Announcement

Collapse
No announcement yet.

الأعمال التاريخية وعودة الدراما التاريخيّة إلى الصدارة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأعمال التاريخية وعودة الدراما التاريخيّة إلى الصدارة

    الأعمال التاريخية تعود بقوّة إلى الصدارة

    صحيفة تشرين
    هيثم حسين
    يُلاحظ المتابع في الموسم الرمضانيّ- الدراميّ الحاليّ عودة الدراما التاريخيّة إلى الصدارة، لتحتلّ واجهة الأعمال الدراميّة،.
    وهذه العودة مرفوقة ومسبوقة بإنتاجات ضخمة، ومقاربات لمراحل تاريخيّة إشكاليّة معيّنة عبر سيَر شخصيّات تاريخيّة فاعلة، تشكّل منعطفات هامّة في الأزمنة المعالجة المقدَّمة. تنبني هذه الأعمال على تراث من الأعمال التاريخيّة السابقة، لكنّها لا تنأسر لها، بل يُلاحَظ أنّ هناك تحدّياً لتقديم الأكثر تميّزاً، وتصدّياً لطرح وجهة نظر صنّاع الدراما الجدد فيما يقاربونه من موضوعات إشكاليّة. ‏
    من هذه الأعمال الهامّة «القعقاع بن عمرو التميميّ»، «كليوباترا»، «أبو خليل القبّانيّ»، «رايات الحقّ»، «أنا القدس»، ولعلّ ما يجمع بين مجمل الأعمال التاريخيّة تقديمها لسيَر إشكاليّة تثير الكثير من الأسئلة، وتحتمل الكثير من وجهات النظر، منها ما هو سير شخصيّات، ومنها ما هو سيرة المكان كـ«أنا القدس»، منها ما سبق طرحه على صعيد عالميّ كـ«كليوباترا»، ومنها الجديد الذي لم يسبق طرحه، لكنّ الاجتهاد الأبرز يكمن في تقديم الأعمال بحلّة عربيّة معاصرة، ومن وجهات نظر مجتهدين في عالم الدراما..
    يأتي «القعقاع بن عمرو التميمي» للمخرج المثنّى صبح في صدارة الأعمال التاريخيّة، وقد تنقّلت كاميراته بين عدد من الدول، حيث تمّ تصوير مقاطع من المسلسل في الهند، التي اضطرّوا للسفر إليها، للاستعانة بالأفيال، في سابقة تعدّ الأولى في الدراما التاريخيّة الدينية. وذلك لمقاربة أجواء معركة القادسية التي دارت أحداثها بين المسلمين والفرس. وتكمن ضخامة المسلسل في احتوائه على ألف وستمئة مشهد وأكثر من عشر معارك برّيّة وبحريّة خاضتها الجيوش الإسلامية، كما أنّه يتميّز بطريقة تحضير المعارك التي ستعتبر من أهمّ وسائل الإبهار الصوريّ في سبيل إنجاح العمل. والعمل، بحسب مخرجه، يأتي كمحاولة منه لنقل وجهة نظر الجيل الجديد للأعمال التاريخية، وليكون نقلة جديدة في مسيرة الدراما العربية التاريخية، حيث يشير إلى أن مثل هذه الأعمال تستند إلى تطوّر ميراث الدراما التاريخية في سورية. ‏
    ثمّ هناك مسلسل «كليوباترا» الذي أخرجه وائل رمضان وكتبه قمر الزمان علوش، وهو مسلسل تاريخيّ سوريّ مصري بقراءة معاصرة، يحاول تسليط الضوء على شخصيّة تاريخيّة مؤسطرة، حيكت حولها الكثير من الأساطير، ونسجت عنها الحكايات، تركت بصمة مختلفة خلال حياتها، كما يحاول العمل أن يركّز على الجانب الشعبيّ من شخصية كليوباترا وعلاقة التأثر والتأثير بينها وبين الناس، وهو لا يحاول أن يأتي بصيغة درس في التاريخ بل يسعى إلى تقديم صراعات إنسانية تعترك في النفس البشريّة، تحاول الاستئثار بالمرء، وتوجيهه، تقسّمه بين المَعيش والمنشود.. ‏
    كذلك يأتي مسلسل «أبو خليل القبّاني» للمخرجة إيناس حقّي والكاتب خيري الذهبيّ، يتطرق العمل لحياة رائد المسرح «أبو خليل القبّاني» من عام 1833 حتى 1903 ونشأة مسرحه وإبداعاته الفنية في تلك الفترة إضافة إلى المعارضة التي تلقاها من المحافظين المتشدّدين. حيث سيرة حياة غنيّة جدّاً، تستوجب عملاً جبّاراً، لأنّه يمتدّ على مدار عقود زمنيّة، كما أنّه يتنقّل بين عدد من المدن والدول، أي تكون رقعته المكانيّة متوافقة مع رقعته الزمانيّة المديدة، من ناحية الغنى والاتّساع.. ولا يخفى ما تنطوي عليه سيرة القبّاني من مفارقات، هو الذي ولد في دمشق عام 1833 وتوفي فيها عام 1903، وكان مبدعاً رياديّاً استثنائيّاً، تحمّل الكثير في سبيل رسالته، وقد قدم القباني عشرات المسرحيات في دمشق والقاهرة، كما يعتبر مؤسس المسرح الغنائي العربي، تعرض للتسفيه والرمي بالحجارة من قبل الأولاد بناء على تحريض ضدّه، لكنّه استكمل مشروعه التنويريّ، وضحّى كثيراً لينجز ما بدأه.. ‏
    أمّا مسلسل «رايات الحقّ» للمخرج الأردني محمود الدوايمة وتأليف محمود عبد الكريم، فهو عمل ملحميّ سوريّ يرصد الفترة التي تلي وفاة النبيّ الكريم، وهي فترة الفتوحات الإسلامية إلى نهاية خلافة عمر بن الخطاب، كما يتناول المسلسل حياة كبار الصحابة، والعشرات من الشخصيات الإسلامية. يروي بطريقة تاريخية درامية حياة الخليفتين الراشدين «أبو بكر الصديق» و«عمر بن الخطاب» رضي الله عنهما. ويتابع سلوكهما الرفيع كحاكمين عظيمين من خلال مواقف تبيّن عظمة هذين الراشدين. كما يرصد حياة المسلمين وخصوصاً في المدينة المنوّرة ومدى الاستعداد للتضحية والفداء من أجل نصر الإسلام وإعلاء شأنه. ‏
    ويرد في السياق التاريخيّ مسلسل «أنا القدس» للمخرج باسل الخطيب، يتّسم المسلسل بالطابع الفلسطينيّ، يصوّر القدس منذ بدايات مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وهو مسلسل تاريخيّ، وثائقيّ، سياسيّ، يسرد الأحداث من عام 1917 إلى عام 1967، يستعرض أهمّ ما حدث في هذه الحقبة ضمن صيغة دراميّة، يقدم جرعة كبيرة من الجرأة في طرح تفاصيل تكمن وراء المأساة المزمنة. يفسح الخطيب المجال للمدينة المقدّسة أن تعبّر عن نفسها، يقدّم القدس كأنّها تتكلّم عن نفسها وتاريخها، أشبه بحالة بوح بأحزانها وأفراحها من خلال شخوص العمل. كما يؤكّد الخطيب أنّ العمل مقارب في مواضيعه وأحداثه للواقع، وأنّه مليء بالحقائق التي لم يسبق للمشاهد التعرّف إليها في الدراما العربية.. ‏
    تعتمد بعض الأعمال التاريخيّة اللغة العربيّة الفصيحة كرابط جامع موحّد، «القعقاع، كليوباترا، رايات الحقّ»، في حين تعتمد أعمال أخرى اللهجات المحلّيّة كـ«أنا القدس» الذي يعتمد اللهجة المقدسيّة، كتأكيد منه على خصوصيّة المكان، وتجذّره بكلّ ما فيه ومن فيه، وكتحدٍّ مكانيّ لا يتنازل عن أيّ تفصيل من حياة المقدسيّين.. ‏
    تشكّل الأعمال التاريخيّة تحدّياً دراميّاً كبيراً، حيث كان هناك مَن راهن على انجلاء ظاهرة الأعمال التاريخيّة من غير رجعة، في حين أنّ عودتها بهذه القوّة تعلن عن انطلاقة دراميّة جديدة في بطون التاريخ، لاستخراج اللافت والإشكاليّ منه، وتقديمه بصور معاصرة، لأنّ التاريخ يبقى خير منبع ومعين، يتمّ اللجوء إليه، والاستعانة به، للاعتبار والتحفيز في آن. ‏
Working...
X