إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دراسة نقدية لمسرح محمود كحيلة بقلم/صادق ابراهيم صادق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دراسة نقدية لمسرح محمود كحيلة بقلم/صادق ابراهيم صادق

    دراسة نقدية لمسرح محمود كحيلة بقلم/صادق ابراهيم صادق
    ________________________________________
    سابقة هى الأولى من نوعها فى مصر ، يقيم قسم اللغة العربية وادابها بجامعة الزقازيق محافظة الشرقية المؤتمر الأول لقسم اللغة العربية تحت شعار الواقع الأدبى فى الشرقية برئاسة الأستاذ الدكتور /مدحت الجيار رئيس قسم اللغة العربية ويشمل المؤتمر عدة محاور هى :-
    1- الواقع الأدبى بالشرقية ( رؤية محايدة ) .
    2-السرد الأدبى بين القديم والحديث .
    3-شعر العامية والفصحى والشعر الشعبى .
    4-النقد الأدبى والمسرحى .
    5-رؤية مستقبلية للواقع الأدبى فى الشرقية .
    6-المسرح فى الشرقية .، وهو المحور الذى يعتنى هذه الدورة ببحث الكتابات المسرحية للكاتب محمود محمد كحيلة من خلال البحث التالى :-التركيبة الإبداعية
    فى نصوص كحيلة ( قراءة نقدية لنص كليوباترا
    الأخرى ـ سعيد فى زمن العبيد ـ بائع الحكمة )
    دراسة / صادق إبراهيم صادق
    مقدمة :-

    التغيير المتواصل فى الحياة سمة من سمات البقاء والتواصل والديمومة وهذا التواصل يكمن بوجود علاقة جدلية بين القديم والجديد يبلورها العمل الأدبى بقسط كبير من إثارة الوعى والإدراك ويساهم فى تغيير المفاهيم الآيلة للسقوط فيعمل على محاولة تغييرها من أجل تطوير المجتمع .
    لذا نجد أن الكاتب المبدع إذا أسهم فى الركائز الأساسية الكفيلة بإعطائه سمة نص إبداعى نجده يعمل على ترجمة واقع الحياة مخاطباً كل فئات المجتمع بمستوياته الفكرية والثقافية والعمرية واضعاً نصب عينيه الإسهام فى تغيير هذا الفرد نحو الأفضل هذا الفرد الذى هو جزء من المجتمع حيث لا يرقى المجتمع إلا بإرتقاء الفرد فيه هذا الإرتقاء هو مسئولية الكاتب المبدع بالدرجة الأولى بإستخدام كلمته ، ويقول ( إميشال فوكو ) الكتابة هى دفاع الموت فشهرزاد عندما تقول " كان يا ما كان " تحكى لكى لا تموت .
    وكل كاتب يكتب فهو يفعل من أجل ألا يموت أيضاً ، لذا فالكتابة هى حاجة ..
    للكاتب نفسه كى يستطيع أن يفرغ ما بداخله من شحنات مليئة بالحس الذى يود التعبير عنه إن كان ذلك على شكل رواية أو قصة أو مسرحية ، لذا يجب أن تكون هذه الكلمة منتقاه تعبر عن مشاعر وهموم الآخرين وتلامس أحسيسهم وإنطباعاتهم ورؤاهم وتترجم المراحل والمتغيرات التى تمر بها المجتمعات لتعمل على توعية المتلقى ووضعه فى دائرة المعرفة فيما يدور حوله ولما يعتمل فى نفسه ، ومن هنا جاء تنوع التجربة بين كاتب وآخر أو أديب وآخر فى مقدرته على الوصول إلى أعماق النفس الإنسانية وما يعتلج بداخلها وما حولها محاولاً إختراقها دون إذن والتفاعل معها إلى أقصى الحدود .
    لماذا هذه المقدمة ؟
    هذه المقدمة ضرورية حتى نستطيع أن ندخل إلى عالم محمود كحيلة من خلال عدة نصوص مسرحية يجمعها فكر واحد يعتمد علىاللجوء إلى التراث سواء فى نص كليوباترا الأخرى أو سعيد فى زمن العبيد وكذلك بائع الحكمة .
    التعامل مع التراث مع مراعاة التطور الثقافى والحضارى للبشرية ونزول الديانات السماوية وتسجيل تاريخ الشعوب وتطور المسرح ذاته أصبح له قوانينه وشراحه ومنظرية ومع إنفصاله عن الدين والعقيدة لم يستطع المبدع الدرامى أن يصرف النظر عن المصادر التراثية المتنوعة لتقديم أعمال مسرحية جديدة فوظف الأشكال التراثية مباشرة من خلال الرجوع إلى المصادر التراثية ذاتها أو بشكل غير مباشر بالرجوع إلى أعمال دراسية خاصة أبدعها الكلاسيكيون .
    وشهدت الحياة المسرحية فى مصر والوطن العربى أعمالاً هامة وعديدة إعتمدت على توظيف التراث بعناصره وإن إختلف الهدف من التوظيف فى كل منها إعتماداً على ثقافة المبدع من جهه وإمكاناته الفنية من جهه أخرى ولمواكبة التيار المسرحى آن ذاك من جهه ثالثة الأمر الذى قد يعطى ملمحاً لتطور فن المسرح ذاته فى مصر والعالم العربى فى تعامله مع التراث من خلال: ـ
    1ـ مدى الإقتراب أو البعد عن العناصر التراثية الأصلية فى النص المسرحى .
    2ـ مدى إرتباط النص المسرحى المعد عن مادة تراثية بالسياق والمناخ المسرحى والتقاليد المسرحية السائدة فترة إبداعه .
    3ـ مدى إلتزام الكاتب بالقضايا المعاصرة التى قد تدفعه إلى توظيف التراث .
    و سنحاول هنا التعرف على أساليب التوظيف فى محاور ثلاثة:
    الأول : المحاكاه التامة والملتزمة بما جاءت به الأشكال التراثية ولا يخرج دور الفنان هنا عن إعادة صياغتها بما يتلاءم مع قواعد هذا الفن الجديد كعامل جذب للجماهير وإشباع رغباته الفنية وإظهار قدراته .
    الثانى : الإختيار غير الملتزم بالموضوع التراثى وعناصره ومحاولة صياغتها فى شكل درامى يناقض فى كثير من الأحيان الموضوع التراثى فى محاولة من الكاتب طرح تفسير جديد يعبر عن وجهه نظره والتى قد تكون مخالفة لما يجرى عليه العرف بل تكون عبارة عن محاولة من الكاتب المزاوجة بين مدى تراثية ورؤيا لواقع معاصر .
    الثالث : وهو محور الإستلهام هنا إعادة صياغة الموضوع التراثى وجوهره وذلك بقصد طرح رؤية معاصرة لذلك الموضوع يفسر من خلالها الواقع المعاصر لزمن إعادة الإبداع أو الصياغة من منظور ( إجتماعى ـ سياسى ـ أو ثقافى ) وذلك من خلال إعادة النظر فى العناصر البنائية للموضوع التراثى وعلاقتها بعضها بالبعض وفى علاقتها مع الواقع وتفسيره مع رؤية الفنان المبدع .
    وقد إلتزم المؤلف المبدع محمود كحيلة بهذا المحور فى تعامله مع النص المسرحى " كليوباترا الأخرى" وأيضاً فى النص المسرحى سعيد فى زمن العبيد مع إختلاف جذرى بين النصين فى التعامل مع التراث وأسلوب ثالث فىالتعامل مع بائع الحكمة.
    تعامل المؤلف مع شخصية كليوباترا التاريخية بحذر شديد وحاول الدخول إلى عالمها المتشابك ليفك خيوط هذا التشابك ولكنه كان على دراية بطبيعة هذا النسيج المتشابك وإختار فقط منحنى واحد ألا وهو علاقة كليوباترا بأنطونيو وحبها له وإبتعد عن التاريخ الحقيقى لكليوباترا وأنطونيو و ركز فقط على اللعبة المسرحية التى أراد أن يوصلها لنا من خلال المسرح داخل المسرح كما فعل برانديللو فى ست شخصيات تبحث عن مؤلف حيث مزج بين الواقع والخيال ولأن المؤلف يعيش عصره ويعكس قضايا مجتمعه ،ويرهف حسه لنبض إيقاع الحياه من حوله فقد إختار قضية الحب فى صورها المتعددة فى الماضى ( التاريخ ) كليوباترا وأنطونيو الحاضر ( الحالى )، سمير ( المخرج ) ونبيلة ( بطلة فيلم كليوباترا ) فإختلطت الشخصيات بعضها البعض فأصبحت كليوباترا هى سميرة وأصبحت سميرة هى كليوباترا كما يدل الحوار ص 58 من النص .
    سمير : أستوب .
    كليوباترا : إيه رأيك ؟ .
    سمير : ممتازة .
    كليوباترا : شكراً .
    سمير : ( لنبيلة ) عاوزك لو سمحتى .
    كليوباترا : نعم يا أستاذ .
    سمير : إكتشفت إن أنا وإنت بالظبط زى أنطونيو وكليوباترا .
    ويستمر هذا الحوار ليتابع المؤلف الخيوط المتشابكة لشخصية سمير المخرج كأنه أنطونيو ونبيلة كأنها كليوباترا وعلاقة سمير بأخت المنتج وبهذا يتداخل الواقع مع الخيال ولا نستطيع أن نفرق بين أنطونيو وكليوباترا فى الفيلم السينمائى و بين الشخصين الأصليين اللذان يقومان بالتمثيل ،حيث إستعان الكاتب أيضاً ببعض الشخصيات الحقيقية .
    أما هذا المنطق الذى كان يقصده بالحوار ببعض الشخصيات فبدلاً من أن تتحدث نبيلة تحدثت كليوباترا شخصية نبيلة التى أرادها المؤلف فى ص 43 من النص
    كاسيوس : وماذا أقول لسيدى .
    كليوباترا : أخبره أن كليوباترا ملكة مصر ستفكر فى الأمر .
    سمير : أستوب .. جهزوا المشهد 167( ينادى)عصمت( يختفى).
    شاكر يقترب من كليوباترا ) أستاذة نبيلة .
    كليوباترا : أفندم .
    شاكر : الأستاذ كمال بيه عزيز .
    كليوباترا : المنتج .
    شاكر : أيوه باعت لحضرتك المظروف ده .
    وهكذا توحدت الشخصيتين إلى شخصية واحدة ، وكانت هذه التركيبة الإبداعية فى نص كليوباترا الأخرى التوحد بين الشخصيات لخلق الدراما أى الفعل كما عرفها أرسطو بأنها محاكاه لفعل جاد مهم كامل .
    إذن فالدراما حاجة خصوصاً فى مرحلة أصبح القارئ فيها غير قارئ وفى عصر أصبحت به المتغيرات السياسية والفكرية والنفسية تتقاذفنا فى شتى الإتجاهات بدلاً من أن نضيف أسلوباً آخر فى التوعية .. أسلوباً علاجياً فكريأ تربوياً وتثقيفياً إرشادياً كما فعل مؤلفنا الشاب ص 51 من النص المنشور .
    ( لازالت الإستراحة مستمرة . كليوباترا وإستراتوس ينتهيان من تناول الطعام )
    كليوباترا : آخر ما كنت أتوقع أن المنتج يطلبنى للجواز .
    ستراتوس : بسرعة كده يشوفك ويعجب بيكى ويطلبك للجواز .
    كليوباترا : أفهم من كده إنك مش متفائل , من العرض .
    ستراتوس : بصراحه الوضع كده مش طبيعى يا بنتى .
    هذا التداخل يدخل فى مهام الدراما ومهام المبدع الدرامى فهى مسئولية فى مرحلة التطور السريع والإكتشافات والتغيير فإذا لجأنا لإستخدام الكلمة عن طريق الدراما فى العمل الفنى فهذا يعنى إقامة علاقات متوترة بين حاضر وغائب .. بين ماضى وحاضر .. بين فعل وقيمة، بين الواقع والخيال وبين النسبى والمطلق ثم بين المبدع والمتلقى بحيث يحمل النص صفة الإقناع لا صفة الإلتزام وذلك من خلال نشاط حيوى يقوم على الجدل بين عالم الواقع وعالم الخيال أى يعتمد على الجدل لا المحاكاه .
    وهذا ما فعله كحيلة من خلال تركيباته الإبداعية وإنتقائه للكلمة بمدلولاتها المؤثرة فى الفكرة التى يود طرحها لتعمل من خلال سياق النص الإبداعى على عملية التأثر والتأثير .
    ولكن فى غمرة إندفاع الكاتب بقضيته الدرامية ظهر بعض الحشو الزائد والتفاصيل غير الضرورية التى أثقلت كاهل النص وعملت على التشتت وكان لا بد من التركيز والتكثيف حيث يجعل نصه متعة يشارك فيها المتلقى فى تعمير معانى النص والتعمق فى دلالاته .
    ولأن المسرح غالباً ما يهتم ببؤرة أساسية فعلى المؤلف أن يتعمق فيها دون الإستطراد لملاحقة رغبات لا تخدم النص المسرحى ففى ص 23 من النص المنشور هذا الحوار الذى لا يخدم النص المسرحى فى أى شئ بل يعمل على تشتيت القارئ أو تشتيت المتلقى ( المتفرج ) .
    حور محب : ( يدخل أمام إيرنى ) .. أهيه .. أهيه .
    إيرنى : إنت هنا وأنا بأدور عليكى .
    كليوباترا : خير مالك فيه إيه ؟ .
    إيرنى : المجاميع يا ختى والكومبارس .. ملهمش شغلانه غير سيرتك .
    كله بيقول إنك موهوبه وجميله ومش محتاجه إنك تحبى المخرج
    كليوباترا : ( بضيق ) قلة أدب .
    ستراتوس : إستغفر الله من كل ذنب .
    كليوباترا : إيه إللى عرفهم إن فيه حاجه من دى أساساً ؟ .
    ويستمر الحوار أكثر من صفحه يدور حول كلام الناس عن حب نبيلة والمخرج ولو حذف هذا الحوار يكون التكثيف الدرامى مطلوباً للدخول فى الحدث الدرامى مباشرة


    خصوصية اللغة فى كليوباترا الأخرى

    إن لغة المسرح مهمة للغاية لأنها تعمل على مخاطبة الذوق الفنى للسامع أو القارئ بقصد إستنباط المشاركة الوجدانية لأى منهما وفى سبيل الوصول إلى هذه الغاية لابد للأديب أن يجند كل قدراته اللغوية فى جميع النواحى بدءاً من الأصوات وإنتهاءاً بالجمل وربما صح فى هذه المناسبة أن نشير إلى إختيار الكلمات المناسبة ذوات الجرس والتأثير الموسيقى التى تناسب موقعها من اللفظ وقسطها من المعنى ومستواها من الأداء من حيث الدلالات الشخصية والإجتماعية للأسلوب فقد تكون لغة الأسلوب مترفعة متعالية تخفى وراءها دوافع شخصية لصاحبها تدفعه إلى الإعلان عن ثقافة من نوع خاص وقدرة على طرحها بطريقة بسيطة ميسرة وإعتمد محمود كحيلة فى خصوصيته اللغوية أن تكون على مستويين من مستويات اللغة وهى اللغة العربية الفصحى ( فى مشاهد كليوباترا السينمائية ) واللغة العامية فى مشاهد الواقعية فهذا الأسلوب هو الأسلوب المفضل فى مثل هذه النصوص المسرحية حيث إرتبط إرتباطاً، وثيقاً بالشخصية التاريخية ،التى إختارها فى خطابه المسرحى ( مونولوج ـ حوارـ مشاهد مختلفة ) بمتوسط طول مقاطع الحوار وبأنواع التدخلات التى تجريها الشخصية وعلاقتها بالشخصيات الأخرى وأن الكاتب محمود كحيلة عندما يعرض علينا شخصياته الرئيسية فى عالم مسرحيته كليوباترا الأخرى عرضها على مستويين كما قلنا ولكن فى ظاهرها يبرز خصوصيتها الجوهرية التى لا يدركها إلا ذو عقل رزين وملاحظ نبيه ويرمى من خلال نص المسرحية إلى التسامى بالواقع إلى رحاب الفن .
    فالفنان الذى لا يتمكن من الإرتقاء بأعماله الواقعية لتحويلها إلى أعمال فنية هو مجرد ناقل للأخبار والوقائع وإذا كان الفن إنعكاساً للواقعى والحقيقى فلابد أن يكون إنعكاساً جميلاً أو ساحراً .
    ومن هذا المنطلق نستطيع أن نحدد ونؤكد من خلال هذا النص المسرحى بأن المسرح كان ولايزال وسيلة من وسائل التنوير والتطوير فالمبدع يجب إلا ينفصل عن الواقع وعليه فى الوقت نفسه أن يصوره بطريقة فنية تجعل المتلقى يلتفت إلى الظواهر التى يعيشها سواء الأدبية أو الفنية أو الإجتماعية ولا يخفى ما لهذه الظواهر من علائق معينة مع مجالات الحياة المختلفة الأخرى .
    وقد نجح المؤلف فى تثبيت هذه المقولة من خلال الجمل الحوارية المتدفقة طبعةـ مصورة ـ موجبه ،وخصوصاً فى التضاد الذى كان يحدث بين النص ( التمثيل ) والعامية ( الواقع ) والنقل بين هاتين اللغتين بسهولة ويسر مما أدى إلى خلق حوار درامى متميز ولكن نقطة واحدة أفلتت منه فأضعفت من هذا التضاد والقدرة فى الحوار وهو المشهد الأخير من المسرحية حيث جاء سريعاً للغاية وغير متوقع حيث أنه يستطيع أن يقول أن المؤلف وصل إلى حد يريد إنهاء المسرحيته بأى طريقة ما بينما كانت وحدة التجربة الفنية ووحدة التشكيل هى المطلوبة ، ولكننا نستطيع أن نقول أن محمود كحيلة فى هذا النص وصل إلى النضج الفنى مستخدماً المادة التاريخية التى نجح كثيراً فى توظيفها للحياه الواقعية الحياتية ونظرته إلى الحياه المعاصرة .

    التوظيف التراثى فى زمن العبيد

    يذكر إليوت فى حديثه عن التراث أن الآثار الموجودة تشكل نسقاً نموذجياً فيما بينها ويتم تطويرها بقدوم الأعمال الأدبية الجديدة عليها إلا أنه بعد قدوم الحداثة لابد أن يتغير النسق القائم ولو تغير طفيف كما أن العلاقات والنسب والقيم التى تحكم كل عمل أدبى على حده يجب أن تتوافق مع المجموع وهذا ما نعنيه بالملائمة بين الجديد والقديم ويضيف إليوت موضحاً أن الماضى يجب أن يتغير بواسطة الحاضر كما أن الحاضر يوجهه الماضى .
    وعندما كتب " جون درايدن " مسرحيته المعنونه " كل شئ فى سبيل الحب " والتى حاول فيها أن يعيد كتابة مسرحية " أنطونيو وكليوباترا " مستعيناً بالتعاليم الكلاسيكية ليخلصها على حد تعبيره من الفوضى الدرامية التى أثارها شكسبير فى مسرحيته فشلت المحاولة على الرغم من إمتداح النقاد لها آنذاك بينما ظلت مسرحية شكسبير فى وجدان الإنسانية كلها وسبب الفشل أن دريدن إعتقد أن التعاليم الكلاسيكية ستكفل له النجاح حتى لو تجاهل رؤية عصره القلقة وتناسى أن التراجيديا الكلاسيكية هى فى جوهرها رؤية تعتمد على اليقين بينما كان عصره عصر تشكك وتخبيط بينما إستطاع شكسبير أن يترجم المحيط الفكرى لعصره وأبدع شكلاً مسرحياً جديداً يعتمد على مبدأ التقابل والجدل .
    ومحمود كحيلة فى مسرحيته " سعيد فى زمن العبيد " أو ملحمة السراب إستطاع أن يوظف التراث التاريخى للتعبير عن هموم عصره حيث جاء بقصة الفلاح الفصيح المعروفة لدينا جميعاً برد الظلم والأخذ بالعدل من الذين ظلموه وأصبحت هذه القصة القديمة والتى وقعت أحداثها إلى الأسرة الثانية عشرة والثالثة عشرة حيث كانت مخطوطة الفلاح الفصيح وقصة هذا الفلاح مع الفرعون ليحكى له عن الظلم الذى وقع عليه من السيد صاحب الأرض وهذه القصة المصرية القديمة والتى تتحدث عن العدل أستخدمها محمود كحيلة ليسقط منها على عالمنا المعاصر وقد أفلح المؤلف فى أن ينشر عطر العصر الذى يكتب عنه ورائحته فى ثنايا النص المسرحى فلم يفتقد فى جو النص رائحة العصر الفرعونى ونبضه حيث نثر ألفاظاً وعبارات بل بعض القصائد جعلتنا نحس بروح العصر ونشعر بنبضه فاستخدام اللغة كمؤثر فنى موح بالجمال الأثرى على نحو إستغل فيه اللغة كوسيلة لإحكام الإيهام المسرحى وتوصل بذلك إلى إقناع القارئ أو المشاهد أنهما يشهدان قطعة من التاريخ الفرعونى معروضة على ضمير العصر الحديث ترتدى ملابس تاريخية فكان نسيج خيوط اللغة حيث إقتبس بعض المأثورات من حكمة الفلاح الفصيح وحرص حرصاً واضحاً على شاعرية الحوار الذى جاء باللغة العربية الفصحى ذات القيم الجمالية وذات الخطب والمواعظ التى أثرت فى ضعف البناء الدرامى بعض الشئ وإعتمد على الحوار أكثر من الصور الدرامية حيث كان ينقصه وضوح الحركة ، وجاء المؤلف محمود كحيلة بشخصياته من خلال سعيد " الكاتب العصرى " الذى يحاول جاهداً أن يعيد علينا قصة الفلاح الفصيح من وجهه نظره هو ويتحول فيما بعد إلى الكاتب المصرى القديم الذى يعيش التجربة مع الفلاح الفصيح ويعيد علينا ما يريده المؤلف على لسان سعيد حيث يقول سعيد فى ص 9 فى النص المنشور : ( من خلال شاشة عرض ترى سعيد الكاتب يجلس إلىمكتبه العصرى التصميم يفكر قليلاً ثم يكتب ) .
    سعيد : ترجع أهمية الآثار المصرية الفرعونية إلى أنها لا تمثل فحسب التاريخ المصرى بل تمتد فى الأهمية لتشمل تاريخ الإنسانية جمعاء عندما كان الفراعنة هم العالم قبل سبعة آلاف سنة عندما وضعوا حضارة لم تنفك طلاسمها من قبل العلم والعلماء حتى هذا التاريخ وما زالت الإنسانية تشعر بالضآلة عندما تذكرها رغم ما بلغت من تطور( يصغر حجم المكتب ويتغير معالم المكان)
    ولو أننى سئلت عن أكثر الأشياء إستفزازاً لخواطرى وأفكارى أقول أننى ككاتب مصرى معاصر لثالث ألفية ميلادية تأثرت بحكاية " الفلاح الفصيح " .
    وهكذا يمضى المؤلف على لسان الكاتب فى شرح قضية الفلاح الفصيح ليعود بنا عن طريق الفلاش باك إلى عصر الفرعون وعصر الفلاح الفصيح ونفس الكاتب يدخل فى الصراع كأنه شاهد على هذا العصر لينقله لنا حيث أن دلالة الحوار تتغير من عصر إلى عصر فى التوظيف الدرامى لقضية الفلاح الفصيح ومعالجتها درامياً عن طريق الكولاج المسرحى ( اللصق ) فى الحوار وصياغة الحوار حيث إعتمد على إلقاء المشاهد وأصبحت كمشهد واحد تتحرك فيه الشخصيات بسهولة ويسر من العصر الفرعونى إلى العصر الحديث وبالعكس فأصبحت القضية هى قضية العدالة فى كل زمان ومكان وبهذا ينجح المؤلف فى خلق مجموعة من القراءات فى مراحل زمنية مختلفة وليس معنى ذلك أننا سنحيل النص المسرحى إلى واقع تاريخى وحضارى بل سنحاول أن نحيل العمل المسرحى إلى عناصره الفنية فى غير معزل عن الفكر الإنسانى لأن البحث عن توثيق معاصر للتوظيف التراثى فى المسرحية سيحجم العمل ويحصحص إمكانياته الفنية التى يمكن أن تمتد إلى ما بعد هذا العصر لأن المؤلف " محمود كحيلة " يتجادل بوعى مع الدلالات السائدة فى عصر ولأن نصه المسرحى غنى بنواحى التجربة الإنسانية على المستويين الحكم والشعب وعلى مستوى الصراع الحقيقى بين العدل والظلم ويحاول تعميق الحس المأسوى ومن ثم تعميق التجربة بإستخدام المفارقة أثناء رصده لتحركات أخراق الصراع عن طريق إستخدامه للتعارض فالفلاح الفصيح يريد العدل ولاشئ سوى العدل وفى المقابل نجد الطرف الآخر " الحكام " يسمعون إليه ليأخذوا منه العبرة وفى النهاية يجعلونه هو الظالم وليس المظلوم .
    الفلاح : القاضى ناصر اللص يا سيدى .. أنت علمت بما حدث .و.صدقت
    على ما لم يحدث .. كنت أثق فى عدلكما .. ولكنكما خذلتمانى أنتما
    معاً خذلتمانى .. لن أكف عن السعى فى سبيل حقى .. ولن يضيع
    حق من وراءه مطالب وسأطالب الحاكم نفسه ( تغيير ) .
    ومظاهر الصراع فى هذا النص هو إطار مسرحى فيحاول مع الواقع بعض تحقيق الإيهام المؤقت وإذا كانت لغة الحوار الجدلى التى تعتمد على الدراما لا تقيم جدلاً بين شخوص المسرحية فقط بل تقيم جدلاً أوسع بين عالم المسرح الوهمى وعالم المتفرج الواقعى حيث أن المتفرج يتبع حوار الشخصيات ليصل إلى فكرة مفهومه عن معنى الحدث الدائر من خلال واقعه هو كمتفرج دون معونة من قصاص أو راوى .
    فعلىهذا الضوء يمكننا أن نقبل وجود شخصية سعيد كراوى فى بداية المسرحية لأنه يقوم بتهيئة المشاهد أو القارئ بالإسترجاع ص 11 من النص المنشور .
    سعيد : ( مردداً ما يكتب ) قتلوه وإرتكبوا الجريمة التى لولا أن رصدتها
    رصد البصيرة والبصرمعاً لما تمكنت من تخيل حدوثها ولمرت عليا
    وعلى الإنسانية هباء تماماً كما مر قبلها وكما سيمر بعدها فىالجهالة والغفلة،حكاية موت الفلاح لم يرها العامة لأنها
    حدثت أمام أخص الخاصة .. حاكم البلاد ورجالاته الأصغياء أصحاب
    الرفعة فى هذا البلد ( يظهر مجلس الحاكم ويختفى سعيد ) .
    ولقد نجح المؤلف فى التنقل بالحدث المسرحى منوعاً إياه بطريقه مكنتنا من رؤية الموقف بكل أبعاده فهو يمهد للعبة الحاكم فى التخلص من الفلاح الفصيح وهكذا بدون نقل للإضاءة أو المشاهد تتم المشاهد أمام أعين المشاهد بكل سهولة ويسر .
    ونجح المؤلف بأن يقول على لسان الفلاح أنه لم يهرب من أقداره الذاتية حيث أنه إكتشف الخديعة فى ص 61 ، وص 62 من النص المنشور .
    الفلاح : لمن أشكو يا إلهى .. لمن أشكو هذا الظلم .
    الوزير : عجباً لك أيها الفلاح .. تجادل وقد ألغى القاضى عقابك .. وتهاون فى
    حسابك .
    الفلاح : القاضى ناصر اللص يا سيدى .. " إلى نهاية " سأطالب الحاكم نفسه
    لقد إستطاع محمود كحيلة أن يوثق موضوعه التراثى بتكنيك فنى له طعمه برؤية معاصرة وبعناصر فنية جديدة صعدت الحدث المسرحى ولقد أتاح لنا أن نشبع بعبق التاريخ الفرعونى من خلال موضعه وتكتيكه الفنى فى غير معزل عن البناء كله المعاصر .
    ولكنى لا أأيده فى عنوان النص المسرحى حيث كتب ملحمة السراب كوميديا مسرحية والأفضل أن يقول كوميديا سوداء فهى فعلاً كوميديا تجعلك تبكى من ضياع العدل فهى كوميديا سوداء لها مبرراتها ومحاكمة هذا الفلاح الذى يفكرنا بالمحاكمة الهزلية للحلاج فى مسرحية صلاح عبد الصبور " الحلاج " وهذه أيضاً كانت محاكمة هزلية .
    وفى النهاية أن مؤلفنا " محمود كحيلة " وصل إلى مرحلة النضج الفنى وبات ولوعاً بالشخصية المسرحية يسعى إلى تحقيقها فى صورة واضحة قاطعة الملامح بارزة الشكل غنية بتناقضاتها وتوافقها مؤثرة إلى أبعد الحدود وأنه مؤمن بأن صلته بالجمهور وبخشبة المسرح لابد أن تقوم أساساً على إبداعه للشخصية المسرحية وقد بلغ هذا فى عمله " كليوباترا الأخرى " و " سعيد فى زمن العبيد " ويحاول جاهداً أن يواصل بين طرفى الأصالة والمعاصرة وكأنه يثبت بالدليل أن قضايانا الحياتية ومشكلاتنا الفنية الجمالية قد تجملها العودة إلى التراث ومحاولة إعادة تشكيله بالصورة المعاصرة المرضية .
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X