العاصي في تأجيج الخصومة القديمة بين القيسية الحموية، واليمانية الحمصية فلعبت النزعة الحموية دورا مهما في تأكيد الجدبة الحمصية، وإشاعتها في البلدان وتنويعها كما فعل المؤرخ ياقوت الحموي من خلال ما قاله، وما نقله عمن قبله فقام بنشر فكرة الجنان الحمصي في كتبه وترويجها على نطاق واسع.
    الطرائف الحمصية
    تذكر الثقافة الشعبية كثيرا من الطرائف والنكات والمقالب بين الحمصية والحموية يتحدث عنها الطرفين ويشيعها بين الناس فيتندرون بها ويجعلونها مواضيع مسامراتهم وسهراتهم والجميل عند أهل حمص أنهم لايتوانون عن ذكر الطرائف والنكات التي تستهدفهم ويروونها دون إحراج ولا تردد فيضفون عليها مزيدا من المرح والدعابة ويتلقون النكات التي تروى عنهم برحابة صدر ويعيدون تأليفها من جديد ...
    ومن أفكه ما يروي الحمصيون من طرائف نزاعهم على نهر العاصي مع الحموية:
    إن وفداً من وجهاء الحموية جاء إلى حمص لبحث موضوع النزاع على حصة كل مدينة من مياه النهر، وبعد مباحثات مضنية بينهما اتفق الجانبان على حل طريف، وهو وضع حبل في وسط العاصي على طول النهر لتقسيم مياه النهر مناصفة بينهما، فيكون الجانب الشرقي من الحبل للحمصيين والغربي للحموية؛ ومضى كل في سبيله لكن الحمصيون تشاطروا وفكروا بسرقة المياه من حصة الحموية في غيابهم، فكانوا خلال الليل يغرفون الماء من جهة الحموية إلى جهتهم وهم يضحكون فرحين من غفلة الحموية عن حماية حصتهم من المياه.
    وتروى طرفة عن النزاع الحمصي الحموي على مياه العاصي أن النزاع تطور، ونشبت حرب حامية بين الطرفين استمرت طويلا وكلفت الجانبين خسائر فادحة. فاجتمع أهل العلم في المدينة، وتوصلوا إلى اختراع سلاح فتاك جديد يثأرون فيه من الحموية. فقطعوا شجرة التوت المعمرة وسط المدينة وأفرغوا الجذع من لبّه وحولوه إلى مدفع ضخم وعبئوه بالبارود، وتجمع أهالي حمص خارج المدينة ليجربوا المدفع الخطير، ونصبوه باتجاه مدينة حماة وعبئوه بالبارود ثم وضعوا الفتيل فيه وأشعلوه، فانفجر بينهم وقتل معظمهم، فكبّر من بقي حياً وقال: هذا ما فعله هنا، فتصوروا ما فعله في حماة أكيد لم يبق منها أحد حياً....
    ـ ومن أهم المواقف الطريفة الحديثة في النزاع حول مياه العاصي بين البلدتين الجارتين أن الحموية اجتمعوا في عام 1937م، وقرّروا رفع عريضة في 18 تشرين الأول 1937 إلى فخامة رئيس مجلس الوزراء السوري يدعي فيها أهل حماه بأن الفقهاء والمؤرخين أجمعوا على أن العاصي ملك للحموية، وليس لحمص أي حق فيه واتهموا فيها أهل حمص بالتعدي على حقوقهم وسرقة مياه العاصي لسقاية أرضهم، وبساتينهم على حساب أهل حماه فسبب هذا ضرراً شديداً لهم، وطالبوا الحكومة بقمع هذا التعدي، وإعادة حقوقهم في مياه العاصي.
    8 ـ لم تتوقف الجدبة الحمصية عند حدود الحمق والجنون فقط بل تطورت عند أهل حمص بداية العهد الإسلامي إلى التمرد والعصيان، وعملية تقلب وتغير مستمرين والانجرار وراء الفتن.
    وإن كنت لا أريد أن أدخل في جدل عقيم في البحث وتحليل الأسباب والعوامل، التي دفعت أهل حمص إلى مثل تلك التصرفات والسلوكيات الغرائبية والعجائبية، التي ساهمت إلى حد بعيد في رواج عملية التشنيع عليهم، وجعلت الكتاب والمؤرخون والناس يلصقون بأهل حمص صفة الجنون والحمق، فلا شك في أن للقضية بجملتها أسباب وعوامل تاريخية وثقافية وعقائدية وسياسية، وجذور سكانية وبيئة جغرافية تضافرت جميعها في تكوين مثل هذه التوصيفات.
    وكما يقولون لا دخان بلا نار فإن سحب دخان أهل حمص كان كثيفاً وصل إلى أقاصي البلاد، وأرّخ له الكتاب والرحالة وأهل التاريخ امتلأت صفحات كتبهم بالتندر على أهل حمص، وإبراز حمقهم وتغفلهم كما يقولون، ويلاحظ أن هناك شبه إجماع من المؤرخين على ما وصفوا به أهل حمص، وقد يكون أحدهم نقل عن الآخر كما هي عادة القدماء، ولكن ما يدعو للغرابة هو الرأي بحد ذاته وشيوعه ومدى انتشاره،
    الذي جعل ياقوت الحموي يتلقفه من أفواه الرواة في القرن السابع، ويمسكه عليهم ويسجله لهم فيشهره بين الناس بقوله " حتى ضُرب بحماقتهم المثل ... " كما ذكر وقال أيضا بفساد هواء حمص وتربتها اللذان يفسدان العقل بل زاد في ذلك بأنهم " التزموا الضلال أولا وأخيرا فليس لهم زمان كانوا فيه على صواب"
    ونقل ابن جبير في القرن السادس : " بأن حمص كلها مارستان..."
    ونقل القيرواني القول: " بلغني عن أهل حمص تغفل فأظن أكثره تشنيعاً، حتى دخلتها "؛
    ووصف شمس الدين الدمشقي بأن " أهل حمص يوصف عامتهم بقلة العقل والبلد شديد الاختلال متداع إلى الخراب والقوم حمقى "
    والمحبي عن عبد النافع بن عمر الحموي: المشهور أن أهل حمص مشعورون في العقل لنقصانهم فيه.
    وهذا دفع الأعمش للقول كما ذكر الرافعي:" أشقر أزرق شامي حمصي والله لا حدثتك ".
    وعند ابن الجوزي في القرن السادس قول الرشيد في وجيه حمصي: " أخرجوه، قبح الله بلدة هؤلاء خيارهم ". ولم يترك الناس ناحية أو جانبا إلا شنعوه على أهل حمص حتى القضاة لم يسلموا من ألسنتهم فضرب المثل بحمق وفسق قضاة حمص وأهلها، فذكر ابن حمدون والإنطاكي والتلمساني في القرن الحادي عشر بعضاً منها وأشاعوا هجاء بعض الشعراء لحمص، وأهلها منهم دعبل وديك الجن وأخطرهم كان قول ابن القيسراني:
    لأنهم أهل حمص لا عقول لهم بهائم أفرغوا في قالب الناس
    وهجاء إعرابي يقول:
    جاء الأطبَّاء من حمصٍ تخالهم من جهلهم أن أُداوى كالمجانينِ
    أمام هذه الهجمة الهائلة والحرب الواسعة في التشنيع، والمبالغة في التوصيف منها ما له أساس في الواقع ومنها ما ليس له أساس لا نجد سوى قلة نادرة وقفت مدافعة عن أهل حمص، ومنكرة هذه الحرب الشعواء على هذه المدينة الجميلة الطيبة التي ظلمتها الظروف السياسية والاجتماعية، ودمرتها الفتن والزلازل والحروب وهمّشتها وهشّمت نفسية أهلها، فنجد من يلمّح إلى أن هذا التشنيع هو قول العامة وليس على الحقيقة كاليونيني في مرآة الزمان في قول الأمير عماد الدين إبراهيم بن المحبر: " إلى أن من ربّى بحمص يكون أجدر بقلّة العقل وهذا إنما هو على ما يقوله العوام لا على الحقيقة ".
    وأهم من دافع عن حمص وأهلها كان المؤرخ المعاصر أحمد وصفي زكريا في كتابه ( جولة أثرية ) الذي تساءل عن أسباب تحامل المؤرخين القدامى على المدينة فقال: ( إن أهل حمص كما أعرفهم لا يختلفون في الفطانة والنباهة عن بقية الشاميين وحمص كانت وما برحت تنجب من الشعراء والفضلاء عدد غير يسير .. ووددت أن أصل إلى السبب الذي حدا بهؤلاء المؤرخين الجغرافيين وغيرهم لترديد هذه الوصمة التي وصلت ذيولها إلى عهدنا..). وتناقلته الألسن فقل من يدافع أو يشيد في هذه المدينة غير ما ذكره التلمساني عن الأديب أبو جعفرالألبيري قوله:
    حمصٌ لمن أضحى بها جنّةٌ يدنو لديها الأمل القاصي حلّ بها العاصي ألا فاعجبوا من جنّةٍ حلّ بها العاصي
    وفيها قول بعضهم:
    مدينة حمص كعبة القصف أصبحت يطوف بها الداني ويسعى لها القاصي بها روضة من حسنها سندسية تعلق في أكناف أذيالها العاصي
    ونقل عن الخوري عيسى ( الحمصي ) قوله: " نتج خبر الحماقة والبلاهة عن اشتهار الحمصيين بإخلاصهم في معتقداتهم ومبادئهم، ويغلب على المخلص تطرفه في تأييد ما يرتئيه دون هوادة ولا تبصر بالعاقبة والإخلاص الشديد وطيب السريرة يجعل المرء عرضة للانخداع لذلك نسبت إليهم الغفلة ... "
    وإن كانت التوصيفات للبلدان والمدن وتوزيع الألقاب على أهلها شائع في العالم فقد وصف الأمريكيون بأنهم متهورون والإنكليز بالبرودة والفرنسيون بالرومانسية .... فإني لم أجد مدينة في العالم اجتمعت عليها هذه المجموعة الكثيرة من الألقاب والأوصاف التي تتمحور حول الجنون والحمق والتغفل وفساد العقل في الوقت ذاته وشيوعها على نطاق واسع بين الناس والأمصار وامتلاء صفحات أمهات الكتب بها. وإن كنت لا أجد مسوغا الآن أن أقف موقف المدافع عن مدينتي وأهلي التي لا تمت إليها وإلى أهلها هذه الأوصاف بصلة، سوى صفة واحدة يجمع أهل الشام والأمصار العربية على الإشادة بها ومدحها في أهلها ألا وهي الظرافة والفكاهة، وأثر من الماضي لا يمحى وهو البساطة ومنافسة لن تتوقف بين جارتين غاليتين بين أهلهما علاقة حميمية لن تنتهي أواصرها ما دامت مياه العاصي تجري بينهما.
    أما ما قيل عن حمص وأهلها قديما فقد أصبح من التاريخ ننظر إليه نظرة تعجب واستغراب وترسم على الشفتين ابتسامة عابرة لا تخلف أثرا في النفس ولا نكتة في القلب، ويرضينا أخيرا أن الجميع متفقون على أن أهل حمص ظرفاء بسيطون وأصحاب نكتة ومحبّبون إلى القلب .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
    ـ فهرس المراجع
    ـ الموسوعة الشعرية الثقافية نسخة ( إلكترونية ) الإصدار الثاني الإمارات العربية المتحدة منها:
    ابن حمدون في التذكرة
    ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين
    ابن الجوزي في الأذكياء
    الإبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف
    الإصطخري في مسالك الممالك
    التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
    شيخ الربوة في حمص وجندها
    اليونيني في مرآة الزمان
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
    ـ مراجع
    ـ ابن جبير الكناني أبي الحسين محمد بن أحمد ـ رحلة ابن جبير ـ
    ـ الحموي ياقوت ـ معجم البلدان ـ المجلد الثاني ـ دار صادر بيروت
    ـ القزويني زكريا بن محمد بن محمود ت 682هـ ـ عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ـ مطبعة المعاهد والحوار القاهرة
    ـ المسعودي أبي الحسن علي بن الحسين بن علي ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ 346هـ 956م
    ـ المنصوري أبي الفضائل محمد بن علي النظيف الحموي ـ تلخيص الكشف والبيان في حوادث الزمان ـ حققه الدكتور أبو العبد دودو ـ مطبعة الحجاز بدمشق 1401هـ 1981م
    ـ جولة أثرية في بعض البلاد الشامية أحمد وصفي زكريا دمشق دار الفكر ط2 1984م
    ـ الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام والحجاز الشيخ عبد الغني النابلسي
    ـ أعياد الربيع القديمة في حمص جان إيف جيلون ترجمة زياد خاشوق .
Working...
X