Announcement

Collapse
No announcement yet.

قالوا عن حمص (6)

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • قالوا عن حمص (6)

    قالوا عن حمص (6)

    رحلة من رياق إلى حماه


    المهندس جورج فارس رباحية

    رحلة للأب لويس شيخو اليسوعي (1) قام بها بالقطار من رياق ( بلدة في لبنان شمال غرب زحلة ) إلى حماه " نُشِرَت في جريدته المشرق سنة 1902 " نقتطف منها :
    بارك الله في البخار فإنّه خَوّل الإنسان أجنحة ضنّت بها عليه الطبيعة . بارى الطائر في سيره فغلبه في سرعته وقطع في بعض ساعات ما لم يقطعه سابقاً إلاّ بعد أيام طِوال ومشاقّ تشقّ بها النفْس .
    وهاك السكة الحديدية الجديدة بين رياق وحماه قرّبت إلينا بلاداً كان أهلها وهم من بني الأوطان أبعد عنّا من ذوي الأصقاع الأجنبية لقلة الوسائل الرابطة بين أطراف الولايات فأصبحوا اليوم بتقرُّب المسافات تضمُّنا وإياهم أواخيُّ الحبّ وأواصر الوداد ، فذاك ما حملنا على أن نزور إخواناً عشقهم القلب فهَوِيَت العين رؤياهم ، ونتفقّد أقطاراً زانتها الطبيعة بمرافقها وأدرَّ الله خيراته العميمة .......
    ثم تجري السكّة نحو ساعتين مارّة بمحطتي : لبوة ورأس بعلبك وبعيداً عنهما ولا يجد المسافر ما يرتاح إليه نظرُه في هذه السهول حتى يتجاوز القُصير ( بلدة سورية قرب الحدود اللبنانية ) فيرى من عن شماله نهر العاصي وبحيرة قطينة المعروفة سابقاً ببحيرة قدَس والعلماء يُرَجِّحون أن في نواحيها كانت مدينة ( قَدَس ) إحدى أهم عواصم الحثيين (2) ، وهذه البحيرة متوسّطة في سعتها وهي طيّبة الماء ، وقد فَكّرَ أهل حمص أن يجلبوا مياهها إلى مدينتهم بالقني ( قنوات ) فيستغنون عن نقل مياه العاصي بالقِرَبْ مع كثرة ما يدخله من الجراثيم الضارّة والأقذار الموبوءة ولعلّهم يفعلون إن شاء الله .
    حمص إحدى قواعد بلاد الشام ، موقعها في فضاء واسع من الأرض كانت تُعَدُّ سابقاً من أجَلّ مدن الشرق منعة وعمارةً ، وهي طيّبة الهواء كثيرة البساتين طيّبة الفواكه . وأوّل ما يُشاهد منها راكب السكّة قلعتها الحصينة التي تُرى منها المدينة على أحسن صورة فيمتدّ منها البصر إلى سائر جهات الأفق لا يحجزه إلاّ ما ينتصب عن بُعد من جبال عكّار وجبال اسورية ولبنان . وهذه القلعة اليوم ردمٌ مهجور فوقه شيءٌ من الأبنية المُتداعية .
    لحمص تاريخ جليل في الأعصار الغابرة ، ولها من الآثار القديمة من زمن الحثيين واليونان والرومان والعرب ما يشهد على خطرها وعظم شأنها .
    حمص قائممقامية (3) يبلغ عدد أهلها خمسين ألفاً منهم ثلاثون ألفاً مسلمون والباقون نصارى من روم أرثوذكس ويعاقبة (4) وكاثوليك من طوائف شتّى . وأهل حمص أصحاب جدّ وعمل لا ترى بينهم من صغار أو كبار ، إناث أو ذكور ، أحداً فارغاً وهذا بلا شك ألمع دليل على حسن آدابهم وسذاجة معاشهم كما أنه أضمن الوسائل لصحة أبدانهم . وأكثر شغلهم الأنوال وهم يشتغلون الحرير والصوف وأصناف الأقمشة ، وحريرهم يتّخذونه من الدود المربّى في ضياع عديدة شمالي المدينة وشرقيّها . أما الصوف فيجزّونه من أغنامهم التي تسرح في البراري المجاورة وهم يصطنعون كل أجناس الأنسجة كالأطلس والكفّيات الملوّنة أشهرها المعروفة بالخمرية والمناشف الحريرية والزنانير الدقيقة الصنع والثياب المزركشة بالقصب ، وهذه المنسوجات تُرسَل إلى كل أنحاء الشرق وخصوصاً إلى مصر والأستانة العلية ( اسطنبول حالياً ) وسواحل الشام وبرّ الأناضول ( أواسط تركيا ) .
    ومن مرافق حمص غلاّتها الواسعة التي تزيد على سكانها فتُتقَل محصولاتها من حنطة وشعير وذرة وعدس إلى كل البلاد المجاورة ، وربّما صدَّرت هذه المستغلات إلى الأقطــار
    البعيدة فأتت أهلها بأرباح بالغة ، ومنها أيضاً المواشي العديدة وما يلحق بها من الألبان والسمن الجيّد والجبن ، وزد على ذلك فواكهها الطيّبة المُجتناة من بساتينها الرحبة .
    وقد اجتمعنا في حمص ببعض أدبائها المشاهير من مسلمين ونصارى كأصحاب الفضل الشهير والحسب الأثير من آل الجندي وآل الأتاسي وآل الزهراوي وآل الخوري فلقينا بين جميعهم من المجاملة ورقّة الطباع وسعة المعارف ما زادنا اعتباراً لذواتهم الكريمة .
    وكان مما دفعنا إلى هذه الرحلة الأمل بأن نعثر على بعض المخطوطات الشرقية التي لم يُخْنِ عليها الدهر ، فلم يخب والحمد لله هذا الأمل ، ومما أصبنا في حمص بعض المخطوطات كتفاسير للإنجيل وللرسائل نظنّها لابن الفضل الأنطاكي من مشاهير أساقفة الملكيين (5) في القرن الحادي عشر ، وكتب طقسية بالعربية واليونانية ونسخة من كتاب بستان الرهبان الشهير وغيرها الكثير من الكتب القيّمة مثل تاريخ الأطباء لداود الموصلي نظنّه ملخّصاً عن تاريخ ابن أبي ضبيعة ، وكتاب في القواعد الشمسية نسخه يوسف بن عبدالله بن يوسف الملقّب بالشدياق ( من قرية كفر حلدا من منطقة البترون بلبنان ) القاطن يومئذ بمدينة حمص .
    ونترك الآن الأب لويس شيخو يتابع رحلته إلى حماه.
    8/8/2011 المهندس جورج فارس رباحية

    المفــــردات :
    (1) ـ الأب لويس شيخو اليسوعي ( 1859 ـ 1927 ) وُلِدَ في ماردين وتوفي في بيروت مؤسّس مجلة المشرق والمكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف . انصرف
    إلى درس وإحياء الآداب العربية قديمها وحديثها . أشهر مؤلفاته : مجاني الأدب في
    حدائق العرب ـ شعراء النصرانية ـ علم الأدب ـ النصرانية وآدابها بين عـرب
    الجاهلية .
    (2) ـ الحثيون : من شعوب آسيا الصغرى القديمة ازدهرت حضارتهم في الألف الثاني
    قبل الميلاد وأنشأوا إمبراطورية امتدّت حتى سوريا الشـمالية ( القرن 13" ق.م ) .
    عبدوا القوى الطبيعية وكان ( هداد ) إله الخصب والزوابع أشــهر آلهتهم . ورد
    ذكرهم في الكتاب المقدس .
    (3) ـ حمص قائممقامية : كانت حمص مركز قضاء تابع للواء حمـاه في تلك الفترة .
    (4) ـ اليعاقبة : يقصد بهم السريان الأرثوذكس .
    (5) ـ الملكيون : المقصود بهم الروم الأرثوذكس .
Working...
X