Announcement

Collapse
No announcement yet.

د. جميل حمداوي ( آليــــة التفضـــيء ) - رواية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • د. جميل حمداوي ( آليــــة التفضـــيء ) - رواية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش

    د. جميل حمداوي ( آليــــة التفضـــيء )
    - رواية ألواح خنساسا - لــ بنسامح درويش


    آليــــة التفضـــيء:

    تتخذ الرواية فضاء بصريا يتقاطع فيه فضاء الشعر المنكسر - الذي يذكرنا بالقصيدة النثرية - وفضاء النثر الذي يهيمن على المتوالية السردية في آخر الرواية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الرواية تندرج ضمن الكتابة الشذرية التي تجمع بين الشعر والتأمل الفلسفي، أو تندرج ضمن المحكي الشاعري؛ نظرا لتقاطع الشعر (وظيفة المشابهة) مع السرد(وظيفة المجاورة).

    أما على مستوى فضاء النص، فتدور أحداث الرواية في فضاءات فنطاستيكية غريبة، وأمكنة موبوءة بالمحن والإحن والكراهية والسوداوية. إنها فضاءات كابوسية وغريبة ومدنسة، تذكرنا بفضاءات رواية السجن السياسي، ويلاحظ أن أغلب هذه الفضاءات مرحاضية بامتياز. وهذا الفضاء جديد في الرواية العربية، حيث تبدأ الرواية بالفضاء المرحاضي لتنتهي بالفضاء نفسه، وترتبط به فضاءات أخرى لاتختلف عنها بحال من الأحوال في قبحها وعريها ودناءتها:"كأنني كنت أحدس أن خنساسا المنفلت بسلطانه، يتجه رأسا صوب مجلس الآلهة، وأنه سيعود إلى مرحاضه ليلعق من قصعته الرقطاء، فكان علي أن استنفر كل دهائي لأتسرب إلى عقر الأنوناكي، ولم يكن ثمة بد من مساومة السكري، فهرعت إليه مثل أي زبون مفعم؛ دفعت به الأوجاع إلى مرحاضه المخنوق، فحياني بعينيه وهزة من رأسه، ثم عاد إلى إطراقته واستغرق يتأمل الجدار العتيق في خشوع.

    كأنني عكرت عليه صلاته!


    أشرت إليه أن يقترب مني، فانقاد لإشارتي بما عهدت فيه من طاعة وخنوع، ثم وضعت يدي بحميمية عند ملتقى كتفيه، فانساق لرغبتي في الانفراد به بلا عنت، وانتحينا شبه متلاحمين بعيدا عن باب المرحاض الذي كان يبدو حينئذ مواربا للغاية.."#

    ويضع الكاتب نهاية مأساوية مخزية لشخصياته الإلهية المتجبرة، فيوقعها في فضاءات مرحاضية، كما حدث لخنساسا التي لقيت حتفها في فضاء يتفوح بولا وقذارة ودنسا، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مصير كل متجبر في الأرض، فنهايته مرتبطة بمزبلة التاريخ:" انطفأت الآلهة في رحاب الباحة؛ تاركة أطيافها في عيني برهة من الوقت، ولم يعد هناك سوى خمبي؛ الوقت مشدوها بباب المرحاض، والسكري الذي كان يتقدم محاذرا نحو الجسد المنهار فوق أرضية الباحة الندية المشبعة برائحة البول والنفايات وزرزا التي كانت تهرول كالشبح الهلوع صوب البوابة الحديدية العتيقة.

    ركنت إلى المصطبة وكأن تلك الجثة الملقاة في باب المرحاض لاتعنيني."#


    وهكذا، ففضاءات رواية:" ألواح خنساسا" فضاءات فانطازية متعفنة ومشينة، تذكرنا بفضاء العتبة عند ميخائيل باختين، ذلك الفضاء القائم على المآسي والأزمات الإنسانية المصيرية.
Working...
X