إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ضيف الله مراد يشعل قنديل فرحان بلبل - إعداد : فريد ظفور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ضيف الله مراد يشعل قنديل فرحان بلبل - إعداد : فريد ظفور

    ضيف الله مراد يشعل قنديل فرحان بلبل
    إعداد : فريد ظفور

    شـهادة ضيف الله مراد(مسرحي)

    ليست هي بشهادة. وليس من العادة أن يمنحَ التلاميذُ معلميهم الشهادات. ليس هذا مديحاً ولا إطراءً. فالممدوحُ ليس بحاجة إلى المديح. كلُّ ما عندي بطاقةُ حبٍّ أقدمها لشيخ المسرحيين في بلدنا، الذي أشعل قنديلاً لا يزال يبدد الديجور. لقد أسرج الفنان الأديب الأريب خيوله الأصيلةَ وانطلق بها يجوب البلاد، فوصل إلى الجزيرةِ والعراق، وإلى القنيطرةِ ودمشق. ومرّ بحماه وحلب واللاذقية. قطع آلاف الكيلو مترات، وقدم عروضَهُ في أقصى البلاد في خنيفيس والرميلان، فاجتمع الناسُ حول هذه العروض فرحين، مترقّبين، وكأنّ رسولاً في إهاب مخرج وممثل وممثلة قد حلّ بينهم. كان الرسولُ يقرأُ آياتهِ الفنيةَ صوراً ومشاهدَ مسرحيةً جميلةً. ويتحدثُ بلسانهم غير متعالٍ ولا مُختال. كان مسرحه مفهوماً وقريباً من الناس. وهذا ليس عيباً ولا انتقاصاً. استخدم الأمثولةَ والحكايةَ والشعر الجميل. عروضه المسرحية رسائلُ شفهية تُقرأ أحرفاً وأفعالاً وجملاً بصرية. ديكوراته بسيطةٌ، خفيفة، ورشيقة كخيمة البدوي، بلا بذخٍ ولا بطرٍ. وكان كالشيخ يلتفّ بعباءةٍ من صمت ووقار. فنادراً ما تسمع له تعليقاً أو حُكماً متسرعاً. فهو دائم الاستغراق في ذاته وذوات الآخرين، يحلل ويدرس ويستخلص العبر. كان بيته، ولا يزال، محطةً للأصدقاء وما أكثرهم. ولا أظنُّ أن مسرحيّاً في سورية لم يجلس في صالون الأستاذ فرحان بلبل يتحدث إليه في مسائل الفن. وكم أنجب هذا الصالون من فنانين وعاشقين للمسرح. إذا نظرت إلى هذا الصالون المتواضع في أثاثه، الثري في إرثه الفني لأدهشتكَ الملصقات المسرحية التي تزيّن الجدران. ومن هذه الجدران والملصقات أبدأ:‏
    أذكر ذات يومٍ، وأنا في طريقي، استوقفني ملصق مسرحي. فوقفتُ مدهوشاً أمامه، وقرأت العنوان: (الجدران القرمزية. للمؤلف فرحان بلبل). أعجبني الملصق، وأثارني العنوان. وسألت نفسي كيف تكون الجدران قرمزية اللون، وجدران مدينتنا لا تعرف هذه الألوان؟ أيُّ عبث هذا؟ ملصقاتٌ على الجدران وتتحدث عن الجدران؟ فأية سوريالية هذه؟‏
    تدخل إلى المسرح فترى الإنسانَ الفلسطيني، فتُصغي إلى الأمِّ وسعاد والعمِّ أحمد، وتحزن لما وصل إليه خليل. وتدرك لماذا كانت الجدران قرمزية. يقول العمّ أحمد متألماً :‏
    "أعداؤنا سلبونا أرضنا، ولكننا نحن الذين حميناها لهم، نحن الذين وضعنا حدودها التي تحميهم. أقمنا بيننا وبينهم جدراناً زاهية الألوان قرمزية الملمس.." ص (99).‏
    ومضى عَقْدٌ من الزمن، وكُتب لي أن أخرج عملاً مسرحياً لمجموعة من الطلاب فيحضره الأستاذ فرحان بلبل، ويدعوني مع فرقتي المسرحية المتواضعة لحضور عرض تجريبي لفرقته المسرحية في مبنى اتحاد العمال، وكان هذا شرفاً كبيراً لنا. استقبلنا بالترحاب وعاملنا باحترام. بعد مشاهدة المسرحية، سأل الحاضرين رأيَهم في المسرحية وكأنهم خبراء في المسرح، فلم يكن ينتقص أحداً. وهذه مِيزَةٌ أصيلة موجودة في فرقة المسرح العمالي حتى اليوم. تحدّث الجميع، لكنّ واحداً من الفرقة امتنع عن الكلام، وقال معتذراً، لا زلتُ جديداً في هذه المصلحة. وبالفعل، كانت تلك تجربته الأولى في المسرح. ثم أصبح هذا المعتذر ممثلاً ومخرجاً معروفاً. لست مغالياً إذا قلت، إنّ تلك المبادرة النبيلة من الأستاذ فرحان بلبل قد ساهمت في تكوين هذا الإنسان، وأنّ له أيادي بيضاء في خلق عدد كبير من الممثلين الموهوبين في حمص، وفي تقويم ألسنة طلاب معهد التمثيل وتعليمهم أصول الإلقاء.‏
    اليوم، وأنا أعود لقراءة نصّ تلك المسرحية، وهي بعنوان "يا حاضر يا زمان" أشعر كأنني أقف أمام شاشة تلفاز تقيس نبضات القلب. حوارٌ سريعٌ، رشيقٌ، متوتر، يعلو بالأسئلة المصيرية. وأمّا الصنعة في العرض فكانت مدهشة. ولا يمكن أن أنسى الفنان بسام الشاويش "رحمه الله" في المشهد الافتتاحي. لقد كان عرضاً حاراً وجميلاً.‏
    وتتوالى العروض وتكثر المناقشات والجدل بين المسرحيين، وتختلط المذاهب والاتجاهات الفنية، ويتعكر الجوّ المسرحي، ويكثر الادِّعاء عند بعضهم، ويبقى الأستاذ فرحان بلبل ملتزماً بمنهجه الإبداعي، يأخذ من الجديد قدر حاجته. العمل الأخير الذي شاهدته كان بعنوان : "وكالة عامة" في هذا العرض أعجبني أداء الممثلة فقد كانت، بحسب رأيي، تشتغل بتقنيةٍ عاليةٍ، أساسُها الانفعال الداخلي والاقتصاد في التعبير الخارجي مع لمسات فنية هنا وهناك تدل على تبصرّ ودراية في التمثيل. لم تكن تعمل من أجل إطراء الجمهور، بل من أجل الدور والشخصية التي تقدمها. لم يكن الدور في خدمة الممثل، وإنما العكس، الممثل كان في خدمة الدور. لو قيّض لهذا العرض أن يُقدم على خشبة مسرح مناسبة لاختلف الوضع والتقييم.‏
    وفي الختام، لا أعرف كيف تشكلت عندي هذه المعادلة من المسرحيات الثلاث التي أشرت إليها: "الجدران القرمزية" رأيتها المكان. "يا حاضر يا زمان" رأيتها الزمان. "وكالة عامة" رأيتها الموضوع ووجدتها تشبه صيغة الفعل المسرحي: يحدث هنا الآن.‏
    أتمنى الصحة وطول العمر للأستاذ الفنان فرحان بلبل، ودوام النجاح والاستمرار. وعاش المسرح.‏
    14 /11/2001‏ م - منقول
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
    ضيف الله مراد يشعل قنديل فرحان بلبل - إعداد : فريد ظفور
يعمل...
X