Announcement

Collapse
No announcement yet.

الحارة مرة اخرى

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الحارة مرة اخرى

    عكرمة و النزهة
    لم يكن ولوج الطفل الصغير ذي الخامسة ربيعاً إلى دكانة العم " عفاشي" صدفةً فلقد بقيت الدكان تداعب خياله الصغير بعد أن مر بها برفقة جده مراراً و ذاق طعمة "النوغا " و هي حبات الملبس المصنوعة بالزبدة ، لكن زيارته للعم "عفاشي" هذه المرة كانت أول (سفر حر) في حياته سوف يكرره مراراً بعد ذلك عشرات السنين ...
    هذا السفر الأول كان عبارة عن ( شردة ) عن عيني أمه المشغولة بالطبخ و التي أدركت بعد دقائق أن ولدها قد ضاع منها و ( دبت ) الصوت على الأقارب و الجيران للبحث عن ولدها !
    أما "عفاشي" الطيب فقد استقبله و أطعمه بالطبع و حتى يعرف القارئ لماذا سمّي بهذا الاسم فلأنه كان يلبس بنطاله كيفما اتفق , فلا يهمه من البنطال إلا ستر ما يجب أن يستر إن كان بالمقلوب أو بالتمام أو حتى إن يكن (سحاب) البنطال الأمامي مفتوحاً أو معوجاً إلى يمين أو يسار و الحزام مربوطاً كما يربط الحبل .وكان معروفاً في حارتي عكرمة و النزهة اللتين كان فيهما شخصيات خاصة جداً مثل "سيبورا" و "أم كاسر" و "أبوطعان" و "أبو الحَبْ" و "أبو شمسو" و كل واحد من هؤلاء كان صاحب مهنة و دكان , فكنت ترى في دكان "سيبورا" كل شيء من (المشاية) إلى راديو (الترانزيستور) إلى (الخضار) إلى (الحلويات) كل شيء فكان يطبق مفهوم (المول) قبل (كارفور) و قبل أن ينتبه أغنياء العالم إلى أن بإمكانهم فتح (دكاكين) ضخمة كبيرة تبيع لبن العصافير .... و أحلامها !
    "فلافل أبو شمسو" كانت محطة مهمة للجميع و كان الرجل يعتني بقرص الفلافل كما يجب أن يعتني الرجل بتربية أولاده و لفافته كانت لا تضاهى بالمخلل و البندورة و لحسة الحمص الناعم. أما "أم كاسر " صاحبة الدكان الصغير قرب الملجأ كانت أشهر من نار على علم لأنها أجادت صنعتها كثيراً خصوصاً و أنها كانت تعرض ما يغري الأطفال من (ملبس) و (مطعم) و (قباقيب) و(بوظة) و كان مبلغ الفرنك عندها أو الفرنكين يفعل فعله في العملية الشرائية فتشعر عندما تأخذ فرنكين من أبيك أنك تستطيع أن تدخل إلى عند "أم كاسر" برأس مرفوعة و انتقاء الكثير مما يسعد لعابك و يسيله . كانت الناس في قمة طيبتها لأنها لم تتعلم بعد الاعتناء بالشكل فقد كان الاعتناء الفطري بالجوهر ، و كانت الطيبة تولد بشكل تلقائي لأن أية منافسة لم تكن موجودة إلا على الخير ... التنافس على الخير !
    أما الطفل الذي ضاع عند "عفاشي" فقد وجدوه بعد أن ذاع عنه شيخ الجامع و أعادوه إلى المنزل لكي تمسح أمه دموعها و تعانقه و هاهو اليوم يكتب مقالة في جريدة العروبة الغراء ليقول كلمتين :
    كيف ذاك الحب أمسى خبراً
    و حديثاً من أحاديث الجوى

    د محمد عبد الله الأحمد
Working...
X