إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في المسرح السعودي دراسة نقدية .. - تحرير :د. سامي الجمعان - بين التخصص والخصوصية - أ.د سيد علي إسماعيل.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في المسرح السعودي دراسة نقدية .. - تحرير :د. سامي الجمعان - بين التخصص والخصوصية - أ.د سيد علي إسماعيل.





    المسرح السعودي بين التخصص والخصوصية

    أ.د سيد علي إسماعيل

    قسم اللغة العربية - كلية الآداب – جامعة حلوان (مصر)

    ــــــــــــــــــــــ

    الهدف من هذا البحث الارتقاء بالمسرح السعودي؛ بحيث يحتل مكانته الطبيعية وسط المسرح الخليجي، بدلاً من نظرة الإشفاق التي يتقبلها؛ بوصفه مسرحاً نامياً! أو عبارات التشجيع التي يتلقاها؛ بوصفه مسرحاً وليداً – مع كل عرض له - رغم عمرة البالغ خمسين عاماً! وتحقيق هذا الهدف، يستلزم الوقوف على أمرين: الأول، التخصص المسرحي ودور المملكة في رعاية المتخصصين، والآخر، خصوصية المسرح السعودي - المعروفة بالمعوقات القاهرة - ومحاولة تغييرها أو تقليص مفرداتها؛ أملاً في إلغائها!

    أولاً : التخصص

    في عام 1981، كانت المملكة العربية السعودية على موعد مع القدر؛ عندما تخرّجت (سناء بكر يونس إبراهيم) في قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت؛ بوصفها أول فتاة سعودية متخصصة في التمثيل والإخراج المسرحي! فهذه الفتاة تألقت تألقاً كبيراً - وهي مازالت طالبة - عندما انضمت إلى (فرقة المسرح الطليعي الكويتي)!! فقد تكاتفت عوامل عدة، أدت إلى ظهور هذه الفرقة، وتكوّنها من خريجي المعهد – ومن بعض الدارسين – ومن هذه العوامل: ضعف الحركة المسرحية في الكويت، والمناداة بتشكيل فرقة مسرحية من خريجي المعهد، لا سيما ارتفاع مستوى عروض طلابه، ناهيك عن وجود كوكبة من أساتذة المعهد المرموقين فنياً، هذا بالإضافة إلى تجانس الخريجين وتوافقهم فنياً ومسرحياً مع بقية الطلاب ممن لم يتخرجوا أمثال سناء بكر يونس!

    ففي يونية 1980، خرجت إلى النور التجربة الأولى لفرقة المسرح الطليعي، متمثلة في عرض مسرحية (السؤال) لمحيي الدين زنكنة، ومن إخراج المنصف السويسي، ومن تمثيل : سعاد عبد الله، دخيل الدخيل، خليفة خليفوه، كاظم الزامل، سناء بكر يونس، أحمد مساعد، عبد الله غلوم، خليل زينل، مبارك سويد ([i]). وبهذا العرض خرجت فرقة المسرح الطليعي، إلى النور لتقدم أعمالاً مسرحية، تُعيد بها للمسرح الكويتي أمجاده؛ فأعضاء هذه الفرقة – ومنهم سناء يونس - مزجوا الموهبة بالدراسة، وهم أصحاب رصيد كبير من التجارب الفنية المميزة. ووصل الأمر بهذه الفرقة إلى عرض إنتاجها الأول (السؤال)، في مهرجان المنستير المسرحي بتونس ([ii])، وأدى نجاحها في هذا المهرجان إلى تعالي الأصوات في الكويت منادية بتحويل هذه الفرقة إلى فرقة قومية مسرحية كويتية ([iii]).

    وقبل تخرج سناء يونس من المعهد، قدمت مع فرقة المسرح الطليعي، تجربتها الفنية الثانية - والأخيرة – وهي مسرحية (لعبة الزمن) لنعمان عاشور، من إخراج سعد أردش يوم 25/4/1981، وقام بتمثيلها كل من: محمد المنصور، سعاد عبد الله، أحمد مساعد، كاظم الزامل، سعد العنزي، مبارك سويد، خليل زينل، خليفة خليفوه، سوزان محمد، إبراهيم الحربي، حميدي مشعان، عبد الله غلوم، شريدة الشريدة، وسناء بكر يونس ([iv]).

    وهذه التجربة نجحت – كسابقتها – نجاحاً ساحقاً ([v])، جعل مجلة (عالم الفن) تقول عن هذه الفرقة: " مسرح الطليعة .. لا يزال مفقود الهوية، في حاجة إلى قوانين تحدد إطاره المسرحي .. وأمام مسرح الطليعة مسارين لا ثالث لهما، الأول أن يغدو مسرح الطليعة للمسرحيات الطليعية فعلاً، مثلما كان مسرح الجيب المصري في أوج ازدهاره المسرحي .. وينفتح في هذه الحالة على مدارس مسرحية وفكرية متعددة ومتنوعة .. والثاني أن يتحول إلى مسرح قومي للبلاد، وهو أشد ما تفتقد إليه الكويت مسرحياً، بحيث يتحول بعد تدعيمه وأخذ إطاره السوي إلى واجهة حضارية مشرفة للكويت خاصة وأن أعضاءه من الأكاديميين الدارسين القادرين على تذوق أي نص مسرحي، مهما كان بحكم دراستهم وتخصصهم وهو ما يفتقد إليه باقي فرقنا المسرحية .. وسواء هذا أو تلك لا بُد من تدعيم مسرح الطليعة وعدم تركه بلا تخطيط ونهباً للعواطف تنوء به كما تشاء وتعصف بكفاءته الشابة المتمكنة" ([vi]).

    وفي نهاية العام الدراسي 80/1981، تخرّجت سناء يونس – كأول سعودية متخصصة في التمثيل والإخراج – بعد أن قدّمت مشروعين للتخرج: الأول – يوم 3/6/1981، وهو - مسرحية (تانجو) لسلافو مروجيك، تحت إشراف المخرج أحمد عبد الحليم ([vii])، والآخر – يوم 7/6/1981، وهو - مسرحية (الخال فانيا) لأنطون تشيكوف، بإشراف المخرج سعد أردش ([viii]). وقام بتنفيذ هذين المشروعين – زملاء سناء في التخرج - طلبة البكالوريوس : محمد عبد الله خليفة المنصور، عبد الله عبد الملك أحمد، ابتسام حسين علي راضي، علي حسن علي العلي، مريم دعيج خليفة خميس زيمان ([ix]).

    ويشاء القدر أن تكون المملكة – في العام التالي 1982 - على موعد آخر مع القدر، عندما تخرّج (عبد الناصر حسن حسين الزاير) في قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، بوصفه أول شاب سعودي متخصص في التمثيل والإخراج المسرحي!! فهذا الشاب قدم ثلاثة مشاريع للتخرج، الأول مسرحية (الرهائن) للدكتور عبد العزيز حمودة، بإشراف أحمد عبد الحليم، وتم عرضها في يناير 1982، والمشروع الثاني، كان بعنوان (أوديب بين سوفوكليس والمعاصرين) بإشراف سعد أردش، وهو عرض مُثّل في فصلين، ويقوم على معالجات أسطورة أوديب عند جان كوكتو، وسينكا، وسوفوكليس، وأندرية جيد، وتوفيق الحكيم، وفوزي فهمي أحمد. ومن أجل الارتباط بين الفكر المسرحي العربي والأوربي - من خلال هذه الأسطورة - اختار طلبة البكالوريوس – ومنهم الزاير - مع سعد أردش، أن يقدموا هذا المشروع فى إطار دراسة نقدية فكرية عن الأسطورة. أما المشروع الثالث والأخير، فكان مسرحية (موتى بلا قبور)، لجان بول سارتر، بإشراف د.سناء شافع. ومن خلال هذه المشاريع، تخرّج عبد الناصر الزاير مع زملائه، وهم: على فريج، فتحية عبد النبي، سالم الجحوشي، صالح الحمر، إبراهيم بحر، فايزة كمال، فخري عودة بدر أحمد غانم، إبراهيم خلفان ([x]).

    إذن في عامين متتاليين – 1981 و1982 - حصلت المملكة على أول متخصصَيّن رسميين في مجال المسرح تمثيلاً وإخراجاً، وبذلك تخطت المملكة أكبر عقبة في مجال المسرح، وهو عدم وجود المُتخصص!! بل ومن حُسن الطالع أن المتخصصيّن أحدهما شاب، والآخر شابة! أي أن القدمين سليمتان متساويتان ليسير المسرح السعودي بهما نحو الرقي والتقدم! وبناءً على ذلك فمن المؤكد أن المسرح السعودي أصبح ذا شأن كبير بعد تخرج هذين المتخصصين! ومن المؤكد أيضاً أن المملكة احتفت بهذين الرائدين المتخصصين! وحتى نتأكد من ذلك، تتبعنا نشاط هذين المتخصصين طوال أربع سنوات من التخرج، من خلال ما نشرته الصحف الكويتية من حوارات متنوعة معهما؛ بوصفهما من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، فخرجنا بما يلي:

    أ : سناء يونس

    في أول حوار لها – بعد تخرجها – عام 1981، عرّفتها مجلة (عالم الفن) هكذا: "سناء بكر يونس من عائلة فنية، خريجة المعهد العالي تمثيل وإخراج" ([xi])، وهذا التعريف جاء مناسباً حيث إنها حديثة التخرج، وفي انتظار مستقبل مُشرق! وبعد مرور أربع سنوات – وفي عام 1985 – عرّفها أحد الصحفيين قائلاً: " سناء بكر يونس فنانة شابة برزت من خلال برنامج افتح يا سمسم، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت دفعة 80 – 81 من قسم التمثيل والإخراج. ولها العديد من الإسهامات الفنية في أكثر من دولة خليجية. عملت بعد تخرجها في إذاعة الرياض كمخرجة ومُعدّة برامج أطفال. ثم انتقلت إلى تلفزيون البحرين حيث تعمل مذيعة ومُقدمة برامج إلى جانب مشاركتها في العديد من النشاطات الفنية سواء المسلسلات أو البرامج التلفزيونية" ([xii]).

    وهذا التعريف الأخير، يوضح وبجلاء أن هذه الرائدة المتخصصة في التمثيل المسرحي وإخراجه، لم يُستثمر تخصصها داخل المملكة، بعكس استفادة دول الخليج الأخرى من تخصصها وفنها!! كما يتضح أيضاً أن المسئولين في المملكة، تعمدوا وضعها خلف الميكروفون، ووسط الأطفال حتى لا تظهر علانية بوصفها امرأة لا يصح ظهورها أمام الجماهير! وكأن المسئولين اعترفوا بشهادتها وتخصصها ورقياً ووظيفياً؛ وفي الوقت نفسه لم يعترفوا بموهبتها وفنها وقدرتها على العمل الفني؛ لأنها امرأة، ولا يجوز لها التعامل مع الفن، وبالأخص الفن المسرحي!!

    وهذا المعنى أقرّت به سناء يونس في لقاء معها عام 1982، قائلة: "عملي بالمملكة العربية السعودية محصور في إعداد برامج الأطفال فقط، وهوايتي وميولي التمثيل، ولكن المعروف أن بلادي تمنع الفتاة من التمثيل وظهورها على شاشة التلفزيون" ([xiii]). وفي العام التالي، تجرأت الفنانة سناء يونس وصرّحت بحديث مهم إلى المسئولين في المملكة، وأرسلت إليهم من خلاله عدة رسائل مهمة، عندما أجابت عن سؤال يقول: أين المسرح السعودي الآن؟ فأجابت قائلة: " لازال المسرح السعودي يبحث عن هوية، وهو لا يزال يحبو ويحاول أن يستفيد من الآخرين، ولكن كلمة صغيرة أقولها في أذان المسئولين والمسرحيين في السعودية، وهي أنه يد واحدة لن تصفق (والمعنى في قلب الشاعر)" ([xiv]).

    وربما هذه الرسالة كانت أول رسالة من فنانة سعودية نادت بوقوف المرأة على خشبة المسرح بجانب الرجل، حتى ولو جاء النداء بالتضمين لا بالتصريح! ومن شجاعة هذه الفنانة أيضاً، أنها لمست بيدها – في هذا الحوار – إشكالية التخصص المسرحي في المملكة، فأرسلت رسالتها إلى المسئولين قائلة: "المسرح في السعودية يتم ويقوم على أيدي هواة ليسوا متخصصين ولا متفرغين له" ([xv])، وكأنها تندب حظها العاثر؛ كونها أول سعودية متخصصة في المسرح، ولا يُستفاد منها مسرحياً داخل وطنها!!

    ولو تتبع أي إنسان مشوار سناء يونس الفني – بعد تخرجها – ولمدة خمس سنوات، سيجدها تشارك في مسلسلات عراقية، وتحضر مهرجان الكويت للتلفزيون الخليجي، وتشارك في مسلسلات إماراتية، ومسرحيات قطرية، وسباعيات كويتية ... إلخ ([xvi])، ولكن أين كل هذا النشاط من المسرح السعودي؟!! أين هذا من استفادة المملكة من أول متخصصة رسمية في مجال التمثيل المسرحي وإخراجه؟!! ومن سخرية القدر أن سناء يونس، عندما يُطرح عليها سؤال يقول: أي الأعمال الفنية التي اشتركت فيها، ولها أثرها الخاص في نفسك، تُجيب قائلة: " كل عمل قمت فيه وأنا في المعهد سواء كان مشهداً أو مسرحية كاملة اعتز فيه جداً لأنني عشت معه من البداية وحتى خرج بأحسن صورة ....... والعمل المسرحي الذي أحببته واعتز فيه هو مسرحية (السؤال) للمؤلف العراقي محيي الدين زنكنة وإخراج الأستاذ منصف السويسي مع فرقة المسرح الطليعي والتي شاركنا فيه في مهرجان المنستير في تونس" ([xvii]). وهذا الاعتراف الصريح، يؤكد أن سناء يونس – بوصفها أول سعودية متخصصة في المسرح – لم تشعر بكيانها كفنانة مسرحية إلا عندما درست المسرح في الكويت، دون أن تمارسه في وطنها، ودون أن يقدر وطنها قيمتها كمسرحية متخصصة!! وكل تاريخها المسرحي – وذاكرتها المسرحية – محصورة في نشاطها الدراسي، لا نشاطها العملي أو الاحترافي!!

    ب : عبد الناصر الزاير

    لم يكن حظ – المتخصص المسرحي الثاني – عبد الناصر الزاير؛ بأفضل من زميلته سناء يونس!! حيث إن نشاطه المسرحي قدّمه وهو طالب في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت! وقبل تخرجه وعودته إلى وطنه بأيام معدودة، نشرت الصحافة الكويتية كلمة عنه، قالت فيها: "عبد الناصر الزاير، ممثل سعودي تخرج هذا العام من المعهد العالي للفنون المسرحية، بتقدير عام جيد جداً، وربما يكون أول فنان سعودي يتخرج من الكويت، بعد الممثلة السعودية سناء بكر يونس. قدم خلال مرحلة دراسته عدة أعمال منها (أوديب ملكاً، والسلام، وطرطوف، وروميو وجوليت، وأنطونيو) إلى جانب بطولته في مسرحية (السندباد) التي أخرجها المنصف السويسي، ودوره البارز في مسرحية (الحضيض)، ومسرحية (الخال فانيا)، ومسرحيات أخرى عديدة. ونشط الزاير على الصعيد المحلي [أي في الكويت] والخليجي فشارك في مسلسلات (بين الحقيقة والخيال) ومسلسل (نساء في شعاع النبوة) إلى جانب دوره في مسرحية (لعبة الزمن) أمام سعاد عبد الله ومحمد المنصور إخراج سعد أردش. وحالياً مشغول بتصوير دوره في المسلسل الثقافي الصحي (سلامتك) وقبله قام بالمساهمة بدور بارز في سهرتين أحدهما (الاكتشاف) أمام أحمد الصالح ورجاء محمد، أخرجها غسان جبري. والثانية (الخيوط المشدودة) أمام هاني الروماني وهالة شوكت. وضمن أعمال (قصص خليجية) قدم (بطاقة عودة من الغربة) بالإضافة إلى تقديم عدة ألحان في مسرحية الأطفال (الدمية المفقودة) ومسرحية (مدينة اللولو) وأخيراً وقبل أن يغادر الكويت بشكل نهائي ليتسلم مهمات عمله في بلده بالرياض قدم دوره البارز في سهرة (الأب) التي أخرجها عدنان إبراهيم أمام إبراهيم الصلال، هيفاء عادل، والدكتور سناء شافع" ([xviii]).

    هذا المتخصص النشيط، عندما عاد إلى وطنه تسلم وظيفة مشرف الفنون في رعاية الشباب بالدمام ([xix])، وهذه الوظيفة كان يتوقعها، حيث أجاب أحد الصحفيين – قبل تركه الكويت – على سؤاله: ماذا عن مرحلة ما بعد التخرج من المعهد؟ فأجاب الزاير قائلاً: " مرحلة ما بعد التخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، مرحلة محيرة بالنسبة للتوجه، بمعنى في أي قطاع أذهب للعمل، الإذاعة، التلفزيون، رعاية الشباب، المسرح المدرسي، إلخ" ([xx]). ونلاحظ أنه لم يتحدث مطلقاً عن قطاع المسرح السعودي بحكم تخصصه الدقيق!!

    وفي موضع آخر أبان الزاير عن رفضه للوظائف الإدارية؛ لأنه تخصّصَ كفنان لا كموظف إداري!! وفي ذلك يقول عن مرحلة الوظيفة: " هذه المرحلة كانت صعبة جداً، كانت هناك طموحات لتحقيق أشياء كثيرة؛ ولكن اصطدامي بالظروف الموضوعية المحيطة بي، أحبطت نوعاً ما من هذا الحماس والطموح! لذلك كانت هناك مرحلة ركود؛ وبالتالي أستطيع أن أتكيف مع الوضع الجديد وهو الوضع الوظيفي. وعلى هذا توظفت في رعاية الشباب – المركز الرئيسي لرعاية الشباب في المنطقة الشرقية – كمشرف فنون، ولسد الفراغ، تعاونت مع جمعية الثقافة والفنون، فعملت رئيساً لقسم المسرح، ولكن هذا لم يدم طويلاً لعدم رغبتي الذاتية في العمل الإداري، وبالتالي لم أستطع التكيف في المناصب الإدارية التي توظفت بها، وهذا لأنني أردت أن أخدم بلدي من الناحية الفنية وليس من الناحية الإدارية لأنني فنان ولست إداري" ([xxi]).

    وإحقاقاً للحق، فقد منحت المملكة الزاير فرصة ظهوره كفنان مسرحي متخصص، عندما أعطته فرصة إخراج عمله المسرحي الوحيد داخل المملكة – في ذلك الوقت – وهو مسرحية (زواج بالجملة)! والتي عُرضت على مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام. وهي من تأليف أبو حسام، وتمثيل: علي السبع، وناصر مبارك، ومحمد الشريدي، وسمير الناصر، وإبراهيم السويلم، ومحسن النمر. وفكرة المسرحية تدور حول تعدد الزوجات، وبالمسرحية ثلاث شخصيات نسائية، قام بأدوارهن الرجال ([xxii])!!

    وهذه التجربة لم يكررها الزاير مرة أخرى داخل الوطن، ولعل الناقد الكويتي بلال عبد الله استطاع أن يضع يده على مفاتيح عزوف الزاير عن تكرار هذه التجربة، عندما كتب الناقد مقالة عن مسرحية (زواج بالجملة)، أبان فيها أن حدود المسرح السعودي ضيقة، لذلك سيظل الفنان حبيس حدود ضيقة يتحرك بها، وهذا ما صادف الزاير في عرضه المسرحي. كما أن الناقد لمس أكبر عقبة في العرض، وهو غياب العنصر النسائي وقيام الرجل بالتحدث بلسان المرأة ومناقشة قضاياها ([xxiii])! وبعد هذه التجربة المريرة، اقتنع الزاير – كأول شاب سعودي متخصص في المسرح – بأن فرصته كفنان مسرحي لن يجدها في وطنه، فذهب إلى موطن فنه الكويت، كما ذهبت من قبله أول متخصصة مسرحية سعودية إلى البحرين!!

    هذه قصة أول سعوديين متخصصين في مجال المسرح! ولعل قصتهما هذه تكررت – مع غيرهما - فيما بعد؛ لأن المتخصص السعودي في مجال المسرح أصبح وجوده نادراً!! وأكبر دليل على ذلك صدور كتاب (رجال من المسرح السعودي) عام 2005، بوصفه – كما جاء على غلافه – (أول كتاب يتحدث عن أعلام المسرح في المملكة العربية السعودية) ([xxiv])!! ورغم شمول العنوان ووضوحه؛ لم يُضمّن هذا الكتاب - ضمّن أعلامه - أهم علمين وأول متخصصين مسرحيين سعوديين (سناء يونس، وعبد الناصر الزاير)!! وفي مقابل هذا التجاهل، ترجم الكتاب لأكثر من خمس وأربعين شخصية مسرحية سعودية، لم يتخصص منهم في مجال المسرح سوى سبع شخصيات فقط!!

    وبناءً على ما سبق، يتضح أن المسئولين عن المسرح السعودي لم يهتموا بالمتخصص المسرحي، ولم يعطوه الفرصة المناسبة؛ كي يتقدم بالفن المسرحي السعودي نحو المكانة اللائقة به! ولم يتركوا هذا المتخصص كي يتنفس فنه، الذي تخصص فيه، وبالتالي لم يتشجع آخرون لتكرار تجربة التخصص فيما بعد، فظهر غير المتخصص ونال حقوقاً ليست من حقه، وتقلد مناصب أكبر من إمكانياته وتخصصاته، فهبط المسرح السعودي بدلاً من صعوده!! وهذه المعادلة المعكوسة يجب أن تتوقف بإرسال مجموعة كبيرة من الدارسين السعوديين إلى معاهد المسرح في العالم العربي، كي يتخصصوا في المجالات الثلاث (التمثيل والإخراج، والديكور، والنقد)، ومن ثم يعودون ليشكلوا فريقاً متخصصاً، يؤسس نهضة مسرحية سعودية بصورة منهجية أكاديمية.

    ثانياً : الخصوصية

    بعضنا يسمع عما يُسمى بـ(خصوصية المسرح السعودي)، وهي خصوصية استطاع الدكتور سامي الجمعان أن يُجملها – ويتصدى لها بمهارة فائقة – في بيانه الأول المُسمى بـ(المسرح السعودي: قمم الخصوصية .. وأمل الانعتاق) ([xxv]). وقبل أن يشرع الجمعان في إظهار هدفه من هذا البيان، قام بتهيئة القارئ نفسياً؛ كي يتقبل ما لا يُمكن تقبله، عندما أقرّ بأن تجربة المسرح السعودي تختلف عن أية تجربة مسرحية في أي دولة خليجية أو عربية، لأنها تجربة صادفت ظروفاً اجتماعية خاصة، ورغم ذلك، أصرّ الجمعان أن الوجود التاريخي للمسرح السعودي، والمحاولات الفردية لبعض أفراده، تستوجب الالتفات إليه كحق مشروع ([xxvi])!

    ورغم وجاهة هذا الطرح، وقبل أن يفكر القارئ في قبوله أو رفضه، أسرع الجمعان بضرب مثاله الدّال، عندما استحضر تجربتي مارون النقاش في لبنان، والقباني في سورية، ووضع نظيرهما تجربة أحمد السباعي في السعودية ([xxvii])!! وهذه المقاربة مقبولة نظرياً، ومرفوضة منطقياً!! لأن تجربتي النقاش والقباني حدثتا في القرن التاسع عشر، أما تجربة السباعي في السعودية فحدثت في منتصف القرن العشرين، أي بعد مائة عام تقريباً!! وهذا يعني أن الجمعان يريد من القارئ – في القرن الواحد والعشرين - أن يتقبل تجربة المسرح السعودي – التي بدأت في القرن العشرين – ولكن بعقلية القرن التاسع عشر!!

    وحتى لا يترك الجمعان أية فرصة للقارئ كي يفكر في التراجع عن قبول طرحه، أسرع بقوله: "مؤكد أن المجتمع في السعودية به تيار يرفض بشدة فنون المسرح، بل ويرفض كل أشكال الفنون، فضلاً عن حساسيته الشديدة تجاه لفظة (فن) على وجه التحديد، وهو ما كان قد قضى على بدايات المسرح السعودي الأولى حين شمّر (أحمد السباعي) عن ساعديه ليؤسس لتجربة مسرحية سعودية لم يُكتب لها النجاح" ([xxviii]). وأمام هذا القول، لا يملك القارئ سوى التعاطف مع المسرح السعودي، وتقبله كما هو وبخصوصيته المفروضة اجتماعياً، والمرفوضة فنياً وعقلياً ووجدانياً!!

    بهذه المهارة في الطرح، نجح سامي الجمعان في إقناع قُراء بيانه الأول بتقبل (خصوصية المسرح السعودي)! وعندما تأكد من قبول تلك الخصوصية عند القُراء؛ كشف عن تفاصيل هذه الخصوصية؛ المتمثلة في ست نقاط: الأولى، أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ .. متشدد .. غير مرن .. مؤمن (بأن ما نعرفه خيراً مما نجهله) ([xxix]). والنقطة الثانية، "مشاركة المرأة المعلقة في هذا المسرح حتى يومنا هذا" ([xxx])! والثالثة، عدم وجود مشروع تنموي لفن المسرح تتبناه الدولة، على الرغم من وجود جمعية للمسرحيين السعوديين ([xxxi])! والرابعة، عدم وجود "حاضنة أكاديمية متخصصة ترعى المواهب المسرحية السعودية، وتعمل على تسليحها أكاديمياً بعلوم فن المسرح" ([xxxii])! والخامسة، جمعية الثقافة والفنون هي الجهة الرسمية الوحيدة التي ترعى جميع الفرق المسرحية، مما أدى إلى ظهور إنتاج مسرحي رسمي بيروقراطي ([xxxiii])! والنقطة الأخيرة، تمثلت في عدم وجود مسرح اجتماعي جماهيري يؤثر ويتأثر بالمجتمع وبالرأي العام، مما أدى إلى شيوع المسرح التجريبي المُسمى بعروض المهرجانات ([xxxiv])!!

    هذه النقاط الست، شكّلت مصطلح (الخصوصية) للمسرح السعودي، وهي النقاط التي أطلق عليها سامي الجمعان اسم (المعوقات القاهرة)! أي إنه يعترف صراحة أن خصوصية المسرح السعودي، ما هي إلا معوقات قاهرة!! والغريب – رغم هذا الاعتراف – أننا نجده يرفض مصطلح الخصوصية، ويقترح مصطلح (الهوية) بديلاً إيجابياً مقبولاً، بدلاً من مصطلح (الخصوصية) بوصفه مصطلحاً سلبياً ممقوتاً ([xxxv])!! ويوضح الجمعان هذا الأمر قائلاً: " إننا لا نطرح موقفاً معادياً من مبدأ الخصوصية، بيد أننا نشترط أن تتحول أولاً إلى مصطلح أدق علمياً هو (الهوية) الخاصة، بوصفها سمة لكل مجتمع إنساني تحكمه ظروفه الخاصة وثقافته وملامحه المميزة له، فتتحول إلى باعث لتطوير هذا المجتمع، وتصبح محفزاً لسير عجلة فنونه ومختلف إبداعاته، بفعل من مقوماتها الخاصة التي تميزها عن الهويات الأخرى، بل وتسهم إيجابياً بخلقها شيئاً من الحضور المتفرد الإيجابي لحامليها" ([xxxvi]).

    وهذا التفسير - لتبديل مصطلح الهوية بدلاً من الخصوصية – مرفوض جملة وتفصيلاً! فالمعطيات لا تؤدي إلى النتائج!! لأن (المعوقات القاهرة) في الخصوصية؛ كيف تصبح في (الهوية): سمة مجتمع إنساني، أو ملامح مميزة، أو باعثاً لتطوير مجتمع، أو محفزاً للفنون، أو إسهاماً إيجابياً، أو تفرداً إيجابياً .. إلخ؟!! فقد أجهد الجمعان نفسه في محاولة إقناع القارئ تقبل مصطلح (الهوية) كمصطلح إيجابي، بدلاً من (الخصوصية) كمصطلح سلبي، من أجل قبول خصوصية المسرح السعودي – أي المعوقات القاهرة – قبولاً إيجابياً لا سلبياً!! وبمعنى آخر: أراد الجمعان – بكل وسيلة ممكنة – أن يجعل قُراء بيانه يقتنعون بمصطلح (الهوية)؛ لأنهم من خلاله سيشاهدون عروض المسرح السعودي، ويستقبلون رسائله، ويقرأون نصوصه، ويؤمنون بطرحه كأنه مسرح طبيعي – كامل النمو - خالٍ من أي سلبيات أو نواقص أو معوقات!! وبذلك يبتعد المتلقي عن (الخصوصية)، التي حدد الجمعان موقفه منها قائلاً: " فالخصوصية التي أُلصقت بالمسرح السعودي تحولت إلى (بعبع) يعطي إيحاءً بتجربة متعثرة خاملة، وبضعفها، وأحياناً بعدم استحقاقها حتى المشاهدة والالتفات، تلك هي الخصوصية التي نمقتها ونعمل على تصحيح مساراتها المحبطة، كونها تحولت إلى موقف سلبي مثبط تبناه النقاد في التعاطي مع التجربة المسرحية السعودية" ([xxxvii]).

    ومن خلال هذا الموقف يظهر هدف الجمعان من صياغة بيانه الأول ونشره!! فسامي الجمعان يريد تصحيح مسار الخصوصية من مسار سلبي باعتراف الجميع إلى مسار إيجابي يتعاطى معه الجميع!! ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟؟ السبيل من وجهة نظر سامي، هو قبولنا المسرح السعودي كما هو الآن!! بمعوقاته القاهرة أو بخصوصيته أو بهويته، ومحاولة البحث عن إيجابيات خفية أو مستترة تظهر من حين إلى آخر وسط هذه المعوقات!! وبمعنى آخر: قبول المسرح السعودي بصورته الراهنة، وعدم الاهتمام بأن عروضه تجريبية مهرجانية، ولا غضاضة في غض الطرف عن كونها لا تؤثر في الجمهور، ولا تتأثر بالحياة الاجتماعية المتشددة، ويُفضل قبول المسرح أعرجاً دون عناصره النسائية، ونسيان أن القائمين على الحركة المسرحية غير متخصصين، مع التهليل برسمية المسرح وبيروقراطيته!!

    هذا هو هدف سامي الجمعان من بيانه الأول!! والحق يُقال: أن الجمعان نجح نجاحاً ساحقاً في استفزازي بصورة كبيرة؛ فلولا بيانه هذا ما كنت قرأت عن المسرح السعودي، وما كنت كتبت كلمة واحدة في هذا البحث!! وحقيقة أخرى أعترف بها: أن سامي الجمعان استطاع – بمهارة كبيرة – أن يضع يده على مفاتيج كثيرة في بيانه هذا، وهذه المفاتيح ستخدم حركة المسرح السعودي مستقبلاً، لا سيما لو أضفنا إلى بيان سامي الأول بيانه الثاني، وخرجنا من البيانين بمشروعه التأليفي، الذي أتوقع له نجاحاً كبيراً، سيغير مجرى المسرح السعودي بأكمله!! وربما أعود إلى كتابات الجمعان المسرحية – نصوصاً وبيانات – في دراسة مستقلة؛ لأنني شعرت – من خلال كتاباته – أن المسرح السعودي يستحق من الجميع الاهتمام به، حتى يخرج من كبوته ويتخلص من معوقاته القاهرة أو خصوصيته الممقوتة أو هويته المنبوذة، ليصبح مسرحاً خليجياً عربياً كاملاً!!

    وسأبدأ بنفسي في هذا المجال، وأدلي بدلوي فيما يتعلق بالخصوصية! رداً على مناشدة سامي الجمعان في ختام بيانه الأول، عندما قال: " أناشد عبر هذا البيان المسرحي وباسم كل سعودي تشرّب المسرح روحه، أناشد المسرحيين العرب على اختلاف توجهاتهم المسرحية أن يراجعوا مواقفهم، وأن يفتحوا على قمقم الخصوصية شرفةً ينبعث منها الهواء، ويتسرب إليه منها شيئ من أمل الاعتراف بهذا المسرح، لعله يسنح لرؤية جديدة، قد يجدوا – من خلالها – داخل هذا المسرح شيئاً ذا بال، ولربما اكتشفوا فيه مفردات فنية تستحق أن يحاوروها، بل حتماً سيجدون في إطار هذا المسرح (المهمّش) قلوباً تنبض بفن المسرح، وعقولاً هامت شغفاً وحباً فيه، ولربما كانت الخصوصية هوية يتفرّد بها المسرح السعودي ويصنع حالته الخاصة من خلالها" ([xxxviii]).

    كم تأثرت بهذه المناشدة! وكم لمست وجداني صدق كلماتها، فقررت أن ألبي نداء صاحبها؛ لأنني بالفعل مؤمن بوجود طاقات فنية مسرحية سعودية، تستحق الظهور وأخذ مكانها وسط رموز المسرح الخليجي!! فكم من سامي الجمعان في المملكة بفكره المسرحي المستنير! وكم من فهد ردة الحارثي بإبداعه المسرحي المتميز! وكم من محمد العثيم بنصوصه المسرحية الغزيرة، وكم من أحمد الهزيل بطاقته الفنية الإدارية! وكم من حليمة مظفر بدراساتها الأكاديمية الرصينة! وكم من أمل بنت أحمد الحسين في جرأة طرحها النقدي المسرحي! وكم من سناء يونس كرائدة متخصصة! وكم من عبد الناصر الزاير كفنان رائد في تخصص المسرح!

    مناشدة الجمعان تُطالب الجميع بتقبل خصوصية المسرح السعودي – كما هي – والبحث في قمقمها عن بذور صالحة لتشكيل كيان مسرحي سعودي، يتقبله الجميع!! وهذه المناشدة سيلبيها البعض كما طرحها الجمعان، أما أنا فسألبيها - لقناعتي بهدف صاحبها النبيل - ولكن بصورة مخالفة تحقق الهدف نفسه!! وذلك من خلال عدم تقبل الخصوصية؛ بل اقتحام مفرداتها أو معوقاتها أملاً في إنهائها، أو تقليصها، أو تهذيب بعض نقاطها، أو تقويم البعض الآخر!!

    لقد حدد الجمعان خصوصية المسرح السعودي - أو معوقاته القاهرة – في ست نقاط، هي: المجتمع المحافظ المتشدد غير المرن، ومشاركة المرأة المعلقة في المسرح، وعدم وجود مشروع تنموي، وعدم وجود حاضنة أكاديمية، ورعاية الجمعية بوصفها جهة وحيدة للمسرح، وأخيراً عدم وجود مسرح يؤثر ويتأثر بالمجتمع! والحقيقة أن إشكالية المسرح السعودي، أو خصوصيته، أو معوقاته .. إلخ، تكمن في أمرين لا ثالث لهما، وهما أول أمرين ذكرهما الجمعان: (المجتمع االسعودي المتشدد، وعدم مشاركة المرأة في المسرح)!! فلو تم معالجة هذين الأمرين، سيتم – بلا شك – معالجة بقية النقاط.

    المجتمع بين المحافظة والتشدد

    لا أعلم – حقيقة – من أين جاءت صفة المحافظة أو التشدد بالنسبة للمجتمع السعودي، فيما يتعلق بالفنون؟! أهذه الصفة أُلصقت بالمجتمع بسبب وجود الحرمين الشريفين؟! ربما!! ولكن لو رجعنا إلى الوراء، لوجدنا المسئولين القدامى أكثر مرونة من المسئولين الحاليين، أو ممن يلصقون صفة التشدد إلى المجتمع السعودي!! ففي عام 1934 دخل الراديو (الإذاعة) إلى المملكة بصورة رسمية! والمعروف أن الراديو به مسلسلات وأغاني وبرامج ... إلخ، فماذا فعل المسئولون؟! أجازوا إدخال الراديو (الإذاعة) إلى جميع أرجاء المملكة، ومنعوا "إدخال آلات الراديو في المدينتين الطاهرتين مكة والمدينة" ([xxxix])!! وهذا إجراء منطقي، ولعله يُطبق بالنسبة للمسرح وبقية الفنون في وقتنا الراهن، وبذلك لا تُحرم المملكة بأكملها من وجود الفنون بها!

    ويذكر لنا عبد الرحمن المريخي عن بداية ظهور المحافظة - أو التشدد بالنسبة للتمثيل – في خمسينات القرن الماضي، قائلاً: " المسرح تقريباً بدأ من خلال ما كان يقوم به بعض الظرفاء والحكائيين والمقلدين للترفيه عن حضور حفلات الأعراس أو غيرها من جلسات الوجهاء والأثرياء .. بحيث كانوا يقومون ببعض المشاهد الحوارية لإثراء الجلسة بحوار بسيط غالباً ما يتم بين شخصين أو ثلاثة. منه ما يقع من خلاف بين الزوج وزوجته الجاهلة المتسلطة، أو بين الجار وجاره، أو بين الأديب والجاهل، أو البدوي والحضري. ونخص بالذكر بعض الأفراد الممثلين الذين مازال البعض يتذكرهم، والذين برزوا قديماً من خلال الاحتفالات الإحسائية .. منهم الحسيوي، وعبد الله المصباح، وخالد بوتليف، وحسين بن طويرش، وصالح يحو .. وغيرهم. هؤلاء الكبار في السن عملوا بعض المشاهد التمثيلية الارتجالية التي ترفه عن الحضور خلال جلسات الأفراد القديمة وبالأصح فيما يعرف (بالمجيلس) التي تقام في المزارع والبساتين وتشتهر عيون الإحساء، وعين (أم سبعة) بشكل خاص باحتضان مثل هذه الجلسات رغم حرص الجهات المسئولة بمنع مثل هذه التجمعات الفنية الطربية وهذه مسألة قديمة ربما تعدت الخمسين سنة" ([xl]). وما يهمنا من هذه القصة، أن المسئولين كانوا حريصين على (المنع) وليس (التحريم)!! أي المحافظة لا التشدد! كما أن الكاتب يعقب قائلاً: (وهذه مسألة قديمة ربما تعدت الخمسين سنة)، والكلام عائد على موقف المسئولين، لا على القصة نفسها!! أي أن الكاتب يريد أن يقول أن هذه المحافظة المُبالغ فيها، كانت منذ خمسين سنة!! أي لا وجود لها الآن!!

    ويحكي المريخي أيضاً قصة مهمة، تُظهر مدى مرونة بعض أعضاء (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالنسبة للعروض المسرحية! ففي عام 1971 كانت جمعية الثقافة والفنون بالإحساء تلجأ إلى هذه الهيئة لأخذ التصريح بإقامة أي عرض مسرحي خاص بها، وكانت الهيئة " تعطي الجمعية التصريح بعمل نشاطها المراد تنفيذه تحت مسئولية أحد أفراد إدارتها، وغالباً ما كان الأستاذ (عبد الله العثيمين) – رحمه الله – يتعهد بنفسه بتحمل مسئولية نتائج ما سوف يحدثه الحفل لاحقاً من شغب أو سوء تصرف من الجمهور، أو من المشاركين في الحفل الفني، كل هذه كانت تضحية تقع على كاهل الأستاذ (العثيمين) ويتحملها بكل شجاعة وثقة" ([xli]). وهذه الشهادة تؤكد أن أعضاء هيئة الأمر بالمعروف – رغم تشددهم المعروف إلا أن – بينهم أعضاء من التنويريين .. المحبين للفنون .. المؤمنين برسالة المسرح!!

    وهذا الأمر لم يستمر طويلاً، حيث " تعرض المسرح السعودي لعدة عقبات وانتكاسات بسبب الوضع الاجتماعي، وتغير الموقف الرسمي نحو المسرح فلم يعد يجد الدعم الذي كان يجده من قبل خصوصاً في بداية التسعينات حيث تعرّض المسرح السعودي لحالة ركود، وتعالت الأصوات التي ترفضه، بل وتطالب بمصادرته وهذه المطالبة تأتي ضمن حزمة المطالبات التي نمت في تلك الفترة بمصادرة كل ما يمت للفن والجمال بصلة، واستمر هذا الوضع حتى منتصف 2000م وبعدها بدأ يظهر من هنا وهناك حراك مسرحي بخجل وبحذر ورغم ذلك فقد واجه العديد من الاعتراضات التي وصل بعضها للصراع والعنف والتكسير" ([xlii]).

    ويستكمل سامي الجمعان الصورة الأخيرة قائلاً: "إن محافظو القرن الحادي والعشرين لا يعرفون للحوار سبيلاً، فالبطش والإقصاء والضرب وسيلتهم الناجعة لإيقاف المسرح!! تؤكد لنا ذلك الأحداث المؤسفة التي جرت في كلية اليمامة بالرياض، وتحديداً في يوم 27/11/2006 أثناء عرض مسرحي إقامته الكلية تحت عنوان (وسطي بلا وسطية)، وتتلخص الأحداث المؤسفة حقاً بمباغتة الممثلين بعد دقائق معد
    المصدر: بحث منشور في كتاب (في المسرح السعودي : دراسات نقدية) – تحرير د.سامي الجمعان- سلسلة مختارات الأدب السعودي – عدد2 – جامعة الملك سعود – إدارة النشر العلمي والمطابع - الرياض – ص (273 – 301)
يعمل...
X