Announcement

Collapse
No announcement yet.

المعارضة السورية... أسرار الفشل !!!

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • المعارضة السورية... أسرار الفشل !!!

    المعارضة السورية... أسرار الفشل !!!

    حظيت الأزمة الأخيرة في سورية بكثير من التغطية الإعلامية فاقت كل ما جرى في الوطن العربي، وبالطبع فقسم كبير من هذه التغطية وظف كدعاية فجة لصالح قسم من المعارضة السورية الى حد فاق كل ما شهدته أية أزمة أخرى عربية وعالمية، وكان هناك نسبة اقل من 5% كمساحة إعلامية مهنية محترفة غطت وجهتي النظر الرسمية والمعارضة معا أما المواطن العادي فهو غالبا كان خارج التغطية معظم الوقت ولم يحظ بأية فرصة جدية ليتكلم ويقول رأيه الحقيقي فمعظم الدول التي سوقت فضائياتها تحديدا لما سمي ثورة سورية يبدو من الصعب على المواطن السوري الذي يعمل ويعيش فيها أن يصدر رأيه الصريح أصلا والاستقالات المتتالية من الجزيرة وغيرها هي عنوان سياسي كبير كان يجب أن يلفت الأنظار لكنه ضاع في زحام الحرب الإعلامية ومن الضروري هنا التنبيه الى فارق شاسع بين أطياف المعارضة السورية فهي مقسمة الى نوعين خارجية وداخلية وتحتهما أطياف مختلفة أيضا·

    النقد الحقيقي الموجه لأداء النظام السوري طيلة العقود السابقة لم يتم الالتفات إليه في ظل هذه الحرب المستعرة؟! وهو نقد موجه لكافة العمليات التنموية التي قام بها على كافة الأصعدة بدءا بالسياسية منها وانتهاء بالاجتماعية مرورا بالاقتصادية بالطبع فلقد بنى النظام بصورة كبيرة هياكل سياسية وبنى اقتصادية وعسكرية وأمنية واجتماعية خدماتية وغيرها بصورة واسعة للغاية سجلت من الناحية المادية المباشرة انجازات واضحة لكنها تورطت في معضلة استثمار الكوادر والطاقات البشرية التي لم يستطع تحقيق تقدم فاعل فيها فمن المؤكد مثلا أن النظام قد أنشا آلافا من المعامل والمصانع والكثير من البنى التحتية ومدارس ومعاهد تدريب وجامعات وغيرها كثير لكن مشكلة الشخص المناسب في المكان المناسب بقيت عصية على الحل وهي جوهر الفساد الفعلي والتأخر الذي وقع فيه النظام وهنا تسجل شعلة مضيئة لصالحه ففي الصناعة العسكرية حقق النظام انجازا كبيرا جرى العمل عليه بصمت وسرية فائقتين ثم أدهش العالم بمدى تقدم بعض من تقنياته المصنعة محليا والتي استخدمها مقاتلو حزب الله لصد الغزو الاسرائيلي في حرب تموز 2006·

    المدهش في المعارضة السورية، والخارجية منها تحديدا هو في كونها لم تلتفت مطلقا لهذه المعضلة وثابرت على التغني بالشعارات الباهتة وعلى إلقاء قصائد وموشحات النثر الهجائي عن الفساد وقيمة الديمقراطية وأهمية الحريات وغيرها من الشعارات الباهتة التي يحفظها المواطن العادي عن ظهر قلب وبالطبع فلقد أعطى ذلك تأثيرا عاطفيا على قسم محدود من الجماهير داخل سورية وتفاعل معها القطاع الأوسع من الجماهير بفتور واضح، وقطاع آخر هاجمها بشدة واعتبرها دجلا ومزايدة ومتاجرة بشعارات لا تغني ولاتسمن من جوع وصولا لاتهامات بالعمالة والخيانة والتأمر مع الغرب ولقد بدا عجيبا من معظم المعارضين إغراقهم في التهريج النظري وهم يقيمون في دول غربية بمعظمهم ويلاحظون بالطبع أن معظم التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في الغرب تتم عبر التركيز على مطالب مباشرة كليا فالجماهير عندما تتجمع وتهتف في الشوارع أو أمام مقر الحكومة في مظاهرة مرخصة أوحتى غير مرخصة فهي فعلا قد أثبتت أنها حرة وليس عبر تشريع سياسي ما وبعدها تنتقل الى المطالبة بأمور مباشرة كالمطالبة بمحاسبة مسؤولين أو إقالتهم أوخفض الضرائب أوإلغاء قوانين مختلفة الى ما غير ذلك من مطالب تمس الواقع اليومي بصورة مباشرة بحيث تصنع تقدما جديا في صناعة مستقبلها وتفرض قيمة رأيها بشكل عملي بعيدا عن الشعارات المثالية التي يحفظها الشعب السوري عن ظهر قلب·

    الشيء الملفت للنظر في سلوك المعارضة السورية الخارجية هو مواجهتها بعضها بعضا بصورة عجيبة توحي بتفتت كبير للغاية وسذاجة سياسية غير عادية في ظرف دولي وإقليمي لا يسمح مطلقا بأية ألاعيب سياسية من هذا المستوى المتدني وبدا ذلك ترفا سياسيا غير قابل للاحتمال من قبل مشاهديه أوسامعيه كما إن بعضها أيضا حفلت شعاراته بتعبيرات طائفية ودينية هابطة واصطلاحات متأسلمة أكل الدهر عليها وشرب فيها تجاهل عجيب لكون طبيعة المجتمع السوري لا تنسجم معها!! وكذلك فنسيجه وتنوعه الفريد الذي لا يحتمل مطلقا رواجا لأية أفكار أو طروحات من هذا النوع قد اشمأز بصورة فورية من هذه الأساليب التي تعيش أوهاما وعقدا دفينة وتصر على بثها والدعاية لها بحجة أن ذلك تطبيق للديمقراطية وممارسة للحرية فانقلبت نسبة كبيرة من الذين أيدوا هذه التحركات في بدايتها الى موقف مضاد لها وأتت الأعمال العنيفة في مواجهة القوى الأمنية والجيش لتقضي على أية فرصة لهذه المعارضة لتتحول مع الوقت الى تيار ذي وشعبية حقيقية·

    الفئة الوحيدة التي أبدت استعدادا فوريا لخدمة هذه المعارضة غالبا انقسمت الى مجموعتين أولهما هم بعض الأشخاص المتلبسين بعقدة الانتقام من النظام بسبب أية مواقع خسروها في مرحلة سابقة، أو بسبب من فشل النظام في تقييم نوعية الكوادر التي يوظفها في شتى المجالات فاستثني منها في حالات متعددة من لم يبدو لديه الولاء المطلوب وكذلك بعض من الناشطين السياسيين النخبويين الذين وقعوا تحت وطأة اعتقالات سابقة وكذلك بعض المتأسلمين الذين تجرفهم العديد من التيارات المتأسلمة والمتصارعة فيما بينها، أما المجموعة الثانية فهي مشكلة أساسا من فئة المهربين تحديدا والتي أضرت بعض من توجهات النظام الاقتصادية في السنوات السابقة بهم بصورة كبيرة فلقد خلق الحصار الاقتصادي الذي دام عقودا على سورية هذه الفئة وتضخم حجمها بصورة لافتة وباتت جزءا من نسيج المجتمع السوري بطريقة أوبأخرى متركزة غالبا في المناطق الحدودية التي شهدت الاضطرابات وأتت إجراءات التغيير الاقتصادي وفتح باب الاستيراد لتضرب اسلوب حياة هذه المجموعة وتعطل موردها الاقتصادي بصورة كبيرة للغاية ولم ينتبه النظام في سورية الى هذه الثغرة البالغة الخطورة في نسيجه الاجتماعي حيث أن أية عمليات تطوير وتوظيف متجهة غالبا للآتين من المجال الأكاديمي ولخريجي المعاهد التقنية والحرفية التي يتخرج منها العمال المهرة وصولا لمرتبة مساعدي المهندسين وغيرهم من الكوادر المهنية المتوسطة وبالطبع فيضم الى هذه المجموعة فئات أصحاب السوابق والجانحين بسبب البطالة أومشاكل اجتماعية أخرى وكل هذه الفئات لم يستطع لا النظام ولا المجتمع السوري استيعابها حتى الآن ولقد أثر تحرك هذه المجموعة سلبيا على صورة المعارضة بصورة سيئة الى حد كبير مقارنة بالفئات التي تحركت في مصر أو تونس والتي ضمت طلبة الجامعات بصورة كبيرة·

    الجانب الشخصي الأهم الذي برزت فيه المفارقة الكبيرة بين المعارضة والنظام هو كاريزما القيادة فالرئيس بشار الأسد يحملها بكل امتياز برغم كافة الحملات التي استهدفته حتى من قبل بدء الأزمة الأخيرة في سورية فبداية هو نموذج القائد الشاب الواعد الذي يقود القلعة القومية الأخيرة الصامدة في وجه الغرب واستطاع ببراعة لافتة من الصمود في وجه كل الأعاصير التي اجتاحت المنطقة العربية طيلة العقد السابق والتي استهدفت سورية بصورة أكبر من غيرها فكان عمليا هو الوحيد بين القادة العرب الذي لم يحن رأسه فيوافق على غزوالعراق وحرب تموز والحرب على غزة وغيرها من المشاريع التي فرضت على كافة القادة العرب التعاون معها وحتى في التعامل الشخصي والخطابي مع هذه الأزمة لم يلجأ لأية عبارات طنانة كما لم يهاجم خصومه المعارضين مباشرة ويطلق عليهم أوصافا مسيئة ولم ينبر فيعدد أفضاله على الشعب مثلما فعل بن علي أومبارك أوالقذافي على سبيل المثال وبالمقابل فلقد بدت شخصيات المعارضة السورية (بالذات المقيمة في الخارج) غالبا كرموز باهتة تنتمي الى عالم خاص بها وحدها ولا تمثل موقفا وطنيا جارفا وتفتقر للجاذبية الشعبية بصورة كبيرة وركزت في كافة خطاباتها ولقاءاتها ومؤتمراتها على اجترار بضعة عبارات هجومية وعلى نقد استعراضي ضد النظام ولم تخاطب الجماهير عمليا ثم بدا واضحا صراعها الداخلي على اختطاف الفرصة للحصول على مغانم شخصية عمليا أكثر من أي شيء أخر·

    لم تطلق المعارضة السورية الخارجية حتى الآن أية برامج أومشاريع جدية أودراسات لأي قطاع فهي لم تتحدث في كل خطاباتها الى الطلاب الجامعيين مثلا وتعدهم بمستقبل أفضل وبتسهيلات لبناء مستقبلهم ولم تتكلم عما تنوي فعله لتحسين الاقتصاد وتطويره أولكف عمليات الاحتكار التي تسيطر على مجريات الأمور الاقتصادية والصفقات التي تتبعها صغرت أوكبرت ولم تخرج بأية رؤى من أي نوع كان حول موقفها السياسي من القضية الفلسطينية التي تشكل قلب السياسة السورية وجوهر بناء النظام والجيش والدولة السورية بمجملها أوالصراع الحدودي البارد بين سورية وتركيا (قسم كبير منها له تبعية مكشوفة لتركيا) كما لم تتكلم عن التحالفات السورية القائمة بصورة منهجية راسخة مع روسيا وإيران وغيرها بل إنها اعتبرتها عبئا وخطأً سياسيا يتوجب إزالته!! ثم تطرفت الى ادعاءات وروايات عجيبة حول قيام الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله بقمع المتظاهرين وقتلهم!! وبدت النظرة الشعبية العامة في سورية لهذه الروايات والفبركات المستمرة في الفضائيات والنت وغيرها نظرة استخفاف واستهجان وبدا كل ذلك نوعا من التكرار العجيب لما فعله تنظيم الإخوان المسلمين في أواسط السبعينات وأوائل الثمانينات حيث شن موجة من أعمال الاغتيال والنسف والهجمات على مواقع عسكرية وأمنية وحكومية مختلفة ولم يكترث بمخاطبة الجماهير عبر أية بيانات علنية وبرامج سياسية إلا في عام 0891 بعد عدة سنوات من انطلاقته كحركة مسلحة تعتمد شعارات دينية وبالطبع فلقد كان ذلك متأخرا جدا كخطوة سياسية فعلية واستقبلته جماهير سورية حينها ببرود واستخفاف واضحين·

    المعارضة السياسية في أي مكان من العالم في منشئها تتوجه منطقيا للجماهير في قطاع من القطاعات لتقول عمليا أنا موجود فاذكروا لي ماذا تريدون لأطالب به في خطوة أولى، وفي خطوة تالية تطرح نفسها كممثل لهذه الفئة وليس كافة الجماهير، وفي الخطوة الثالثة تطرح حلولا لمشاكل المجتمع الذي تعبر عنه، وبعدها قد تتوسع لتأخذ في بعض الحالات شعبية جماهيرية واسعة تتجاوز فيها تمثيلها لفئة أوقطاع أونقابة مثلا وغالبا فوقود الأحزاب ذات الشعبية الكبيرة هم الطلاب الجامعيون وهم القلب النابض الذي يدفع كل ما يجري في أي مجتمع بصورة أقوى من أية قطاعات أخرى وبالطبع فهناك بعض المجتمعات التي مصدر معيشتها اقتصاديا إنتاج من المناجم أومن صناعة معينة فيكون أتباع المعارضة والمتحمسون لها غالبا منه وهذا سيشكل بعضا من الفروقات في مقاربة المعارضة لأهدافها تبعا لواقع الاقتصاد السائد وتفرز خلال ذلك كله شخصيات قيادية تحظى بثقة الجماهير لكن هذا كله لم يحدث مطلقا في تاريخ المعارضة السورية فهي كانت كأحزاب تأسست غالبا بمنطق نخبوي من وجهاء المدن عادة أوكنسخ منقولة عن بعض الأحزاب الأوروبية والواقع التاريخي يقول بأن الحركتين السياسيتين الوحيدتين في تاريخ سورية اللتين نشأتا خارج هذا السياق واستطاعتا أخذ بعد جماهيري كبير كانتا حزب البعث وكذلك الحركة الناصرية، أما الفكر الشيوعي فقد كان عادة له انتشار واسع لكنه لم يحظ بتقدم شعبي مناظر لهما بسبب تقوقع بعض قياداته وعدم مرونتها في التعاطي مع الواقع الداخلي أوالموزاييك السوري وتنوعه الكبير·

    المعارضة الداخلية المتمثلة بمثقفين وأكاديميين بارزين وجدت نفسها تحت وطأة كل هذا مضطرة الى الانكفاء والتراجع رغما عنها في أغلب الحالات فهي عمليا نخبوية غالبا وليست جماهيرية فضلا عن أن معظم الحرب الإعلامية التي أشعلتها الفضائيات العربية والغربية التي تخدم كل ما يجري هي في نظرها أكثر من مشبوهة وهذه المعارضة ليست مستعدة للتواطؤ بهذه البساطة مع مشاريع الغرب مع ملاحظة أن قسما محدودا منها قد حول نفسه الى ما يشبه مأجوري ثقافة في خدمة هذه الفضائيات إن صح التعبير ففقد أي احترام كان يحظى به على الفور بين أطياف الشعب السوري، لكن يبقى بعض الأمل في تقدم جدي لعملية الحوار الجارية بين هذا القسم من المعارضة والنظام الذي حرص بصورة قاطعة على التفريق بينها وبين كل من جرفهم تيار الحرب الإعلامية الدائرة كذلك لوحظ مبادرة هذه المعارضة الى الاتصال بروسيا الحليف الوثيق لسوريا في إشارة قاطعة الى انتباهها لضرورة الحفاظ على هذا التحالف باي ثمن واعتباره ركنا وطيدا في السياسة الخارجية السورية·

    اقتصاد سورية مبني على السياحة أساسا وعلى دخل آت من المغتربين السوريين وقسم أخر آت من موارد أقل تأثيرا كالصناعات التحويلية والزراعة وتصدير بعض الخامات ولم تجرب المعارضة السورية الخارجية نهائيا أن تقترب في أي من خطاباتها من أي شيء يجري في هذه القطاعات ولم يبدو أنها مهتمة مطلقا بالعاملين في أي منها لا اليوم ولا غدا ويبدوأن حمى الشعارات الطنانة قد ورطت هذه المعارضة في فخ التنظير المستمر بدلا من العمل الجدي على بدء تجنيد كوادر لها في هذه القطاعات عبر مخاطبتهم أو إطلاق أية وعود وبرامج بتأمين مستقبلهم إذ يبدوأنها اعتبرت أنها ولية الأمر والنهي في مستقبل الشعب الذي عليه السمع والطاعة وأن يقوم بإسقاط النظام لحسابها مضحيا بدمه ومعيشته وبمستقبله ثم تأتي هي فتستلم السلطة على طبق من ذهب وتعود الجماهير الى بيوتها بكل بساطة وبذلك يتغير مصير الوطن دفعة واحدة فتتحول سورية بطريقة سحرية الى سويسرا جديدة!! وبكل هذا الخيال والفانتازيا العجيبة برهنت هذه المعارضة على أنها لا تعيش إلا مع أحلامها بطريقة تفوقت بها على رواية أليس في بلاد العجائب·

    بقلم: مهيد توفيق عبيد

    Photographs - Logos - Webs -
    Advertisements

    00963-932767014
    [email protected]

Working...
X