إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العرب أمام تحديات التكنولوجيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العرب أمام تحديات التكنولوجيا


    العرب أمام تحديات
    التكنولوجيا
    تأليف
    د. انطونيوس كرم

    مقدمة
    من المصادفات الهامة التي رافقت تأليف هذا
    الكتاب - والذي بدأناه قبل عام-أننا لم نكن انتهينا
    من وضع خاتمة عندما جاءت الغارات الإسرائيلية
    المدمرة على الأهداف العسكرية في البقاع اللبناني
    وعلى الأهداف العسكرية والمدنية في الجنوب
    اللبناني وفي بيروت لتضيف أهمية خاصة وإلحاحا
    كبيرا إلى عنوان وفحوى هذا الكتاب: العرب أمام
    تحديات التكنولوجيا. وقد سبق ذلك »إنجازات «
    إسرائيل التكنولوجية في الساعات الأولى من حرب
    حزيران/يونيو ١٩٦٧ وفي تدمير المفاعل النووي
    العراقي منذ أشهر معدودة.
    وفي كل الأعمال العدوانية وغيرها كان هدف
    إسرائيل الأول إرهاب العرب بقدرتها العلمية
    والتكنولوجية الجبارة وإظهار عجز العرب القاتل
    أمام الشعوب العربية وشعوب وحكومات العالم
    ومنع العرب من التوغل في دروب العلم والتكنولوجيا
    الحديث وامتلاك ناصيتهما.
    وقد كان الأستاذ قسطنط زريق من أوائل من
    تكلم عن وجود فجوة حضارية كبيرة بين اﻟﻤﺠتمعات
    العربية واﻟﻤﺠتمع الإسرائيلي. ففي كتابه »معنى
    النكبة « في أعقاب إقامة إسرائيل في عام 1948
    في »معنى النكبة مجددا « الذي كتبه في أعقاب
    نكبة 1967وفي كتبه الأخيرة يردد الكاتب مقولته
    عن الفجوة الحضارية بين الإسرائيلين والعرب

    العرب أمام تحديات التكنولوجيا
    والمتمثلة بأخذ الإسرائيلين بمنط العصر القائم على العلم والتكنولوجيا
    والقيم الملائمة لهما في حين
    أن العرب لا يزالون بعيدين عن منطق العصر
    الذي يعيشون فيه إذ أنهم لم يمتلكوابعد ناصية العلم والتكنولوجيا الحديثين
    كما أن قيمهم وطرق تفكيرهم في هذه المرحلة من تاريخهم لا تساعد على
    الإطلاق على إكسابهم المعارف العلمية والتكنولوجيا التي يتكئ عليها هذا
    العصر.
    وهكذا فإن النكبات والهزائم المتتالية يفترض فيها أنها أثبتت للعرب
    أهمية العلم والتكنولوجيا في هذا العصر القائم على القوة. ومن الواضح
    أن هيمنة الدولتين العظميين على العالم في يومنا هذا لا ترجع مطلقا إلى
    قوة إ يمانهم وعقائدهم الروحية وإ نما القوة المادية الهائلة التي يتمتعون بها
    في اﻟﻤﺠال العلمي والتكنولوجى وبالتالي في اﻟﻤﺠال الاقتصادي والعسكري وبالقيم والأنظمة الاجتماعية التي تضع قيم العلم والتكنولوجيا في رأس
    سلم القيم والأولويات. وإذا كنا لا نريد هنا أن نوحي بأن مجتمعات الدول
    المتقدمة هي في غاية السعادة إذ من الواضح أنها أهملت الناحية الأخلاقية
    والروحية وتركت المادة تطغى على كل شيء فأننا نهدف إلى القول بأنه لا
    مجال في هذا العصر لدول وشعوب تعاني من الضعف الشديد على المستوى
    العلمي والتكنولوجي والاقتصادي مهما كبرت أخلاقها وروحانياتها هذا
    إذا كان هناك معنى حقيقي للأخلاق في ظروف التخلف القاتل الذي
    تعيشه الدول النامية. فما قيمة الأخلاق في بلد يعيش أسوأ أنواع الفقر
    والعوز والجهل والقهر وجميع أشكال التخلف الأخرى? فإذا كان من الصحيح
    أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده فإنه من الواضح أنه لا يستطيع العيش
    بدون الخبز.
    ومن المسلمات الواضحة أننا نعيش فترة من التململ والاضطراب والتغيير
    المتناقض وغير الهادف لم يشهده التاريخ من قبل. فكأننا على عتبة انتقال
    من مرحلة إلى أخرى دون أن نعرف بالضبط طبيعة وخصوصيات المرحلة
    القادمة. ودور العلم والتكنولوجيا في التغير السريع الحاصل وفي التغيير
    القادم كبير بدون شك.
    وإذا كانت الثورات العلمية والتكنولوجية المتتالية-وبالأخص التي بدأت
    مع نهاية الحرب العا لمية الثانية-قد ربطت أجزاء العالم نعضها ببعض وأصبح
    حاضر ومستقبل كل دولة-مهما صغرت أو كبرت-يعتمد بدرجة أو بأخرى
    على مصير الكل أي إذا كانت درجة الاعتماد المتبادل
    inter-dependence ب
    دول العالم في تزايد متواصل فإن استمرار روح الهيمنة والتسلط عند
    الدول العظمى يفرغ هذا الاعتماد المتبادل من مغزاه الحقيقي ومنافعه
    المتبادلة والمتوازنة ويخلق في المقابل درجة متزايدة من التبعية الشاملة في
    علاقة الدول المتقدمة بالدول النامية أو في علاقة »الشمال والجنوب «

    North-South
    . أي أن ما حصل إن العلم والتكنولوجيا يدفعان كل يوم أكثر
    فأكثر باتجاه اعتماد دولي متبادل حقيقي إلا أن القوى العظمى غير مستعدة
    للقبول vتطلبات وبنتائج التغير المتواصل في العلم والتكنولوجيا وتعمل كل
    ما في وسعها لإلغاء - أو على الأقل لتأجيل - بزوغ نظام دولي جديد قائم
    على العدالة والمساواة والاعتماد المتبادل الحقيقي.
    وما من شيء يجسد الخلل الكبير والظلم السائد في عالم اليوم وسوء
    استخدام العلم والتكنولوجيا مثل معرفة أن العالم اليوم ينفق على السلاح
    وآلة الحرب والدمار أكثر من ٥٠٠ مليار دولار في الوقت الذي يعاني ربع
    سكان البشرية إما من اﻟﻤﺠاعة وإما من سوء تغذية بدرجة كبيرة. فلو
    توصل العالم إلى خلق النظام الدولي القادر على استخدام العلم والتكنولوجيا
    وا لموارد الأخرى في الاتجاه الصحيح لاستطاع لا إشباع مئات ا لملايين من
    البشر الجائعةانمالغاء الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى اﻟﻤﺠاعة
    أيضا.
    من هنا يجب إضافة بعد جديد لدور العلم والتكنولوجيا في حل ا لمشاكل
    الدولية التي تبدو مستعصية. فلم يعد من ا لممكن النظر إلى دور العلم
    والتكنولوجيا بأنه يقتصر على إشباع رغبات العلماء والباحثيين وتحقيق
    أقصى ربح .ممكن للشركات الخاصة التي تسوق منتجات العلم والتكنولوجيا
    وإ نما. يجب أن يكتسب دور العلم والتكنولوجيا بعدا !إنسانيا واجتماعيا
    بحيث يوجه بدرجة أكبر مما هو حاصل الآن للمساهمة بشكل وظيفي في
    حل ا لمشاكل التي تعاني منها شعوب العالم خصوصا شعوب الدول النامية
    دون أن يعني ذلك قتل الحوافز والمبادرات عند العلماء والباحثيين بل بالعكس
    خلق حوافز جديدة لتوجيه نشاطاتهم نحو ما يخدم الإنسانية جمعاء بأكبر
    قدر ممكن.

    كل هذا يتطلب خلق نظام دولي جديد يقوم على أسس تأخذ بعين
    الاعتبار مشاكل العالم الحالية والمتوقعة في المستقبل والتي يأتي في مقدمتها
    في الوقت الحاضر مواجهة مشاكل التخلف التي يعاني منها حوالي ثلاثة
    أرباع البشرية.
    لكن منذ مدة والعالم يتكلم عن ضرورة خلق نظام دولي جديد أكثر
    عدالة وأكثر مساواة. وانعقدت لهذا الهدف عشرات المؤتمرات والندوات
    والجمعيات العمومية والخاصة لمؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من
    المؤسسات الدولية والإقليمية. ووسائل الإعلام تتكلم باستمرار عن حوار
    »الشمال والجنوب «. لكن وحتى أشعار آخرفإن كل هذا »الزرع « لم يعط
    حصادا أو ثمارا لأن كل هذه الحوارات والمؤتمرات بين القوي والضعيف
    لايمكن أن تعطي النتيجة المرجوة التي لا تأتي بالتمنيات وبالاستجداء
    وبالبلاغة وانما بتغيير موازين القوى لصالح الشعوب المقهورة.
    كتاب: العرب أمام تحديات التكنولوجيا الذي بين أيدينا هو محاولة
    متواضعة للإجابة على بعض هذه الطروحات والتساؤلات. وقد قسمناه إلى
    ثلاثة أبواب: الباب الأول يتعرض ;فاهيم العلم والتكنولوجيا ودورهما في
    عملية النمو والتنمية الاقتصادية. والباب الثاني مخصص لدراسة وتحليل
    مشاكل نقل التكنولوجيا التي تواجهها الدول النامية بوجه عام والدول العربية
    بوجه خاص. أما الباب الثالث والأخير فهو عبارة عن تأملات في أسباب
    التخلف العربي في الماضي والحاضر.
    وقد قسمنا الباب الأول إلى ثلاثة فصول. في الفصل الأول قدمنا
    تحليلا مفصلا بعض الشيء لتطور العلاقة بين العلم والتكنولوجيا عبر
    العصور. وتوصلنا إلى القول بأن التكنولوجيا سبقت العلم وأن التكنولوجية
    حتى فترة حديثة كانوا روادا في مجالهم وكان العلماء يتطلعون إليهم للتعلم
    من إنجازاتهم. فقط منذ لحظة في القرن الفائت بدأ رقاص الساعة يميل
    للاتجاه المعاكس حيث بدأت التكنولوجيا تعتمد أكثر فأكثر على إنجازات
    العلم وبدأ التكنولوجيون يعتمدون أكثر فأكثر على أبحاث العلماء. كما
    ذكرنا أن تركيبة اﻟﻤﺠتمع وحاجاته والحوافز التي يوفرها كانت دوما العامل
    الأساسي في تطور العلم والتكنولوجيا كما أن التطور العلمي والتكنولوجي
    كان بدوره يفتح آفاقا جديدة أمام تطور اﻟﻤﺠتمعات والحضارات.
    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
    ولاتؤاخذني بما يقولون
    واغفر لي مالا يعلمون

  • #2
    العرب أمام تحديات التكنولوجيا


    العرب أمام تحديات
    التكنولوجيا
    تأليف
    د. انطونيوس كرم

    مقدمة
    من المصادفات الهامة التي رافقت تأليف هذا
    الكتاب - والذي بدأناه قبل عام-أننا لم نكن انتهينا
    من وضع خاتمة عندما جاءت الغارات الإسرائيلية
    المدمرة على الأهداف العسكرية في البقاع اللبناني
    وعلى الأهداف العسكرية والمدنية في الجنوب
    اللبناني وفي بيروت لتضيف أهمية خاصة وإلحاحا
    كبيرا إلى عنوان وفحوى هذا الكتاب: العرب أمام
    تحديات التكنولوجيا. وقد سبق ذلك »إنجازات «
    إسرائيل التكنولوجية في الساعات الأولى من حرب
    حزيران/يونيو ١٩٦٧ وفي تدمير المفاعل النووي
    العراقي منذ أشهر معدودة.
    وفي كل الأعمال العدوانية وغيرها كان هدف
    إسرائيل الأول إرهاب العرب بقدرتها العلمية
    والتكنولوجية الجبارة وإظهار عجز العرب القاتل
    أمام الشعوب العربية وشعوب وحكومات العالم
    ومنع العرب من التوغل في دروب العلم والتكنولوجيا
    الحديث وامتلاك ناصيتهما.
    وقد كان الأستاذ قسطنط زريق من أوائل من
    تكلم عن وجود فجوة حضارية كبيرة بين اﻟﻤﺠتمعات
    العربية واﻟﻤﺠتمع الإسرائيلي. ففي كتابه »معنى
    النكبة « في أعقاب إقامة إسرائيل في عام 1948
    في »معنى النكبة مجددا « الذي كتبه في أعقاب
    نكبة 1967وفي كتبه الأخيرة يردد الكاتب مقولته
    عن الفجوة الحضارية بين الإسرائيلين والعرب

    العرب أمام تحديات التكنولوجيا
    والمتمثلة بأخذ الإسرائيلين بمنط العصر القائم على العلم والتكنولوجيا
    والقيم الملائمة لهما في حين
    أن العرب لا يزالون بعيدين عن منطق العصر
    الذي يعيشون فيه إذ أنهم لم يمتلكوابعد ناصية العلم والتكنولوجيا الحديثين
    كما أن قيمهم وطرق تفكيرهم في هذه المرحلة من تاريخهم لا تساعد على
    الإطلاق على إكسابهم المعارف العلمية والتكنولوجيا التي يتكئ عليها هذا
    العصر.
    وهكذا فإن النكبات والهزائم المتتالية يفترض فيها أنها أثبتت للعرب
    أهمية العلم والتكنولوجيا في هذا العصر القائم على القوة. ومن الواضح
    أن هيمنة الدولتين العظميين على العالم في يومنا هذا لا ترجع مطلقا إلى
    قوة إ يمانهم وعقائدهم الروحية وإ نما القوة المادية الهائلة التي يتمتعون بها
    في اﻟﻤﺠال العلمي والتكنولوجى وبالتالي في اﻟﻤﺠال الاقتصادي والعسكري وبالقيم والأنظمة الاجتماعية التي تضع قيم العلم والتكنولوجيا في رأس
    سلم القيم والأولويات. وإذا كنا لا نريد هنا أن نوحي بأن مجتمعات الدول
    المتقدمة هي في غاية السعادة إذ من الواضح أنها أهملت الناحية الأخلاقية
    والروحية وتركت المادة تطغى على كل شيء فأننا نهدف إلى القول بأنه لا
    مجال في هذا العصر لدول وشعوب تعاني من الضعف الشديد على المستوى
    العلمي والتكنولوجي والاقتصادي مهما كبرت أخلاقها وروحانياتها هذا
    إذا كان هناك معنى حقيقي للأخلاق في ظروف التخلف القاتل الذي
    تعيشه الدول النامية. فما قيمة الأخلاق في بلد يعيش أسوأ أنواع الفقر
    والعوز والجهل والقهر وجميع أشكال التخلف الأخرى? فإذا كان من الصحيح
    أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده فإنه من الواضح أنه لا يستطيع العيش
    بدون الخبز.
    ومن المسلمات الواضحة أننا نعيش فترة من التململ والاضطراب والتغيير
    المتناقض وغير الهادف لم يشهده التاريخ من قبل. فكأننا على عتبة انتقال
    من مرحلة إلى أخرى دون أن نعرف بالضبط طبيعة وخصوصيات المرحلة
    القادمة. ودور العلم والتكنولوجيا في التغير السريع الحاصل وفي التغيير
    القادم كبير بدون شك.
    وإذا كانت الثورات العلمية والتكنولوجية المتتالية-وبالأخص التي بدأت
    مع نهاية الحرب العا لمية الثانية-قد ربطت أجزاء العالم نعضها ببعض وأصبح
    حاضر ومستقبل كل دولة-مهما صغرت أو كبرت-يعتمد بدرجة أو بأخرى
    على مصير الكل أي إذا كانت درجة الاعتماد المتبادل
    inter-dependence ب
    دول العالم في تزايد متواصل فإن استمرار روح الهيمنة والتسلط عند
    الدول العظمى يفرغ هذا الاعتماد المتبادل من مغزاه الحقيقي ومنافعه
    المتبادلة والمتوازنة ويخلق في المقابل درجة متزايدة من التبعية الشاملة في
    علاقة الدول المتقدمة بالدول النامية أو في علاقة »الشمال والجنوب «

    North-South
    . أي أن ما حصل إن العلم والتكنولوجيا يدفعان كل يوم أكثر
    فأكثر باتجاه اعتماد دولي متبادل حقيقي إلا أن القوى العظمى غير مستعدة
    للقبول vتطلبات وبنتائج التغير المتواصل في العلم والتكنولوجيا وتعمل كل
    ما في وسعها لإلغاء - أو على الأقل لتأجيل - بزوغ نظام دولي جديد قائم
    على العدالة والمساواة والاعتماد المتبادل الحقيقي.
    وما من شيء يجسد الخلل الكبير والظلم السائد في عالم اليوم وسوء
    استخدام العلم والتكنولوجيا مثل معرفة أن العالم اليوم ينفق على السلاح
    وآلة الحرب والدمار أكثر من ٥٠٠ مليار دولار في الوقت الذي يعاني ربع
    سكان البشرية إما من اﻟﻤﺠاعة وإما من سوء تغذية بدرجة كبيرة. فلو
    توصل العالم إلى خلق النظام الدولي القادر على استخدام العلم والتكنولوجيا
    وا لموارد الأخرى في الاتجاه الصحيح لاستطاع لا إشباع مئات ا لملايين من
    البشر الجائعةانمالغاء الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى اﻟﻤﺠاعة
    أيضا.
    من هنا يجب إضافة بعد جديد لدور العلم والتكنولوجيا في حل ا لمشاكل
    الدولية التي تبدو مستعصية. فلم يعد من ا لممكن النظر إلى دور العلم
    والتكنولوجيا بأنه يقتصر على إشباع رغبات العلماء والباحثيين وتحقيق
    أقصى ربح .ممكن للشركات الخاصة التي تسوق منتجات العلم والتكنولوجيا
    وإ نما. يجب أن يكتسب دور العلم والتكنولوجيا بعدا !إنسانيا واجتماعيا
    بحيث يوجه بدرجة أكبر مما هو حاصل الآن للمساهمة بشكل وظيفي في
    حل ا لمشاكل التي تعاني منها شعوب العالم خصوصا شعوب الدول النامية
    دون أن يعني ذلك قتل الحوافز والمبادرات عند العلماء والباحثيين بل بالعكس
    خلق حوافز جديدة لتوجيه نشاطاتهم نحو ما يخدم الإنسانية جمعاء بأكبر
    قدر ممكن.

    كل هذا يتطلب خلق نظام دولي جديد يقوم على أسس تأخذ بعين
    الاعتبار مشاكل العالم الحالية والمتوقعة في المستقبل والتي يأتي في مقدمتها
    في الوقت الحاضر مواجهة مشاكل التخلف التي يعاني منها حوالي ثلاثة
    أرباع البشرية.
    لكن منذ مدة والعالم يتكلم عن ضرورة خلق نظام دولي جديد أكثر
    عدالة وأكثر مساواة. وانعقدت لهذا الهدف عشرات المؤتمرات والندوات
    والجمعيات العمومية والخاصة لمؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من
    المؤسسات الدولية والإقليمية. ووسائل الإعلام تتكلم باستمرار عن حوار
    »الشمال والجنوب «. لكن وحتى أشعار آخرفإن كل هذا »الزرع « لم يعط
    حصادا أو ثمارا لأن كل هذه الحوارات والمؤتمرات بين القوي والضعيف
    لايمكن أن تعطي النتيجة المرجوة التي لا تأتي بالتمنيات وبالاستجداء
    وبالبلاغة وانما بتغيير موازين القوى لصالح الشعوب المقهورة.
    كتاب: العرب أمام تحديات التكنولوجيا الذي بين أيدينا هو محاولة
    متواضعة للإجابة على بعض هذه الطروحات والتساؤلات. وقد قسمناه إلى
    ثلاثة أبواب: الباب الأول يتعرض ;فاهيم العلم والتكنولوجيا ودورهما في
    عملية النمو والتنمية الاقتصادية. والباب الثاني مخصص لدراسة وتحليل
    مشاكل نقل التكنولوجيا التي تواجهها الدول النامية بوجه عام والدول العربية
    بوجه خاص. أما الباب الثالث والأخير فهو عبارة عن تأملات في أسباب
    التخلف العربي في الماضي والحاضر.
    وقد قسمنا الباب الأول إلى ثلاثة فصول. في الفصل الأول قدمنا
    تحليلا مفصلا بعض الشيء لتطور العلاقة بين العلم والتكنولوجيا عبر
    العصور. وتوصلنا إلى القول بأن التكنولوجيا سبقت العلم وأن التكنولوجية
    حتى فترة حديثة كانوا روادا في مجالهم وكان العلماء يتطلعون إليهم للتعلم
    من إنجازاتهم. فقط منذ لحظة في القرن الفائت بدأ رقاص الساعة يميل
    للاتجاه المعاكس حيث بدأت التكنولوجيا تعتمد أكثر فأكثر على إنجازات
    العلم وبدأ التكنولوجيون يعتمدون أكثر فأكثر على أبحاث العلماء. كما
    ذكرنا أن تركيبة اﻟﻤﺠتمع وحاجاته والحوافز التي يوفرها كانت دوما العامل
    الأساسي في تطور العلم والتكنولوجيا كما أن التطور العلمي والتكنولوجي
    كان بدوره يفتح آفاقا جديدة أمام تطور اﻟﻤﺠتمعات والحضارات.
    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
    ولاتؤاخذني بما يقولون
    واغفر لي مالا يعلمون

    تعليق


    • #3
      رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


      وفي الفصل الثاني تعرضنا لمناقشة ما يجمع وما يميز العلم والتكنولوجيا.
      ثم انتقلنا إلى مناقشة عملية الاكتشاف والاختراع وتعرضنا إلى العوامل
      الفردية واﻟﻤﺠتمعية التي تساعد أو تعرقل هذه العملية. وأنهينا الفصل
      المذكور بمناقشة موجزة لشخصية العالم المكتشف أو اﻟﻤﺨترع.
      أما الفصل الثالث فقد خصص لمناقشة دور التقدم التكنولوجي في
      عملية النمو والتنمية الاقتصادية. كما خصص الجزء الثاني من الفصل
      المذكور للتعرض لعملية البحث والتطوير و متتطلباتها.
      الباب الثاني من الكتاب يناقش في الفصل الرابع مفهوم التكنولوجيا
      الملائمة وأساليب وقنوات نقل التكنولوجيا.
      وفي الفصل الخامس نناقش دور الشركات المتعددة الجنسيات في مسألة
      عدم ملاءمة التكنولوجيا. وقبل الانتهاء من مناقشة هذا الدور نبدأ بنبذة
      تاريخية عن هذه الشركات ثم ننتقل إلى تعريفها.
      وقد خصصنا الفصل السادس مسألة غاية في الأهمية بالنسبة للدول
      النامية والعربية وهي المسألة المتعلقة بهجرة أو نزيف العقول أو »النقل
      المعاكس للتكنولوجيا « كما يطلق عليها في بعض الأحيان. واستعرضنا في
      هذا الخصوص حجم وتركيبة الكفاءات المهاجرة وعوامل الجذب والطرد
      التي تؤثر على هجرتها.
      أما الفصل السابع فقد خصصناه لبعض التأملات في أسباب التخلف
      العربي. وتطرقنا إلى الجذور التاريخية والأسباب المستجدة لهذا التخلف
      في اﻟﻤﺠال الحضاري والفكري والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي ودور
      زرع إسرائيل في تخلف العرب. وأنهينا الكتاب بفصل ثامن يتعرض بإيجاز
      للمأزق العربي وتحدي التكنولوجيات الجديدة.
      وإذا كان للمؤلف من أمنية فهي أن يساهم هذا الكتاب بشكل متواضع
      في إثارة اهتمام مضاعف عند الباحثين العرب بموضوع التكنولوجيا
      وبأبعادها الحضارية اﻟﻤﺨتلفة والمتناقضة في كثير من الأحيان. كما يأمل
      الكاتب أن يكون قد ألقى بعض الضوء على أسباب تخلف العرب وعلى
      المأزق الحضاري الذي يواجهونه.

      الباب الاول
      العلم والتكنولوجيا
      والنمو الاقتصادي
      والتكنولوجيا عبر
      العصور
      ا-مقدمة:
      من أكثر الألفاظ استخداما في يومنا هذا-حتى
      من قبل المواطن العادي-لفظ »التكنولوجيا «. ويبدو
      أنه بقدر ما يزداد شيوع استخدام اللفظ لمذكور
      بقدر ما يزداد الغموض واللبس اللذان تكنفانه.
      فقد اكتسب لفظ »التكنولوجيا « الكثير من لمطاطية
      وأصبح يعني أشياء مختلفة-بل في أحيان كثيرة
      متناقضة-حسب مستخدم اللفظ المذكور. كما
      اكتسبت كلمة »تكنولوجيا « قوة ميتا فيزيقية وسحرية
      متزايدة.
      ومهما يكن تعريف التكنولوجيا الذي سنأخذ
      به فإنه من الواضح أن الآثار التي تخلقها
      التكنولوجيا تصل في يومنا هذا إلى شتى مجالات
      الحياة بما في ذلك قيمنا وحياتنا الخاصة
      الحميمة سواء أتت هذه الآثار بشكل مباشر أو
      غير مباشر.
      وفي حين يرى البعض في التكنولوجيا الحديثة
      تتويجا باهرا لنجاح العقل البشري في السيطرة
      على الطبيعة وتدحينها لمصلحة الإنسان والبشرية
      اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
      ولاتؤاخذني بما يقولون
      واغفر لي مالا يعلمون

      تعليق


      • #4
        رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

        نجد أن البعض الآخر يرى في نفس التكنولوجيا شبحا مخيفا يهدد البيئة
        بالتلوث والخراب والإنسانية بالدمار (الحرب الذرية الكيماوية.... الخ)
        والحياة الخاصة بالاختفاء.
        ويبدو أن هذه الحالة من القدسية التي يرسمها البعض حول التكنولوجيا
        الحديثة وهذا الشبح المرعب الذي يعزوه البعض الآخر إليها يرجعان إلى
        حد كبير إلى عدم إدراك كاف بطبيعة وحقيقة التكنولوجيا والى إساءة
        الاستخدام الذي خضعت له في كثير من الأحيان.
        وكما جاء على لسان أحد الكتاب العرب المعروفين فإن »تاريخ البشرية
        يعلمنا أنها-حتى ظهرت الأديان السماوية-عبدت ما جهلت درءا لما قد يجلب
        من شر واستدرارا لما قد يعطي من خير. لذلك فليس غريبا تماما أن الناس
        في بلاد العالم الثالث تنظر إلى التكنولوجيا كما لو كانت جعبة ساحر في
        ثناياها حلول عجيبة وخارقة بمكن لو أتيحت أن تخلصها من بعض
        شقائها
        ١)« ).
        وإذا كان من الواضح أن العلم والتكنولوجيا كانا في العصور السابقة
        يسيران بخطى بطيئة نسبيا فان تطورهما في يومنا هذا-وبالأخص منذ
        نهاية الحرب العالمية الثانية - بدأ يأخذ شكل قفزات هائلة ومتلاحقة
        الأمر الذي يجعل المرء-حتى الذي يملك درجة عالية من الثقافة - يشعر
        بصعوبة متزايدة في ملاحقة واستيعاب هذا التدفق الهادر من إنجازات
        العلم والتكنولوجيا.
        ومع ذلك بقدر ما تعقدت العلوم والتكنولوجيا وازدادت إنجازاتها
        وتعمقت وتوسعت الآثار التي تتركها على مختلف نشاطاتنا بقدر ما تعاظمت
        ضرورة ملاحقة هذه الآثار بهدف تحليلها وفهمها لاستغلال إيجابياتها
        والتقليل من سلبياتها والتي لو تركت لشأنها فإنها تعمل على تفكيك اﻟﻤﺠتمع
        والقيم التي يقوم عليها إذ أنه من الملاحظ حاليا أن العلم والتكنولوجيا
        يتطوران بسرعة اكبر بكثير من قدرتنا على فهم الآثار التي لولدانها ومن
        اتخاذ الترتيبات والتدابير الاجتماعية الملائمة لمواجهتها.
        ( ٢)

        بل بمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك القول بأن مسألة فهم الآثار المترتبة
        على تطور العلم والتكنولوجيا والتحكم بسلبياتها لم تعد ترفا بالنسبة للمجتمع
        والإنسانية بل أصبحت »ضرورة للحفاظ على الجنس البشري نفسه
        ٣)« )


        ٢- تطور العلاقة بين العلم والتكنولوجيا عبر العصور:
        إذا كانت التكنولوجيا موجودة منذ أن وجد الإنسان فإن العلم لم يظهر
        إلا منذ فترة حديثة نسبيا. والإنسان من ببن كل اﻟﻤﺨلوقات - ومنذ أن وجد
        في هذا الكون-وهو في حرب مستمرة مع الطبيعة للسيطرة عليها
        ولإخضاعها تسيره في ذلك غريزة حب البقاء وإدراكه العقلي لضرورة
        وإمكانية تحسين وضعه المعيشي والفكري وخلق درجة من الاستقرار والأمان
        في نمط عيشه. وفي حين أن بعض الحيوانات ملكت بالغريزة أساليب
        تكنولوجية تستخدمها في حياتها اليومية-كأساليب النحل في بناء الخلية
        والنمل في جر غذائها وتحزينه لفصل الشتاء - فإن »التكنولوجيا لا تأخذ
        إطارها الكامل إلا مع الإنسان لأنه الوحيد من كل اﻟﻤﺨلوقات الذي يمكن أن
        يكون مخترعا ومبدعا وليس فقط مقلدا. فالإنسان يتكيف مع كل شيء.
        والذي يحرره من قدرية الحيوان ومن عبودية الغريزة هو تنوع الخلطات
        Combinaisons
        التي تسمح بها تركيبته الجسدية والفكرية. فتفوق الإنسان
        في مجال التكنولوجيا يكمن في التنسيق بين العقل واليد-حيث وجود الإبهام
        مقابل الأصابع الأخرى - يجعل تحويل المادة إلى أدوات أمرا ممكنا
        ٤))

        يضاف إلى ذلك أن قدرة الإنسان على العيش في اﻟﻤﺠتمع تصل إلى
        أعلى درجة مقارنة بكل اﻟﻤﺨلوقات. وهذا يضمن للإنسان إمكانية السيطرة
        على المكان والزمان. فاﻟﻤﺠتمع - لكونه يمثل الذاكرة الجماعية التي تتراكم
        فيها المعارف والتجارب البشرية السابقة - يمنح الذكاء البشري بعده
        الحقيقي. وهكذا يمكن القول إن »تاريخ الحضارة يتكون إلى حد بعيد من
        تفاعل متبادل ب H قوت H تدعمان وتهيمنان على الإنسان في آن واحد:
        التكنولوجيا التي توسع أفق عمله إلى مالا نهاية واﻟﻤﺠتمع الذي يمدد
        حياتها إلى مالا نهاية
        ٥))

        وفي البداية لم تكن محاولة الإنسان تسخير الطبيعة واختراع الوسائل
        والأدوات التي تساعده في ذلك ترفا ذهنيا أو حتى لإشباع فضولية عنده
        وإنما جاءت انطلاقا من مبدأ: الحاجة أم الاختراع. فقد كان على الإنسان
        الأول أ ن »يضمن بقاءه في عالم غريب وعدواني
        ٦))

        وتاريخ التكنولوجيا يبين أن التدرج في هذا اﻟﻤﺠال كان أكثر من أي
        مجال آخر. فسيطرة الإنسان على الطبيعة وتطوير التكنولوجيا المساعدة
        اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
        ولاتؤاخذني بما يقولون
        واغفر لي مالا يعلمون

        تعليق


        • #5
          رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

          نجد أن البعض الآخر يرى في نفس التكنولوجيا شبحا مخيفا يهدد البيئة
          بالتلوث والخراب والإنسانية بالدمار (الحرب الذرية الكيماوية.... الخ)
          والحياة الخاصة بالاختفاء.
          ويبدو أن هذه الحالة من القدسية التي يرسمها البعض حول التكنولوجيا
          الحديثة وهذا الشبح المرعب الذي يعزوه البعض الآخر إليها يرجعان إلى
          حد كبير إلى عدم إدراك كاف بطبيعة وحقيقة التكنولوجيا والى إساءة
          الاستخدام الذي خضعت له في كثير من الأحيان.
          وكما جاء على لسان أحد الكتاب العرب المعروفين فإن »تاريخ البشرية
          يعلمنا أنها-حتى ظهرت الأديان السماوية-عبدت ما جهلت درءا لما قد يجلب
          من شر واستدرارا لما قد يعطي من خير. لذلك فليس غريبا تماما أن الناس
          في بلاد العالم الثالث تنظر إلى التكنولوجيا كما لو كانت جعبة ساحر في
          ثناياها حلول عجيبة وخارقة بمكن لو أتيحت أن تخلصها من بعض
          شقائها
          ١)« ).
          وإذا كان من الواضح أن العلم والتكنولوجيا كانا في العصور السابقة
          يسيران بخطى بطيئة نسبيا فان تطورهما في يومنا هذا-وبالأخص منذ
          نهاية الحرب العالمية الثانية - بدأ يأخذ شكل قفزات هائلة ومتلاحقة
          الأمر الذي يجعل المرء-حتى الذي يملك درجة عالية من الثقافة - يشعر
          بصعوبة متزايدة في ملاحقة واستيعاب هذا التدفق الهادر من إنجازات
          العلم والتكنولوجيا.
          ومع ذلك بقدر ما تعقدت العلوم والتكنولوجيا وازدادت إنجازاتها
          وتعمقت وتوسعت الآثار التي تتركها على مختلف نشاطاتنا بقدر ما تعاظمت
          ضرورة ملاحقة هذه الآثار بهدف تحليلها وفهمها لاستغلال إيجابياتها
          والتقليل من سلبياتها والتي لو تركت لشأنها فإنها تعمل على تفكيك اﻟﻤﺠتمع
          والقيم التي يقوم عليها إذ أنه من الملاحظ حاليا أن العلم والتكنولوجيا
          يتطوران بسرعة اكبر بكثير من قدرتنا على فهم الآثار التي لولدانها ومن
          اتخاذ الترتيبات والتدابير الاجتماعية الملائمة لمواجهتها.
          ( ٢)

          بل بمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك القول بأن مسألة فهم الآثار المترتبة
          على تطور العلم والتكنولوجيا والتحكم بسلبياتها لم تعد ترفا بالنسبة للمجتمع
          والإنسانية بل أصبحت »ضرورة للحفاظ على الجنس البشري نفسه
          ٣)« )


          ٢- تطور العلاقة بين العلم والتكنولوجيا عبر العصور:
          إذا كانت التكنولوجيا موجودة منذ أن وجد الإنسان فإن العلم لم يظهر
          إلا منذ فترة حديثة نسبيا. والإنسان من ببن كل اﻟﻤﺨلوقات - ومنذ أن وجد
          في هذا الكون-وهو في حرب مستمرة مع الطبيعة للسيطرة عليها
          ولإخضاعها تسيره في ذلك غريزة حب البقاء وإدراكه العقلي لضرورة
          وإمكانية تحسين وضعه المعيشي والفكري وخلق درجة من الاستقرار والأمان
          في نمط عيشه. وفي حين أن بعض الحيوانات ملكت بالغريزة أساليب
          تكنولوجية تستخدمها في حياتها اليومية-كأساليب النحل في بناء الخلية
          والنمل في جر غذائها وتحزينه لفصل الشتاء - فإن »التكنولوجيا لا تأخذ
          إطارها الكامل إلا مع الإنسان لأنه الوحيد من كل اﻟﻤﺨلوقات الذي يمكن أن
          يكون مخترعا ومبدعا وليس فقط مقلدا. فالإنسان يتكيف مع كل شيء.
          والذي يحرره من قدرية الحيوان ومن عبودية الغريزة هو تنوع الخلطات
          Combinaisons
          التي تسمح بها تركيبته الجسدية والفكرية. فتفوق الإنسان
          في مجال التكنولوجيا يكمن في التنسيق بين العقل واليد-حيث وجود الإبهام
          مقابل الأصابع الأخرى - يجعل تحويل المادة إلى أدوات أمرا ممكنا
          ٤))

          يضاف إلى ذلك أن قدرة الإنسان على العيش في اﻟﻤﺠتمع تصل إلى
          أعلى درجة مقارنة بكل اﻟﻤﺨلوقات. وهذا يضمن للإنسان إمكانية السيطرة
          على المكان والزمان. فاﻟﻤﺠتمع - لكونه يمثل الذاكرة الجماعية التي تتراكم
          فيها المعارف والتجارب البشرية السابقة - يمنح الذكاء البشري بعده
          الحقيقي. وهكذا يمكن القول إن »تاريخ الحضارة يتكون إلى حد بعيد من
          تفاعل متبادل ب H قوت H تدعمان وتهيمنان على الإنسان في آن واحد:
          التكنولوجيا التي توسع أفق عمله إلى مالا نهاية واﻟﻤﺠتمع الذي يمدد
          حياتها إلى مالا نهاية
          ٥))

          وفي البداية لم تكن محاولة الإنسان تسخير الطبيعة واختراع الوسائل
          والأدوات التي تساعده في ذلك ترفا ذهنيا أو حتى لإشباع فضولية عنده
          وإنما جاءت انطلاقا من مبدأ: الحاجة أم الاختراع. فقد كان على الإنسان
          الأول أ ن »يضمن بقاءه في عالم غريب وعدواني
          ٦))

          وتاريخ التكنولوجيا يبين أن التدرج في هذا اﻟﻤﺠال كان أكثر من أي
          مجال آخر. فسيطرة الإنسان على الطبيعة وتطوير التكنولوجيا المساعدة
          اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
          ولاتؤاخذني بما يقولون
          واغفر لي مالا يعلمون

          تعليق


          • #6
            رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

            على ذلك تحققت بشكل تدريجي ومتعرج وهكذا يبدو أن »الإنسانية صعدت
            سلم الحضارة درجة درجة
            ٧))

            فقد كان الإنسان الأول واقعيا وبراغماتيا . وفي معركته من أجل البقاء
            والارتقاء أخذ يستخدم الخامات المتاحة له لصنع الأدوات التي تزيده قوة
            وإنتاجية فاستخدم الحجارة - و بالأخص الصوان - والعظام والخشب
            ليكون ما في جعبته الأولى من التكنولوجيا.
            واكتشاف الإنسان للنار (قبل حوالي نصف مليون سنة) يبرهن بشكل
            ساطع على موهبته الفريدة في استغلال الفرص التي تبرز أمامه. فالإنسان
            لم يخترع النار بل اكتشفها وهذا الاكتشاف كان متاحا لغيره من اﻟﻤﺨلوقات
            إلا أنه تفرد في هذا الاكتشاف وفي استغلاله.
            وقد مثل اكتشاف النار وسيطرة الإنسان على استخداماتها إحدى قمم
            الملحمة التكنولوجيا التي سطرها الإنسان على مر الزمان في معركته
            للسيطرة على الطبيعة ولإخضاعها. وكما جاء على لسان أحدهم فقد
            جاءت »سيطرة الإنسان على النار لتحوي في ثناياها كل التقدم البشري في
            مجال التكنيك: من الطهاة إلى صناعة المعادن إلى خلق حياة اجتماعية
            (لكون النار مصدرا للنور أيضا) إلى حماية الإنسان من الحيوانات
            الكاسرة
            ٨)« ).
            لكن اكتشاف النار وحده لم يكن كافيا لخلق حياة اجتماعية متطورة
            ومستقرة بل إن غياب مثل هذه الحياة-لكونها تمثل بين أمور أخرى الذاكرة
            الجماعية - جعل الإنسان في أكثر من مناسبة يضيع ما كان قد اكتشفه
            في السابق ليعود بعد مدة تقصر أو تطو لإعادة اكتشاف الشيء نفسه
            من جديد.
            وبعد أن استطاع الإنسان قبل حوالي عشرين ألف عام أن يملأ جعبة
            متواضعة من الأدوات التكنولوجية وبعد أن أصبحت الظروف المناخية
            مواتية بعد انحسار الجليد تدريجا برزت أول مجتمعات بشرية وكان
            اقتصادها قائما على الصيد الجماعي وأبرز أدواتها التكنولوجية: النار
            والإبرة (المصنوعة من العظم) والفأس (المصنوعة من الصوان والخشب)
            والجاروف.
            وبالرغم من هذه التحسينات التكنولوجية الهامة-والتي اعتبر بعضها

            كالنار والإبرة بمثابة ثورة تكنولوجية من الطراز الأول-فقد كانت هذه
            التحسينات تأتي بشكل متقطع يفصل بين الواحدة والأخرى مئات بل
            وآلاف السنين وعشراتها. وكان علينا أن ننتظر ظهور العصر الحجري
            الجديد
            ( ١٠٠٠) Neolithis - ٢٥٠٠ عام قبل ا ;يلاد) لنشهد إرساء الأسس
            التكنولوجية للحضارات الكبرى التي تلت والتي تمتد إلى حضارة اليوم. إلا
            أن المرحلة التي سبقت العصر الحجري الجديد بقليل بدأت تشهد »وعي
            الإنسان يتدعم وعقله يبتعد عن جسده
            ١٠))

            وشهد العصر الحجري الجديد أحد أهم-وربما الأهم-الإنجازات
            التكنولوجية في كل الصور: اكتشاف الزراعة وتدجين وتربية بعض الحيوانات
            (وبالأخص الكلب والثور والخنزير والخروف والماعز.. الخ). ومع هذا
            الاكتشاف تحول الإنسان لأول مرة من نهاب وطفيلي على حساب الطبيعة
            إلى إنسان منتج لغذائه. وهذا »التطور يشكل تحولا تاريخيا في الاقتصاد
            وفي مصير الإنسان والبشرية. ومع هذا التحول بدأ صعود الإنسان السريع
            والمتواصل
            ١١)« ) ومع ظهور الزراعة كنشاط إنساني من الدرجة الأولى برز
            تحسن في الأدوات التكنولوجية التي تتطلبها طبيعة هذا النشاط. فقد
            ظهرت صناعة الأدوات الحجرية المصقولة كالفأس والجاروف والمنجل والإبرة
            والمنشار والمنزل والفخار والرحى اليدوية والمحراث وغيرها كما ظهر تكنيك
            (طريقة) جر الحمولة الثقيلة بواسطة بعض الحيوانات.
            ( ١٢ )

            والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهية العوامل التي أدت إلى اكتشاف
            الزراعة (وتدجين وتربية الحيوانات)? من الملاحظ تاريخيا أن أعظم
            الاكتشافات والإنجازات والاختراعات سبقتها مرحلة تأزمت فيها أوضاع
            الإنسان في بعض اﻟﻤﺠتمعات إلى الحد الذي دفعته إلى اقتناص أول فرصة
            تظهر للخروج من حالة الأزمة التي يعيشها. وهكذا فقد انتهت حقبة ما
            قبل العصر الحجري الجديد بأزمة طاحنة لأن التحسينات التكنولوجية
            وتنظيم اﻟﻤﺠتمع البدائي التي حصلت أدت إلى ارتفاع كبير في عدد السكان
            إذا ما قورن ذلك بالموارد الطبيعية والاقتصادية الجاهزة للاستخدام آنذاك
            الأمر الذي ترتب عليه انخفاض في مستوى معيشة الإنسان البدائي الذي
            كان يعيش في اقتصاد مغلق لا يضمن له حد الكفاف البيولوجي إلا بصعوبة.
            وما إن أخذ الجليد ينحسر بسرعة عن السهول والهضاب والمناخ يتلطف
            حتى بدأ الإنسان يخرج من الكهوف ومن »تحت الأرض إلى الهواء
            الطلق
            ١٣))

            وبالرغم من الأهمية البالغة لاكشاف الزراعة كنشاط إنساني من الدرجة
            الأولى فقد اقترب العصر الحجري الجديد من نهايته وكل الدلائل تشير
            إلى أنه دخل أزمة حقيقية. ففي »مختلف المراحل التي مرت بها اقتصاديات
            العالم عبر التاريخ كان يبدو دوما أنه قبل الدخول في مرحلة جديدة تبرز
            فترة توتر وأزمة ناتجة عن صعوبة التكيف مع وضع جديد متعلق بتغير
            المناخ والجغرافيا أو غالبا عن زيادة كبيرة في السكان تضغط بشدة على
            الموارد المتاحة
            ١٤)) هكذا مع نهاية العصر الحجري الجديد »برزت أزمة
            الغذاء وأصبحت الأرض الزراعية نادرة نسبيا فبدأ تسييجها وتسجيلها
            وبدأت مع ذلك المنافسة ين الرعاة والفلاحين وهذا هو أساس الخلاف
            بين قابيل وهابيل. وكان سبب الأزمة الزيادة المضطردة في السكان في كل
            مكان وتحولت الفأس من حصاد الأشجار إلى حصاد البشر والحروب.
            وأتى بعد ذلك البرونز ليخلق السيف وأصبح الإنسان عدو الإنسان. وبدأت
            الحروب عبثا تحاول إنهاء المشكلة الاقتصادية. وبهذا بدأت مرحلة جديدة
            من التاريخ
            ١٥))

            ومن الواضح أن تطور التكنولوجيا ارتبط بشكل وثيق بظهور الزراعة
            والحضارات الزراعية التي تركزت على ضفاف الأنهار الأسيوية والإفريقية
            الكبرى في بلاد ما بين النهرين ومصر والهند والصين وتطور حاجات هذه
            الحضارات الكبرى المتعاظمة في أوقات السلم والحرب خلقت الحوافز
            الكافية لتطوير الأدوات التكنولوجية التي تتلاءم مع مستويات التقدم التي
            حققتها هذه الحضارات. وتطور التكنولوجيا بدوره فتح أمام هذه الحضارات
            آفاقا وحدودا جديدة. وهكذا فقد استطاعت هذه الحضارات-وبالأخص
            حضارة ما ببن النهرين ووادي النيل-أن تكون السباقة في ابتكار التكنولوجيا
            المتعلقة بالنشاط التعديني (النحاس .البرونز , الفضة, الرصاص,الحديد..
            . الخ) والعربات ذوات الدواليب المعدنية واللوالب الفخارية السريعة والمحراث
            المعدني وصناعة القرميد (الطابوق) والمركب الشراعي واستخدام ورق البردى
            والميزان العادي والمنفاخ وصهر الزجاج وكل ذلك قبل حوالي ١٢٠٠ - ٤٠٠٠
            سنة قبل الميلاد.
            ( ١٦ ) وسبق أن ذكرنا أن مثل هذه التطورات الضخمة تتناسب

            مستوى التقدم الذي بلغته هذه الحضارات ومع طموحاتها المتعاطفة.
            وهكذا فقد كانت الحضارات الشرق أوسطية والآسيوية الكبرى مهدا
            لأولى التكنولوجيات المتقدمة في العالم إلا أن هذه الحضارات وإن تكن
            قد زرعت الكثير من »البذور العلمية « إذا جاز التعبير والتي أينعت في
            إطار حضارات كبرى لاحقة فلم تعرف العلم بالمعنى الذي بدأ يظهر في
            الحضارة الإغريقية اللاحقة وبالمعنى الذي تأسس على أيدي العرب
            والأوروبيبن الذين حملوه إلى آفاق جديدة متقدمة تمد حتى يومنا هذا.
            وإذا كان اليونانيون قد استفادوا الكثير من احتكاكهم بالحضارات
            الشرقية سواء كان ذلك بالطرق السلمية (التجارة) أم عن طريق الحروب
            واندهشوا بتقدم هذه الحضارات في مجال الزراعة والعمران فإنه يبقى
            من الصحيح القول بأن التفكير العلمي المنتظم على المستوى النظري
            والتجريدي بدأ مع الإغريق. فهم مبتدعو علم المنطق كما كانت عندهم
            قدرة على التخيل والتجريد والتعميم لم تعرفه الإنسانية لا من قبل وربما
            ولا من بعد.. وهذا ما أدى بالكثيرين إلى إطلاق صفة »ا ;عجزة « على ما
            حققه اليونانيون من إنجازات خارقة في مجال العلوم الصرفية.
            لكن هذه الإنجازات على مستوى التفكير النظري لم تقابلها إنجازات
            .اثلة-أو حتى قابلة للمقارنة-على مستوى التطبيقات العملية للعلوم التي
            ابتدعوها أي على مستوى التكنولوجيا. وهذه الفجوة الهائلة بين هذين
            النوعين من الإنجازات ترجع إلى عدة أسباب لعل أهمها: ميل اليونانيين
            للعلوم البحتة الراجع إلى نظرتهم الدينية-الفنية القائمة على البحث عن
            الحب والجمال والكمال والدقة والتي تعبر عن صفاء الفكر وتقرب الإنسان
            من الحكمة الإلهية.
            ( ١٧ ) والسبب الثاني يرجع إلى التركيب الطبقي للمجتمع
            الإغريقي آنذاك والذي كان قائما على الرق الأمر الذي ساهم في خلق
            نخبة من ا لمكرين الأرستقراطي العقلية التي دفعتهم إلى احتقار الأعمال
            اليدوية والنشاطات المهنية اﻟﻤﺨتلفة وبالأخص ما يتعلق منها بالتكنولوجيا.
            وتوفر العبي أو شبه العبيد بكثرة لم يكن من شأنه أن يحث علماء اليونان
            على الاهتمام بالآلة وإمكانية إحلالها مكان الأيدي العاملة.
            وان كانت التطورات التكنولوجية الأولى من نصيب الحضارات الأسيوية
            ( بما فيها حضارة وادي النيل) وإذا كان التفكير العلمي المنظم قد ابتدعه الاغريق

            اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
            ولاتؤاخذني بما يقولون
            واغفر لي مالا يعلمون

            تعليق


            • #7
              رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

              على ذلك تحققت بشكل تدريجي ومتعرج وهكذا يبدو أن »الإنسانية صعدت
              سلم الحضارة درجة درجة
              ٧))

              فقد كان الإنسان الأول واقعيا وبراغماتيا . وفي معركته من أجل البقاء
              والارتقاء أخذ يستخدم الخامات المتاحة له لصنع الأدوات التي تزيده قوة
              وإنتاجية فاستخدم الحجارة - و بالأخص الصوان - والعظام والخشب
              ليكون ما في جعبته الأولى من التكنولوجيا.
              واكتشاف الإنسان للنار (قبل حوالي نصف مليون سنة) يبرهن بشكل
              ساطع على موهبته الفريدة في استغلال الفرص التي تبرز أمامه. فالإنسان
              لم يخترع النار بل اكتشفها وهذا الاكتشاف كان متاحا لغيره من اﻟﻤﺨلوقات
              إلا أنه تفرد في هذا الاكتشاف وفي استغلاله.
              وقد مثل اكتشاف النار وسيطرة الإنسان على استخداماتها إحدى قمم
              الملحمة التكنولوجيا التي سطرها الإنسان على مر الزمان في معركته
              للسيطرة على الطبيعة ولإخضاعها. وكما جاء على لسان أحدهم فقد
              جاءت »سيطرة الإنسان على النار لتحوي في ثناياها كل التقدم البشري في
              مجال التكنيك: من الطهاة إلى صناعة المعادن إلى خلق حياة اجتماعية
              (لكون النار مصدرا للنور أيضا) إلى حماية الإنسان من الحيوانات
              الكاسرة
              ٨)« ).
              لكن اكتشاف النار وحده لم يكن كافيا لخلق حياة اجتماعية متطورة
              ومستقرة بل إن غياب مثل هذه الحياة-لكونها تمثل بين أمور أخرى الذاكرة
              الجماعية - جعل الإنسان في أكثر من مناسبة يضيع ما كان قد اكتشفه
              في السابق ليعود بعد مدة تقصر أو تطو لإعادة اكتشاف الشيء نفسه
              من جديد.
              وبعد أن استطاع الإنسان قبل حوالي عشرين ألف عام أن يملأ جعبة
              متواضعة من الأدوات التكنولوجية وبعد أن أصبحت الظروف المناخية
              مواتية بعد انحسار الجليد تدريجا برزت أول مجتمعات بشرية وكان
              اقتصادها قائما على الصيد الجماعي وأبرز أدواتها التكنولوجية: النار
              والإبرة (المصنوعة من العظم) والفأس (المصنوعة من الصوان والخشب)
              والجاروف.
              وبالرغم من هذه التحسينات التكنولوجية الهامة-والتي اعتبر بعضها

              كالنار والإبرة بمثابة ثورة تكنولوجية من الطراز الأول-فقد كانت هذه
              التحسينات تأتي بشكل متقطع يفصل بين الواحدة والأخرى مئات بل
              وآلاف السنين وعشراتها. وكان علينا أن ننتظر ظهور العصر الحجري
              الجديد
              ( ١٠٠٠) Neolithis - ٢٥٠٠ عام قبل ا ;يلاد) لنشهد إرساء الأسس
              التكنولوجية للحضارات الكبرى التي تلت والتي تمتد إلى حضارة اليوم. إلا
              أن المرحلة التي سبقت العصر الحجري الجديد بقليل بدأت تشهد »وعي
              الإنسان يتدعم وعقله يبتعد عن جسده
              ١٠))

              وشهد العصر الحجري الجديد أحد أهم-وربما الأهم-الإنجازات
              التكنولوجية في كل الصور: اكتشاف الزراعة وتدجين وتربية بعض الحيوانات
              (وبالأخص الكلب والثور والخنزير والخروف والماعز.. الخ). ومع هذا
              الاكتشاف تحول الإنسان لأول مرة من نهاب وطفيلي على حساب الطبيعة
              إلى إنسان منتج لغذائه. وهذا »التطور يشكل تحولا تاريخيا في الاقتصاد
              وفي مصير الإنسان والبشرية. ومع هذا التحول بدأ صعود الإنسان السريع
              والمتواصل
              ١١)« ) ومع ظهور الزراعة كنشاط إنساني من الدرجة الأولى برز
              تحسن في الأدوات التكنولوجية التي تتطلبها طبيعة هذا النشاط. فقد
              ظهرت صناعة الأدوات الحجرية المصقولة كالفأس والجاروف والمنجل والإبرة
              والمنشار والمنزل والفخار والرحى اليدوية والمحراث وغيرها كما ظهر تكنيك
              (طريقة) جر الحمولة الثقيلة بواسطة بعض الحيوانات.
              ( ١٢ )

              والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهية العوامل التي أدت إلى اكتشاف
              الزراعة (وتدجين وتربية الحيوانات)? من الملاحظ تاريخيا أن أعظم
              الاكتشافات والإنجازات والاختراعات سبقتها مرحلة تأزمت فيها أوضاع
              الإنسان في بعض اﻟﻤﺠتمعات إلى الحد الذي دفعته إلى اقتناص أول فرصة
              تظهر للخروج من حالة الأزمة التي يعيشها. وهكذا فقد انتهت حقبة ما
              قبل العصر الحجري الجديد بأزمة طاحنة لأن التحسينات التكنولوجية
              وتنظيم اﻟﻤﺠتمع البدائي التي حصلت أدت إلى ارتفاع كبير في عدد السكان
              إذا ما قورن ذلك بالموارد الطبيعية والاقتصادية الجاهزة للاستخدام آنذاك
              الأمر الذي ترتب عليه انخفاض في مستوى معيشة الإنسان البدائي الذي
              كان يعيش في اقتصاد مغلق لا يضمن له حد الكفاف البيولوجي إلا بصعوبة.
              وما إن أخذ الجليد ينحسر بسرعة عن السهول والهضاب والمناخ يتلطف
              حتى بدأ الإنسان يخرج من الكهوف ومن »تحت الأرض إلى الهواء
              الطلق
              ١٣))

              وبالرغم من الأهمية البالغة لاكشاف الزراعة كنشاط إنساني من الدرجة
              الأولى فقد اقترب العصر الحجري الجديد من نهايته وكل الدلائل تشير
              إلى أنه دخل أزمة حقيقية. ففي »مختلف المراحل التي مرت بها اقتصاديات
              العالم عبر التاريخ كان يبدو دوما أنه قبل الدخول في مرحلة جديدة تبرز
              فترة توتر وأزمة ناتجة عن صعوبة التكيف مع وضع جديد متعلق بتغير
              المناخ والجغرافيا أو غالبا عن زيادة كبيرة في السكان تضغط بشدة على
              الموارد المتاحة
              ١٤)) هكذا مع نهاية العصر الحجري الجديد »برزت أزمة
              الغذاء وأصبحت الأرض الزراعية نادرة نسبيا فبدأ تسييجها وتسجيلها
              وبدأت مع ذلك المنافسة ين الرعاة والفلاحين وهذا هو أساس الخلاف
              بين قابيل وهابيل. وكان سبب الأزمة الزيادة المضطردة في السكان في كل
              مكان وتحولت الفأس من حصاد الأشجار إلى حصاد البشر والحروب.
              وأتى بعد ذلك البرونز ليخلق السيف وأصبح الإنسان عدو الإنسان. وبدأت
              الحروب عبثا تحاول إنهاء المشكلة الاقتصادية. وبهذا بدأت مرحلة جديدة
              من التاريخ
              ١٥))

              ومن الواضح أن تطور التكنولوجيا ارتبط بشكل وثيق بظهور الزراعة
              والحضارات الزراعية التي تركزت على ضفاف الأنهار الأسيوية والإفريقية
              الكبرى في بلاد ما بين النهرين ومصر والهند والصين وتطور حاجات هذه
              الحضارات الكبرى المتعاظمة في أوقات السلم والحرب خلقت الحوافز
              الكافية لتطوير الأدوات التكنولوجية التي تتلاءم مع مستويات التقدم التي
              حققتها هذه الحضارات. وتطور التكنولوجيا بدوره فتح أمام هذه الحضارات
              آفاقا وحدودا جديدة. وهكذا فقد استطاعت هذه الحضارات-وبالأخص
              حضارة ما ببن النهرين ووادي النيل-أن تكون السباقة في ابتكار التكنولوجيا
              المتعلقة بالنشاط التعديني (النحاس .البرونز , الفضة, الرصاص,الحديد..
              . الخ) والعربات ذوات الدواليب المعدنية واللوالب الفخارية السريعة والمحراث
              المعدني وصناعة القرميد (الطابوق) والمركب الشراعي واستخدام ورق البردى
              والميزان العادي والمنفاخ وصهر الزجاج وكل ذلك قبل حوالي ١٢٠٠ - ٤٠٠٠
              سنة قبل الميلاد.
              ( ١٦ ) وسبق أن ذكرنا أن مثل هذه التطورات الضخمة تتناسب

              مستوى التقدم الذي بلغته هذه الحضارات ومع طموحاتها المتعاطفة.
              وهكذا فقد كانت الحضارات الشرق أوسطية والآسيوية الكبرى مهدا
              لأولى التكنولوجيات المتقدمة في العالم إلا أن هذه الحضارات وإن تكن
              قد زرعت الكثير من »البذور العلمية « إذا جاز التعبير والتي أينعت في
              إطار حضارات كبرى لاحقة فلم تعرف العلم بالمعنى الذي بدأ يظهر في
              الحضارة الإغريقية اللاحقة وبالمعنى الذي تأسس على أيدي العرب
              والأوروبيبن الذين حملوه إلى آفاق جديدة متقدمة تمد حتى يومنا هذا.
              وإذا كان اليونانيون قد استفادوا الكثير من احتكاكهم بالحضارات
              الشرقية سواء كان ذلك بالطرق السلمية (التجارة) أم عن طريق الحروب
              واندهشوا بتقدم هذه الحضارات في مجال الزراعة والعمران فإنه يبقى
              من الصحيح القول بأن التفكير العلمي المنتظم على المستوى النظري
              والتجريدي بدأ مع الإغريق. فهم مبتدعو علم المنطق كما كانت عندهم
              قدرة على التخيل والتجريد والتعميم لم تعرفه الإنسانية لا من قبل وربما
              ولا من بعد.. وهذا ما أدى بالكثيرين إلى إطلاق صفة »ا ;عجزة « على ما
              حققه اليونانيون من إنجازات خارقة في مجال العلوم الصرفية.
              لكن هذه الإنجازات على مستوى التفكير النظري لم تقابلها إنجازات
              .اثلة-أو حتى قابلة للمقارنة-على مستوى التطبيقات العملية للعلوم التي
              ابتدعوها أي على مستوى التكنولوجيا. وهذه الفجوة الهائلة بين هذين
              النوعين من الإنجازات ترجع إلى عدة أسباب لعل أهمها: ميل اليونانيين
              للعلوم البحتة الراجع إلى نظرتهم الدينية-الفنية القائمة على البحث عن
              الحب والجمال والكمال والدقة والتي تعبر عن صفاء الفكر وتقرب الإنسان
              من الحكمة الإلهية.
              ( ١٧ ) والسبب الثاني يرجع إلى التركيب الطبقي للمجتمع
              الإغريقي آنذاك والذي كان قائما على الرق الأمر الذي ساهم في خلق
              نخبة من ا لمكرين الأرستقراطي العقلية التي دفعتهم إلى احتقار الأعمال
              اليدوية والنشاطات المهنية اﻟﻤﺨتلفة وبالأخص ما يتعلق منها بالتكنولوجيا.
              وتوفر العبي أو شبه العبيد بكثرة لم يكن من شأنه أن يحث علماء اليونان
              على الاهتمام بالآلة وإمكانية إحلالها مكان الأيدي العاملة.
              وان كانت التطورات التكنولوجية الأولى من نصيب الحضارات الأسيوية
              ( بما فيها حضارة وادي النيل) وإذا كان التفكير العلمي المنظم قد ابتدعه الاغريق

              اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
              ولاتؤاخذني بما يقولون
              واغفر لي مالا يعلمون

              تعليق


              • #8
                رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                فقد كان على العرب في المرحلة التالية أن يستفيدوا من إنجازات
                الشرق العملية وإنجازات الإغريق النظرية ليتوصلوا إلى »أول زواج « بين
                العلم والتكنولوجيا إذا جاز التعبير بحيث لم يعد الفصل جائزا بين التفكير
                النظري والتطبيقات العملية. فقد جمع العلماء العرب العظام بين التأملات
                النظرية والتطبيقات اﻟﻤﺨتبرين وقسموا ساعات عملهم بين هذين النشاطين.
                وكما لاحظ الكاتب المعروف »ر.ج. فوربس « فان »العرب حتى عندما لم
                يكونوا الرواد لبعض الاختراعات (كالبوصلة البارود) فقد كانوا يملكون
                عينا مدركة لأهمية هذه الاختراعات ولم يترددوا في تبنيها وغالبا قبل أن
                تكون أهمية هذه الاختراعات قد برزت في بلدان مخترعيها
                ١٨))

                وما من أحد جسد هذا الجمع بين الجهد النظري والتطبيق القائم على
                منهجية تجريبية مبدعة كجابر بن حيان في الكيمياء والكندي في البصريات
                وفي دراسة طرق إنتاج الفولاذ والأسلحة النارية والرازي في الطب وابن
                الهيثم في البصريات والفيزياء والبيروني في الفيزياء وابن سينا في
                الطب وغيرهم.
                ( ١٩ ) فقد طور هؤلاء العلماء العظام كل هذه العلوم وغيره منهجية علمية لا تختلف في شيء عن المنهجية التي اتبعتها أوروبا في
                نهضتها من القرون الوسطى المظلمة. كما استطاعوا أن يبدعوا وسائل
                وأدوات تكنولوجية هامة مخبرية وميدانية لاختبار صحة نظرياتهم ونظريات
                غيرهم من العلماء. كما ساهموا في تطوير طرق الري وفي استخدام الطاقة
                المائية (الطاحونة ا لمائية) وطاقة الريح (الطاحونة الهوائية) والتي تبنتها
                أوروبا في مرحلة لاحقة. كما أبدع العرب في تكنولوجيا صناعة الخزف
                والزجاج الملون وكانوا أول من اكتشف طريقة لتكرير السكركما كانوا أول
                من اخترع المنجنيق والأبراج المتحركة.
                ( ٢٠ )

                لكن العصر الذهبي للعلوم والتكنولوجيا عند العرب أحذ يميل نحو
                الانحسار والانحطاط في نفس اتجاه الحضارة العربية برمتها. فالتفكك
                الداخلي والحروب الأهلية وهجمات التتار والمغول والأتراك والصليبيين
                كلها اتحدت في وقت واحد لانتزاع الشعلة الحضارية من أيدي العرب.
                فتوقف تقدم العلوم والتكنولوجيا »وانتقل مشعل الحضارة من أيدي العرب
                إلى الأيدي الأوروبية
                ٢١))

                وكما أن »اﻟﻤﺠزرة « اليونانية لم تأت من فراغ كما رأينا سابقا كذلك فان
                اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                ولاتؤاخذني بما يقولون
                واغفر لي مالا يعلمون

                تعليق


                • #9
                  رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                  فقد كان على العرب في المرحلة التالية أن يستفيدوا من إنجازات
                  الشرق العملية وإنجازات الإغريق النظرية ليتوصلوا إلى »أول زواج « بين
                  العلم والتكنولوجيا إذا جاز التعبير بحيث لم يعد الفصل جائزا بين التفكير
                  النظري والتطبيقات العملية. فقد جمع العلماء العرب العظام بين التأملات
                  النظرية والتطبيقات اﻟﻤﺨتبرين وقسموا ساعات عملهم بين هذين النشاطين.
                  وكما لاحظ الكاتب المعروف »ر.ج. فوربس « فان »العرب حتى عندما لم
                  يكونوا الرواد لبعض الاختراعات (كالبوصلة البارود) فقد كانوا يملكون
                  عينا مدركة لأهمية هذه الاختراعات ولم يترددوا في تبنيها وغالبا قبل أن
                  تكون أهمية هذه الاختراعات قد برزت في بلدان مخترعيها
                  ١٨))

                  وما من أحد جسد هذا الجمع بين الجهد النظري والتطبيق القائم على
                  منهجية تجريبية مبدعة كجابر بن حيان في الكيمياء والكندي في البصريات
                  وفي دراسة طرق إنتاج الفولاذ والأسلحة النارية والرازي في الطب وابن
                  الهيثم في البصريات والفيزياء والبيروني في الفيزياء وابن سينا في
                  الطب وغيرهم.
                  ( ١٩ ) فقد طور هؤلاء العلماء العظام كل هذه العلوم وغيره منهجية علمية لا تختلف في شيء عن المنهجية التي اتبعتها أوروبا في
                  نهضتها من القرون الوسطى المظلمة. كما استطاعوا أن يبدعوا وسائل
                  وأدوات تكنولوجية هامة مخبرية وميدانية لاختبار صحة نظرياتهم ونظريات
                  غيرهم من العلماء. كما ساهموا في تطوير طرق الري وفي استخدام الطاقة
                  المائية (الطاحونة ا لمائية) وطاقة الريح (الطاحونة الهوائية) والتي تبنتها
                  أوروبا في مرحلة لاحقة. كما أبدع العرب في تكنولوجيا صناعة الخزف
                  والزجاج الملون وكانوا أول من اكتشف طريقة لتكرير السكركما كانوا أول
                  من اخترع المنجنيق والأبراج المتحركة.
                  ( ٢٠ )

                  لكن العصر الذهبي للعلوم والتكنولوجيا عند العرب أحذ يميل نحو
                  الانحسار والانحطاط في نفس اتجاه الحضارة العربية برمتها. فالتفكك
                  الداخلي والحروب الأهلية وهجمات التتار والمغول والأتراك والصليبيين
                  كلها اتحدت في وقت واحد لانتزاع الشعلة الحضارية من أيدي العرب.
                  فتوقف تقدم العلوم والتكنولوجيا »وانتقل مشعل الحضارة من أيدي العرب
                  إلى الأيدي الأوروبية
                  ٢١))

                  وكما أن »اﻟﻤﺠزرة « اليونانية لم تأت من فراغ كما رأينا سابقا كذلك فان
                  اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                  ولاتؤاخذني بما يقولون
                  واغفر لي مالا يعلمون

                  تعليق


                  • #10
                    رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                    النهضة الأوروبية لم تخرج من لا شيء وكأن القدرة الإلهية أنزلتها من
                    السماء. فقد كانت ظروف موضوعية وراء نهضة الغرب. وهذه الظروف
                    الموضوعية المواتية للنهضة الأوروبية - وبالأخص في مجال العلم والتكنولوجيا
                    - نجد بذورها المبعثرة هنا وهناك حتى في القرون الوسطى المظلمة وبالأخص
                    منذ الحروب الصليبية. فقد بدأ الاتجاه نحو تعظيم العقل عند الإنسان
                    وقدرته على الإبداع يفرض نفسه بشكل متزايد. وهكذا نجد الكاتب الديني
                    الألماني »هيوغ دوسان فكتور « يؤكد في حوالي منتصف القرن الثاني عشر
                    الميلادي بأن »أول من اخترع ألبسة للبشر لا بد أنه لاحظ أن مختلف
                    اﻟﻤﺨلوقات تملك كساء طبيعيا كل واحدة حسب الصنف الذي تنتمي إليه.
                    فالعصفور مغطى بالريش والسمك بالسفط (القشرة) والخروف بالصوف والحيوانات المفترسة بالوبر. وهناك سبب هام لكون الإنسان يأتي إلى
                    الكون عاريا. فبديهي أن تمنح الطبيعة الحماية لغير القادرين. أما الإنسان
                    فيملك القدرة على اكتشاف ما تمنحه الطبيعة للمخلوقات الأخرى وإن
                    عرى الإنسان يهدف إلى منحه الحافز ليخترع ما يحتاجه من حماية
                    ٢٢))

                    ومن الجهة الأخرى فإن الكوارث التي جلبتها العصور الوسطى على
                    الإنسان الأوروبي جعلته يتخلص تدريجيا من الكثير من الخرافات والأوهام
                    و يتجه أكثر فأكثر نحو العقلانية في معالجة مشاكله اليومية. فقد استطاعت
                    »الأزمات السياسية والدينية والنزوات وتفشي الأمراض أن تلحق أضرارا
                    كبيرة بسكان أوروبا في نهاية القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر.
                    لكن يبدو أنه كانت صدفة عجيبة فإن هبوط السكان في أوروبا وانخفاض
                    الأيدي العاملة المتاحة ساهما في تسريع بروز عصر الآلة
                    ٢٣)) إلا أنه من
                    الملاحظ أن هذا الاتجاه نحو التكنيك والآلة بقي خلال القرون الوسطى
                    قائما على التقليد والاستعارات من الحضارات الأخرى وبالأخص من
                    الحضارة العربية والحضارة الصينية (وان كان الكثير من الاستعارات من
                    هذه الأخيرة وصلت إلى أوروبا عن طريق العرب وبعد أن أجروا عليها
                    تحسينات في معظم الأحيان كصناعة الورق مثلا) أكثر مما كان قائما على
                    الإبداع وان كان البعض رأى »العبقرية الغربية في مجال التكيف والتجديد
                    والإرادة الغامضة لخلق حضارة تكنيكية
                    ٢٤))

                    ومهما يكن من أمر فقد أخذت العقلانية والواقعية تصبحان السمة
                    البارزة لعصر النهضة منذ بدايتها. فقد »برزت الفكرة الأساسية بأن كل
                    معرفة صلبة لا xكن فصلها عن العمل المنظم. وهكذا فإن المنهجية التجريبية
                    لم تظهر فقط كفن للسيطرة على الطبيعة وإ نما أيضا كفن لمعرفة قوانبن
                    الطبيعة أي لفتح العقل على حكمة الأشياء
                    ٢٥))

                    وإذا كان الراهب الفرنسيسكاني »روجر بيكن « تد أدرك منذ القرن
                    الثالث عشر »المستقبل الباهر الذي ينتظر المنهجية التجريبية في التفكير
                    العلمي فإن مجد الفلسفة التجريبية يرجع إلى شخص آخر يحمل نفس
                    الكنية (فرنسيس بيكن) والذي لاحظ أن الفلسفة التقليدية لم تبارح مكانها
                    منذ قرون في حبن أن الفنون التكنيكية تتقدم باضطراد
                    ٢٦)« ) لذلك نراه
                    منذ البداية يطالب بالاهتمام بما أسماه ب »الفنون الميكانيكية
                    Arts «

                    mecamique
                    والتي كانت محل احتقار كبير خلال القرون السابقة. وقد بدأ
                    تجسيد هذه الروح التجريبية في العلوم التي تجمع ببن التفكير النظري
                    والتطبيقات العملية-والتي كان العرب أول روادها قبل عدة قرون كما سبق
                    أن أشرنا إلى ذلك-أولا في إيطاليا على أيدي فنانبن وعلماء من أمثال
                    »فيلبو برونو لاشي « و »ليون البارتي « و بالأخص »ليوناردو دي فينتشي «
                    هذا الرجل العبقري والمتعدد المواهب الخلاقة.
                    وقد أدت المنهجية التجريبية التي بدأت تسود منذ أواخر القرن الخامس
                    عشر إلى الإسهام في بروز القرن السابع عشر ك »عصر الأنظمة العقلية
                    الكبيرة
                    ٢٧)Grands systemes rationels « ) القادرة على تمثيل قوانبن الكون
                    وحركته بنظام معادلات رياضية ساهم في التوصل إليها علماء عظام من
                    أمثال »غاليلايو « و »كابلر « و »ليبنيتز « و »ويغنز « وان كان »نيوتن « هو الذي
                    رفع هذه المساهمات إلى مستوى النظام ا لمتكامل أو النظرية العامة للكون.
                    وإذا كان علماء القرن السابع عشر العظام لم يهتموا بالتكنولوجيا في حد
                    ذاتها وبقوا على مستوى النظريات الكبرى فقد كانوا عمليين إلى أبعد
                    الحدود إذ أنهم اخترعوا بأنفسهم - أو تحت إشرافهم - معظم الأجهزة
                    والآلات والمعدات التي كانوا يحتاجونها في مختبراتهم لاختبار مدى صحة
                    نظرياتهم. ونجد أحسن الأمثلة في اختراع اﻟﻤﺠهر والنظارات وميزان الضغط
                    وميزان الحرارة والآلة الحاسبة والمضخة الهوائية وغيرها.
                    ( ٢٨ )

                    إلا أنه يجب أن يكون واضحا أن هذه الثروة العلمية الهائلة التي جسدها
                    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                    ولاتؤاخذني بما يقولون
                    واغفر لي مالا يعلمون

                    تعليق


                    • #11
                      رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                      النهضة الأوروبية لم تخرج من لا شيء وكأن القدرة الإلهية أنزلتها من
                      السماء. فقد كانت ظروف موضوعية وراء نهضة الغرب. وهذه الظروف
                      الموضوعية المواتية للنهضة الأوروبية - وبالأخص في مجال العلم والتكنولوجيا
                      - نجد بذورها المبعثرة هنا وهناك حتى في القرون الوسطى المظلمة وبالأخص
                      منذ الحروب الصليبية. فقد بدأ الاتجاه نحو تعظيم العقل عند الإنسان
                      وقدرته على الإبداع يفرض نفسه بشكل متزايد. وهكذا نجد الكاتب الديني
                      الألماني »هيوغ دوسان فكتور « يؤكد في حوالي منتصف القرن الثاني عشر
                      الميلادي بأن »أول من اخترع ألبسة للبشر لا بد أنه لاحظ أن مختلف
                      اﻟﻤﺨلوقات تملك كساء طبيعيا كل واحدة حسب الصنف الذي تنتمي إليه.
                      فالعصفور مغطى بالريش والسمك بالسفط (القشرة) والخروف بالصوف والحيوانات المفترسة بالوبر. وهناك سبب هام لكون الإنسان يأتي إلى
                      الكون عاريا. فبديهي أن تمنح الطبيعة الحماية لغير القادرين. أما الإنسان
                      فيملك القدرة على اكتشاف ما تمنحه الطبيعة للمخلوقات الأخرى وإن
                      عرى الإنسان يهدف إلى منحه الحافز ليخترع ما يحتاجه من حماية
                      ٢٢))

                      ومن الجهة الأخرى فإن الكوارث التي جلبتها العصور الوسطى على
                      الإنسان الأوروبي جعلته يتخلص تدريجيا من الكثير من الخرافات والأوهام
                      و يتجه أكثر فأكثر نحو العقلانية في معالجة مشاكله اليومية. فقد استطاعت
                      »الأزمات السياسية والدينية والنزوات وتفشي الأمراض أن تلحق أضرارا
                      كبيرة بسكان أوروبا في نهاية القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر.
                      لكن يبدو أنه كانت صدفة عجيبة فإن هبوط السكان في أوروبا وانخفاض
                      الأيدي العاملة المتاحة ساهما في تسريع بروز عصر الآلة
                      ٢٣)) إلا أنه من
                      الملاحظ أن هذا الاتجاه نحو التكنيك والآلة بقي خلال القرون الوسطى
                      قائما على التقليد والاستعارات من الحضارات الأخرى وبالأخص من
                      الحضارة العربية والحضارة الصينية (وان كان الكثير من الاستعارات من
                      هذه الأخيرة وصلت إلى أوروبا عن طريق العرب وبعد أن أجروا عليها
                      تحسينات في معظم الأحيان كصناعة الورق مثلا) أكثر مما كان قائما على
                      الإبداع وان كان البعض رأى »العبقرية الغربية في مجال التكيف والتجديد
                      والإرادة الغامضة لخلق حضارة تكنيكية
                      ٢٤))

                      ومهما يكن من أمر فقد أخذت العقلانية والواقعية تصبحان السمة
                      البارزة لعصر النهضة منذ بدايتها. فقد »برزت الفكرة الأساسية بأن كل
                      معرفة صلبة لا xكن فصلها عن العمل المنظم. وهكذا فإن المنهجية التجريبية
                      لم تظهر فقط كفن للسيطرة على الطبيعة وإ نما أيضا كفن لمعرفة قوانبن
                      الطبيعة أي لفتح العقل على حكمة الأشياء
                      ٢٥))

                      وإذا كان الراهب الفرنسيسكاني »روجر بيكن « تد أدرك منذ القرن
                      الثالث عشر »المستقبل الباهر الذي ينتظر المنهجية التجريبية في التفكير
                      العلمي فإن مجد الفلسفة التجريبية يرجع إلى شخص آخر يحمل نفس
                      الكنية (فرنسيس بيكن) والذي لاحظ أن الفلسفة التقليدية لم تبارح مكانها
                      منذ قرون في حبن أن الفنون التكنيكية تتقدم باضطراد
                      ٢٦)« ) لذلك نراه
                      منذ البداية يطالب بالاهتمام بما أسماه ب »الفنون الميكانيكية
                      Arts «

                      mecamique
                      والتي كانت محل احتقار كبير خلال القرون السابقة. وقد بدأ
                      تجسيد هذه الروح التجريبية في العلوم التي تجمع ببن التفكير النظري
                      والتطبيقات العملية-والتي كان العرب أول روادها قبل عدة قرون كما سبق
                      أن أشرنا إلى ذلك-أولا في إيطاليا على أيدي فنانبن وعلماء من أمثال
                      »فيلبو برونو لاشي « و »ليون البارتي « و بالأخص »ليوناردو دي فينتشي «
                      هذا الرجل العبقري والمتعدد المواهب الخلاقة.
                      وقد أدت المنهجية التجريبية التي بدأت تسود منذ أواخر القرن الخامس
                      عشر إلى الإسهام في بروز القرن السابع عشر ك »عصر الأنظمة العقلية
                      الكبيرة
                      ٢٧)Grands systemes rationels « ) القادرة على تمثيل قوانبن الكون
                      وحركته بنظام معادلات رياضية ساهم في التوصل إليها علماء عظام من
                      أمثال »غاليلايو « و »كابلر « و »ليبنيتز « و »ويغنز « وان كان »نيوتن « هو الذي
                      رفع هذه المساهمات إلى مستوى النظام ا لمتكامل أو النظرية العامة للكون.
                      وإذا كان علماء القرن السابع عشر العظام لم يهتموا بالتكنولوجيا في حد
                      ذاتها وبقوا على مستوى النظريات الكبرى فقد كانوا عمليين إلى أبعد
                      الحدود إذ أنهم اخترعوا بأنفسهم - أو تحت إشرافهم - معظم الأجهزة
                      والآلات والمعدات التي كانوا يحتاجونها في مختبراتهم لاختبار مدى صحة
                      نظرياتهم. ونجد أحسن الأمثلة في اختراع اﻟﻤﺠهر والنظارات وميزان الضغط
                      وميزان الحرارة والآلة الحاسبة والمضخة الهوائية وغيرها.
                      ( ٢٨ )

                      إلا أنه يجب أن يكون واضحا أن هذه الثروة العلمية الهائلة التي جسدها
                      اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                      ولاتؤاخذني بما يقولون
                      واغفر لي مالا يعلمون

                      تعليق


                      • #12
                        رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                        القرن السابع عشر لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لو لم يسبقها تفاعل
                        جدلي بين نظرة الناس للدين (ونظرة الدين للإنسان والحياة) وتطور بيئة
                        رأسمالية تجارية شملت في البداية بعض المدن الإيطالية وبلجيكا وهولندا.
                        فالقيود التي كانت تفرضها الكنيسة على أرباب هذه الرأسمالية التجارية
                        الناشئة أصبحت متصادمة مع الطموحات غير المحدودة للفئات المنضوية
                        تحت هذا النظام. فكان لا بد للإصلاح الديني أن يأتي ليزيل الكثير من
                        القيود من أمام هذه الفئات الصاعدة في السلم الاجتماعي بحيث أصبح
                        شعار الحركة البروتستانتية يتلخص ب »الوقت حقيقة: حافظ عليه ! العمل
                        حقيقة: مارسه ! النقود حقيقة: ادخرها ! الفضاء حقيقة: اكتشفه ! المادة
                        حقيقة: قسها
                        ٢٩)) وهكذا فقد سبق ثورة القرن السابع عشر العلمية تغيير
                        جذري في نظام القيم الذي يسير سلوك الناس في تفكيرهم وفي حياتهم
                        العملية. وقد جاه أهم تغيير في نظرة الناس للطبيعة بحيث أصبحت في
                        قوانينها قابلة للفهم حتى قبل أن يتوصل »نيوتن « وغيره من العلماء إلى
                        إرساء دعائم هذه القوانبن.
                        وإذا كان تطور التجارة الداخلية والخارجية قد ساهم في تحريك عملية
                        الإصلاح الديني وهذه الأخيرة أعطت دعما للأولى عن طريق كسر الكثير
                        من القيود التي كانت تحد من حركتها وتوسعها فإن تفاعل الاثين معا فتح
                        الباب على مصراعيه أمام ثورة العلم الأولى في القرن السابع عشر. كما أن
                        هذه الثورة بدورها وتراكم الأرباح الهائلة التي حققتها الرأسمالية التجارية
                        من نشاطاتها في الداخل والخارج عملا معا على تمهيد الطريق أمام نظام
                        اقتصادي واجتماعي جديد هو نظام الرأسمالية الصناعية
                        lndustrial
                        capitalism
                        الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر-وبالأخص منذ النصف الثاني
                        منه-يقرن العلم بالتكنولوجيا ليجعل كلا منهما في خدمة الآخروكليهما
                        في خدمة تعظيم أرباح الفئات الرأسمالية وزيادة نفوذها وسلطانها.
                        ومنذ البداية اكتشف الرأسماليون أن الآلة هي حليفهم الطبيعي في
                        تعظيم أرباحهم وانه ليس من الصعب كسب العلماء وجمعياتهم إلى هذه
                        المهمة إذا توفر لهؤلاء الحد الأدنى من الحوافز. وهكذا أخذت الجمعيات
                        العلمية التي برزت في بريطانيا وفرنسا في النصف الثاني من القرن الثامن
                        عشر »تنشر عقيدة العمل والإيمان العميق بالعلوم الميكانيكية وبأن خلاص
                        البشر يكمن في الاعتماد على الآلة. وبدون هذا الحماس التبشيري الذي
                        كان يملكه رجال الأعمال والصناعيون والمهندسون وحتى الميكانيكيون غير
                        المعلمين ابتداء من القرن الثامن عشر فإنه من المستحيل تفسير الوتيرة
                        السريعة جدا للتحسينات الميكانيكية التي تتابعت. وكل ذلك لأن هؤلاء
                        جميعا كانوا مقتنين بأن الجنة الذهبية التي تمثلها النجاح المالي كانت في
                        انتظارهم
                        ٣٠)) وفي هذا السياق فقد برزت الآلة وكأنها إله يريد خلق سماء
                        وأرض جديدتين أو على الأقل بمثابة موسى جديد يريد أن يقود الإنسانية
                        المتوحشة إلى أرض الميعاد.
                        ( ٣١ )

                        وفي حبن أن تطور التكنولوجيا كان حتى منتصف القرن الثامن عشر
                        راجعا آ إلى اكتشافات الحرفيين والفنيبن والعمال المهرة-بل في بعض الأحيان
                        إلى عمال وأفراد عاديين ساعدتهم الصدفة أو ذكاؤهم الفطري - أكثر
                        بكثير .ا كان راجعا إلى تقدم العلم فقد أخذ الوضع ينقلب بعد ظهور
                        الثورة الصناعية ولو بشكل تدريجي وبطيء بحيث إن العمال الأميين
                        أخذوا يواجهون صعوبات متزايدة في متابعة التطورات استكنولوجية المتعلقة
                        بمهنهم. وقد أعطى »بلاك « و »لافوازيه » « مثالين مبكرين لعلماء استطاعوا
                        أن يبينوا القاعدة النظرية لاختراعات التوصل إليها بطرق تجريبية.
                        ومع »دافي « و »فراداي « أخذ الرقاص يميل ببطء كبير في الاتجاه الآخر
                        نحو استباق التقدم العلمي للتطورات التكنولوجية. إلا أننا إذا أردنا أن
                        نثبت اللحظة التاريخية التي أصبحت فيها التكنولوجيا تابعة للتطورات
                        العلمية فسنجد الجواب لا يزال غامضا.. بل انه يختلف جدا من صناعة
                        إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.
                        ( ٣٢ )( ٣٣ ) على كل حال كل ما نستطيع أن نؤكده
                        هو أنه »ابتداء من القرن التاسع عشر فإن العلم والتكنيك أصبحا غير
                        قابلين للفصل وإ نما يتفاعلان الواحد مع الآخر في الاتجاهي
                        ٣٤))

                        ثم أتت »ثورة العلم والتكنولوجيا « منذ نهاية الحرب العا لمية الثانية ليس
                        فقط لتربط التكنولوجيا بالعلم على أوثق ما يكون وإ نما لتحدث تغييرات
                        جذرية في البيئة الطبيعية والاجتماعية تغييرات لم يعرفها اﻟﻤﺠتمع البشري
                        منذ نشأته والتي أدت إلى اهتزاز الأسس التي كانت تتشكل عليها ثروات
                        الأ .مم ودور الفرد في اﻟﻤﺠتمع كما بدأت تختل القوانين الطبيعية للبيئة.
                        ومن الواضح أننا نلمح هنا إلى التطورات في مجال الطاقة وفي مجال
                        23
                        اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                        ولاتؤاخذني بما يقولون
                        واغفر لي مالا يعلمون

                        تعليق


                        • #13
                          رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا


                          القرن السابع عشر لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لو لم يسبقها تفاعل
                          جدلي بين نظرة الناس للدين (ونظرة الدين للإنسان والحياة) وتطور بيئة
                          رأسمالية تجارية شملت في البداية بعض المدن الإيطالية وبلجيكا وهولندا.
                          فالقيود التي كانت تفرضها الكنيسة على أرباب هذه الرأسمالية التجارية
                          الناشئة أصبحت متصادمة مع الطموحات غير المحدودة للفئات المنضوية
                          تحت هذا النظام. فكان لا بد للإصلاح الديني أن يأتي ليزيل الكثير من
                          القيود من أمام هذه الفئات الصاعدة في السلم الاجتماعي بحيث أصبح
                          شعار الحركة البروتستانتية يتلخص ب »الوقت حقيقة: حافظ عليه ! العمل
                          حقيقة: مارسه ! النقود حقيقة: ادخرها ! الفضاء حقيقة: اكتشفه ! المادة
                          حقيقة: قسها
                          ٢٩)) وهكذا فقد سبق ثورة القرن السابع عشر العلمية تغيير
                          جذري في نظام القيم الذي يسير سلوك الناس في تفكيرهم وفي حياتهم
                          العملية. وقد جاه أهم تغيير في نظرة الناس للطبيعة بحيث أصبحت في
                          قوانينها قابلة للفهم حتى قبل أن يتوصل »نيوتن « وغيره من العلماء إلى
                          إرساء دعائم هذه القوانبن.
                          وإذا كان تطور التجارة الداخلية والخارجية قد ساهم في تحريك عملية
                          الإصلاح الديني وهذه الأخيرة أعطت دعما للأولى عن طريق كسر الكثير
                          من القيود التي كانت تحد من حركتها وتوسعها فإن تفاعل الاثين معا فتح
                          الباب على مصراعيه أمام ثورة العلم الأولى في القرن السابع عشر. كما أن
                          هذه الثورة بدورها وتراكم الأرباح الهائلة التي حققتها الرأسمالية التجارية
                          من نشاطاتها في الداخل والخارج عملا معا على تمهيد الطريق أمام نظام
                          اقتصادي واجتماعي جديد هو نظام الرأسمالية الصناعية
                          lndustrial
                          capitalism
                          الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر-وبالأخص منذ النصف الثاني
                          منه-يقرن العلم بالتكنولوجيا ليجعل كلا منهما في خدمة الآخروكليهما
                          في خدمة تعظيم أرباح الفئات الرأسمالية وزيادة نفوذها وسلطانها.
                          ومنذ البداية اكتشف الرأسماليون أن الآلة هي حليفهم الطبيعي في
                          تعظيم أرباحهم وانه ليس من الصعب كسب العلماء وجمعياتهم إلى هذه
                          المهمة إذا توفر لهؤلاء الحد الأدنى من الحوافز. وهكذا أخذت الجمعيات
                          العلمية التي برزت في بريطانيا وفرنسا في النصف الثاني من القرن الثامن
                          عشر »تنشر عقيدة العمل والإيمان العميق بالعلوم الميكانيكية وبأن خلاص
                          البشر يكمن في الاعتماد على الآلة. وبدون هذا الحماس التبشيري الذي
                          كان يملكه رجال الأعمال والصناعيون والمهندسون وحتى الميكانيكيون غير
                          المعلمين ابتداء من القرن الثامن عشر فإنه من المستحيل تفسير الوتيرة
                          السريعة جدا للتحسينات الميكانيكية التي تتابعت. وكل ذلك لأن هؤلاء
                          جميعا كانوا مقتنين بأن الجنة الذهبية التي تمثلها النجاح المالي كانت في
                          انتظارهم
                          ٣٠)) وفي هذا السياق فقد برزت الآلة وكأنها إله يريد خلق سماء
                          وأرض جديدتين أو على الأقل بمثابة موسى جديد يريد أن يقود الإنسانية
                          المتوحشة إلى أرض الميعاد.
                          ( ٣١ )

                          وفي حبن أن تطور التكنولوجيا كان حتى منتصف القرن الثامن عشر
                          راجعا آ إلى اكتشافات الحرفيين والفنيبن والعمال المهرة-بل في بعض الأحيان
                          إلى عمال وأفراد عاديين ساعدتهم الصدفة أو ذكاؤهم الفطري - أكثر
                          بكثير .ا كان راجعا إلى تقدم العلم فقد أخذ الوضع ينقلب بعد ظهور
                          الثورة الصناعية ولو بشكل تدريجي وبطيء بحيث إن العمال الأميين
                          أخذوا يواجهون صعوبات متزايدة في متابعة التطورات استكنولوجية المتعلقة
                          بمهنهم. وقد أعطى »بلاك « و »لافوازيه » « مثالين مبكرين لعلماء استطاعوا
                          أن يبينوا القاعدة النظرية لاختراعات التوصل إليها بطرق تجريبية.
                          ومع »دافي « و »فراداي « أخذ الرقاص يميل ببطء كبير في الاتجاه الآخر
                          نحو استباق التقدم العلمي للتطورات التكنولوجية. إلا أننا إذا أردنا أن
                          نثبت اللحظة التاريخية التي أصبحت فيها التكنولوجيا تابعة للتطورات
                          العلمية فسنجد الجواب لا يزال غامضا.. بل انه يختلف جدا من صناعة
                          إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.
                          ( ٣٢ )( ٣٣ ) على كل حال كل ما نستطيع أن نؤكده
                          هو أنه »ابتداء من القرن التاسع عشر فإن العلم والتكنيك أصبحا غير
                          قابلين للفصل وإ نما يتفاعلان الواحد مع الآخر في الاتجاهي
                          ٣٤))

                          ثم أتت »ثورة العلم والتكنولوجيا « منذ نهاية الحرب العا لمية الثانية ليس
                          فقط لتربط التكنولوجيا بالعلم على أوثق ما يكون وإ نما لتحدث تغييرات
                          جذرية في البيئة الطبيعية والاجتماعية تغييرات لم يعرفها اﻟﻤﺠتمع البشري
                          منذ نشأته والتي أدت إلى اهتزاز الأسس التي كانت تتشكل عليها ثروات
                          الأ .مم ودور الفرد في اﻟﻤﺠتمع كما بدأت تختل القوانين الطبيعية للبيئة.
                          ومن الواضح أننا نلمح هنا إلى التطورات في مجال الطاقة وفي مجال
                          23
                          اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                          ولاتؤاخذني بما يقولون
                          واغفر لي مالا يعلمون

                          تعليق


                          • #14
                            رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

                            »الثورة الخضراء « والى »الثورة البيولوجية « التي أدت إلى التلاعب بأنواع
                            وسلالات الحبوب والحيوانات والبشر. كما نلمح إلى »ثورة المعلومات « التي
                            جسدها اختراع الحاسب الإلكتروني.
                            وفي مثل هذا الجو المشحون بالتطورات السريعة والثورات العلمية
                            والتكنولوجية تحاول الدول النامية أن تجد طريقها للتنمية الاقتصادية
                            والاجتماعية وتتعثر في لحاقها بقطار العلم والتكنولوجيا الذي يسير بسرعة
                            جنونية.
                            العلوم والتكنولوجيا
                            وعملية الاكتشاف والاختراع
                            ا-العلم والتكنولوجيا: ما يجمعهما ومايفرقهما
                            نظرا للمطاطية الكبيرة التي اكتسبها مفهوم
                            التكنولوجيا في عصرنا هذا - كما سبق أن ألمحنا
                            إلى ذلك-فقد أصبح من الصعب جدا - إن لم يكن
                            من الم;ستحيل - التوصل إلى تعريف موحد
                            للتكنولوجيا يقبل به جميع لم; مهتمين بالموضوع أو
                            حتى أكثريتهم.
                            وأول مشكلة تواجه محاولة التعريف تتعلق
                            بالجوانب اللغوية والتاريخية التي ارتبطت بلفظ
                            »تكنولوجيا « على مر السين. ففي اللغة الفرنسية-
                            حيث الوضوح أكبر في هذا اﻟﻤﺠال - نجد جنبا إلى
                            جنب لفظ »تكنيك
                            Technique ولفظ »تكنولوجيا «

                            TechnoIogie
                            . فالأول لفظ قد. والثاني حديث
                            نسبيا. التكنيك هو الأسلوب (أو الطريقة) الذي
                            (التي) يستخدمه (ها) الإنسان في إنجاز عمل أو
                            عملية ما.
                            أما التكنولوجيا -بمعناها الأصلي - فهي »علم
                            الفنون وا لمهن
                            La science des arts et Metiers ودراسة
                            خصائص ا ;ادة التي تصنع منها الآلات وا ;عدات. فقد ظهر استخدام لفظ
                            »التكنولوجيا « في العصور الحديثة - وبالأخص بعد ظهور الثورة الصناعية
                            - عندما بدأت الآلة تأخذ أهميتها ا ;تصاعدة ومكانتها البارزة في مجال
                            الإنتاج الصناعي.
                            والمراجع الإنكليزية نفسها كانت حتى العشرينات والثلاثينات من هذا
                            القرن تفرق ين التكنيك والتكنولوجيا وتعطيهما المعاني نفسها التي أوردناها
                            قبل قليل.
                            ( ١)

                            إلا أنه من الملاحظ أن مفهوم
                            التكنولوجيا أخذ في العقود القليلة الأخيرة
                            بمتص تدريجيا مفهوم »التكنيك« وأصبح يبتعد أكثر فأكثر عن معناه الأصلي.
                            ومن الواضح أن مفهوم التكنولوجيا-كما يستخدم في يومنا هذا-على الرغم
                            من المطاطية والشمولية اللتين اكتسبهما - ور بما بسبب ذلك - أصبح غير
                            قادر على تلبية الدقة الكافية التي يرغب فيها الكثير من العلماء عندما
                            يتكلمون عن جانب معين من النشاط الاقتصادي وبالأخص الجانب الإنتاجي
                            منه. وهكذا عندما يصفون ويحللون طريقة جديدة في إنتاج الفولاذ pمثلا
                            نجدهم يستبدلون بلفظ »التكنولوجيا « ألفاظا أخرى مثل »أسلوب « أو »نسق «
                            جديد p
                            New Process أو حتى يرجعون إلى استخدام لفظ »تكنيك « جديد

                            NewTechnique
                            . وإذا كان من الصعب في يومنا هذا ذكراي من كلمتي العلم
                            والتكنولوجيا دون أن نقرنها بالأخرى فان هذا الالتصاق لم يظهر ألا منذ
                            فترة حديثة نسبيا بعد أن ظهر وتطور كل منهما خلال قرون طويلة في
                            عالم خاص به مع أقل حد من التفاعلات المباشرة بينهما.
                            وأول محاولة للتفرقة يسن العلم والتكنولوجيا تقودنا إلى القول بأن العلم
                            هومعرفة ال لماذا« ا p
                            Know-why في حين أن التكنولوجيا هي معرفة »الكيف «

                            ٢)
                            Know-how ).العلم يأتي بالنظريات والقواينن العامة والتكنولوجيا تحولها
                            إلى أساليب وتطبيقات خاصة في مختلف النشاطات الاقتصادية
                            والاجتماعية. العلم يقوم عل البحوثالمبتكرة أما التكنولوجيا فتحول
                            خلاصتها إلى ابتكارات عملية في ميادين الحياة اﻟﻤﺨتلفة. وبهذا المعنى إذا
                            كانت العلوم الفضائية مثلا قد توصلت إلى نظريات محددة عن طبيعة
                            القمر وتنبأت بإمكانية إنزال الإنسان على سطحه فإن التكنولوجيا الفضائية
                            قد استطاعت أن تصل إليه وتحصل على عينة من تربته وتعيدها إلىالأرض

                            27
                            اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                            ولاتؤاخذني بما يقولون
                            واغفر لي مالا يعلمون

                            تعليق


                            • #15
                              رد: العرب أمام تحديات التكنولوجيا

                              »الثورة الخضراء « والى »الثورة البيولوجية « التي أدت إلى التلاعب بأنواع
                              وسلالات الحبوب والحيوانات والبشر. كما نلمح إلى »ثورة المعلومات « التي
                              جسدها اختراع الحاسب الإلكتروني.
                              وفي مثل هذا الجو المشحون بالتطورات السريعة والثورات العلمية
                              والتكنولوجية تحاول الدول النامية أن تجد طريقها للتنمية الاقتصادية
                              والاجتماعية وتتعثر في لحاقها بقطار العلم والتكنولوجيا الذي يسير بسرعة
                              جنونية.
                              العلوم والتكنولوجيا
                              وعملية الاكتشاف والاختراع
                              ا-العلم والتكنولوجيا: ما يجمعهما ومايفرقهما
                              نظرا للمطاطية الكبيرة التي اكتسبها مفهوم
                              التكنولوجيا في عصرنا هذا - كما سبق أن ألمحنا
                              إلى ذلك-فقد أصبح من الصعب جدا - إن لم يكن
                              من الم;ستحيل - التوصل إلى تعريف موحد
                              للتكنولوجيا يقبل به جميع لم; مهتمين بالموضوع أو
                              حتى أكثريتهم.
                              وأول مشكلة تواجه محاولة التعريف تتعلق
                              بالجوانب اللغوية والتاريخية التي ارتبطت بلفظ
                              »تكنولوجيا « على مر السين. ففي اللغة الفرنسية-
                              حيث الوضوح أكبر في هذا اﻟﻤﺠال - نجد جنبا إلى
                              جنب لفظ »تكنيك
                              Technique ولفظ »تكنولوجيا «

                              TechnoIogie
                              . فالأول لفظ قد. والثاني حديث
                              نسبيا. التكنيك هو الأسلوب (أو الطريقة) الذي
                              (التي) يستخدمه (ها) الإنسان في إنجاز عمل أو
                              عملية ما.
                              أما التكنولوجيا -بمعناها الأصلي - فهي »علم
                              الفنون وا لمهن
                              La science des arts et Metiers ودراسة
                              خصائص ا ;ادة التي تصنع منها الآلات وا ;عدات. فقد ظهر استخدام لفظ
                              »التكنولوجيا « في العصور الحديثة - وبالأخص بعد ظهور الثورة الصناعية
                              - عندما بدأت الآلة تأخذ أهميتها ا ;تصاعدة ومكانتها البارزة في مجال
                              الإنتاج الصناعي.
                              والمراجع الإنكليزية نفسها كانت حتى العشرينات والثلاثينات من هذا
                              القرن تفرق ين التكنيك والتكنولوجيا وتعطيهما المعاني نفسها التي أوردناها
                              قبل قليل.
                              ( ١)

                              إلا أنه من الملاحظ أن مفهوم
                              التكنولوجيا أخذ في العقود القليلة الأخيرة
                              بمتص تدريجيا مفهوم »التكنيك« وأصبح يبتعد أكثر فأكثر عن معناه الأصلي.
                              ومن الواضح أن مفهوم التكنولوجيا-كما يستخدم في يومنا هذا-على الرغم
                              من المطاطية والشمولية اللتين اكتسبهما - ور بما بسبب ذلك - أصبح غير
                              قادر على تلبية الدقة الكافية التي يرغب فيها الكثير من العلماء عندما
                              يتكلمون عن جانب معين من النشاط الاقتصادي وبالأخص الجانب الإنتاجي
                              منه. وهكذا عندما يصفون ويحللون طريقة جديدة في إنتاج الفولاذ pمثلا
                              نجدهم يستبدلون بلفظ »التكنولوجيا « ألفاظا أخرى مثل »أسلوب « أو »نسق «
                              جديد p
                              New Process أو حتى يرجعون إلى استخدام لفظ »تكنيك « جديد

                              NewTechnique
                              . وإذا كان من الصعب في يومنا هذا ذكراي من كلمتي العلم
                              والتكنولوجيا دون أن نقرنها بالأخرى فان هذا الالتصاق لم يظهر ألا منذ
                              فترة حديثة نسبيا بعد أن ظهر وتطور كل منهما خلال قرون طويلة في
                              عالم خاص به مع أقل حد من التفاعلات المباشرة بينهما.
                              وأول محاولة للتفرقة يسن العلم والتكنولوجيا تقودنا إلى القول بأن العلم
                              هومعرفة ال لماذا« ا p
                              Know-why في حين أن التكنولوجيا هي معرفة »الكيف «

                              ٢)
                              Know-how ).العلم يأتي بالنظريات والقواينن العامة والتكنولوجيا تحولها
                              إلى أساليب وتطبيقات خاصة في مختلف النشاطات الاقتصادية
                              والاجتماعية. العلم يقوم عل البحوثالمبتكرة أما التكنولوجيا فتحول
                              خلاصتها إلى ابتكارات عملية في ميادين الحياة اﻟﻤﺨتلفة. وبهذا المعنى إذا
                              كانت العلوم الفضائية مثلا قد توصلت إلى نظريات محددة عن طبيعة
                              القمر وتنبأت بإمكانية إنزال الإنسان على سطحه فإن التكنولوجيا الفضائية
                              قد استطاعت أن تصل إليه وتحصل على عينة من تربته وتعيدها إلىالأرض

                              27
                              اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
                              ولاتؤاخذني بما يقولون
                              واغفر لي مالا يعلمون

                              تعليق

                              يعمل...
                              X