إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الملامح الإبداعية الأساسية في أدب نزار قباني - أفروديت في أدب نزار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الملامح الإبداعية الأساسية في أدب نزار قباني - أفروديت في أدب نزار










    الملامح الإبداعية الأساسية في أدب نزار:

    أفروديت في أدب نزار
    تُعرَف أفروديت على أنها إلهة الحب والجمال البشريين عند اليونان. إلا أن أفروديت الكونية قد أسماها القدماء أورانيا، أو إلهة السماء. وهكذا فمن خلال هذه الشخصية الكونية نتواصل مع الجمال الذي يملأ الطبيعة والكون ويتجسد في المرأة.
    إن حضور أفروديت في العالم وثورتها تحدث مع الانقلاب الربيعي، حيث الربيع هو فصل الحب والجمال، فصل الشباب، وليس غريباً أن تكون ولادة عبقرية شعرية نزارية متزامنة مع هذا الانقلاب، فأتت صرخة من الأعماق لتعيد أفروديت إلى عرشها المفقود، لتذوق الجمال والإحساس به.
    إلا أن أفروديت لها سرها الخاص فهي إلهة الجمال من جهة والغواية والإغراء من جهة أخرى. كيف لنا أن نفهم هذه الازدواجية؟!..
    إن فينوس – وهي نفسها أفروديت ولكن في الثقافة الرومانية – تستطيع أن تقدّم لنا الإجابة عن هذه الازدواجية، فهي نجمة المساء، التي ترمز للجانب الإغوائي، وهي نجمة الصباح التي ترمز للجانب التأملي.
    عندما تختفي نجمة الصباح من حياتنا، يبقى جانب واحد وهو نجمة المساء حيث يهيمن الجانب الإغوائي، وهنا تظهر أفروديت مشوّهة، حيث تتكاثف شحنتها الإلهية في البورنو، والبورنو Porne كلمة يونانية تعني عاهرة، وكانت تُستخدَم كلقب يطلق على الإلهة العظيمة أفروديت، إلا أن البورنو قد يكون بدوره دعوة لتنشيط وإحياء نجمة الصباح في حياتنا!!
    وهذا ما يعبّر عنه الروائي جوليان غرين في مذكرات طفولته وحداثته التي نُشِرَت بعنوان "الانطلاق قبل طلوع النهار"، ويروي لنا كوستي بندلي كيف أن الروائي كان ينفّس عن نزعته الجنسية المكبوتة بتأثير تربية قاسية، بانصرافه إلى رسم أجساد عارية. كانت هذه الرسوم تدخله في حالات من الانخطاف يغيب أثناءها عما حوله، وتغذي فيه رغبات، لم يكن يدرك عند ذاك ماهيتها، ولكنها، كما يقول: "رغبات كان محكوماً عليها أن تبقى غير مشبعة لأنها كانت تتجاوز الإمكانات البشرية".
    كتب الأديب جبرا ابراهيم جبرا: "مهما تكن العواطف أولية، فإن ثمة صورة شعرية لابد متحققة في مكان ما، على شكل غير متوقع يعود بنا إلى أصول تجارب الإنسان، وأنماطه العليا. الحب، أو الإثارة الجنسية التي يسببها، يلهب خيال الشاعر فيرى الحياة في سلسلة من "الأزواج" أو النظائر يعكس الواحد منها الآخر: الشيء والشيء المشبه به. الإنسان والطبيعة: شيء ومرآة، متبادلان. وذلك بالطبع هو سر الشعر، عندما تغدو الكلمة وسيلة للاتصال بظواهر الكون، والتوحد بالطبيعة في شتى حالاتها وغزاراتها."
    كنموذج لما تحدثنا عنه نعرض قصيدة "إلى مضطجعة" التي يقول نزار فيها:
    ويقال عن ساقيك إنهما في العري.. مزرعتان للفل
    ويقال: أشرطة الحرير هما ويقال: أنبوبان من طل
    ويقال: شلالان من ذهب في جورب كالصبح مبتل
    *
    هرب الرداء وراء ركبتها فنعمت في ماء.. وفي ظل
    وركضت فوق الياسمين..فمن حقل ربيعي ... إلى حقل
    فإذا المياه هناك باكية تصبو إلى دفء.. إلى وصل
    *
    يا ثوبها، ماذا لديك لنا؟ ما الثلج.. ما أنباؤه؟ قل لي
    أنا تحت نافذة البريق.. على خيط غزير الضوء.. مخضلّ
    لا تمنعي عني الثلوج.. ولا تخفي تثاؤب مئزر كحلي
    إني ابن أخصب برهة وُجِدَت لا تزعجي ساقيك.. بل ظلي
    1948 "طفولة نهد"
    إن حضور أفروديت بازدواجيتها المتكاملة والرائعة، يشرحها لنا الدكتور محي الدين صبحي، يقول: "مشهد الساق الواقعية يثير فينا أحاسيس وغرائز، في حين أن مشهد الساق في لوحة أو في قصيدة يثير لدينا تداعيات صورية. لكن الشاعر رأى ساقاً طبيعية فثارت في نفسه تداعيات صورية، وإذن فالشاعر أو الفنان على العموم ينظر إلى الطبيعة على أنها فن وإلى الفن على أنه طبيعة.. فالتحريف في صورة الموجود الطبيعي تمليه الرغبة فيه، اشتهاؤه، من جهة، وزاوية النظر التي يسلّطها الشاعر عليه من جهة أخرى، فالشاعر حين نظر إلى الساق كان كأنه ينظر إلى حديقة فيها فل وطل وحرير وماء وظل وياسمين..
    وهذه النظرة هي التي أسميناها موقف المتذوق. حيث يغلب عنصر التأمل على عنصر الرغبة..
    وحتى التصريح بالرغبة حافظ على الطابع الفني في الحوار، أي احتفظ بالرؤية الأساسية في دمج جمال المرأة بجمال الطبيعة. وكان منسجماً مع هذا المستوى الرفيع من الإحساس في خاتمة القصيدة."
    يقول د. محي الدين صبحي: ".. وبينما تحيل الأخلاق البورجوازية المرأة إلى جمال والجمال إلى متعة، والمتعة إلى تملك واستهلاك، يحيل المذهب الإنساني الشعري المرأة إلى حرية، والحرية إلى جمال، والجمال إلى تأمل وتذوق يؤديان إلى المزيد من الحرية".
    إنما جمال أفروديت في شعر نزار ينعكس في تصويره لسحر العيون، ورقة الثغر، وانضفار الساق، وجماح النهد، واسترسال الشعر.. وهذا كله يمتلئ بسيل من الصور الشعرية الخالصة تدعو الحواس كلها لكي تمتلئ بهذا المهرجان من الجمال عبقاً ولحناً وإحساساً وذوقاً ورؤى..
    أشياء أفروديت:
    لاشك أن الإحساس بأفروديت تملأ العالم سحراً وجمالاً وفتنة لهو إحدى أهم مصادر السعادة للإنسان في هذه الحياة.
    منذ أن يبدأ الطفل يقف على قدميه وينظر إلى قبة السماء في الليل تملؤها النجوم أو إلى زهرة أو حيوان أليف أو ينبوع يتدفق أو وجه يبتسم حتى يرتعش دهشة وفرحاً..!!
    وحين ينضج الطفل ويصبح راشداً، فإن أفروديت تلبس اللحم والدم، فيرى روعة السماء والنجوم والعطر تنضح في جسد الآخر،.. لكنه، إن أساء فهم دعوة أفروديت له أو خشَيَها فحاول الهرب منها، أو حاول مقاومتها، فإن لها طريقتها في ملاحقته والانتقام منه، فلها القدرة مثلاً على أن تختفي في بعض أشيائها.. وحينئذ قد يصبح عبداً لهذه الأشياء.. وهذا ما قد حلله بإسهاب فرويد ودرسه محللون آخرون، وأشار إليه كولن ويلسن.. من الصعوبة بمكان أن نتهم شاعراً كبيراً، إن لم نقل ظاهرة شعرية في التعبير عن سحر أفروديت وجمالها وفتنتها، بأنه قد وقع عبداً لأشيائها، كما قد ظن بعض الدارسين والنقاد..!!
    وبعبارة أخرى، قد عرف الشاعر بإحساسه المرهف أن أفروديت تقدس المرآة، ومتعة الظهور، ومواد التجميل، والأزياء، والزينة، والمجوهرات، والعطر،.. ومن هنا أتت كثير من قصائده على اختلاف مشاربها وصفاً لعالم أفروديت المترامي الأطراف.
    وفي هذا السياق، يقول د. محي الدين صبحي: "إن الشعر الذي يتعرض لأشياء الجمال في نتاج نزار قباني يكاد يكون من أكثر نتاجه إبداعاً، على الرغم من أن الأنظار لم تلتفت إلى ما فيه من جدة وأصالة.
    يقول مثلاً:
    يتألق القرط الطويل بجيدها مثل الشموع بليلة الميلاد
    أليس في هذه الصورة فرح وقدسية معاً.. بل وفيها أيضاً أضواء ذابلة، أضواء شموع تتمايل وتتراجف من الثمل والسهر.."
يعمل...
X