Announcement

Collapse
No announcement yet.

د. جميل حمداوي ( آليـــة التشخيص ) - روائية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • د. جميل حمداوي ( آليـــة التشخيص ) - روائية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش

    د. جميل حمداوي ( آليـــة التشخيص )
    روائية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش

    آليـــة التشخيص:
    تستند الرواية إلى تشخيص الذات الموبوءة بالشر والقبح والطغيان والتسلط والعدوان. بمعنى أن خنساسا يحتفي بذاته الإلهية باعتبارها ذاتا لاتؤمن إلا بالقبح والكراهية واحتقار الآخرين:
    " لكن..
    ماذا صنعت بحب الناس لي،
    كي أخشى الآن من كراهيتهم؟
    ماذا يضير،
    إن أنا ذهبت رأسا لأوبخهم واحدا واحدا،
    يرفع إكليل البشاعة إلى خياشيم البشر؟
    أنا الذي شغلتني شؤون الذوق في شعشعان شبابي،
    واستدرجتني يوما فيوما؛ عاما فعاما..
    إلى أبهى ورطة في الحياة،
    فانشغلت بكل ما أوتيت من لمعان القلب،
    بضبط أسارير الوجوه، وتخطيط صور شخصانية للأنبياء،
    والفلاسفة، والآلهة، والأبطال، وسكان الأساطير،
    والملائكة، والشياطين.."#
    كما تشخص الرواية واقعا محبطا تنعدم فيه القيم الأصيلة، هذا الواقع أشبه بواقع كابوسي مخيف، يسود فيه القبح والكراهية والدنس والأوساخ البشرية. ومن ثم، يحيلنا هذا الواقع على نفس العالم الفانطاستيكي الذي شخصه بنسالم حميش في روايته:"سماسرة السراب"#. إنه أشبه بمطهر سلبي يتحول فيه الجمال إلى قبح وفضاضة وخساسة ودناءة، إنه عالم وحشي سريالي يتأرجح بين الوعي واللاوعي، يتحول فيه الإنسان إلى كائن شبحي مخيف، وإنسان مأساوي منحط، يثير التقزز والاشمئزاز. حتى إن أسماء الشخصيات(خنساسا، ولوتونيوس، وحكير، وحتشو، وزوا، وبدودو، وزرزا، ودديس، وزوسفانا، والسكري، وخمبي..) دالة على التعفن، والعري، والموت، والخساسة، والحقارة، والتدمير النووي، وانتشار الأمراض والأوبئة، وضآلة الإنسان قيميا واجتماعيا ووجوديا. ويعني هذا أن الشخصيات الموظفة في الرواية لاعلاقة لها بالجمال والحسن والصحة والسلامة والأمن، بل هي شخصيات أسطورية ولاهوتية خارقة، تنتمي إلى عالم الشر والقبح والموت والكراهية، لاتعرف الرحمة ولا الشفقة ولا الإنسانية. وخير مقطع نصي يشخص لنا واقع الرواية مايصرح به خنساسا إله القبح والدمار والمكائد:
    " هذه الأرض لي،
    أفتض أوزونها، وأقذف في أحشائها نطفتي الحارقة،
    عسى أن تحبل بموت وسيم مني..
    مني أنا، وليس من سواي.
    أنا خنساسا العظيم!
    ليس بعدي سوى السديم والخراب العميم،
    هذه الأرض المضطجعة فوق بساط من أنانية الإنس، لي.
    وأنا أقدر المصائر فيها كما أشاء،
    فلنواضب الآلهة العظام،
    على جعل العروس مشتهاة بين ذراعي.
    وليعطر فستانها الشفاف الإله الصموت يوران
    بمزيد من اليود وأكاسيد النيتروجين،
    والفلور والأحماض والبروم والسيزيوم والكلور والزئبق،
    والنوشادر والزرنيخ والميثانول والسارين،
    وليسارع كل إله إلى ماهو منوط به!"#
    هذا، وتخص الرواية نفسها بفضح اللعبة السردية، والتشديد على الوظيفة الشعرية للرواية، واستكشاف طرائق التحبيك والتخطيب ضمن ما يسمى بالرومانيسك، أو الرواية داخل الرواية، أو ما يسمى أيضا بالميتاسردي، كما يبدو ذلك واضحا في هذا المقطع النصي:"حسب التخطيط السردي الذي كنت- أنا الكاتب- قد ضبطته لروايتي هذه، كان من اللازم أن يقضي خنساسا وقتا أطول في المارستان؛ حتى يتسنى للأطباء، أن يقفوا على جملة من التناقضات المحرجة التي سيقع فيها دديس، وحتى يعهد لزرزا بشق آلهة جديدة تتولى بدورها خدمة كبير الآلهة تلك التواطؤات المريبة التي سطرت- حسب المجرى المرسوم لوقائع الرواية دائما- من أجل وضع خنساسا أمام اختيارات صعبة للغاية، ليختار في النهاية التخلي عن قناعه لديمومة الموت من غير أن يولي اعتبارا للمصير الحقير الذي كان سيؤول إليه دديس وزوسفانا اللذان شرعا من تلقاء ألوهيتهما يهتديان إلى تبديد حيرتهما المشتركة بالركون إلى بعضهما البعض، والتفاني في تدبير ما أنيطا به منذ البدء من لدن القبضة الخلاقة.
    كان من الضروري أن يلتزم خنساسا بالتصميم المسطر للرواية، وينتهج المسالك التي شققتها له بعد نظر عميق مدجج بشتى الهندسات، وألا يتهور ويتسلل من سراديب الكتابة إلى ضوء الكينونة الفاضحة، ملقيا ظل جبروته علي أنا أيضا. كان عليه- على الأقل- ألا يغدر بي، ويغادر المستشفى في زحمة الزوار الخارجين؛ ليهرول هاربا عبر شارع البهلوان جان بول، ثم ليقف في مشتبك الطرق المحاذي لقصر العدالة، متقمصا دور شرطي يوقف حركة المرور؛ كأنما ليفسح الطريق لمرور موكب شخصية رسمية من شخصيات الدولة."#
    ومن هنا، فالشخصيات التي تتضمنها الرواية شخصيات أسطورية وملحمية ورمزية تحمل في طياتها – كما قلنا سالفا- دلالات القبح والموت والدمار.كما أن مسمياتها العلمية خاضعة بشكل من الأشكال لعمليات الاشتقاق والسخرية والتحوير والتوليد كالسكري الدال على المرض والوباء، وبدودو الدال على التبذير والإسراف، ويدل بلوتونيوس ويوران على الدمار الكوني، ويشير حكير إلى الحقارة والزراية، ويحيل اسم حتشو بالأمازيغية على الفرج والحيض...ويعنى هذا أن الكاتب يوظف أسماء علمية غريبة غير معروفة في عالم الواقع و الألفة.
Working...
X