إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الراحل محمد مستجاب .. كتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الراحل محمد مستجاب .. كتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي


    أحمد نبيل خضر













    تعيش وتفتكر: محمد مستجاب.. العامل في السد العالي






    مساحة هائلة من العطاء الفكري والأدبي والثقافي، يكفي أن نشير نحو مؤلفاته الزاخرة بالفكر والفن، شارك في الحياة الثقافية والأدبية بأوفى نصيب، إذ أصدر ستة عشر كتابًا، منها خمس مجموعات قصصية ضمت حوالي السبعين قصة، ترجمت بعضها إلى الهولندية واليابانية والفرنسية.
    الأديب الراحل محمد مستجاب، الذي تمر ذكرى وفاته اليوم، كتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي، تميزت أعماله بالاستخدام الراقي لمفردات اللغة، وصياغة إبداعاته في جو يختلط فيه الحلم مع الأسطورة مع واقعية ساخرة.
    ولد عام 1938 في مركز ديروط بمحافظة أسيوط، وعمل في الستينات في مشروع بناء “السد العالي” في مدينة أسوان، ثقف نفسه بنفسه بعد أن توقف دراسيًا عند مستوى شهادة الثانوية، ثم التحق بمعهد الفنون الجميلة، ولكن لم يكمل دراسته بالمعهد، وعمل بضعة أشهر في العراق، وبعد عودته إلى مصر، عمل في مجمع اللغة العربية، وأحيل إلى التقاعد بعد بلوغه سن الستين عام 1998.
    نشر أول قصة قصيرة وكانت بعنوان “الوصية الحادية عشرة”، في مجلة الهلال، وجذب إليه الأنظار بقوة، وأخذ بعد ذلك ينشر قصصه المتميزة في مجلات عدة، حتى صدرت روايته الأولى “من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ”، التي حصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام 1984، وترجمت إلى أكثر من لغة.
    تلتها مجموعته القصصية الأولى “ديروط الشريف”، ثم أصدر عدة مجموعات قصصية منها “القصص الأخرى” عام 1995، ثم “قصص قصيرة” عام 1999، ثم “قيام وانهيار آل مستجاب” عام 1999، التي أعيد طبعها ثلاث مرات بعد ذلك.
    كما أصدر “الحزن يميل للممازحة” عام 1998، وأعيد طبعها أيضاً عدة مرات، ثم أصدر روايتين هما “إنه الرابع من آل مستجاب” عام 2002، و”اللهو الخفي” التي صدرت قبل شهرين من وفاته، وحولت إحدى قصصه إلى فيلم سينمائي عنوانه (الفاس في الراس)، بطولة عزت العلايلي وليلى علوي، واشترك مع المخرج وحيد مخيمر في كتابة السيناريو والحوار لهذا الفيلم الذي ساعد رضوان الكاشف في إخراجه وتم عرضه في ٢٧ ديسمبر ١٩٩٢.
    كانت له كتابات صحفية ثابتة في عدد من المجلات والجرائد العربية، أشهرها زاويته “واحة العربي” في مجلة العربي الكويتية، وقد جمعها في كتاب حمل نفس الاسم صدر سنة 1999، وزواياه “بوابة جبر الخاطر” في جريدة أخبار الأدب، وجمعها أيضا في كتاب من جزئين حمل نفس الاسم وصدر عام 1999، فضلًا عن كتاباته الثابتة في عدد من الصحف والمجلات، أبرزها “الأسبوع” المصرية و”الشرق الأوسط ” و”سيدتي” و”المصور”، وقد جمع هذه المقالات في كتب عدة منها “حرق الدم”، و”زهر الفول”، و”أبو رجل مسلوخة”، و”أمير الانتقام الحديث”، و”بعض الونس”، و”الحزينة تفرح”.
    مات محمد مستجاب، يوم السادس والعشرين من يونيو 2005، عن 67 عامًا، بعد أن أصيب بفشل كبدي، كتب عن هذا الدكتور خالد منتصر، فقال: مات محمد مستجاب، مات عبقري القصة القصيرة، وحكاء مصر الأول، وآخر طابور الساخرين العظام، ولكن كيف مات مستجاب؟ وما هو التاريخ السري لوفاة مستجاب الشريف؟ انبرت الأقلام ودبجت المقالات وأشرعت الصحف في ذكر بلاغة وأسلوب وكتابة مستجاب، كتب النقاد تحليلات بنيوية وسيميوطيقية عن الرمزية الديناميكية في قصص مستجاب! ولم يكتب أحدهم كيف تم اغتيال محمد مستجاب بالتجاهل والطناش؟ لم ينتبه أحدهم إلى أن أكثر قصة مأساوية كتبها مستجاب هى قصة موته، والوصف الأدق أنه لم يكتبها بل كتبت عليه.
    وقديماً كتب تشيكوف قصته القصيرة العبقرية الموحية موت موظف، والآن نحن نكتب قصة موت موظف أديب مصري شريف بسكين مجتمع بارد يرفع أرباع الموهوبين إلى القمة ويدللهم ويدلكهم ويعالج أظافرهم وشعورهم ويصبغون جلودهم بالتان البرونزي، ويضبط ضغطهم في الخارج ويصنع النيولوك تبعهم على نفقة الدولة، في نفس الوقت الذي يخسف بالمواهب الأرض، ويترك قامة فنية بارتفاع وحجم مستجاب تتسول ثمن الدواء في ظل نظام سادي شرس يحارب الكاتب المبدع ويدهسه إذا رفض أن يصبح من الكتبة والجوقة ومضحكى الملك!
    تعرض محمد مستجاب لأزمة عنيفة منذ سنوات، وهي أزمة ابنته التي هاجمها مرض نادر يسبب شللاً كاملاً غير معروف السبب ويموت 80% من المصابين به، وظل مستجاب الشريف يبكى كل ليلة بعد أن يغلق الباب على نفسه حتى لا يراه أحد وهو ينزف، فقد كان الوحيد الذي يعرف السر بين أفراد عائلته، ومستجاب موظف فقير على المعاش، رحل من الصعيد أضيق شريط يخنق الوادي، وأعظم أرض طاردة في العالم إلى القاهرة، حيث عمل موظفاً في المجمع اللغوي.
    كان يؤمن بأن الكتابة الصحفية تستنزف طاقة المبدع الحقيقية، ولكنه اضطر إليها تحت ضغط الحاجة، لجأ للكتابة في مجلة العربي الكويتية، وكان تقريباً يتعيش من الألف جنيه التي ترسلها المجلة، باع كل اللي وراه واللي قدامه، ويشاء الرب أن تكون ابنته من العشرين في المائة الذين يتم شفاؤهم، وبالحس المصري الفطري توجس مستجاب وتساءل اللهم اجعله خير معقول يبتسم القدر لأمثالي من الكتاب المشاغبين الذين كل رصيدهم هو الموهبة والجدية والشرف، وهو ثلاثي سخيف يعامل في مصر معاملة الكلب الأجرب.
    وكان التوجس في محله فقد باغته المرض وسكن الرئة، ودخل القصر العيني الفرنساوي أول مرة ولم يفهم الأديب الأريب أن اسم المستشفى على مسمى، وأن العلاج أصبح مقصوراً على طائفة المجتمع المصري الفرنساوي وليس الديروطي، وظل مستجاب في المستشفى حتى تحسنت حالته، وعندما حان موعد الخروج قيل له بلاش فهلوة دخول الحمام مش زى خروجه، فنظر إلى جيب الجلباب المخروم فلم يجد طوق النجاة، وكان شيك مجلة العربي قد تبخر، والتأمين الصحي لذوي المعاشات له سقف وحدود ولوائح وروائح، فتم إحتجازه ولم ينقذه إلا كتيبة الأصدقاء المخلصين، وكتب له الأطباء روشتة علاج شهري حتى لا يداهمه المرض اللعين، وتغرق رئتاه في مياه الموت.
    كانت التكلفة الأسبوعية للدواء 270 جنيه، وتأمينه الصحي لا يسمح إلا بالأسبرين وأقراص الفحم! تحملها مستجاب شهرًا ولكنه لم يتحمل الثاني، فبدأت الآلام تعاوده، فذهب وطرق أبواب إتحاد الكتاب ومعه فواتير العلاج، وظل ينتظر التوقيعات والأختام والأرشيف إلى أن تعطف عليه عبد العال الحمامصي بألف جنيه فقط، وهو مبلغ لا يكفي شهرًا واحدًا، فتوقف مستجاب عن العلاج وتفاقمت الحالة وذهب إلى نقطة اللاعودة، فدخل الفرنساوي مرة ثانية وتجمعت عليه الديون للمستشفى وصرخ في مكالمة للدكتور مستجير تعالى خدني من هنا أنا عايز أموت في وسط عيالى.
    ويقول الدكتور مستجير أن مستجاب كان يصرخ خوفاً من زيادة تراكم ديون المستشفى، وتم التحفظ عليه حتى فك أسره الصحفي منير عامر الذي بذل جهدًا أسطوريًا في الحصول على توقيع وزير الثقافة بتحمل التكاليف، ولكن بعد فوات الأوان فقد رحل مستجاب.
    ذلك الصعيدي النبيل الذي شارك في شبابه عاملاً في مشروع السد العالي، ومات دون أن يعبر سداً أعلى وهو سد القهر والاغتيال المعنوي والعهر الفكري وتسول الحقوق، مات محمد مستجاب في وطن مكتوب على المبدع الشريف فيه أن يعيش كمواطن مجيب لا مستجاب.
يعمل...
X