Announcement

Collapse
No announcement yet.

اعرف ثمن ملكاتك - المحامي : بسام المعراوي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • اعرف ثمن ملكاتك - المحامي : بسام المعراوي

    اعرف ثمن ملكاتك
    المحامي : بسام المعراوي
    قبل أن يطرح البائع بضاعته للبيع لا بدّ أن يكون عارفاً بقيمة وثمن تلك البضاعة ، وإلاّ فإن جهله بذلك سوف يجعله إمّا أن يبيعها بأكثر من قيمتها أو بأرخص من ثمنها ، وكذلك هو حال الشاب الذي يغالي بملكاته أو يجهل قيمتها .
    ولذا ، فإنّنا إذا أردنا معرفة الأسباب الداعية إلى الغرور ، لعرفنا أنّها بعدد الامكانات والمواهب التي يتمتع بها أحدنا ، ومنها :
    1 ـ القوّة البدنية : وهي القدرة البدنية والقوة العضلية والقابلية التحمّلية(( )) التي تتفاوت بين إنسان وآخر ، وهي على أنّها قابلة للنموّ والتطوّر ، تبقى في جانبها المادي ـ أي قوة العضلات والأجهزة البدنية ـ منحة من منح الله . وبناء ما يسمّى بـ (الكمال الجسماني) وإن كان ناتجاً عن مجهود شخصي في تربية العضلات المفتولة ، لكنّه أيضاً يقع ضمن امكانات البدن الأصلية ، ولذا فقد ترى إنساناً رياضياً لكنّه لا يستطيع بناء عضلاته إلاّ ضمن حدود معيّنة إمّا لأسباب وراثية أو صحّية أو غذائية أو نفسية .
    وحتى لو أسقطنا ذلك من الحساب ، فإنّ القدرة البدنية المجردة لا تعدّ مفخرة تدعو إلى التباهي والغرور ، وإلاّ حقّ لبعض الكائنات الحيّة الأخرى التباهي والغرور ، لأ نّها أقوى وأقدر من الانسان في ملكاتها البدنية .
    إنّ تفكيراً بسيطاً في أنّ هذه العضلات المتينة وهذا الجسد المتماسك يمكن أن يضمحل أو يتدهور لمجرد انتكاسة صحّية خطيرة ، يجعلنا نعيد النظر في تقديرنا لما نملك من قدرات بدنية ، فالله تعالى الذي منحنا ذلك قادر على أن يسلبه منّا في أيّة لحظة ، ثمّ أنّ الخط البياني للقدرة البدنية ليس في تصاعد مستمر ، فبعد أن تصل إلى أوج الشباب تبدأ مرحلة العدّ التنازلي وهبوط منسوب القوة حتى تصل في الشيخوخة إلى أدنى مستوى لها .
    وفي المقابل فإنّ القوة الروحية لا تتأثر بتقدّم السنّ ، بل قد تزداد مع ازدياد العمر خاصة إذا كانت عملية بنائها مستمرة من حيث الصبر والإيمان ومواجهة الصعاب والتغلّب على المشاكل والثقة بالله والأمل الذي يعيشه الانسان .
    وعلى ذلك ، فإنّ تثمين كلّ قوة ووزنها بالميزان الصحيح سوف يجعلنا نتجنّب الغرور الذي قد يدفع الأصحّاء والأشدّاء في أبدانهم إلى استغلال قوتهم في ارتكاب الفظائع ، وهذا ما نلاحظه في العصابات والجماعات الشبابية التي تمارس العنف والسطو والقتل وارتكاب المفاسد والجرائم ، أي أ نّهم يسخّرون القوة في عكس اتجاهها ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه بـ (خيانة الأمانة) فالله سبحانه وتعالى أراد لقوة الانسان البدنية والعقلية والروحية أن تسخّر في الخير لا في الشرّ ، فإذا كان القويّ في بدنه شريراً فأيّة قوة هذه التي يغترّ بها ؟ إنّها قوة حيوانية ليس إلاّ .
    2 ـ الشـباب : وهذا عنصر متفرعٌ عن الأوّل ، فالشباب مرحلة عمرية ، كما هي الطفولة وكما هي الشيخوخة . وهي ليست ميزة أو شيئاً اكتسبناه بجهود ذاتية خاصة وخالصة ، أي أنّ الشباب كمرحلة طبيعية ننتقل إليها تلقائياً من مرحلة الطفولة لا تمثل ـ بكلّ تفجّر هذه الحيوية الدافقة ـ قيمة بذاتها .
    فالشاب الذي يغترّ بفتوته ، والفتاة التي تغترّ بصباها إنّما يغترّان بأمر لا دخل لهما في صناعته ، وبالتالي لا يصحّ الاغترار به ، فعلاوة على أنّ الشباب ليس بدائم وأنّ الشيخوخة آتية لا ريب فيها ، وأ نّه ـ أي الشباب ـ ليس في موضع مقارنة مع المرحلتين السابقة (الطفولة) واللاحقة (الشيخوخة) بل لا بدّ من المقارنة داخل المرحلة الواحدة بناء على خصوصية وطبيعة كل مرحلة .
    علاوة على ذلك كلّه فإنّ التثمين الدقيق والصحيح والسليم لمرحلة الشباب يكون من خلال قياس همم الشباب ، وقيامهم بمسؤولياتهم ، وتقديمهم الخدمات الانسانية لعوائلهم ومجتمعاتهم ، وبنائهم لشخصياتهم الاجتماعية والعقلية والروحية والعملية .
    إنّ التثمين الصائب لملكات شابّين لا يتمّ من خلال وسامة كلّ منهما ، أو نضارة الشباب في وجهه ، أو تدفق الفتوة في تقاسيم جسده ، بل بما يحمله من قيم ورسالة وأخلاق ومنهج حياة ، وإن كان لقواه الأخرى دورها الذي لا ينكر في تحقيق هذه الأمور .
    3 ـ المال أو الثروة : لتحصيل أو اكتساب المال وجهان :
    الوجه الأوّل : الرزق الذي جعله الله لكلّ إنسان ، فهو بيده سبحانه وتعالى يوسّع لمصلحة ويضيّق لمصلحة ، ولا يموت أحدنا حتى يستوفي رزقه ، وهو ما يسمّى بـ (الرزق الذي يسعى إليك) وقد كان يأتيك وأنتَ بعدُ جنين في بطن أمّك !
    الوجه الثاني : ما يسمّى بـ (الرزق الذي تسعى إليه) أي السعي لكسب الرزق والاستزادة منه ، فعلى مقدار السعي يمكن الوصول إلى أقصى درجات الرزق والتوسعة فيه ، فالله حينما فتح أبواب الرزق وطلب من الانسان أن يسعى في مناكب الأرض دعاه إلى (السعة) وكما أراد له أن لا يقنع بالقليل ، لم يرد له أيضاً أن يكون جشعاً يأخذ ما ليس له بالباطل ، أو يُهلك نفسه من أجل الحصول على ثروة يجمعها ثمّ يتقاسمها الورثةُ من بعده .
    كيف ننظر إلى المال نظرة واقعية ؟
    المال يوفر لنا حاجاتنا ومتطلباتنا المعيشية ، ويحقِّق لنا الرفاه في الحصول على بيت وسيارة وحياة زوجية ، وتأمين نفقات السفر والترويح ، كما ننفق منها في البرّ والخير والإحسان . فإذا تمّ تأمين ذلك يصبح المال الآخر فضلة أو زيادة عن الحاجة ، وربّما انتفعنا من الزيادة في ظروف معيشية أصعب لا نضطر فيها إلى الاستدانة أو الاستعطاء .
    لكنّ الحقيقة التي يجب أن لا نغفلها ، أنّ المال مثل (القوة) ومثل (الشباب) عرضة للنقصان والزوال ، فإذا ما شبّ حريق أو سطا لصّ على أموالنا أو تعرضنا إلى خسارة فادحة فإنّها تفنى ولا يبقى منها شيء ، وإذا كانت قابلة للنفاد والفناء فلِمَ الغرور والتكبّر ؟ هل لأنّي أملك ثروة أكبر من أخي أو صديقي أو جاري ؟ ماذا يكون موقفي إذا انحدرت ـ بسبب أو بآخر ـ إلى هاوية الإفلاس ؟ وما أكثر الأثرياء الذين أعلنوا إفلاسهم وكانوا بالأمس يصعّرون خدودهم للناس ، وإذا هم اليوم يتحرجون من النظر في وجوههم .
    المال ليس كالعقل ، العقل ثابت(( )) والمال متغيّر ، العقل يزداد قيمةً مع الأيام والمال ينقص كلّما أنفقت منه ، العقل جزءٌ من شخصيتنا ، والمال شيء عارض عليها . ولا نريد بذلك التقليل من شأن المال وأهميته في حياتنا ، لكننا يجب أن نثمّن كلّ شيء ضمن حدوده ولا نخرج به عن تلك الحدود فنقع في الغرور والتكبّر .
    4 ـ الجـمال : كما أ نّه ليس للشاب دخلٌ أو يدٌ في شبابه ، كذلك ليس للجميل دخلٌ في جماله ، ولو تُرك لنا الخيار لاخترنا جميعاً الوجوه النضرة المنعّمة الجميلة التي تنسجم مع مقاييس الجمال العالمية المعروفة .
    فذات الشعر الصقيل الطويل ، وذات العينين الواسعتين الساحرتين ، وذات القوام المعتدل الرشيق ، والتقاسيم المؤتلفة المتناسقة ، لم تقدّم ـ قبل ولادتها ـ وصفة تحتوي على هذه الملامح والمواصفات ، وبالتالي فهذا ما اختاره الله لها وليست هي التي اختارته أو طلبته أو فضّلته .
    والغريب ، أنّ بعض الفتيات ، وحتى بعض الشبّان ، يغترّون بجمال قطعة واحدة من جسدهم ، فقد تغترّ فتاة بشعرها الناعم الطويل ، وقد تغترّ أخرى بعينيها الهدباوين النعساوين ، وقد تغترّ أخرى بأعضاء أخرى ، فإذا كان جمالُ قطعة أو عضو من الجسد يحملُ هؤلاء على الغرور ، فكيف إذا كان الجسد كلّه جميلاً ؟!
    وإذا كان من حقّ الانسان أن يشعر بالرضا وربّما الفخر لشيء صنعه بيديه ، فكيف يصحّ له أن يغتر ويتكبّر أو يتباهى بما صنعته يد غيره ؟ الأمر الذي يعني أنّ غرور الفتاة الحسناء والشاب الوسيم لا معنى له ، إلاّ الشعور الوهمي أنّ الله قد حباهم صوراً حسنة ولم يهب غيرهم ذلك ، في حين أنّ العدالة الإلهية اقتضت أن تعامل الناس على أعمالهم لا على أشكالهم ، كما أنّ تنوّع الأشكال والصور البشرية دليل على قدرة الصانع الباري ، الأمر الذي يجب أن ينقل الإعجاب إلى البديع المبدع لأ نّه صوّر الناس فأحسن صورهم .
    إنّ (يوسف) (عليه السلام) وهو أجمل شاب رأيناه على شاشة القرآن الكريم ، وعلى مرايا عيون النسوة اللائي أعجبن بجماله حدّ الانبهار (وقلن حاشا لله ما هذا بشراً إنْ هذا إلاّ ملك كريم )( ) لم يكن يفكّر بحسنه الملائكيّ الأخّاذ على أ نّه امتياز شخصي ، فلم نره لا في طفولته ولا في شبابه ، ولا في فترة تولّيه مهام عمله في وزارة المالية المصرية يعيش الغرور بشكله وجماله وبهائه ، فلقد كان يشغله الجمال الداخلي أكثر من أيّ جمال آخر ، ونعني به جمال الخلق والإيمان والطاعة لله والصبر عن المعصية والدعوة إلى الله . وهو جمال يحقّ ليوسف أن يفخر به لا أن يغترّ به ، فعلاوة على أ نّه أيضاً فضل من الله (وما بكم من نعمة فمن الله )( ) إلاّ أنّ الغرور والتعالي والتباهي والتكبر هي من مناقضات الإيمان والخلق الجميل ، إذ أنّ الثوب الذي يناسب جمال يوسف الأخلاقي هو ثوب التواضع .. وقد لبسه بالفعل .
    فإذا كنتُ على جانب من الجمال كبير ، لأتذكّر أنّني لم أبلغ ذلك المستوى الملائكيّ من الجمال الخلاّب الذي كان عليه يوسف (عليه السلام) أي أنّ هناك مَنْ هو أجمل منِّي دائماً ، كما عليَّ أن أتذكّر أن (يوسف) لم يوظّف جماله الظاهريّ في السوء والفحشاء ، فهو حتى في الموضع الذي يمكن أن يسخر جماله فيه للغرض المذكور لم يفعل ذلك ، ولم يقل كما قد يخطر في خيال بعض الجميلين والجميلات ، لقد وهبني الله جمالاً فريداً فلأتمتّع به وأمتّع غيري ، بل كان يرى أن توظيف الجمال له مجاله الخاص ولا ينبغي أن يستخدم في الخيانة . ولو كان الغرور في الجمال شيئاً حسناً لكان (يوسف) من أكبر المغرورين في التأريخ .
    5 ـ الجـاه : الجاه هو السمعة أو الصيت الذي يحصل عليه أحدنا جرّاء موقع اجتماعي أو علمي أو مالي أو سياسي مميّز ، كأن يكون قيادة أو نفوذاً أو منصباً رفيعاً . والجاه أو الوجاهة هو ميزة ناتجة عن نظرة اجتماعية للمواقع والمناصب ، وليس قيمة بحدّ ذاته ، بمعنى أنّ المسؤول الكبير أو المحسن الوجيه ، أو القائد العسكري ، أو مسؤول المنظمة الطلاّبية ، أو الطبيب أو المهندس وغيرهم ، إنّما أصبحوا وجوهاً اجتماعية مرموقة لأنّ نظرة الناس لهذه المواقع نظرة احترام وتقدير وإعجاب ، وربّما بسبب هذه النظرة راح بعض الذين يحملون العناوين اللامعة يمشون بين الناس بخيلاء ويتعاملون تعاملاً فوقياً مع مَنْ هم أدنى موقعاً ، وهل الغرور غير ذلك ؟
    إنّ الجاه أو السمعة أو الشهرة التي يكتسبها إنسان من خلال احتلاله لموقع بارز ، هي الأخرى عرضة للتغيير وعدم الثبات إلاّ بمقدار ما يغذّيها صاحبها من عطاء دائم للموقع الذي هو فيه ، وإلاّ فهي ليست شهادة خالدة أو شهرة أبدية(( )) ، وعلى ذلك فأيّ شيء لا يمتلك صفة الخلود والديمومة لا يصحّ للانسان أن يغترّ به ولو غروراً مؤقتاً لأ نّه إذا زال وتلاشى قلب نظرة الناس إليه من مغرور ممقوت إلى (مفلس) يُرثى له .
    6 ـ النـسب : والنسب أو الاتكاء على اسم أو لقب العائلة أو سمعتها هو اتكاء على سند واه ، فالإسم صنعته عقول وجهود وسواعد الآباء والأجداد ، وإذا أردت المحافظة عليه فساهم بعقلك وعرقك وإبداعك فيه ليكون لك نصيب أو حظّ من هذا الاسم العريق الذي تتشرف بحمله لا بصفة وراثية ، وإنّما على نحو مساهمة عملية جادّة في رفعه .
    وإلاّ فالجاهل أو نصف المتعلّم الذي يغترّ بعائلته ذات الصيت العلميّ المشهود له ، كذاك الذي يرتدي ثوباً غير ثوبه . والعاطل الخامل الذي لم يقدّم لوطنه وأمّته شيئاً ، ويغترّ بأمجاد أسلافه وأجداده الذين قارعوا الظلم والاستكبار في حملات الجهاد ضدّ الغزاة الطامعين ، يحاول أن يلصق صورته على غلاف كتاب يتحدّث عن جهاد الأسرة ، أو أن يعلّق صورته على الجدار مع لوحة شرف تضمّ الذين حملوا السلاح لمقارعة المحتلّين .
    وهناك مَنْ يعيش الغرور النسبيّ لجهة انحداره عن سلالة مطهّرة ، فيعتبر ذلك بمثابة صك الغفران الذي يحمله للدخول إلى الجنّة ، أو إلى الناس ليكبروه ويجلّوه من خلاله ، وفي الحديث الشريف : «خلق الله النار لمن عصاه ولو كان سيِّداً قرشياً ، وخلق الجنّة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً» .
    إنّ الانتساب الذي يحقّ لنا أن نفخر به هو انتسابنا للعلم والعمل وللدين فـ (سلمان) كان فارسياً لكنّه انتسب للاسلام وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حتى سُمّي بـ (سلمان المحمّدي) جزاء إيمانه وجهاده واندكاكه في خط الاسلام الأصيل ، وحتى قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه : «سلمان منّا أهل البيت» .
    7 ـ العبادة : وقد لا تعجب أن تسمعَ بانسان مغرور بقوته العضلية أو وسامته أو أمواله ، لكنك تعجب إذ تسمع بعابد يغترّ بعبادته ، إذ يفترض به أن يتعبّد لله ويخلص له في عبادته ، ولا زهوَ في ذلك ولا خيلاء ، لأنّ مَنْ يعبد الله فقد وقع أجره على الله ، لكنّ بعض العبّاد يتصيّد بشباك عبادته إعجاب الناس وثناءهم ، بل يرى نفسه أفضل أو خيراً من العديد منهم ، لأ نّه الأكثر صلاة وصياماً وقراءة للقرآن .
    وقد وردت عدّة أحاديث شريفة تحذّر من الاغترار بهؤلاء ، ومنها : «لا يغرّنكم كثرة صلاة الرجل وصيامه، فقد يكون عادة اعتادها حتى إذا تركها استوحش ، ولكن اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة» . وجاء أيضاً : «لا تغترّ بأقوام يصلّون فيطيلون ، ويصومون فيداومون ، ويتصدّقون فيحسنون ، فإنّهم موقوفون» . وجاء : «لا يغرّنك بكاؤهم فإنّ التقوى في القلوب» .
    وكالعبّاد المغرورين ، بعض أصحاب الأخلاق الفاضلة ، فإذا اتصف أحدهم بخصلة حميدة أو خلق نبيل ، داخله الغرور فيرى في نفسه أكمل الناس وأحسنهم خلقاً وهو مسكين لا يدري أنّ الأعمال بالنيّات وأن عبادة بلا إخلاص مثل إناء جميل في الخارج وهو فارغ .
    8 ـ المهـنة : وقد يغترّ البعض بمهنته من خلال ما تدرّه عليه من ربح ماليّ ، أو سمعة اجتماعية معيّنة ، وهذه سمة من سمات التخلّف ، وإلاّ فكلّ مهنة هي في واقع الأمر عمل خدمي يقدم للناس حسب طبيعة المهنة ، والمهن ـ كما تلاحظ ـ تتكامل مع بعضها في سدّ احتياجات الناس . وإذا كانت بعض المهن تجلب لصاحبها ربحاً أكبر وسمعة أو شهرة أوسع فهذا لا يعني أن تكون مدعاة للغرور والتكبّر ، وإنّما هو الجهد الذي يبذل في سبيل الحصول على شهادة معيّنة أو حرفة معيّنة ، ثمّ انّ الإبداع والإخلاص في المهنة أهمّ من الدخول في عالمها ، وأيّاً كان السبب فلا نرى داعياً للاغترار بالمهن .
    9 ـ العلـم : يصاب بعض العلماء في مختلف الاختصاصات بالغرور لتصورهم أ نّهم أكثر الناس علماً وفهماً وسعة في المدارك والاطلاع ، وقد يلعب احتلالهم لمواقع الصدارة في المنتديات العلمية وشاشات التلفزة والمؤتمرات والمجامع العلمية دوراً في ذلك .
    ولا يداخل الغرور بعض الشخصيات العلمية فقط ، بل ـ كما مرّ بنا ـ يصيب حتى بعض الطلبة المتفوقين دراسياً .
    فإذا كان العلم أحد أهمّ نقاط التفاضل بين الناس (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )( ) لكنّ العالم الحقّ ، وكما أثبتت ذلك سيرة طابور طويل من العلماء ، هو الذي إذا ازداد علماً ازداد تواضعاً ، ولذا قيل : «السنابل الفارغة تنتصب نحو السماء ، والسنابل الملآنة تنحني نحو الأرض» للتدليل على أنّ زيادة العلم ينبغي أن تتناسب طردياً مع زيادة التواضع .
    10 ـ القلم والبيان : ومن أسباب الغرور أن يكون الطالب أو أيّ انسان آخر ذا قلم ساحر في الكتابة ، أو خطيباً مفوّهاً ، وإذا بالكلمات التي يخطّها ذاك القلم ، والتي يطلقها هذا الخطيب أو الأديب هي جواهر ودرر أو نصوص لا يرقى إليها بيانُ غيرهم .
    إنّ القدرة البيانية أو الكتابية أو الخطابية نعمة ولا شكّ لكنّ النعم ـ كما قلنا ـ بحاجة إلى الشكر لا إلى الافتتان والاغترار والتباهي ، ومن دواعي الشكر أن تكون الكلمات مسخرة في الخير وخدمة الناس والإصلاح بينهم وتنمية الوعي لديهم .
    وقد يصل الغرور أحياناً ببعض أصحاب الأقلام والملكات الخطابية أن يهتموا بتنميق الكلام وتزويقه أكثر من اهتمامهم بمضامينه ، الأمر الذي يعتبر عند هؤلاء أنّ صاحب البيان الأفضل هو الذي يمتلك ناصية الكلام بقطع النظر عما يطرح من أفكار .

  • #2
    رد: اعرف ثمن ملكاتك - المحامي : بسام المعراوي

    موضوع مميز ويستحق القراءة مطولا" وبتمعن
    سلمت يداك
    قيمة المرء ما يحسنه

    Comment


    • #3
      رد: اعرف ثمن ملكاتك - المحامي : بسام المعراوي

      ان جميع ما ذكرت يا أخ بسام من امكانات و مواهب يجب أن يكون سببا يدعو الانسان الى الفخر والاعتزاز بها ويدعوه الى أن يلتزم بما وهبه الله ليعمل على الرفع من مستوى أخلاقياته وأدبه وليزيد من تواضعه لئلا كما ذكر الأخ بسام تكون سببا في دمار علاقاته اذا ما وصل بها الى حد الغرور بامتلاكها!!!

      Comment

      Working...
      X