إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سيرة الحرية والاستبداد عند عبد الرحمن منيف - د. عاطف البطرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيرة الحرية والاستبداد عند عبد الرحمن منيف - د. عاطف البطرس

    عبد الرحمن منيف..سيرة الحرية والاستبداد

    د. عاطف البطرس

    كلما كانت الموهبة كبيرة أصبحت الأسئلة التي تثيرها أعمق وأكثر.
    عبد الرحمن منيف مواطن عربي إنساني بامتياز، من أب سعودي، وأم عراقية، ولد في عمان، درس في القاهرة، عمل في كل من بغداد وبيروت، ثم تزوج من سورية، واستقر في دمشق حتى الغياب.
    تنقل دائم وترحال مستمر في العواصم العربية، تخصيب ثقافي يجمع بين الأصالة العربية والانفتاح على ثقافات العالم، بلغراد، فرنسا.
    أتاحت الأسفار الدائمة للكاتب عبد الرحمن منيف غنى معرفياً وتجربة حياتية عميقة، كما وفرت له ثقافته ومعارفه المتنوعة أرضية ثرّة لا بد منها لمن يتصدى لكتابة الرواية، ومغامرة تأليفها. وكان لمشاركته في الحياة السياسية والفكرية في العالم العربي أثر هام فيما أنجزه من أعمال روائية.
    عبد الرحمن منيف رجل سياسة وفكر وأدب، اختار الرواية لما تملكه من سعة صدر وسماحة وقدرة على استيعاب التنوع والاختلاف، وإحاطة بالفكر والفلسفة وعلاقة متميزة مع التاريخ، لذلك كان خيار منيف لهذا الفن أداة تعبيرية يبث من خلاله أفكاره وينشر مبادئه وقيمه في الحرية والعدالة والتقدم والانفتاح والمثاقفة.
    يكاد عبد الرحمن منيف أن يكون رائد رواية السجون في الأدب العربي، إذ تعدّ روايته (شرقي المتوسط)، من بواكير الروايات العربية التي تناولت موضوع السجن السياسي، وما يمارس فيه من أساليب التعذيب، ومجمل إنتاجه الروائي والفكري تأريخ لسيرة السلطة والاستبداد.
    تشكل روايتا (الأشجار واغتيال مرزوق) و(قصة حب مجوسية) إضافة نوعية إلى الرواية العربية التي تصدت لمعالجة اللقاء الحاصل بين الشرق والغرب من خلال علاقة الحب بوصفه تعبيراً مجازياً عن لقاء بين حضارتين ونمطين من الثقافة وطرائق التفكير.
    حاول عبد الرحمن منيف أن يختطَّ طريقاً خاصاً به في الرواية العربية، فيؤسس لرواية عربية توشك أن تحدث قطيعة مع تقاليد الرواية كما وصلتنا من الغرب، وبذل جهداً إبداعياً ليشكل مادة روائية وفية للخصائص المحلية، وبضمن ذلك البيئة المكان، الزمان، الشخصيات، اللغة الروائية، اللهجات المحلية.
    تجلى ذلك بوضوح في عمله الكبير والهام (مدن الملح)، فهو الروائي الأول الذي تعامل مع الصحراء وما أحدثه النفط فيها من تحولات، إضافة إلى الروائي الليبي إبراهيم الكوني.
    استطاع عبد الرحمن منيف أن ينمذج شخصيات روائية دخلت ضمير القراء، متعب الهذّال، نجمة المثقال في مدن الملح، عساف في النهايات، زينب كوشان في أرض السواد. وتبقى شخصية بطل شرقي المتوسط (رجب) من أكثر شخصيات منيف قرباً من القراء لإشكاليتها ولما تملكه من قدرة على مقاومة الظلم والاستبداد، على الرغم من انكساراتها الداخلية.
    حاول منيف في مجمل أعماله أن يواجه، بشجاعة، الثقافة الاستعلائية المزيفة بسؤال الحرية والديمقراطية، بوصفه مفكراً. وطرح أسئلة كبرى تتعلق بالمصير العربي وبمستقبل المنطقة. ولعل روايته (حين تركنا الجسر) أفضل محاكمة للمثقف العربي المحاط بحالة عجز عامة، وجد معادله الفني في شخصية الصياد، وفي تباطؤ الأحداث وتراخيها التي تدل على انخفاض وتيرة التقدم والتطور في المنطقة وميلها إلى الثبات والاستقرار الآسن... انهدم الجسر وانفتحت الضفة على الأخرى، عالم ينهار، وعالم قيد التشكُّل.
    ترك عبد الرحمن منيف مدونة سردية حافلة بالمواضيع والأسئلة، فحجم الأسئلة بحجم الموهبة التي تثيرها، وبالأشكال التي تقدَّم من خلالها، وما يسجل بجدارة للكاتب كيف حوّل المأثورات الشعبية والحكايات البسيطة والمباشرة إلى خطاب روائي متقدم.
    صمْتُ عبد الرحمن منيف وخجله أثناء حياته، وتجواله في مدن متعددة ومتباينة فجَّر طاقاته الإبداعية، فسكب لنا عصارة خبراته وثقافته سرداً روائياً متميزاً، يحمل الطابع الفكري والروح النقية الصافية، التي استطاعت أن تكشف لنا عوالم كثيرة، من أهمها وأكثرها إثارة الصحراء، مكمن الأخطار والنعمة والنقمة والنار الملتهبة.
    ما تركه منيف من إبداع في السياسة والثقافة والفكر والرواية، كفيل بأن يبقيه على قيد الحياة آماداً مديدة وأجيالاً عديدة، لحيوية ما طرحه من أفكار وآراء، وهو شاهد على التفاعل الخلاق بين الفكر والثقافة والسياسة والأدب.
    د. عاطف البطرس
يعمل...
X