Announcement

Collapse
No announcement yet.

في روايته "جمرة الروح"البحريني ( خليفة العريفي ) يضع الشعر في خدمة السرد

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • في روايته "جمرة الروح"البحريني ( خليفة العريفي ) يضع الشعر في خدمة السرد

    جمرة الروح... مبدع بحريني يضع الشعر في خدمة السرد
    خليفة العريفي يطرح موضوع الخيبات التي لا تنتهي والأحلام المحبطة والنضال الذي يصل بصاحبه إلى يأس هنا وإيمان غريب عنه هناك.
    ميدل ايست أونلاين
    بيروت - من جورج جحا
    واقع مثقل بالأحزان


    يطرح الكاتب والمخرج والممثل المسرحي البحريني خليفة العريفي في روايته "جمرة الروح" موضوع الخيبات التي لا تنتهي والأحلام المحبطة والنضال الذي يصل بصاحبه إلى يأس هنا وإيمان غريب عنه هناك.
    إلا أن حصة خليفة العريفي من الشعر في سرده ليست قليلة بل "فائقة" خاصة في القسم الأول من الرواية. ويبدو أن هذا الأمر شائع جدا بين قسم كبير من كتاب الرواية العرب الى درجة -على الرغم من جمال النص الشعري هنا او هناك- قد تسيء الى العمل الروائي.
    السرد بشعرية أمر جميل ومهم لكن كتابة شعر خالص بمعنى استقلاليته او شبه استقلاليته عن الزمان والمكان المعينين للرواية أمر آخر قد يقال فيه ان صاحبه ربما ضل طريق السرد.
    إلا أن خليفة العريفي "يستلحق نفسه" كما يقال إذ انه بعد القسم الأول من عمله يعود الى سرد معقول ويتحول الجو الشعري عنده الى خادم للسرد في شكل جزء لا يتجزأ منه على خلاف ما واجهناه في بداية الرواية.
    شيء آخر يميز كتابة العريفي في القسم الأول من عمله أيضا وفي أماكن أخرى منها وهو أن الفصل الواحد من الرواية يصلح أحيانا ان يكون قصة قصيرة مستقلة نوعا ما.
    جاءت الرواية في 192 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن (مملكة البحرين وزارة الثقافة. الثقافة والتراث الوطني) وعن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت وعمان.
    إذن العريفي يكتب شعرا وهو يسعى إلى اخذ القارئ في طريقه السردي. شعر -شأن كثير من الشعر- ينطوي على احتمالات عديدة ولا يقول شيئا محدودا يندرج بسهولة في نطاق نصه الروائي المفترض.
    تبدأ الرواية كما يلي "خرج إلى الشارع.. رفرف بجناحيه.. رفع وجهه للشمس.. استنشق الهواء بنهم طفل لم يرضع منذ زمن.. كان يحمل وردة حمراء قطفها بلهفة من حديقة قرب السجن.. تأمل الوردة مليا وغاب طويلا في شذى العطر. لم تكن الوردة عطرة لكنه تخيلها كذلك.
    "رفرفت فراشة بألوان قزحية... لامست الفراشة الوردة.. صارت الوردة لغما خبأه بين أضلاعه. توقفت يده تحت قميصه ثم أخرجه ورماه إلى الأرض لكنه لم ينفجر. دوى الانفجار الحزين في رأسه وراح يغني أغنية قديمة تمجد الموت انتحارا وتلون الشفق بالظلام".
    وتستمر الكتابة الشعرية فيبدو هنا كأنه يكتب قصائد حديثة "وانت الآن تتعلمين أغنية الغياب والحضور وتنتظرين طويلا في المحطات المكسوة بالضباب والوحشة... اعلم أن السماء أوقفت أمطارها والأنهار أضاعت أمكنة ولادتها ولم تبق إلا البحار دواء للجروح".
    بعد قراءة الرواية ومعرفة ان البطل سجن بتهمة تفجير سيارة ضابط انجليزي قد يجد القارئ نفسه قادرا على أن يفهمم هذه الكتابة الشعرية التي تبدو تدور حول الحدث ولا تسهم فيه زيادة أو نقصانا. أما قبل ذلك فتبقى الأمور معلقة.
    ومن ناحية أخرى نصل إلى فصل بعنوان "زينب" وهي بطلة القصة وزوجة السجين. الفصل يصلح تماما لان يكون قصة قصيرة تفيض شعرا. ويبدو كذلك أنها وصلت إلى نهاية معقولة من الخوف ومن الحاجة. لكنها فعلا قسم من رواية كبيرة. نقرأ وصفا شعريا في هذا الفصل اذ يقول الكاتب "كانت السماء رمادا عندما وقفت على الرصيف تنتظر.. أليس الانتظار أغنية بطيئة الإيقاع مجهولة المعنى؟ انتظرت طويلا لكن السماء ظلت معادية ولم تمطر".
    وتحت عنوان "اللقاء" رومانسية ناعمة. بيت المتسولة الجميلة وأبيها المريض. خرجت من الكوخ أغنية حزينة "في أوردتي يتكدس الليل وعلى صدري تزهو أوجاع رمادية". انه حزن أكثر رفعة من بيئته الوضيعة كما يبدو.
    وتشتد الرومانسية حزنا إذ نقرأ "تزداد الأغنية ارتفاعا وسرعة. يزداد السعال حدة وحشرجة. تختلط الأغنية بالسعال حتى يصيرا صوتا واحدا مشروخا".
    ويبدو لنا هنا أن الكاتب لا ينقل الواقع أو ما يشبهه بل يرسم صورة من الحزن المكثف لينقل ما في ذهنه وهو عالم شعري حزين أكثر منه واقعا. الواقع قد يكون أسوأ او أفضل -هذا لا شك فيه- لكنه يكون مختلفا عن هذه الصورة الذهنية والحالة النفسية التي تشبه الشعر الرومانسي أكثر من الرواية القريبة من الواقع.
    في الرواية تتشابك الأزمنة وتتداخل الأماكن في أجواء تنضح بالرمز أحيانا. الزوج في السجن كما أسلفنا وهي مع ابنتها التي لم يرها والدها بعد. بعد رفض طويل رضخ السجين وقبل توقيع ورقة "توبة" شوقا الى زوجته وابنته. لكن الزوجة لما عرفت ذلك اعتبرت انه مات. "مات مشنوقا على رماد ورقة".
    بعد خمس سنوات خرج وتجول تائها. أسعفته امرأة عجوز عرفت امه وقالت له انه لم يبق احد من اهله وان بيتهم سكنه أغراب بعد ان باعه إخوته ورحلوا. الخيبة تحول السجين السابق والشيوعي العنيد الى متصوف زاهد لا يتعرف إلى احد. أما هي زينب فتزوجت من خالد بعد أن طلقت زوجها.
    الخيبة لا تكتفي بهذا بل تشمل قصة أخرى موازية بطلها شخصية بارزة هي محمود.. الشاعر والصحافي البارز. كان محمود قد أعجب زينب التي جعل منها شاعرة ذات اسم كاشفا عن مواهبها. لكنه ليس رجل زواج فصرفت النظر عنه.
    تدور بينه وبين فتاة شابة تصغره قصة عاطفية وجسدية لكنه يرفض الزواج ويكتفي بالإنفاق عليها ببذخ. دعي إلى دمشق وبقي فيها أسبوعين ولما عاد وعلى غرار بطل نجيب محفوظ في "اللص والكلاب" وجد ان صديقه ومعاونه وربيبه "سعيد" قد اختفى معها لأنها تريد أن تتزوج وهو على استعداد. وانتقل إلى جريدة أخرى. جن جنون محمود وشعر بالخيبة وبالخيانة وانتهى "محترقا" من داخله بجمرة روحه. وظلوا يبحثون وينادون ويصرخون حتى وجدوا جثته على شاطئ مهجور وطيور النورس تحوم حولها وكذلك الذباب. ويختم الكاتب روايته بكلمة (النهاية) ليتدخل ويقول بعدها "هل انتهت حقا؟ اشك في ذلك".
Working...
X