Tweet
محمد كامل القليوبي
رائد السينما الجادة في مصر
لم يعرف الاساتذة في معهد السينما بموسكو (فجيك) طالبا عربيا شبيها بالمخرج وكاتب السيناريو المصري محمد كامل القليوبي (1943) من حيث تألق الموهبة وعمق التفكير وكذلك الطاقة الفوارة في مجال البحث والدراسة. وما زالت جدران قاعات المعهد وورشة المونتاج فيه تحتفظ بالذكريات عن نقاشاته وطروحاته بشأن السينما التسجيلية، وهي مادة رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في الفن، وقدراتها واغراضها الاجتماعية.
وقد جاء القليوبي الى موسكو في عام 1979 اي في اواخر السبعينيات من القرن العشرين حين اجتاحت مصر حملة قمع ومطاردة للمثقفين في عهد الرئيس انور السادات الذي وصفهم ب" شواذ المثقفين"..مما اضطر الكثيرون منهم الى ترك وطنهم واللجوء الى المنافي في مختلف انحاء العالم. ويروي القليوبي انطباعاته عن موسكو آنذاك بقوله انه كان يتوقع ان يجد " الستار الحديدي" والمجتمع المنغلق لكنه فوجئ برؤية واقع آخر. ولعل اكثر ما شده الى موسكو هو ان المجتمع فيها مفتوح جدا.وقال: كنت أذهب الى المتاحف وحفلات الموسيقى والباليه واجوب شوارع المدينة .. وهناك التقيت العديد من المثقفين العرب وشاهدت بعض افلام الدارسين في (فجيك). ولكن من جانب آخر وجدت بعض الطلاب يقومون بجلسات للأستماع الى ام كلثوم والشيخ امام .. ويتكلمون في السياسة .. ويطبخون البامية والملوخية .. وشعرت فجأة بالفزع ، وسألت نفسي: هل أنني قطعت كل هذه المسافة لكي أسمع ام كلثوم والشيخ امام واكل البامية والملوخية .. وقررت ان انهمك في الدراسة والتجربة الحياتية والثقافية التي شغلتني عن العرب الآخرين. ان الحياة في موسكو هي احد الاحلام الجميلة .. انها نموذج لحياة مختلفة ورائعة..
لقد إلتقى محمد كامل القليوبي خلال سبعة اعوام قضاها في موسكو (1979 – 1986)العديد من الاصدقاء منهم علاء حمروش وفادية موسى واسامة محمد ومحمد القارصلي وعبداللطيف عبدالحميد والناقد السوري سعيد مراد والشاعر عبدالرحمن الخميسي وغيرهم. كما تعرف على كبار السينمائيين العالميين مثل فرانشيسكو روزي ورينيه كلير وسامكبين عثمان وسليمان سيسي وخوان انطونيو بارديم وميجيل ليتين .. ومشاهير الممثلين الروس مثل اينوكينتي سموكتونوفسكي ممثل دور " هاملت" وتمارا مكاروفا الممثلة في فيلم " الدون الهادئ"...
وزاد من ارتباطه بالحياة الروسية زواجه من الناقدة الادبية الروسية اولجا نكلودفا التي انجبت له ولده رامي القليوبي الذي يعمل مراسلا لوكالة "نوفوستي" وصحيفة " موسكوفسكي كمسوليتس" في القاهرة.
ولدى عودته الى مصر بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في موسكو مضى في عمله الابداعي في اتجاهين: اخراج الافلام التسجيلية ( الوثائقية) والروائية وتقديم البحوث النظرية حول السينما. وكان كل فيلم من افلامه-" وقائع الزمن الضائع" و" احلام مسروقة" و" البحر بيضحك ليه " و" مرثية القرية المنسية" و" خريف آدم" يعتبر ملحمة سينمائية تجسد واقع المجتمع المصري او سيرة شخصية مصرية. وبرأيه ان الدولة في مصر يجب ان تدعم السينما كما تفعل ذلك الدول المتقدمة. لكن، وياللأسف انها تنظر الى السينما بصفتها صناعة ترفيهية وتفرض عليها ضريبة الملاهي. ان السينما يمكن برأيه ان تدعم الدخل القومي وتوفر العمل لعدد كبير من العاطلين كما انها وسيلة للتنوير ومحاربة التخلف والعادات البالية ولأستعادة قيم التراث ولحفظ وقائع التأريخ. وبرأيه أيضا ان السينما المصرية اليوم في أزمة ولم تعد هناك سينما حقيقية. علما ان السينما هي الذاكرة الشعبية لكن جرى بيع اصول الافلام القديمة الى شركات في الخارج باسعار زهيدة.
ان غالبية افلام محمد كامل القليوبي تتناول حياة الفقراء والمحرومين من ابناء الشعب. وقد يبدو هذا التوجه لدى المخرج غريبا وبالاخص لكونه سليل اسرة "برجوازية" .. فقد ولد في مايو عام 1943في حي شبرا الذي كان يقطن فيه الموسرون من ابناء القاهرة ، وحصل على البكالوريوس في الهندسة من جامعة عين شمس عام 1969. ولكنه انتقل الى التخصص في الاخراج والسيناريو حيث حصل على دبلوما الدراسات العليا في المعهد العالي للسينما في القاهرة في عام 1972 . وفي عام 1986 حصل على شهادة دكتوراه فلسفة في الفن من معهد السينما بموسكو. ولدى عودته الى الوطن ترأس قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما في فترة 1987 – 2006 . وتولى مناصب عديدة منها رئيس المركز القومي للسينما ومقرر لجنة الفنون بمكتبة الاسكندرية وترأس مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الابيض المتوسط في عام 2003 .وشارك في العديد من لجان التحكيم في مهرجانات سينمائية دولية واقليمية.وعرضت افلامه في المهرجانات الدولية والمحلية منها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان روتردام السينمائي الدولي وبينالي باريس للسينما العربية ومهرجان المتوسط ومهرجان قرطاج ومهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان مونبلييه لدول البحر المتوسط ومهرجان لوس انجلوس للأفلام الوثائقية ومهرجان شنغهاي السينمائي الدولي وغيرها. ونشر في الصحف العربية والاجنبية العديد من البحوث والمقالات في الادب والفن التشكيلي والمسرح والسينما.
ويصفه النقاد بأنه "مشاكس ومتمرد وثوري" بحكم طبيعة شخصيته ، لكن الجميع يتفقون في الرأي على انه فنان صاحب قضية وثابت في مواقفه المبدئية ولا يعرف النفاق والمهادنة.
- من سلسلة مقالات " مبدعون عرب في روسيا" -
رائد السينما الجادة في مصر
لم يعرف الاساتذة في معهد السينما بموسكو (فجيك) طالبا عربيا شبيها بالمخرج وكاتب السيناريو المصري محمد كامل القليوبي (1943) من حيث تألق الموهبة وعمق التفكير وكذلك الطاقة الفوارة في مجال البحث والدراسة. وما زالت جدران قاعات المعهد وورشة المونتاج فيه تحتفظ بالذكريات عن نقاشاته وطروحاته بشأن السينما التسجيلية، وهي مادة رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في الفن، وقدراتها واغراضها الاجتماعية.
وقد جاء القليوبي الى موسكو في عام 1979 اي في اواخر السبعينيات من القرن العشرين حين اجتاحت مصر حملة قمع ومطاردة للمثقفين في عهد الرئيس انور السادات الذي وصفهم ب" شواذ المثقفين"..مما اضطر الكثيرون منهم الى ترك وطنهم واللجوء الى المنافي في مختلف انحاء العالم. ويروي القليوبي انطباعاته عن موسكو آنذاك بقوله انه كان يتوقع ان يجد " الستار الحديدي" والمجتمع المنغلق لكنه فوجئ برؤية واقع آخر. ولعل اكثر ما شده الى موسكو هو ان المجتمع فيها مفتوح جدا.وقال: كنت أذهب الى المتاحف وحفلات الموسيقى والباليه واجوب شوارع المدينة .. وهناك التقيت العديد من المثقفين العرب وشاهدت بعض افلام الدارسين في (فجيك). ولكن من جانب آخر وجدت بعض الطلاب يقومون بجلسات للأستماع الى ام كلثوم والشيخ امام .. ويتكلمون في السياسة .. ويطبخون البامية والملوخية .. وشعرت فجأة بالفزع ، وسألت نفسي: هل أنني قطعت كل هذه المسافة لكي أسمع ام كلثوم والشيخ امام واكل البامية والملوخية .. وقررت ان انهمك في الدراسة والتجربة الحياتية والثقافية التي شغلتني عن العرب الآخرين. ان الحياة في موسكو هي احد الاحلام الجميلة .. انها نموذج لحياة مختلفة ورائعة..
لقد إلتقى محمد كامل القليوبي خلال سبعة اعوام قضاها في موسكو (1979 – 1986)العديد من الاصدقاء منهم علاء حمروش وفادية موسى واسامة محمد ومحمد القارصلي وعبداللطيف عبدالحميد والناقد السوري سعيد مراد والشاعر عبدالرحمن الخميسي وغيرهم. كما تعرف على كبار السينمائيين العالميين مثل فرانشيسكو روزي ورينيه كلير وسامكبين عثمان وسليمان سيسي وخوان انطونيو بارديم وميجيل ليتين .. ومشاهير الممثلين الروس مثل اينوكينتي سموكتونوفسكي ممثل دور " هاملت" وتمارا مكاروفا الممثلة في فيلم " الدون الهادئ"...
وزاد من ارتباطه بالحياة الروسية زواجه من الناقدة الادبية الروسية اولجا نكلودفا التي انجبت له ولده رامي القليوبي الذي يعمل مراسلا لوكالة "نوفوستي" وصحيفة " موسكوفسكي كمسوليتس" في القاهرة.
ولدى عودته الى مصر بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في موسكو مضى في عمله الابداعي في اتجاهين: اخراج الافلام التسجيلية ( الوثائقية) والروائية وتقديم البحوث النظرية حول السينما. وكان كل فيلم من افلامه-" وقائع الزمن الضائع" و" احلام مسروقة" و" البحر بيضحك ليه " و" مرثية القرية المنسية" و" خريف آدم" يعتبر ملحمة سينمائية تجسد واقع المجتمع المصري او سيرة شخصية مصرية. وبرأيه ان الدولة في مصر يجب ان تدعم السينما كما تفعل ذلك الدول المتقدمة. لكن، وياللأسف انها تنظر الى السينما بصفتها صناعة ترفيهية وتفرض عليها ضريبة الملاهي. ان السينما يمكن برأيه ان تدعم الدخل القومي وتوفر العمل لعدد كبير من العاطلين كما انها وسيلة للتنوير ومحاربة التخلف والعادات البالية ولأستعادة قيم التراث ولحفظ وقائع التأريخ. وبرأيه أيضا ان السينما المصرية اليوم في أزمة ولم تعد هناك سينما حقيقية. علما ان السينما هي الذاكرة الشعبية لكن جرى بيع اصول الافلام القديمة الى شركات في الخارج باسعار زهيدة.
ان غالبية افلام محمد كامل القليوبي تتناول حياة الفقراء والمحرومين من ابناء الشعب. وقد يبدو هذا التوجه لدى المخرج غريبا وبالاخص لكونه سليل اسرة "برجوازية" .. فقد ولد في مايو عام 1943في حي شبرا الذي كان يقطن فيه الموسرون من ابناء القاهرة ، وحصل على البكالوريوس في الهندسة من جامعة عين شمس عام 1969. ولكنه انتقل الى التخصص في الاخراج والسيناريو حيث حصل على دبلوما الدراسات العليا في المعهد العالي للسينما في القاهرة في عام 1972 . وفي عام 1986 حصل على شهادة دكتوراه فلسفة في الفن من معهد السينما بموسكو. ولدى عودته الى الوطن ترأس قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما في فترة 1987 – 2006 . وتولى مناصب عديدة منها رئيس المركز القومي للسينما ومقرر لجنة الفنون بمكتبة الاسكندرية وترأس مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الابيض المتوسط في عام 2003 .وشارك في العديد من لجان التحكيم في مهرجانات سينمائية دولية واقليمية.وعرضت افلامه في المهرجانات الدولية والمحلية منها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان روتردام السينمائي الدولي وبينالي باريس للسينما العربية ومهرجان المتوسط ومهرجان قرطاج ومهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان مونبلييه لدول البحر المتوسط ومهرجان لوس انجلوس للأفلام الوثائقية ومهرجان شنغهاي السينمائي الدولي وغيرها. ونشر في الصحف العربية والاجنبية العديد من البحوث والمقالات في الادب والفن التشكيلي والمسرح والسينما.
ويصفه النقاد بأنه "مشاكس ومتمرد وثوري" بحكم طبيعة شخصيته ، لكن الجميع يتفقون في الرأي على انه فنان صاحب قضية وثابت في مواقفه المبدئية ولا يعرف النفاق والمهادنة.
- من سلسلة مقالات " مبدعون عرب في روسيا" -