الغرور والتكبّر
المحامي : بسام المعراوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الزهو، التيه، الخيلاء، التعالي، الإعجاب بالنفس، التكبّر، التباهي، الانتفاخ، مفردات تعبّر عن حالة واحدة وهي (الغرور) .
ما هو الغرور ؟
دعونا نلتقط معناه من حركته في واقع الحياة .
فهذا الذي يمتلك عضلات مفتولة ، ويمشي بين أقرانه وأصدقائه مزهوّاً بقوّته البدنية التي يتصوّر أنّها أكبر من قدراتهم وأعظم ، وأ نّهم لا يُقاسون ولا يُقارنون به .. مغرور .
وهذه التي وهبها الله جمالاً باهراً ، فراحت تتبختر في مشيتها كما لو أنّها هي التي صنعت هذا الجمال ، فترى أنّها أفضل الفتيات لأ نّها أجملهنّ ، وتقرأ في عيون الشبّان الإعجاب فيزداد افتتانها بنفسها ، وكأنّها حائزة على الفضائل والمكارم كلّها .. مغرورة .
وهذا الذي يمتلك صوتاً رخيماً يرتّل به القرآن ويجوّده ، فيشدّ الأسماع إليه ، ويظنّ أن حنجرته مصنوعة خصيصاً له ، وأنّ الآخرين حتى الذين يرتّلون ويجوّدون لا يبلغون ما بلغه من رخامة الصوت وعذوبته ، فيشمخ وكأ نّه هو الذي ركّب الحبال الصوتية في حنجرته كما يركّب صانع العود أوتار عوده .. مغرور .
وهو كذاك الديك الذي يتصوّر أ نّه إذا لم يرفع صوته بالصياح صباحاً ، فإنّ الشمس لا تشرق في ذلك اليوم !
وذاك الذي يتفوّق في دراسته فيصبح الأوّل في صفّه ، ويرى أ نّه أفضل من زملائه في كلّ شيء وإلاّ لما كان المتفوّق فيهم .. مغرور .
وتلك التي تنظر نفسها من خلال موقع أبيها وثروته وسمعته ، فتتباهى على صديقاتِها حتى اللائي هنّ أفضل منها علماً وخُلقاً ، وترى أنّها أرفع قدراً وأعظم منزلة لأ نّها ابنة المسؤول الفلاني ، أو العالم الفلاني ، أو التاجر الفلاني .. مغرورة .
والذي يمتلك موهبة معيّنة في حقل معيّن فيتيه ويتبختر لأ نّه يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون وكأنّ موهبته امتياز إلهي منحه الله له دون غيره ، وقد يكون موهبة ربّانية فعلاً لكنّه بدلاً من أن يرعاها ويشكرها تراه يباهي الناس بها ويرى أ نّه الأفضل عند الله وأنّ لديه الحظوة عنده .. مغرور .
والتي لا تجالس الفتيات الفقيرات البائسات المعدمات ، أو اللواتي لا يرتدين الملابس الفاخرة والزينة الزاهية الغالية ، لأ نّهنّ لسن من طبقتها ، أو أنّها إذا خالطتهنّ فقد يُنظر إليها نظرة استصغار باعتبار أنّها تصاحب مَنْ هنّ دون مستواها المعيشي أو الترفي ، فتنأى عنهنّ كمن يفرّ من انسان مصاب بالجرب أو بمرض معد .. مغرورة ومتكبّرة .
والذي يُخطئ ويظهر له خطأه عياناً ولا يعترف به ، بل يكابر ويدافع عن أخطائه ويعتبرها صحيحة ، أو يبرّرها بمبررات يحاول أن يرفع من خلالها عن نفسه صفة المخطئ .. مغرور .
والذي يترفّع ، أو يستنكف عن سؤال الآخرين الأكبر سنّاً والأكثر علماً والأثمن تجربة وخبرة ، لأ نّه يرى أ نّه في غنى عن ذلك كلّه ، وأنّ ما لديه من عمر وتجربة وعلم كاف بأن يلهمه السداد والصواب .. مغرور .
والتي تتنافس على احتلال موقع الصدارة في المجالس أو الاحتفالات فلا تقبل دون الصفوف الأولى مجلساً ، وربّما عتبت بشدّة على أصحاب الدعوة إذ قدّموا عليها مَنْ هم في تصورها أصحاب المقاعد الخلفية ، مغرورة متكبرة ، ومثل هذا يحصل بين الشبان أيضاً .
والذي يجد صعوبة بالغة في تقبّل الموعظة والنصيحة لأ نّه أكبر من المواعظ والنصائح والإرشادات ، بل لا يطلبها حتى مع الحاجة إليها لأ نّها في نظره تقلّل من شأنه وتحطّ من قدره وقيمته .. متكبّر مغرور ، وفي الفتيات أيضاً مَنْ تصمّ سمعها عن النصائح لأ نّها تجد نفسها فوق النصيحة ، وهذا هو منطق المغرورين .
والذين يدخلون في نقاش وحوار حول مسألة وقضية معيّنة ، ثمّ يتضح الحقّ فيها إلى جانب أحد الآراء التي هي مخالفة لرأيهم ، فلا يقرّون بالحقيقة مهما كانت ناصعة ، بل يجادلون من أجل أن ينتصر رأيهم في (معركة الحوار) .. هم مغرورون .
والذين يرفضون النقد والمحاسبة والتقويم ، ويعتبرون ذلك ـ حتى ولو كان حقّاً وصدقاً ـ حسداً وشماتة أو طعناً في كرامتهم ومسّاً بمكانتهم .. مغرورون .
والذي لا يقبل وساطة حميدة من إنسان عاديّ أو ليس له وجاهة اجتماعية بارزة ، سواء في حلّ خلاف أو إصلاح أو تزويج ، رغم أ نّه يحمل من سمات الإيمان والورع والأخلاق الحسنة الكثير ، وإذا جاءه ذو الوجاهة العريضة والمقام المرموق استقبله ورحّب به بحفاوة وقرّبه وأدناه ولبّى حاجته .. مغرور ومتكبّر أيضاً .
إنّ الأمثلة السابقة ، وغيرها كثير ، عينات اجتماعية نلتقيها يومياً وفي كلّ مكان ، تفيد أنّ الغرور وما يستتبعه من تكبّر وعلوّ يعني حالة من الافتتان أو الإعجاب الشديد بالنفس لدرجة الشعور أنّها أعظم من غيرها ، الأمر الذي ينتج عنه النظر إلى النفس بعين الإكبار ، وإلى الآخرين بعين الإستصغار ، وهي نظرة ـ أقلّ ما يقال عنها ـ أنّها غير إيمانية .
المحامي : بسام المعراوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الزهو، التيه، الخيلاء، التعالي، الإعجاب بالنفس، التكبّر، التباهي، الانتفاخ، مفردات تعبّر عن حالة واحدة وهي (الغرور) .
ما هو الغرور ؟
دعونا نلتقط معناه من حركته في واقع الحياة .
فهذا الذي يمتلك عضلات مفتولة ، ويمشي بين أقرانه وأصدقائه مزهوّاً بقوّته البدنية التي يتصوّر أنّها أكبر من قدراتهم وأعظم ، وأ نّهم لا يُقاسون ولا يُقارنون به .. مغرور .
وهذه التي وهبها الله جمالاً باهراً ، فراحت تتبختر في مشيتها كما لو أنّها هي التي صنعت هذا الجمال ، فترى أنّها أفضل الفتيات لأ نّها أجملهنّ ، وتقرأ في عيون الشبّان الإعجاب فيزداد افتتانها بنفسها ، وكأنّها حائزة على الفضائل والمكارم كلّها .. مغرورة .
وهذا الذي يمتلك صوتاً رخيماً يرتّل به القرآن ويجوّده ، فيشدّ الأسماع إليه ، ويظنّ أن حنجرته مصنوعة خصيصاً له ، وأنّ الآخرين حتى الذين يرتّلون ويجوّدون لا يبلغون ما بلغه من رخامة الصوت وعذوبته ، فيشمخ وكأ نّه هو الذي ركّب الحبال الصوتية في حنجرته كما يركّب صانع العود أوتار عوده .. مغرور .
وهو كذاك الديك الذي يتصوّر أ نّه إذا لم يرفع صوته بالصياح صباحاً ، فإنّ الشمس لا تشرق في ذلك اليوم !
وذاك الذي يتفوّق في دراسته فيصبح الأوّل في صفّه ، ويرى أ نّه أفضل من زملائه في كلّ شيء وإلاّ لما كان المتفوّق فيهم .. مغرور .
وتلك التي تنظر نفسها من خلال موقع أبيها وثروته وسمعته ، فتتباهى على صديقاتِها حتى اللائي هنّ أفضل منها علماً وخُلقاً ، وترى أنّها أرفع قدراً وأعظم منزلة لأ نّها ابنة المسؤول الفلاني ، أو العالم الفلاني ، أو التاجر الفلاني .. مغرورة .
والذي يمتلك موهبة معيّنة في حقل معيّن فيتيه ويتبختر لأ نّه يمتلك ما لا يمتلكه الآخرون وكأنّ موهبته امتياز إلهي منحه الله له دون غيره ، وقد يكون موهبة ربّانية فعلاً لكنّه بدلاً من أن يرعاها ويشكرها تراه يباهي الناس بها ويرى أ نّه الأفضل عند الله وأنّ لديه الحظوة عنده .. مغرور .
والتي لا تجالس الفتيات الفقيرات البائسات المعدمات ، أو اللواتي لا يرتدين الملابس الفاخرة والزينة الزاهية الغالية ، لأ نّهنّ لسن من طبقتها ، أو أنّها إذا خالطتهنّ فقد يُنظر إليها نظرة استصغار باعتبار أنّها تصاحب مَنْ هنّ دون مستواها المعيشي أو الترفي ، فتنأى عنهنّ كمن يفرّ من انسان مصاب بالجرب أو بمرض معد .. مغرورة ومتكبّرة .
والذي يُخطئ ويظهر له خطأه عياناً ولا يعترف به ، بل يكابر ويدافع عن أخطائه ويعتبرها صحيحة ، أو يبرّرها بمبررات يحاول أن يرفع من خلالها عن نفسه صفة المخطئ .. مغرور .
والذي يترفّع ، أو يستنكف عن سؤال الآخرين الأكبر سنّاً والأكثر علماً والأثمن تجربة وخبرة ، لأ نّه يرى أ نّه في غنى عن ذلك كلّه ، وأنّ ما لديه من عمر وتجربة وعلم كاف بأن يلهمه السداد والصواب .. مغرور .
والتي تتنافس على احتلال موقع الصدارة في المجالس أو الاحتفالات فلا تقبل دون الصفوف الأولى مجلساً ، وربّما عتبت بشدّة على أصحاب الدعوة إذ قدّموا عليها مَنْ هم في تصورها أصحاب المقاعد الخلفية ، مغرورة متكبرة ، ومثل هذا يحصل بين الشبان أيضاً .
والذي يجد صعوبة بالغة في تقبّل الموعظة والنصيحة لأ نّه أكبر من المواعظ والنصائح والإرشادات ، بل لا يطلبها حتى مع الحاجة إليها لأ نّها في نظره تقلّل من شأنه وتحطّ من قدره وقيمته .. متكبّر مغرور ، وفي الفتيات أيضاً مَنْ تصمّ سمعها عن النصائح لأ نّها تجد نفسها فوق النصيحة ، وهذا هو منطق المغرورين .
والذين يدخلون في نقاش وحوار حول مسألة وقضية معيّنة ، ثمّ يتضح الحقّ فيها إلى جانب أحد الآراء التي هي مخالفة لرأيهم ، فلا يقرّون بالحقيقة مهما كانت ناصعة ، بل يجادلون من أجل أن ينتصر رأيهم في (معركة الحوار) .. هم مغرورون .
والذين يرفضون النقد والمحاسبة والتقويم ، ويعتبرون ذلك ـ حتى ولو كان حقّاً وصدقاً ـ حسداً وشماتة أو طعناً في كرامتهم ومسّاً بمكانتهم .. مغرورون .
والذي لا يقبل وساطة حميدة من إنسان عاديّ أو ليس له وجاهة اجتماعية بارزة ، سواء في حلّ خلاف أو إصلاح أو تزويج ، رغم أ نّه يحمل من سمات الإيمان والورع والأخلاق الحسنة الكثير ، وإذا جاءه ذو الوجاهة العريضة والمقام المرموق استقبله ورحّب به بحفاوة وقرّبه وأدناه ولبّى حاجته .. مغرور ومتكبّر أيضاً .
إنّ الأمثلة السابقة ، وغيرها كثير ، عينات اجتماعية نلتقيها يومياً وفي كلّ مكان ، تفيد أنّ الغرور وما يستتبعه من تكبّر وعلوّ يعني حالة من الافتتان أو الإعجاب الشديد بالنفس لدرجة الشعور أنّها أعظم من غيرها ، الأمر الذي ينتج عنه النظر إلى النفس بعين الإكبار ، وإلى الآخرين بعين الإستصغار ، وهي نظرة ـ أقلّ ما يقال عنها ـ أنّها غير إيمانية .
Comment