Announcement

Collapse
No announcement yet.

مئة عام من الرواية النسائية العربية - كتاب للدكتورة بثينة شعبان

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • مئة عام من الرواية النسائية العربية - كتاب للدكتورة بثينة شعبان

    مئة عام من الرواية النسائية العربية
    كتاب للدكتورة : بثينة شعبان


    يعجّ سوق الكتاب العربي بالإصدارات الجديدة، ولكن قليلة جداً هي الكتب التي تسترعي الانتباه ضمن هذا الفيضان. لا تتعدى الكتب الجديدة التي تستحق وضعها على رفوف القراءة في المكتبة أصابع اليدين. وضمن هذه يأتي كتاب الدكتورة بثينة شعبان.

    «مئة عام من الرواية النسائية العربية» الصادر في بيروت عن دار الآداب عام 1999. «لبثينة شعبان» العديد من الكتب التي تستكشف المواضيع المتعلقة بالمرأة العربية في القرن العشرين. فقد صدر كتابها «نساء يتحدثن عن أنفسهن» في لندن عن دار Women Press، وفي الولايات المتحدة ضمن منشورات جامعة إنديانا. وهي خريجة جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية. بعد حصولها على الدكتوراه من جامعة يورك في بريطانيا، عادت «شعبان» إلى دمشق، وأصبحت أستاذة الأدب المقارن في قسم اللغة الإنكليزية.

    إلى جانب مسيرتها الأكاديمية، اضطلعت «شعبان» بمهمة رئيس تحرير مجلة الآداب العالمية (الأجنبية) التي تصدر عن اتحاد الكتَّاب العرب بدمشق.
    يعتبر الكثير من المثقفين العرب أن رواية «زينب» 1914 لمحمد حسنين هيكل، هي أول رواية حديثة في الأدب العربي ؛ ولكن «بثينة شعبان» ترى أن رواية «حسن العواقب» للكاتبة اللبنانية «زينب فواز» هي الرواية الأولى، والتي نُشرت في القاهرة عام 1899، ضمن منشورات المطبعة الهندية، وذلك قبل نشر رواية «زينب» بـ15 عاماً.

    لقد حددت «شعبان» 13 رواية، بالإضافة إلى «حسن العواقب» نُشرت قبل «زينب»، تشمل روايات «قلب الرجل / للبيـبة هاشم» و«حسناء سالونيك/ للبيـبة صوايا». وقد نشرت الرواية الأخيرة متسلسلة في جريدة الهدى، وهي من أوائل المنشورات العربية - الأميركية المبكرة في نيويورك. لقد كان لهاتين الروايتين الأسبقية الزمنية على رواية «زينب» وكان لهما من المزايا الأدبية والفنية ما كان للرواية «الأولى» ، وقد كُتبتا من قبل امرأتين.

    يكشف كتاب «مئة عام من الرواية النسائية العربية» عن رواية «أولى» مذهلة في تاريخ الرواية العربية. فقد كتبت روائية لبنانية أخرى هي «عفيفة كرم» رواية «بديعة وفؤاد» . وهي العمل الذي مهَّد للإصلاح والتطوير، وقد تناول العلاقة بين الغرب والشرق. وبينما يعتبر معظم النقاد أن رواية «توفيق الحكيم /عصفور من الشرق» المنشورة عام 1930 أول رواية تستكشف هذا الموضوع، إلا أن رواية «بديعة وفؤاد» قد سبقت مساهمة «توفيق الحكيم» بأربعة عقود. تروي هذه الرواية المبكرة علاقة حب تنشأ على متن سفينة متجهة من لبنان إلى الولايات المتحدة، وتبحث في قضايا تهم المرأة إلى جانب مسائل مثل الحداثة والهوية.

    متحدِّية إدِّعاءات الرجل بحصر الكتابة في القضايا الاجتماعية والسياسية في الرجال، ترى «شعبان» أن المقاربة النسائية للقضايا السياسية والاجتماعية كانت على نفس السوية الفنية، إن لم تكن على سوية فنية أرقى من مقاربة الرجال. تتناول رواية «أنا أعيش / لليلى بعلبكي» ورواية «أيام معه / لكوليت خوري» قضايا سياسية حساسة. عندما تكتب النساء عن قضايا يومية مثل المبادلات التجارية والتجارة وشؤون النقل، يتم التقليل من قيمة هذه المساهمات مقارنة بكتاباتهن عن قضايا سياسية صعبة مثل، وعد بلفور وتقسيم فلسطين. وتتساءل «شعبان» لو أننا «كنا أكثر وعياً لهذه القضايا في وقتها، أكنّا لنكون في وضع أفضل اليوم؟» أكان يجب أن نكرّس اهتماماً أكبر للقضايا السياسية التي لم تجد طريقاً إلى الحل حتى الآن، أم لتأسيس قاعدة اقتصادية قوية في الدول العربية»؟.

    تدحض المؤلفة الرأي النقدي بأن الكاتبات النسائيات يكتبن فقط عن الحب والعائلة والزواج والأطفال. فالنساء في الروايات التي بحثتها المؤلفة، يُعبِّرن عن وجهات نظر سياسية واجتماعية وأخلاقية متنوعة. إنَّ وجهة النظر التي رفضت الأدب النسائي بذريعة أن مواضيعه ليست ذي أهمية أو أنه سطحي، جعلها موضع شبهة لدى «الأدب النسوي» أو«أدب المرأة»، وهي وجهة نظر تتصف بالتسرع، إذ تتناسى أن الكاتبات العربيات قد كرّسن أنفسهن على مدى فترات طويلة لقضايا المجتمع. ومنذ العصر الجاهلي طرقت الشاعرات العربيات، وإن كن قليلات العدد، مواضيع مثل الحرب، السلم، العدالة، حقوق الإنسان وتوزيع الثروة. أما في العصر الحديث، فإن أعمالاً مثل رواية «غادة السمان / ليلة المليار» تُظهر بوضوح أن الأدب النسائي العربي قد صنع إنجازات هامة تعدّت الاهتمامات المنزلية للنساء، وارتقى إلى الخطاب على مستوى الأمة العربية والعالم ككل.

    يلقي الكتاب الضوء أيضاً على الوعي السياسي المبكر لدى الكاتبات العربيات ويستعرض نشاطاتهن. فقد استطعن أن ينقلن إلى الشارع مطالبهن بإطلاق سراح القادة القوميين، ومعارضتهن المخططات الاستعمارية لتقسيم الوطن العربي. على سبيل المثال، تشكّل اتحاد النساء العربيات في عام 1928، أي قبل تأسيس الجامعة العربية بـ19 عاماً.
    وخلال عقود من تطور الرواية النسائية العربية، استطاعت هذه الرواية أن تُغيِّر أسلوبها في تصوير الرجل كعدو ومنافس ومضطهِد في مجتمع تهيمن عليه الذكورة، إلى رؤية جديدة للمجتمع ترى في الرجل مثله مثل المرأة ضحية خاضعة للتقاليد والعادات القديمة، خلال الفترة بين 1960 و1967 ظهرت كاتبات جدد قدّمن رؤية تحررية وتقدمية، وحذّرن من الأمراض الاجتماعية والسياسية التي ستكون سبباً للهزيمة ما لم يتم الانتباه إليها. وبذا تكون النساء قد استشعرنَ بوقوع نكسة عام 1967 قبل أترابهن من الذكور.

    بعكس غيره من المصادر، يُشدّد كتاب «مئة عام من الرواية النسائية العربية» على الروايات الحديثة التي ظهرت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، والتي استطاعت تدريجياً أن تحظى بشعبية كبيرة بين القرّاء. لقد مكّنت هذه الروايات النساء أن يكسرن الحواجز التي تحيط بأعمالهن، وغدت كتبهن الأكثر مبيعاً مثل رواية «ذاكرة الجسد / لأحلام مستغانمي». وروايات أخرى مثل «الأمة في العين / للفلسطينية حميدة نعنع» و«حكاية زهرة / للبنانية حنان الشيخ» و«ضحكة الحجر / للبنانية هدى بركات» وغيرها الكثير. تضع «بثينة شعبان» تصنيفاً لأهم الروائيات العرب، وتعتبر «سحر خليفة» أهم روائية عربية في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ إنَّ كتاباتها قد مهّدت الطريق أمام ظهور الرواية النسوية التقدمية في الشكل والمضمون.

    تشاطر «شعبان» قرَّاءها حكاية تأليفها هذا الكتاب عبر أحاديثها الصحفية. إذ تبيّن أن اهتمامها بالرواية النسائية يعود إلى بدايات دراساتها الجامعية في بريطانيا، فتقول في إحدى مقابلاتها مع «مي مونسة» في جريدة النهار البيروتية: «خلال دراستي في بريطانيا، لطالما أحببت قراءة الأدب النسائي الغربي من روايات وشعر. وكنت أتساءل، من منظور تخصصي الأكاديمي، هل توجد نساء عربيات يملكن الشجاعة والرؤية كالتي لدى نظيراتهن من الغربيات.

    عندما بدأت البحث منذ 10 سنوات في الرواية النسائية، حذّرني أحد النقاد بأن هذا الموضوع هو أسوأ ما يمكن اختياره للدراسة، لأنه لا يوجد روائيات عربيات سوى غادة السمان. أما غير ذلك من أعمال نسائية فلا قيمة لها، فهي تتميّز بالفردية وتتجه نحو مواضيع الرومانسية الفاشلة. ثم ما إن بدأت البحث في هذا الموضوع، حتى وقعت على أدب نسائي عربي مكتمل التطور ويواصل النمو، أدب من الصعوبة بمكان على كتاب واحد أن يحيط بتفاصيله». وقد اكتشفت أن من المستحيل عليها أن تدرس الكاتبات العربيات جميعهن، لأنهن بالمئات، لا بل إن بعض المصادر تشير إلى نحو ألف كاتبة.

    في مقابلة لها مع «جهاد فاضل» في مجلة الحوادث، كانت «شعبان» أكثر انفتاحاً وميلاً إلى التفصيل حول المنهج الذي اتَّبعته في بحثها وإعداد كتابها.
    تستخدم في منهجها طريقة القراءة التاريخية الاستقرائية. وقد حاولت قراءة كل رواية قراءة تاريخية، سياسية واجتماعية ضمن المعطى الزمني التاريخي، ما تطلَّب التمحيص المتقن والدقيق للنص، ومن ثم ربط دلالات النص مع الحالة السائدة في تلك الفترة التاريخية. وقد أكَّدت «شعبان» أنها لم ترد أن تفرض على النص أية رؤية معينة، بدل ذلك، فقط «سمحت للنصوص أن تقود» إلى الاستنتاجات. تعتقد «شعبان» أن جُلَّ الأذى الذي تعرَّضت له الرواية العربية، كان بسبب تطبيق مناهج ونظريات مُعدَّة مسبقاً. «لقد اقتصرت مهمتي على اكتشاف النص ومن ثم تحليله» . كما شملت دراستها الصحافة النسائية التحررية، لأن معظم الصحفيين كانوا روائيين، كتَّاب قصة قصيرة أو شعراء.
    وتضيف «شعبان» لمجلة الحوادث: «وهكذا سيجد القارئ أن القسم الأول يتضمن دراسة موجزة عن النساء الشاعرات في مرحلة ما قبل الإسلام والمرحلة التي أعقبتها مباشرة، وذاك لإظهار مدى الإهمال الذي تعرّض له دور المرأة لدى بعض الباحثين، وكيف بدا ذلك طبيعياً لأولئك الباحثين».
    كُرِّس القسم الثاني من الكتاب إلى بدايات الرواية العربية، والقسم الثالث إلى الروائيات العربيات خلال الفترة من 1920 – وحتى بداية الخمسينيات (1950)؛ وخصص القسم الرابع للروائيات اللواتي تصدَّين لقضايا المرأة خلال فترة الخمسينيات، مع التركيز على روائيات مثل «ليلى بعلبكي» (1958) و«كوليت خوري» (1959) ؛ وخُصص القسم الخامس للأعمال التي ظهرت خلال الفترة من 1967 – 1980، حيث كان العديد من الروائيين قد توقَّعوا حدوث النكسة ؛ أما الأقسام الأربعة المتبقية فقد كُرِّست لروايات الحرب.

    إن العائق الأهم الذي واجهته خلال بحثها تمثل في كيفية الخيار بين الكم الكبير من الأعمال، والتركيز فقط على الأعمال التي تستحق الدراسة. ولقد اعتمدت الدكتورة «شعبان» معيارين في ذلك: «الأول، تقييمي لجودة الرواية من الناحية الفنية ؛ الثاني الشعبية التي تحظى بها الرواية بين القراء العرب ».

    ومع أن مؤلفة كتاب «مئة عام من الرواية النسائية العربية» يحدوها التشاؤم حيال مستقبل الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين، إلا أنها مستمرة في إطلاق الدعوة لتصحيح التاريخ الأدبي، وترى أن أي تحليل يغفل هذه الأعمال الرائدة يبقى ناقصاً ومشوهاً، و«يهدف ليس فقط إلى تهميش مساهمات المرأة وإلقاء الشك بقيمتها الأدبية، وإنما يهدف كذلك إلى تشويه الحقيقة».

    إن هذا الكتاب هو محاولة فكرية جادة، جاء ثمرة لسنوات من البحث والدراسة للنتاج النسائي الأدبي والفني في مختلف الدول العربية. وقد أثمر هذا الجهد في صدور هذا الكتاب الاجتماعي، السياسي والأدبي الذي يعتبر سجل قرن كامل للإبداع النسائي العربي.
    نشر هذا المقال بقلم «محمود سعيد» في مجلة الجديد، الصادرة في الولايات المتحدة باللغة الإنكليزية.
    ترجمة: عماد أبو فخر

Working...
X