Announcement

Collapse
No announcement yet.

التركيب الفني بالعمل المسرحي الإغتصاب لونوس - سلمان إسماعيل

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • التركيب الفني بالعمل المسرحي الإغتصاب لونوس - سلمان إسماعيل

    التركيب الفني الفكري


    في العمل المسرحي


    دراسة في نص (( الاغتصاب ))


    للراحل الكبيرسعد الله ونوس


    مقالة بقلم الأستاذ :


    سلمان إسماعيل


    نشرته اصحيفة الاتحاد الأماراتية


    في السنة الثالثة العدد / 146 / الثلاثاء /27/9/1994م.



    استهلال

    الأعمال المتتابعة لسعد الله ونوس بدءاً من حكايا جوقة التماثيل مسرحياتالفصل الواحد – وللتذكير منها مأساة بائع الدبس الفقير والفيل ياملك الزمان وحتى((منمنمات عربية )) الصادرة عام 1994م عن دار الهلال حافظت كلها على شرط الابداعالأساسي المتمثل في اعلان الحقيقة والتمسك بتسميتها ولعل هذا الشرط هو وحده الذييرشح العمل ليصنف في الفن ويرشح صاحبه لنيل عضوية الابداع إذ كل مداورة للحقيقةومهما كانت الدوافع والاعتذارات تعرض هذه العضوية للتعليق أو التأجيل أو الالغاء ..
    والاغتصاب نص مسرحي استأنف به سعد الله ونوس عاداته المسرحية بعد توقف طويلنسبياً وموضوع النص تمركز حول الصراع العربي الاسرائيلي هذا الموضوع الييبدوسياسياً مباشراً والذي يضع كاتب المسرح أمام مأزق تقليدي قائم بين الفكر والفنويستدعي منه مهارة فنية عالية انقاذية لتمرير القول السياسيعبر الموشور الدراميواكسابه امكان تمظهر جمالي في فرجة ممتعة من خلال التجسد على الخشبة المسرحية ..بنىونوس مسحيته الجديدة بطريقة مختلفة ايضاً فهي لم توزع فصولاً ومشاهد مستجيبةلأدبيات النص المسرحي التقليدية..وانما جعلها اسفارا تلتبس بشكل التراث الدينياللاهوتي وتقترب من الاناشيد والقصائد ذلك لان قضية الشخصيات على تناقضها محمولة فيثنايا الاحلام والوعود والعمل لها يتطلب الوفاء والعشق والتضحية حتى الموت .. ونص (( الاغتصاب )) نص مسحي بنى بحرفية درامية عالية ولكنه لايحرم المتعامل معه قرائياالمتعة والاثارة والتحريض والمساءلة .. وربما هذا هو الامر الذي جعله حتى الآن وقدتعثرت حظوظه على الخشبة لظروف غير مسرحية مقروءا من نخب تسعى اليه وتلوب في آثره..
    اذا نحن امام هيكل معماري مسرحي اتخذ تسميات أدبية جديدة جعل النص في سفرينمتقابلين : سفر الاحزان اليومية متمدداً في مقاطع خمسة وسفر التنبؤات متمدداًهوالآخر في مقاطع تيعة .. تبدأ دقات المسرح التقليدية بترتيلة الافتتاح وتنتهي اضواءالمسرحية بسفر الخاتمة وانه شكل مواز القصيدة ملحمية يحاولها أقطاب الحداثة الشعريةويجتهدون في تشكيلها.
    الحزان اليومية سيرة الجانب العربي الفلسطيني والذي اختزل في شخصيات رامزةهي : الام الفارعة مختزنة تراث الهم والمكابدة والمتحملة لكل مضاعفات الصراع فيزوجها وولدها ومحيطها والمتطلعة الى أفق خلاص بعيد متواضع وعقلاني نسبياً ..
    الشابة دلال : المتحدرة من أسرة ميسورة لامساهمة لها في صفوف المقاومةولكنها وقد صارت زوجة اسماعيل المقاوم العنيد تصل اليها نار القضية ويقع عليهاالاغتصاب والممارسات الوحشية فتندفع الى صف المقاومة المتشدد الذي لايقبل الحوارالفضي الى أي صيغة شراكة..

    أسماعيل: المقاوم المطلوب من المؤسسة الصهيونية زوج دلال وابن الفارعةوالذي اعتقل أخيراً ولم تجد معه أفانين التعذيب وابتكارات الاذلال يمثل الفاعليةالفلسطينية ويتحمل كل شيء حفاظاً على اسرار المقاومة واستمرارها..
    محمد: اخو اسماعيل الرجل الذي يؤمن حياة الاسرة من خلال عمله وكده حتى فيمعامل العدو جرياً وراء متطلبات الحياة الضرورية, أما شخصيات سفر التنبؤات فالقضيةالتي تعنيها ليست صيرورة طبيعية أو قضية صنعية حلمية بنتها النصوص اللاهوتيةبتأويلاتها المنحازة للتحقق الأرضي بعد أن تعهدتها مؤسسة معقدة أعطت للوسائا ((الميكافلية )) قداسة مطلقة وصولاً الى هدف تأسيس دولة على أرض للآخر وتغيب هذاالآخر بشتى الصيغ (( القتل – الطرد – الاحتجار .. الاستتباع .. الخ )).وقد لخص ونوسرموز هذا الجانب أيضاً بشخصيات قليلة متباينة السلوك والرؤى ضمن تركيبة الصهيونيةالمعهودة.
    سارة بنحاس: الأم الصهيونية المخلصة لمدرسة أرباب العقيدة المتعالية وهيلاتتردد كثيراً في الدوس على قلبها زوجة واماً إذا كانت الارادة المخططة ترىذلك.
    مائير: مهندس جهاز الأمن الذي يطلق مرؤسوه(( بابا مائير)) وقد عاش مترهياًفي محراب الصهيونية متدرباً في صفوف عصابات ((الارجون)) ثم صائراً الى هذا المقامالذي لايصغي الا بجلسات التحقيق وحفلات التعذيب بغرض الوصول الى اعترافات الآخر ((الارهابي!)) لتستثمر في خطط الملاحقة وتعقب المقاومين..
    اسحاق: الشاب الذي انتزع من بين يدي أب رقيق ذي توجهفني وانساني ليجهز بعدموت الاب الغامض اطاراً أميناً تنفيذياً نافعاً في مهمة (( اغتصاب النسوة وكسررجولة المقاومين بأساليب الفظاعة الصهيونية المستحدثة )) .. ولان بناء اسحاق لم يكنكاملاً.. فقد تعرض لاضطراب عصبي على أثر اماتة اسماعيل واغتصاب دلال وغدا عنيناًعاجزاً عن أداء واجبه الزوجي وقد كشفت جلسات الاعتراف في العيادة النفسية ومضاعفاتالأزمة الأسرية طبقة انسانية في تكوينه مما رتب على الادارة المتمثلة في مائير ((أبيه التربوي ))..أن يسكته بطلقات نارية باردة..
    راحيل: زوجة اسحاق اليهودية العادية التي بدأت تربي ابنها(( داود)) علىحكاية البرقوق والحلاوة مثل كل أطفال العالم .. لكنها تبعد عنه وتتعهده(( تربوياًجدته سارة )) لتقص على مسامعة أمجاد صهيون حكاية جوليات وداود.. وراحيل بعد تأزمحال زوجها يطولها الاغتصاب هي الأخرى من جدعون (( زميل الزوج)) فتدرك مرة أخرى عمقالحضيض الذي يهوى فيه الجميع وينتابها الغثيان وتقرر الهرب الى أرض أخرى غير آبهةباستمهالات زوجها الذي أخذ يفكر بطريقة تبعده عن وظيفتهالدنسة..
    الدكتور ابراهام منوحين: الطبيب النفساني الذي لايتكلم على اعلان مرضالمؤسسة الصهيونية من البداية فسعد الله ونوس يبدأ المسرحية بترجيعات منوحين ونعيهالواضح لتلك المؤسسة (( هذه مملكة العصاب والجنون..الرأس كله مريض والقلب بجملتهسقيم من أخمص القدم الى الرأس .. لاصحة فيه .. ))
    وكلما تقدم أكثر في معاينة تفاصيل ازداد رؤية للفاجعة .. وحملت كلماتهكثافة المأساة (( آه يامملة العصاب والجنون: أبناؤك ينزفون ..وليس من يسعفهم ..لأنالطبيب سقيم ..ويحتاج من يداويه))..
    وابراهام منوحين: لايكتفي بالوصف والرثاء .. بل يصرخ أحياناً بنية الفعلالمقاوم .. وبرغبة التغيير (( لن نسمح لهم بمصادرة المستقبل )) فهو لايستطيع أن يظلفيلسوفاً ومؤرخاً متفرجاً.. لأن التدمير لم يقتصر على الآخر وحده.. إنه تدمير فيالداخل كذالك..
    ((جعلوا كرمي خراباً، ينتجب الى..قد خربت الأرض لان لاانسان يتأمل فيقلبه))
    ومن هنا رأت المؤسسة أن (منوحين) لم يعد ليس نافعاً فحسب ، بل هو خطرواقتيد الى المصحة العقلية ..
    وفي ذاكرة الشخصيات ، ومن حولها شخوص آخرون ، في الجانبين تكمل اللوحةوتزركشها، وقد أظهرت المسرحية طفلاً في كل جانب : وعد في الجانب الفلسطيني (( وهوابن اسماعيل ودلال)) تنشؤه جدته على أمل أن يكون له وطن وقليل من العدل.. وداوود فيالجانب الإسرائيلي تنتزعه جدته من بين يدي أمه ذات التربية الرخوة ..لترضعه الأحلام، ولترغبه بوسائل القوة التي لابد منها وصولاً الى امتلاك وطن وأحلاموأوهام..

    استدراك :

    لقد أفاد سعد الله ونوس من عمل الكاتب الأسباني المعاصر له (( أنطونيو بويرباينجو )) ..العائلة باقصة المزدوجة للدكتور بالمى .. ولم يكتشف النقاد ذلك وانماونوس هو الذي أعلن من الباية أن مشروعه كان أن يعد نص (( باينجو )) للعرض المسرحي ،ولكن القضية المركزية للسياسة العربية الراهنةكلها ، قضية الصراع العربي- الاسرائيلي.
    والمشترك بين بايجووونوس هو في الأطروحةالأساس: الضحية والجلاد في تداخلهما وافتراقهما ، وبتجريد أكثر : التحرروالأستبداد- بحيث تبقى مقولة العمل خارج الحكاية المحددة، وبانتفاء الظرفية ، قابلةللاستمرار والخلود والدخول في الأبدي والطلق مع الأسف.. والتدمير الذي هو ، هناموجه من الصهيوني الى الفلسطيني،قابل هو الآخر للارتداد نحو المصوب نفسه، ليغدوتدميراً للذات مثلما هو ،ولو بطريقة مختلفة ، تدمير للخصم..

    المركب الفني – الفكري في الإغتصاب :

    ماذا أراد ونوس أن يقول من خلال هذا الشكل الفني الذي وفره لنصه الجديد
    (( الإغتصاب)) ؟ المتأمل للنص والقارئ له بمعايير الكتابة الحديثة، يرىنصاً ملتبساً ليس من السهل أن يقوله جملة مستقيمة محددة فهو نص جدالي يستجيب للمنهجالتأويلي ويتقبل تعددية القراءة مستحضراً احتمالات الخطاب ، ومن خلال حوار رؤىمختلفة مستمدة لامن الحياة وحدها، بل وبالدرجة الأولى من عمق تراثات تاريخية شكلتهاالرغبات والتأويلات والأوهام عبر عشرات القرون..
    ومع أن النص يحافظ على اشكاليته في ذلك الحياد المنضبط ، وهو يعطي للشخصياتاصداء من الحرية في عرض اطروحاتها الواضحة، في معظم المواقف ، وهذا مايولد للعملدراماه المقنعة غالباً فإن فكرة المبدع ، وهو مضاف مسبقاً ، من الناحية العاطفية فيأحد جانبي الصراع العام ، تكاد تتضح من خلال المفردات المبعثرة حيناً ، والمجمعةحيناً آخر ، هنا وهناك ، في خطاب أكثر من شخصية، في اشارات الفارعة ، وخلاصاتالدكتور منوحين ، ولعثمات اسحاق ، وهذايانات راحيل، وأكثر من ذلك في قوله المباشر ،وقد أطل واحداً من شخصيات المسرحية ، في سفر الخاتمة محاوراً نده الكتور منوحينومضيفاً على أطروحاته ومزايداً على عباراته.
    لقد جاء النص ونوس نصاُ أصيلاًفي لغته وخطابه الداخلي ومعمارة الفني ،وتحرك بخطوات له وحده وادخل اضافات تخصه ، ولم تكن باينجو ، .. وبذلك حمل نصه رؤيتهالفكرية في صيرورتها النهائية ازاْْء قضية تعود اصحابها الا يختلفوا كثيراُ حولها ،او لا يتجاسروا على الأختلاف بالاصح .
    وفي (( الأغتصاب )) الشخصيات في الطرف الآخر (( الصهيوني )) تتلمس النوراحيانا وتتعصب له احيانا (( نموذج الدكتور منوحين خاصة )) ذلك الطبيب الذي يرىالمؤسسة كلها مصابة بالشيزوفرينيا – ملعونة لدرجة تجعل الحلل يشك في تحلي هذهالشخصية (( منوحين )) بالاقناع .
    واسحاق الذي اعد جلادا لم يستطيع ان يستمر بلا اضطراب ، بلا تغير ، لقد سقطمغشياُ عليه بعد تحطيم رجولة اسماعيل ، وفقده - هو - رجولته على أثر ذلك وكان اسماعيل كما أعلن منوحين .. نهض في داخله يعاقبهويشوه رجولته لقد أخذ اسحاق يؤمن بذلك .. ألم يرد على أمه التي تستنهضه بتسويغأعماله بقوله: (( أحاول لملمة عظامي ياأماه..اننا نتشوه ونحن نشوههم )).
    الشخصيات النمطية المستقرة هي التي لاينتابها صراع وانما تمضي لاتلوى علىشئ نحو هدفها مسوغة كل وسيلة لدرجة يصعب تصورها من الأسوياء تململ اسحاق أوشك أنيتجه به نحو الاجراءات العملية.. ولكن اليقظة الاديولوجية المتمثلة في متابعة مائيروفي سارة (أم اسحاق)تقطع عليه أن يخطوبعيداً في تصوراته الجديدة (( طلقة مائير الذي كان يمثل الأب الفعلي له لم تكنمترددة ولا تعكس أزمة ضمير يرفع مائير مسدسه بيد ثابتة ويطلق عدة رصاصات لارصاصةواحدة يرفع بعدها سماعة الهاتف ويركب رقم الأم سارة ليقول بهدوء: كان ثمرة فاسدةياحبيبتي وقطعت الثمرة (( تقول الأم )) وينتهي كل شيء.
    المسرحية تصور عالمين: عالم يتفككوعالم ينشأ بصعوبة .. ولم يقف سعد الله ونوس عند هذه الخلخة وكان ذلك ممكناً فالعملنسيج مفتوح وهو ليس مطلوباً منه أن يضع الاردان والاكمال والياقة ولكنه (( سعد اللهونوس))وهو الذي لايستطيع بسهولة التخلص من متطلبات الوضوح مدفوعاً اليه بفضولالمساهمة في بناء تصور حول قضية مركزية . يضيف بالمشهد المتخيل الذي صنعه من مقابلةونوس (( الكاتب)) لمنوحين (( الطبيب النفسي الاسرائيلي )) اشكالات فكرية وفنية تسلمالنقاد والباحثين عن المواقف وارؤى وثائق بينة للجدال والمخرجين المسرحيينوالدراميين مشهداً خلافياً اذا بسفور الفكر والمواقف يفتقر النص درامياً وتختفيعناصر ادهاش كان من شأنها أن تخفي ماهو سياسي في قبعة ماهو درامي فني وهذا ما أشاراليه وتكفل مداورته المخرج المبدعالمخرجالوحيد حتى الآن الذي امتلك جرأة موازية لجرأة ونوس على المستوى الاخراجي .. لقدقدم المخرج جواد الأسدي العمل بعد معالجة مخبرية مبدعة في بيروت ودمشق وفي أمكنةضيقة وحذرة . وعلى جمهور منتخب ومستدعى..
    ولهذا مازال هذا العمل الصعب لايرح للسوق والتعميم .. ومن يدري قد يصبح بعدمدة أكثر رواجاً من كثير من المسرحيات التي همها الجمهور والرواج .. لقد نال ونوسجوائز مقدرة ذات طابع تقديري وحاز اطراءات حقيقية واستحسانات لاريب فيها منالمتفرجين والقراء والنقاد .. ولكنه يستأهل فيما أرى بعد هذه السنوات المستمرة فيمعاقرة الحقيقة أن يوشح من النوادي الثقافية وبرلمانات الابداع بأرفع وسام للشجاعةحيث يندر عادة مستحقوه في كل العصور..

    إضاءة:

    نشرت المسرحية في مجلةالحرية اللبنانية في عدد / 24 / 12 / 1989 م / وعدد /31/12/1989م.
Working...
X