Announcement

Collapse
No announcement yet.

الإبداع والحياة - سلمان اسما عيل

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الإبداع والحياة - سلمان اسما عيل

    الإبداع والحياة

    يبدو أن ثمة تناقضا من نوع ما بين الإبداع والحياة، بين حياة المبدع وحيوات العاديين، بين صيغة جدله مع العالم المحيط وصيغة جدل العاديين مع العالم نفسه.
    ترى.. ألا يكون الإبداع من دون هذا النبوّ، من دون هذه المغايرة؟! أيمكن أن يكون هذا هو ما توصلت إليه المثولوجيات القديمة عندما حددت للشاعر ذروة سامقة العلو (جبل الأوليمب مثلا)، أو واديا ساحق العمق (وادي عبقر مثلا)؟
    . وفي الحياة الواقعية ما يزال المبدع يميل إلى أن يكون له، في بيته، حجرة كالمغارة، أو منظرة كالمنارة ينأى بهما عن أهله وولده ومعايشيه.
    في فترة مرضه الأخيرة، كان الشابي محط عناية أصدقائه ورعايتهم وحنانهم: حدث زين العابدين السنوسي (صديق الشاعر ومشجع أدبه ومؤرخه) إن زوجته (زوجة السنوسي) وهى التي لم تكن ترتضى، رغم إلحاح زوجها، الاختلاط حتى بأخلص أصدقائه كسرت عادتها، وفارقت مألوفها يوما، عندما رأت من حال الشابي ما رأت: " تأخر زين العابدين عن مضيفه قليلا، وقد حان وقت تناوله الغداء، فلم تر المرأة المحافظة إلا أن تخرج إليه لتطعمه، و الشابي الخجول الحيي يلوب ويضطرب ويتمشى، وتكتشف المرأة انه لم يكن بسلوكه يعلن عن جوعه كما خمنت، في البداية، وإنما يتبين لها انه كان مفزعا بالشعر يتهيأ لاستقباله ".
    وهذا ما جعلها تعاتب زوجها لحظة قدومه.
    "انه من الملائكة والله، كان كالولد الصغير، وأنت تتركه لنفسه (تقصد وحيدا)، انه لم يفطر صباحا، ولم يشرب الحليب، بالعكس لقد خدم (وهى الكلمة المغربية المستخدمة بدلا من عمل) كثيرا بعدك.. كنت أراه من خلال البلكون ( الشرفة ) وهو لا يحس بمن يدخل أمامه ومن يخرج من الجنينة (الحديقة)، يتأمل ماء الجابيه (البركة) ثم تراه يتمتم دون أن يسمع له صوت مفهوم، ثم يعود. إلى الوجوم، ولكنه يفكر ويجتهد، ولم يبتسم إلا مرة واحدة، ثم رجع لتجهمه وتفكيره، وتضيف: والله، لو أعطيتموني الملايين لما رضيت أن أكون شاعرا، أتحمل كل ذلك الوجوم وتردد البصر، كم تدفعون له ثمنا لقصيدته تلك التي يهلك فيها نفسه؟
    . الناس من حول المبدع، يقفون على محنته، يدركون مقدار اكتوائه ا شدة قلقه، طول انتظاره واحتفاله باستقبال لحظة الإبداع، الأهل والمقربون يشفقون عليه، وفي أعماقهم لا يرغبون في فنه من أجله، ولا يغبطونه على قدره، وأحيانا لا يخفون محاولاتهم في ثنيه عن ممارسة فنه.. ومبادراتهم الخفية.. والعلنية أحيانا أن يقطعوا بينه وبين الفن الأسباب ما أمكنهم
    ذلك.. وهم لا يتكلمون على مقاصدهم في تحويله إلى (قبلة) أخرى آمن لروحه، وأيسر لحياته، وأضمن لسعا د ته.. وهكذا.
    . كتب يفجينى ايفتوشنكو (الشاعر الروسي المعاصر) في سيرته المبكرة: "لم تكن والدتي ترتضى لي أن أصبح شاعرا، لم يكن ذلك بسبب عدم تذوقها الشعر، وإنما لأنها كانت تعتقد، بكل بساطة، إن الشاعر شخص غير مستقر، يتعذب، ويعانى دائما، كانت تعرف إن نهاية أغلب الشعراء الروس مأساة: لقد مات بوشكين وليرفنتوف في المبارزة، وأحرق ألكسندر بلوك حياته شينا فشينا في دخان الليل، وشنق يسنين نفسه ، وأطلق ماياكوفسكي الرصاص على رأسه.
    ويضيف الشاعر: كانت أمي ترتجف لمجرد فكرة اختياري طريق الشعر، ويذكر أنها مزقت كراريسه وأشعاره قطعا صغيرة أكثر من مرة، وأنها توسلت إليه أن يهتم بشيء ( جديّ )، وحجتها كانت تتلخص في جملة مقتضبة مستمدة من ملاحظتها وخبرتها: يا ولدى لن يجلب لك الشعر أبدا لا الحياة الهادئة ولا الثروة".
    واني لأتساءل حقيقة: ماذا ندفع نحن للمبدع؟ ولا أعنى بالطبع، كل من توهم الإبداع أو ادعاه.. ماذا يدفع له الناشر ليستمر في كيف يتعامل معه الأهل والمقربون ؟
    يبدو أن ضريبة الإبداع شيء من المرارة، وغير قليل من الحرمان غالبا، لكن سعادة المبدع الحقيقية تكمن أبدا، في إبداعه، والجدية لا تكون خارج هذه المعاقرة المتطرفة لفنه، ولا أهميته، بعد ذلك، كبيرة لحرمانه الهدوء والثروة.
    بقلم: سلمان اسما عيل


  • #2
    رد: الإبداع والحياة - سلمان اسما عيل

    أستاذنا الكريم سلمان اسماعيل
    تستخدم كلمة الإبداع في عنونة أكثر من نصف ما هو منشور لك في هذا المنتدى
    والابداع هاجسك وصنعتك ونحن تعودنا على هذا منك
    شكرا لك على مقالاتك الرائعة ( على الأقل ما تسنى لي قراءته )
    أرجو أن تستمر في تمويلنا دائما بإبداعاتك وجديدك و ضخ روح الامل والتجديد فينا

    Comment


    • #3
      رد: الإبداع والحياة - سلمان اسما عيل

      آه يا سيدي ثبت القول : لا قيمة لنبيّ بين قومه ومزمار الحيّ لا يطرب
      وأنا أقول :لا قيمة لإبداع في زمانه وقد يكون أيضاً في مكانه

      Comment

      Working...
      X