إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بقلم : محمد زراولة - عــرض لكتاب ( تحليل الخطاب الروائي) لمؤلفه : سعيد يقطين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم : محمد زراولة - عــرض لكتاب ( تحليل الخطاب الروائي) لمؤلفه : سعيد يقطين

    عــرض لكتاب ( تحليل الخطاب الروائي)
    لمؤلفه : سعيد يقطين
    بقلم : محمد زراولة




    يندرج كتاب (( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، السرد ، التبئير )) لمؤلفه ( سعيد يقطين ) ضمن الدراسات التي حاولت عن كثب الاستفادة من النظريات الحديثة للنقد الأدبي ، و تطبيقها على المتون الروائية العربية ، الكتاب صادر عن منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ، سنة 1997 في طبعته الثالثة و هو من الحجم المتوسط يقع في حدود 391 صفحة .
    عــرض لكتاب ( تحليل الخطاب الروائي) لمؤلفه : سعيد يقطين




    خطة العــــــــــــرض




    ـ مدخـــــــــــــــــــــــل
    أ ـ تحليــــل الخطــــــاب الروائي
    01 ـ تعريف الخطـــــــــاب
    02 ـ مفهوم الخطاب الروائي
    ب ـ مكونــــــات الخطاب الروائي
    01 ـ زمن الخطاب
    02 ـ صيغ الخطاب
    03 ـ الرؤية السردية في الخطاب
    ـ خاتمـــــــــــــــــــــة






    مدخـــــــــــــــــل :

    يندرج كتاب (( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، السرد ، التبئير )) لمؤلفه ( سعيد يقطين ) ضمن الدراسات التي حاولت عن كثب الاستفادة من النظريات الحديثة للنقد الأدبي ، و تطبيقها على المتون الروائية العربية ، الكتاب صادر عن منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ، سنة 1997 في طبعته الثالثة و هو من الحجم المتوسط يقع في حدود 391 صفحة .
    يتناول الكتاب بالبحث موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) و نظرا لأهمية الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها ، يجدر بنا الأمر أن نشير إلى أن الغرض من هذا العرض ليست تلك التطبيقات التي خص بها المؤلف مجموعة من النصوص الروائية العربية ، بل الأمر يتعلق بالجانب النظري الذي أفرد له الباحث حيزا معتبرا من الاهتمام ، و بغية الاستفادة من هذا الجانب ـ لثرائه و تنوعه بحق ـ ارتأينا أن نلف الانتباه أولا إلى ما لمسناه أثناء تتبعنا للطريقة التي اعتمدها المؤلف في دراسته للموضوع ، حيث لاحظنا استعراضه الدقيق لمختلف الآراء و الاتجاهات و الأبحاث التي لها علاقة بموضوع الدراسة مع مناقشتها و ترجيح بعضها على البعض منها مع التعليل ؛ و ثانيا دعوتنا الملحة للعودة إلى تلك الدراسة للاستفادة منها ، فما نحن بصدد عرضه اليوم مجرد مفاتيح عامة للحث على قراءة الكتاب لا غير .
    يتكون الكتاب من تقديم و مدخل و ثلاثة فصول بنفس الأهمية مع تطبيقات على الروايات العربية التالية ( الزيني بركات ، الوقائع الغريبة ، أنت منذ اليوم الزمن الموحش ، عودة الطائر الحر إلى البحر ) و قد جاءت الفصول الثلاثة على النحو التالي :
    ـ الفصل الأول : زمن خطاب الروايــة
    ـ الفصل الثاني : صيغة خطاب الرواية
    ـ الفصل الثالث : الرؤية السردية في الخطاب الروائي
    .
    إن الإشكالية التي تتطرق إليها الدراسة ، تتعلق بتلك الكيفية التي تشتغل على أساسها مكونات و عناصر الخطاب الروائي ، بالاستناد إلى طرح موضوعي ساقه المؤلف في تقديمه للموضوع و المبني على كون تعدد الخطابات و اختلافها لقصة واحد يكتبها عدد من الروائيين يعود في الأصل إلى اختلاف هؤلاء الروائيين في اتجاهاتهم و مواقفهم مع كون القصة المتناولة من طرفهم هي قصة واحدة بأشخاصها و زمانها و فضائها .
    انطلاقا من هذا المعطى الموضوعي يذهب المؤلف في البحث عن أجوبة لعدد من الأسئلة الجوهرية تخص موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) مع إبراز مكوناته متعقبا المسار الذي قطعته تلك المكونات في رحلتها حتى تبلورها ، مقتفيا مختلف مراحل تطورها ، منذ النشأة إلى أن تكرست كعناصر أساسية لأي خطاب روائي ، بل لا حديث عن مفهوم ( خطاب روائي) دون الحديث عن هذه المكونات الجوهرية ، كما تناول المؤلف الكيفية التي تشتغل على أساسها هذه المكونات داخل (الخطاب ) في علاقتها فيما بينها تارة و عملها و هي تتقاطع تارة أخرى .

    أ ـ تحليل الخطاب الروائي :
    01 ـ تعريفات الخطاب :

    قبل أن يعرف المؤلف مفهوم ((الخطاب )) تناول بالعرض مختلف الآراء و الاتجاه و الدراسات الغربية التي تناولت الموضوع بالبحث و التنظير له ، متتبعا مراحل تبلوره و تأسيسه، ابتداءا من ذلك الطموح العلمي الذي هيمن على الدراسات النقدية خلال القرن التاسع عشر وصولا إلى أهم الدراسات الحديثة مع ثماننيات القرن العشرين ، و قد أشار في معرض حديثه إلى كون (النقد العلمي ) لم يستطع تحديد موضوع اشتغاله بصفة ملائمة ، إلا مع بدايات القرن العشرين ، حيث تم تحديد الموضوع و رسمت حدوده بدقة و صرامة ، بدءا بمدرسة الشكلانيين الروس الذين أسسوا لميلاد علم جديد للأدب المسمى بـ : ( البويطيقا) ، الذي يعني أدبية الأدب ، وقد أورد في هذا الشأن أراء كل من ( جاكوبسون ، أيخنباوم ، دو سوسير ، ) ثم أراء البويطيقا المتجددة مع (جيرار جينات ، تودوروف ) التي حددت موضوع "الأدبية " الذي أصبح هو ( الخطاب) الأدبي و ليس الأدب بوجه عام كما يذهب إلى ذلك تودوروف قائلا :" ليس العمل الأدبي في ذاته هو موضوع البويطيقا :إن ما تبحث عنه هو خصائص هذا الكتاب الخاص الذي هو الخطاب الأدبي " (1) و هذا لاعتبارات عديدة من بينها أن هناك علاقات بين الخطابات سواء كانت أدبية أو غير أدبية حسب رأي المؤلف .
    وفي معرض محاولاته لتقديم إضاءات حول مفهوم (الخطاب) يشير إلى ذلك النجاح الباهر الذي حققـه علم اللسان في دراسته للغة ، و من ثمة لاحظ هيمنة المصطلحات اللسانية على الدراسات الأدبية للتلازم الذي أصبح وثيـــق الصلة بينها و بــين الأدب ، مرجعا ذلك إلى ما طرحته في هذا المجــال ، باعتبارها ( الجملة ) وحدة كبرى و ما الخطاب إلا جملة من الوحدات ، وقد أشار المؤلف إلى التسميات العديدة التي أخذها مفهوم ( الوحدة ) ، فهي عند البعض " الملفوظ " ، و عند البعض " الخطاب " ، و عند آخرين " النص" ، وقد حاول رصد مختلف الآراء التي تناولت هذه المصطلحات من بينها رأي ( لاينس ) الذي أثار قضية "الملفوظ " (enonce ) ، باعتباره كلاما منجزا و وحدة دلالية متكاملة إذا مـا تجــاوزت الجملــة تصبــح خطابــا " 2 و يسجل في هذا الصدد
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ سعيد يقطين . تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، الصيغة ، التبئير. منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ،ط 3 سنة 1997 .ص :14
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 17

    ذلك التقارب الكبير بين هذه المصطلحات إلى درجة أنها تكاد تكون ذات مدلول واحد .
    لكن الدراسات التي أعقبت ذلك و خاصة البحث الذي قدمه (ز . هاريس ) المعنون بـ : (تحليل الخطاب ) الـذي أشار إلى أن الخطاب يعني " ملفوظ طويل ، أو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية من العناصر " (1 )، و كذا ما قدمه ( بنفنست ) بهذا الخصوص ، أدرجها المؤلف كلها في خانة المحاولات الأولى الجادة لتحديد الخطاب ، تبعتها محاولات أخرى خاصة في بداية السبعينات منها محاولة (فرانسوا راستيه ) في دراسته (( لدلالة التشاكلات )) الذي ذهب إلى التمييز بين لسانيات الجملة و لسانيات الخطاب و كذا محاولة ( جاك كارون ) سنة 1983 الذي بين أن مفهوم الخطاب يجب أن ينظر إليه من منظور سيكوليساني بكونه :" متتالية منسجمة من الملفوظات " (2) .
    لم يكتف المؤلف بهذه الآراء ، بل تناول أيضا تلك الدراسات الأنجلو ـ أمريكية التـي ظهرت مع مدرسة ( بيرمنكام ) و التي تحصر الخطاب في الحوار كما ذهب إلى ذلك ( موشلر ) غير أن ( مايكل هوو ) في كتابه " حول ظاهر الخطاب " يذهب إلى اعتباره " المونولوج" شفويا كان أو كتابيا .
    و يخلص المؤلف إلى تقديم ملاحظتين أساسيتين حول مفهــوم الخطـاب ، حيث يشير إلى تعدد دلالاته قياسا مع تعدد اتجاهات مجالات تحليل الخطاب ، فكل التعريفات بدءا من كونه ـ الخطاب ـ تلك الأدبية كموضوع عند الشكلانيين الروس إلى اعتباره متتالية من الجمل عند اللسانيين و مرادفا للكلام حسب دوسوسير إلى كونه تلك الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة و تصبح مرسلة كلية أو ملفوظا ، إلى تأكيدات الدراسات الأنجلو ـ أمريكية مع مدرسة بيرمنكَام على اعتباره يعني الحوار إلى المونولوج ،هذه التعريفات كلها تتداخل أحيانا و تتقاطع ، و أحيانا أخرى يكمل بعضها البعض الآخر أو يتباعد ، مما يوحي بالتعتيم في كثير من الأحيان ، إلا أن التعتيم سرعان ما يزول عندما نعرف أن خصوصيات تلك التعريفات كلها تحمل في طياتها طرائق جديدة التصور و إجراءات مختلفة في التحليل .



    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (2) ـ التعريف لـ : هاريس ، المرجع السابق نفسه ، ص 17

    (2) ـ التعريف لـ :جاك كارون ، المرجع السابق نفسه ، ص 24


    02 ـ الخطاب الروائــــي :

    ينطلق سعيد يقطين في هذا المبحث من التوضيح التالي و المتمثل في ضرورة الحديث عن الخطاب الحكائي أو السردي أولا كون الخطاب الروائي يندرج ضمن هذا المقام و يرجع ذلك للطابع المنهجي الذي تفرضه الدراسة ؛ لأن تسمية نوع الخطاب المشتغل عليه متصلة أساسا بالحكي ، و يتناول الموضوع من خلال تقسيمين :
    ـ القصـــــة و الخطاب
    ـ القصـة ، الخطاب ، النص

    و في معرض حديثه عن النقط الأولى ( القصة الخطاب ) يبرز المؤلف دور الشكلانيين الروس في بحثهم عن مختلف أنساق الحكي موضحا تركيز هم على أسبقية المبنى الحكائي الذي يتألف من نفس الأحداث التي تتشكل منها المادة الحكائية لكنه بالإضافة إلى ذلك يراعي نظام ظهورها في العمل (1) و يقصد بالمادة الحكائية ( القصة ) .
    لتوضيح الأمر يستعرض مختلف الآراء و الأبحاث التي تناولت موضوع الفرق بين الخطــاب و الحكي من جهة و الآراء التي تناولت هذه الثنائية كمعطى واحد من جهة أخرى ، بدءا من : (بنفنست ، تودوروف ، جيرار جنيت ، مجموعة لينج البلاغية ) الذين ميزوا بين الحكي (recit) و الخطاب (discours) ، فـ "الحكي كقصة يتم التمييز فيه بين مستويين هما : منطق الأحداث من جهة و الشخصيات و علاقتها ببعضها البعض من جهة ثانية . أما الحكي كخطاب فيركز على تحليله من خلال ثلاثة جوانب : " زمن الحكـي وجهاته و صيغه " (2) ، أما ( موريس جان لوفيف ) فلا يرى حدودا بين الخطاب و الحكي ، يقول عن الحكي بأنه " كل خطاب يدفعنا إلى استدعاء عالم مدرك كواقع مادي أو روحي و هذا العالم يقع في مكان و زمان محددين و هو يعكس في الغالب فكرا محددا لشخص أو مجموعة من الأشخاص بما فيها الراوي " (3) و قد لاحظ المؤلف أن ( لوفيف ) كان انتقائيا أكثر منه محددا ،كما لاحظ المؤلف أن " كل الذين تناولوا موضوع الحكي قدموا تمييزات ثنائية ضمنه دون أن يُسَمُّوا بشكل مباشر أحد طرفي الثنائية بالخطاب و إن كان يحمل دلالاته " (4) ، ويخلص سعيد يقطين إلى كون تلك الاختلافات تبقى رهينة الاختصاصات التي انطلق منها كل تيار .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 29
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 30
    (3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 34
    (4) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 37


    أما في النقطة الثانية ، يتطرق المؤلف إلى مختلف الدراسات التي تناولت الحكي من ثلاث زوايا ( القصة ، الخطاب ، النص ) كما ذهبت إلى ذلك ( شلوميث ريمون كينان ) في كتابها " التخييل الحكائي " منطلقة من التساؤل التالي : لماذا نجد في تعليق صحفي سردا و لا نجد حكيا ؟ و تخلص إلى كون السرد (narration)ذو طبيعة لفظية به يتم التواصل المستمر الذي من خلاله يبدو الحكي (narrative) مرسلة يتم إرسالها من مرسل إلى مرسل إليه ، لتحدد بذلك التخييل الحكائي في جوانب ثلاثة ـ الأحداث ، تمثيلها اللفظي ، الفعل القولي أو الكتابي ـ و يظهر طرحها من كون " القصة كأحداث مسرودة مجردة من تركيبها في نص معاد إنتاجه ، و إذا كانت القصة هي تتابع الأحداث ، فإن النص هو الخطاب المكتوب أو الشفوي الذي من خلاله نتمكن من قراءتها ، و بما أن النص هو الخطاب فلابد له من كاتب أو متكلم ، لذلك فإن فعل أو عملية الإنتاج هي التي يمكن اعتبارها الجانب الثالث أي السرد . و من خلال النص نتعرف على القصة باعتبارها موضوعه و السرد باعتباره عملية إنتاجه " (1) .
    فبهذا التقسيم الثلاثي للحكي يغدو الخطاب "تواصلا لسانيا منظورا إليه كإجراء يتم بين متكلم و مخاطب و كفاعلية تواصلية يتحدد شكلها بواسطة غاية اجتماعية ، و النــــص كمرسلة مشفرة عبر وسيطها المكتوب أو الشفوي " (2) و حسب المؤلف فإن الحكي يتجلى له " كخطاب متشكل من توالي أحداث مرتبطة تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها و عناصرها " (3) .
    ولتحديد مفهوم الخطاب الروائي يضعنا المؤلف أمام اتجاهين ،اتجاه حصري مع كل من ( جيرار جينات و تودوروف ) اللذين اعتمدوا على معيار الصيغة للتمييز بين الخطابات الحكائية على اعتبار وجود جوانب أخرى غير سردية في الحكي ( السنيما ، المسرح ،الصور المتحركة ) ، و اتجاه توسيعي مع ( بول ريكور و ميشيل ماتيو و كولاس ) اللذين يوظفون معيار الموضوع للتمييز بين الخطابات ، لذلك نجد المؤلف بخصوص الخطاب الحكائي ينحاز إلى تحديد جنيت ، مبرزا ثلاثة معايير تحكم سردية الخطاب الحكائي و هــــــي :
    1 ـ الصيغـة : الســـــرد
    2 ـ الزمــن : استيعاب الحكي
    3 ـ قصدية الكاتب :
    هل يكتب الكاتب ضمن حدود الخطاب السردي أم خارجها ؟ .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 42 .

    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 44
    (3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 46 .


    لكن الملاحظ أن هذه المعايير التي تحكم سردية الخطاب الحكائي تتوفر عليها خطابات سردية أخرى عديدة مثل ( القصة ، الحكاية الشعبية ، السيرة الذاتية ، السيرة الشعبية ) ، فلماذا لجأ المؤلف إلى التخصيص انطلاقا من سرديات الخطاب الروائي كمعطى أول ؟ .
    يردُّ سعيد يقطين الأمر إلى الأسئلة التي يطرحها موضوع دراسته و لاعتباره الرواية خطاب أدبي ينتج ضمن خطابات أخرى أدبية و غير أدبية .
    ب ـ مكونات الخطاب الروائي :
    بعدما حدد المؤلف الموضوع الذي تشتغل عليه الدراسة ، و المتعلق بتحليل الخطاب الروائي ، مستعرضا جملة من الدراسات و الآراء و النظريات متقصيا جوانب التلاقي و التنافر و الأخذ و العطاء ، تناول في هذا المحور مكونات الخطاب الروائي ، مستبعدا البحث في القصة إلا من خلال علاقتها بالخطاب باعتباره هو الذي يهتم به بالدرجة الأولى ، وقد حصر تلك المكونات في ثلاثة عناصر .
    1 ـ الزمن
    2 ـ الصيغة
    3 ـ الرؤية و الصوت .

    و يرى المؤلف أن هذه المكونات هي التي يركز عليها السرديون بصفة عامة مع اختلافاتهم في ترتيبها و ربط بعضها ببعض .
    1 ـ الزمن و الخطاب :
    يشير المؤلف في البداية إلى كون الزمن في اللغة العربية لم يقطع بعد صلاته بالأصول المنطقية التي قام عليها منذ قرون ( ماض ، حاضر ، مستقبل ) إلا أن الغربيين و بخاصة مع ما أحدثته الثورة اللسانية مع فاردناند دوسوسير، و ما تلاها من أبحاث قد أحدثت قطيعة حقيقية مع التحليل التقليدي للزمن في اللغة ، متطرقا إلى تلك الإشكاليات و القضايا التي يثيرها تحليل الزمن و علاقته بالخطاب الروائي ، موزعا دراسته في هذا الشأن إلى ثلاثة نقاط :
    1/1 ـ اللسانيات و الزمن : أبرز فيها تعامل اللسانيات مع مقولة الزمن.
    2/1 ـ الروائيون الجدد و الزمن : و يتناول الكيفية التي تعاطى بها بعض الروائيين جدد أمثال ( ريكاردو ، آلان روب غرييه ، ميشيل بوتور ) من خلال كتاباتهم النظرية عن الزمن .

    3/1 ـ لسانية الخطاب و الزمن : استعرض في هذه النقطة آراء العديد من الباحثين لمقولة الزمن في الخطاب السردي وضمنه الخطاب الروائي .
    1/1 : اللسانيات و الزمن :
    لقد أعاد البحث اللساني طرح مقولة الزمن من منظور جديد مع كل من ( لاينس ، إميل بنفست ، دوكرو ،تودوروف ) ، الذين انطلقوا من التقسيم الثلاثي القديم ( الماضـــي ، الحاضــر ، المستقبــل ) المتسم بطابع الكلية و الشمولية ، ليقدموا عدة تقطيعات و تصنيفات مقولية ، أهمها ما ذهب إليه ( إميل بنفست ) و سماه الزمن اللساني مبررا طرحه أنه " بواسطة اللغة تتجلى التجربة الإنسانية للزمن . و الزمن اللساني ، كما يبدو لنا ، لا يمكن اختزاله في الزمن الحدثي أو الفيزيائي " (1) و الملاحظ أن هذا الزمن مرهون بلحظة إنجاز الكلام ، معتبرا أن الحاضر اللساني هو أساس كل التقابلات الزمنية للغة و ليس في الواقع إلا زمن واحد هو الحاضر يسجل من خلاله الالتقاء الضمني بين الحدث و الخطاب ، أما الزمنان الآخران فيتحددان في علاقتهما بالحاضر كما يوضح المؤلف .
    أما دوكرو و تودوروف فيستندان إلى المبدأ القائل بأن المؤشرات الزمنية و إحصاؤها لا يتم إلا عن طريق تحليل الجملة ، " لأن هذه المؤشرات تكون دائما في المحمول على اعتبار كونه لا يشكل فقط موضوع كيفية معينة أو حدث معين ، و لكن أيضا نمط تجلِّي زمن الحدث و الكيفية " (2) .
    2/1 :الروائيون الجدد و الزمن :
    يستعرض المؤلف في هذا المقام أهم آراء ( ألان روب غرييه ، جان ريكاردو ، ميشال بوتور ) في تعاملهم مع مقولة الزمن ، لذلك فهو عند روب غرييه يوجد مقطوعا عن زمنيته ،كون ليس هناك أي زمن إلا الحاضر ( زمن الخطاب ) أما اللاحاظر سواء كان قبل أو بعد فهو غير موجود ، في حين أن ميشال بوتور يقسم زمن الرواية إلى ثلاثة أقسام : زمن الكتابة ، زمن المغامرة ، زمن الكاتب . بالإضافة إلى ما أسماه بالطباق الزمني الذي يتجلى لنا من خلال العودة إلى الوراء و ما يلقى على المستقبل من استباقات ، ليتحدث بعد ذلك عن الانقطاع الزمني الذي يحدث من خلال الانتقال من زمن إلى آخر باستعمال إشارات مثل ( و في الغد ، و بعد قليل ) .
    و كما نلاحظ فإن الزمن عندهم أخذ أبعادا و دلالات أخرى ، حاول هؤلاء من خلالها نفي مقولة مطابقة الزمن اللغوي للزمن الواقعي .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 64
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 66
    3/1 : لسانيات الخطاب و الزمن :


    في هذه النقطة يتناول المؤلف آراء أخرى تتعلق بكل من ( هارلد فاينريش ، تودوروف ،فرانسواز فان روسم ، جيرار جينت ) ، ويؤكد أن من أهم الدراسات و أشملها في هذا الموضوع تلك الدراسة التي قام بها هارلد فاينريش التي خصصها لقضية الزمن انطلاقا من الفرضية التي تقول أن توزيع الزمن في أي نص من النصوص ليس توزيعا اعتباطيا ليصل إلى ما أسماه بنظرية (الزمن النصي) مقسما زمن النص إلى قسمين أساسين هما :الإخبار القبلي و الإخبار البعدي و القيمة التي بينهما هي قيمة مبنية على العلاقة بين ما يسميه زمن النص و زمن الحدث ، أما المفهوم الأساسي الثالث عند هارلد فيسميه (الإبراز ) الذي يعني أن الأزمنة يكون من وظيفتها إبراز شيء ما في النص و هي تتناوب فيما بينها ، في حين يعتبر تودوروف أن زمن الخطاب خطي و زمن القصة متعدد الأبعاد بحيث أن " العديد من الأحداث في القصة يمكن أن تجري في وقت واحد ، لكنها في الخطاب لا يمكنها أن تأتي مرتبة واحدة بعد الأخرى و ذلك بسبب الانحرافات الزمنية المتعددة التي تمدنا بها العديد من الخطابات " (1) ، لذا فإننا أمامك أشكال متعددة بحسب علاقة زمن القصة و زمن الخطاب من خلال التضمين أو التسلسل أو التناوب ، على أن أهم دراسة في هذا الشان كما يشير المؤلف تتمثل في البحث الذي قدمته فرانسواز فان روسم تحت عنوان ( نقد الرواية ، حول الرواية ) ن يستعرض سعيد يقطين طرح هذه الأخيرة لمفهوم الزمن على اعتبار الحاضر هو كل شيء ، و أن كل ما حدث و يحدث يتم ترهينه في الحاضر و بذلك " لا يغدو الزمن إطارا شكليا و في داخله تجري القصة إذ أنها تجري من خلال ليس فقط الزمن و لكن من خلال الوعي بالزمن " (2) و يتحدث المؤلف هنا عن الإشارات الزمنية التي بإمكانها إقامة قصة وفق نظام كرونولوجي هذه المؤشرات التي تستوعب ( زمن القصة و الزمن المسرود ) مع توزع هذه المؤشرات حسب صفحات الرواية.
    في حين يذهب جيرار جينت في كتابه ( خطاب الحكي ) إلى كون أن أي نص لازمنية له إلا تلك التي يستعيرها مجازا من خلال قراءته الخاصة و هو بالتالي زمن زائف يتحدد حسب ثلاث مستويات :مستوى الترتيب بمعنى( تنظيم الأحداث في الخطاب السردي بترتيب تتابع الأحداث نفسها في القصة ) لكن هذا الترتيب الخالص للأحداث غير موجود دائما و باستمرار ،أما مستوى المدة بمعنى أن ( المدى amplutide الذي يتشكــل حســب

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 73 .

    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 74


    " المسافة الزمنية التي تفصل بين فترة في القصة يتوقف فيها الحكي ، و فترة في القصة يبدأ فيها الحكي المفارق " (1) فهذه المسافة التي تحدث بين مفارقة الحي و والعودة إلى الحكي المفارق هي التي يسميها جينات بـ ( السعة ) بحيث بإمكان هذه المفارقة أن تغطي مدة زمنية طويلة أو قصيرة من القصة ،غير أن مستوى التواتر الذي تحدث عنه جينت فيعني به ( التكرار ) بمعنى أن " الحدث ، أي حدث ليس له فقط إمكانية أن ينتج و لكن أيضا أن يعاد إنتاجه أي يتكرر مرة أو عدة مرات في النص الواحد " (2) مما ينتج عن ذلك من أزمنة واحدة مكررة تأخذ صفة التراكمية الزمنية .
    4/1 : إشكالية الزمن في العربية :
    يتناول المؤلف في هذه النقطة بعض الدراسات التي تدخل في باب المحاولات العربية في فهم الزمن فهما مغايرا للفهم التقليدي ( ماضي ، حاضر ، مستقبل ) و قد أشار إلى أن العرب قد انتبهوا إلى أن منبع الزمن هو الحال : أو حاضر التكلم و قد استعرض ما ذهب إليه إبراهيم السامرائي في كتابه ( الفعل زمانه و أبنيته ) الذي استنتج أن الزمن في الجملة العربية لا يمكن استخراجه من الصيغة و لكن من السياق ، في حين ذهب تمام حسان في كتابه ( اللغة العربية معناها و مبناها ) إلى اعتماد " التمييز بين الزمن الصرفي و الذي يظهر من خلال الصيغة … و الزمن النحوي الذي تتجلى لنا فيه زمنية الفعل من خلال السياق " (3)
    2 ـ الصيغة و الخطاب :
    في هذا الجانب عمد المؤلف إلى تبسيط آراء اختصاصين اثنين يرتبطان بالخطاب الروائي ليرصد مفهوم الصيغة ، و يتعلق الأمر بكل من البويطيقا باعتبارها ترمي إلى تحليل أدبية الخطاب الأدبي لا الأعمال الأدبية مستفيدة من البلاغة القديمة و البويطيقا الكلاسيكية و اللسانيات كما اعتمد أيضا على السيميوطيقا كنظرية للعلامة سواء كانت هذه العلامة لفظية أو غير لفظية باعتبارها على مستوى الخطاب ترى أن المعنى لا يكون إلا حيث الإختلاف و قد أدرج المؤلف في هذا المحور ثلاثة عناوين فرعية وهي : الصيغة و السرديات الصيغة و السيميوطيقا ، صيغة الخطاب الروائي ، و نحاول من خلال هذا العـرض التطـرق إلى هذه النقاط كلا على حدة كما تناولها المؤلف .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 77 .
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 78 .
    (3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 85
    2/1 : الصيغة و السرديات :

    من بين الدراسات الهامة في هذا الشأن ما ذهبت إليه دراسة تودوروف عن ( مقولات الحكي ) التي يتحدث فيها عن صيغ الحكي و الذي يرى أن " صيغ الخطاب تتعلق بالطريقة التي يقدم لنا بها الراوي القصة و يعرضها " (1) ، و بناء على هذا فإن بعض أجزاء الخطاب لها وظيفة واحدة هي نقل الذاتية مثل ( الضمائر / أسماء إشارة / أزمان الفعل/ بعض الأفعال ) و بعض الأجزاء الأخرى من الخطاب ترتبط بحقيقة موضوعية ، و تبعا لذلك أمكن الحديث عن صيغ موضوعية و أخرى ذاتية و الذي يتحكم في كل ذلك هو السياق و هي بذلك مرتبطة بالجهة التي أنتجت الخطاب كما يوضح المؤلف (2) ،و لقد اهتم السرديون بالتمييز بين السرد و العرض ، فجينت ـ يوضح الدارس ـ قد ارتبط لديه المفهوم بالاختلافات و الاستعمالات وهذه الاختلافات و تعدد الاستعمالات في الحكي هي التي يقصد بها الصيغة السردية ، و على هذا الأساس يميز بين ثلاثة خطابات سردية ( الخطاب المسرود و هو الأبعد مسافة ، خطاب الأسلوب غير المباشر و هو اكثر محاكاة من الخطاب المسرود ، الخطاب المنقول المباشر الذي يتكلم فيه الراوي بلسان الشخصية أو أن الشخصية تتكلم فيه بصوت الراوي ) هذه الصيغ تتم عند جينت على مستوى ( حكي الأقوال ) أما على مستوى (حكي الأحداث ) / السرد فإن الصيغ تختلف لارتباطها بالمستويين الأول و الثاني الأبعد مسافة المرتبطين بالتمييز بين المحاكاة ( الوصف و كثرة التفاصيل) والحكي التام ( الأحداث و قلة التفاصيل ) .
    و من أهم الدراسات التي استوقفت المؤلف ما قام به كل من ( ويللي و بورنوف ) في كتابهما ( عالم الرواية ) اللذين ميزا بين صيغتين ، صيغة مباشرة تجري فيها الأحداث أمامنا من خلال المتكلمين و صيغة سردية يتكفل بها الراوي.
    كما ذهب الباحثان ( ليتش و شورت ) إلى إبراز أن للكاتب عدة صيغ لتقديم كلام الشخصية ، و يشتمل تقديم الكلام على : الكلام المباشر و فيه ( حضور الراوي و كلام الشخصية ) و الكلام المباشر الحر و فيه ( كلام الشخصية دون وسيط ) الكلام غير المباشر و فيه ( تلخيص لمقاطع غير مهم في الحوار ) و ضمن هذا الطرح قدم الباحثان إطارا خاصا بربط أشكال تقديم الكلام بالراوي و درجة حضوره وفق ثلاثة مستويات هي :

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 172
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 172/173 .


    ـ المستوى الأول : مراقبة الراوي الكلية ، ضمن هذا المستوى نجد فقط شكل سرد الحدث .
    ـ المستوى الثاني : مراقبة جزئية من قبل الراوي .
    ـ المستوى الثالث : لا وجود لأي مراقبة .

    و كما يبدو فإن مفهوم الصيغة في البويطيقا قد أخذت عدة اصطلاحات ، فتارة هي الأسلوب و تارة الصيغة و تارة أخرى أنماط الكلام لكن القاسم المشترك بين هذه المصطلحات فيكمن في كونها انطلقت من التقسيم الأصلي بين الدرامي ( الأحداث ) و السردي( العرض ).
    2 /2 : الصيغة و السيميوطيقا :
    يلاحظ المؤلف أن معالجة السيميوطيقا لهذا المفهوم تمت من زاوية نظرية بحتة ،فقد تناوله (غريماس ) لأول مرة في كتابه علم الدلالة البنيوي بمعنى (modalite) ، وقد طغت على دراسته للمفهوم صيغة التجريد ، فهو عندما يقارن بين الملفوظات الموجهة و الوصفية لا ينطلق من النصوص الروائية ،" بل يعطي الأمثلة عن ذلك من خلال الجمل و بعض الرموز الرياضية الاختزالية " (1) ، و أهم دراسة في هذا الجانب ما قام به جان كلود كوكي في كتابه (السيميوطيقا الأدبية ) معتبرا أن " الموضوعات مبنية لا معطاة سلفا و إن ترابطها ينتظم في إطار النظام أو ما يسميه بالنسق " (2) ( ordre ) تسيره عدة موجهات في ترابطها بطبقات العاملين ، ويلاحظ المؤلف أن كلود كوكي في كتابه ( موجهات الخطاب ) قد تناول مفهوم الصيغة بـمعنى ( الموجه ) و ركز في تحليله على ثلاثة موجهات: عرف /قدر / أراد، و هي موجهات تبحث في دلالات المعرفة و القدرة و الإرادة كما تتجلى في الخطاب ،في حين أن (رونكستروف) قد أقر أن عمل هذه الموجهات الثلاثة لا يكتمل إلا بموجه رابع و ذلك ما أشار إليه في مقاله (من أجل موجه سردي رابع ) الذي أوضح فيه إمكانية إضافة موجه آخر هو ( الوجوب ) لتكتمل صفات الموجهات الداخلية و الخارجية في ثنائية متلازمة تراعي في القدرة ( المعرفة و القدرة ) و في التحفيز ( الإرادة و الوجوب ) ، و يلاحظ المؤلف أن هذا الطرح قد لعب دورا أساسيا في بلورة مفهوم الموجهات في الخطاب الروائي ،باعتبار أن السميوطيقا ركزت على أفعال العامل ( actant) لاحتوائه على الموجهات السالفة الذكر و هذا لمعرفة الكيفية التي يشتغل بها الخطاب انطلاقا من العلاقات التي يتأطر فيها اللافظ و الملفوظ و التلفظ (3) .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 191 .
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 191 .
    (3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 192 .


    : صيغة الخطاب الروائي :
    بعد عرضه لمختلف الآراء و النظريات التي تناولت مفهوم الصيغة يحدد المؤلف صيغة الخطاب الروائي انطلاقا من تحديد تودوروف القائل بأنها " الطريقة التي بواسطتها يقدم لنا الراوي القصة " (1) مع عدم مشاطرته رأي جينت حينما ضمنها المسافة و المنظور و يرى أنهما لا يندرجان في إطار الصيغة و يدعو إلى ضرورة الفصل بينهما و بينها باعتبار أن في الصيغة نبحث عن خطابات المتكلم ، فـي حين أن في المنظور بمعنى ( الرؤية ) فإننا نبحث في (من أين يتكلم المتكلم ؟ ) ، كما يقترح المؤلف في هذا الجانب ما أسماه بتبادل الأدوار الحكائية ، و يقصد بذلك أن علاقات السرد و العرض بين الراوي و الشخصيات تتعرض للعديد من التبدلات حسب الموقف الذي تتحدث منه( حكي الأحداث ) ، و هذا الاقتراح كما يرى الكاتب يتيح إمكانية البحث على مستويين :
    ـ صيغ الخطاب الروائي الواحد
    ـ الخطابات الروائية انطلاقا من الصيغ .

    و استنتاجا من كل هذا يعتبر المؤلف أن " الصيغة أنماطا خطابية يتم بواسطتها تقديم القصة " (2) وقد حصر هذه الأنماط الخطابية فيما يلي :
    2/3/1: صيغة الخطاب المسرود ( عندما يكون مرسل الخطاب على مسافة مما يقوله ) .
    2/3/2 : صيغة المسرود الذاتي : ( عندما يتحدث مرسل الخطاب في الآن عن ذاته و إليها عن أشياء تمت في الماضي ) .
    2/3/3 : صيغة الخطاب المعروض : ( عندما يتحدث مرسل الخطاب مباشرة مع متلق مباشر ) .
    2/3/4 : صيغة المعروض غير المباشر : ( عندما يتحدث المتكلم إلى آخر مع تدخلات الراوي قبل العرض أو خلاله أو بعده ) .
    2/3/5 : صيغة المعروض الذاتي : ( عندما يتحدث المتكلم إلى ذاته عن فعل يعيشه وقت انجاز الكلام ) .
    و بالإضافة إلى هذه الأنماط المتعلقة بالسرد و العرض ، هناك من الخطاب ما نجده وسيطا بين ما هو مسرود و ما هو معروض ، و يتعلق الأمر بما أسماه المؤلف بالخطاب المنقول باعتبار أن المتكلم لا يقوم بعملية إخبار متلقيه عن طريق السرد و العرض فقط و لكن أيضا عن طريق نقل كلام غيره سردا و عرضا ، و على هذا الأساس أمكننا الحديث عن نمطين آخرين هما :
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ التعريف لتودوروف ، المرجع السابق نفسه ، ص 194 .
    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 196 .



    ـ صيغة المنقول المباشر ( يكون فيه الخطاب منقولا كما هو و مباشرة بواسطة متكلم غير المتكلم الأصل ) .
    ـ صيغة المنقول غير المباشر ( الفارق هنا كون الناقل لا يحتفظ بالكلام الأصل ، بحيث يقدمه بشكل خطاب مسرود ) .
    و الملاحظ أن المؤلف قد خلص إلى هذه الأنماط بناءا على نوعين من الصيغ بواسطتهما تقدم المادة الحكائية ( السرد و العرض ) ، كما نلاحظ أن المتلقي في صيغة الخطاب المعروض يكون مباشر و في صيغ الخطاب المسرود يكون المتلقي غير مباشر .
    كما أشار المؤلف إلى وجود صيغ صغرى أسماها بـ (المعينات الصيغية ) و التي تتجلى بشكل مباشر في علامات العرض أو تأطيرات الراوي و تعليقاته ،من البياضات ، النقاط و الهوامش .
    3 ـ الرؤية السردية و الخطاب :
    من البداية ، يعترف المؤلف بالصعوبة التي واجهته في التعامل مع هذا المكون الخطابي ، نظرا لكثرة الأبحاث و الدراسات و الاتجاهات كميا و نوعيا و قد حاول تتبع هذا المكون و تطوره مركزا على أهم التصورات و أكثرها غنى و تقدما على مستوى التحليل السردي اعتبارا من كون الحكي مرتبط دائما بعنصرين أساسين هما الراوي و المروي له و قصد تقديم رؤية واضحة و شاملة لهذا المفهوم عمد المؤلف إلى تقسيم هذا المحور إلى ما يلـــي :
    1 ـ الرؤية السردية في النقد الروائي الجديد
    2 ـ الرؤية السردية و السرديـــــات

    3/1 : الرؤية السردية في النقد الروائي الجديـــــد :
    في هذا المبحث يستعرض المؤلف اتباعا آراء و دراسات كل من ( هنري جيمس ، بيرسي لوبوك ، فريدمان ، جان بويون ،شتانزل ، وين بوث ) لهذا المكون ، حيث يشير إلى أن هذا المفهوم هو وليد النقد الأنجلو ـ أمريكي ، انطلاقا من رأي هنري جيمس الذي دعا إلى مسرحة الحدث و عرضه لا إلى قوله و سرده ، معيبا في ذلك دور الراوي العالم بكل شيء و قد انحاز إلى هذا الرأي بيرسي لوبوك في إطار دراسته لعلاقة الراوي بالقصة داعيا إلى مسرحة الراوي و دمجه فيها و ذلك كي نرى الأحداث من خلال هذا التصور في الوقت ذاته التي تجري فيه الأحداث كي تغدو وجهات النظر أكثر موضوعية باعتبار أن " في العرض يتحقق حكي القصة نفسها بنفسها ، و أن في السرد راويا عالما بكل شيء" (1).
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 285 .



    على عكس لوبوك ، فإن فريدمان يقدم لنا تصنيفا لوجهات النظر أكثر تنظيما و وضوحا و شمولية حسب قول المؤلف و تتلخص وجهات النظر لديه في الأشكال التالية : 1ـ المعرفة المطلقة للراوي ، 2 ـ المعرفة المحايدة ،3 ـ الأنا الشاهد ، 4 ـ الأنا المشارك ، 5 ـ المعرفة المتعددة ، 6 ـ المعرفة الأحادية، 7 ـ النمط الدرامي ، 8 ـ الكاميرا ، و ما يعاب على هذا التصنيف لوجهات النظر كما يقول المؤلف هو كثرة الأشكال ، مما جعل الباحث الفرنسي جان بويون في كتابه ( الزمن و الرؤية ) يحدد وجهات النظر في ثلاث رؤيات ( ـ الرؤية مع : الذكريات ، ـ الرؤية من خلف : التذكارات المختارة عن قصد لقيمتها الدالة والانشطار عن الذات ، ـ الرؤية من الخارج ) يقصد بها " السلوك كما هو ملحوظ ماديا و هو أيضا المنظور الفيزيقي للشخصية و الفضاء الخارجي الذي تتحرك فيه " (2) و هي رؤية انطلاقا من ... (vision a partir de) و حسب المؤلف فإن تصنيف هذا الباحث كان له دورا هاما في إعطاء هذا المكون السردي أبعادا جديدة باعتبار أن دراسته هي بحق من الدراسات المهمة التي تناولت مفهوم الرؤية السردية بنوع من الانسجام و التكامل للعلاقة الكائنة بين الرواية و الرؤيات انطلاقا من علم النفس .
    من الدراسات المهمة أيضا حول هذا المكون الخطابي ، يستعرض المؤلف ما قدمه وين بوث في النقد الروائي من وجهة بلاغية ، وقد حدد نوعية الرؤية انطلاقا من التمييز بين نوعين من الرواة ( المشاركون و غير المشاركون ) ليخلص إلى التصنيف التالي :
    ـ الكاتب الضمني ـ الراوي غير المعروض ـ الراوي المعروض و نجد ضمن هذا النوع (ـ الراصد ـ الراوي الملاحظ ـ الراوي المشارك ) ، و خاصية هذا التصنيف كما يرى المؤلف تكمن في التمييز الدقيق بين صور تجليات الراوي ، و الملاحظ هنا أن الرؤيات تتعدد بتعدد الرواة .
    3/2 : الرؤية السردية و السرديات :
    يتناول المؤلف في هذا المبحث ما ذهب إليه كل من ( تودوروف ، أوسبنسكي ، جيرار جينت ، ميك بال، لينتفلت ، شلوميت ريمون كينان ، ليساندرو بير يوزي ) في فهمهم للرؤية السردية ، مستعرضا مختلف آرائهم حول المفهوم ،بدءا بجيرار جينت في طرحه لجهات الحكي (aspects ) الدالة في معناها على الرؤية أو النظر ، و ذلك من خلال علاقــة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ التعريف لجان بويون . المرجع السابق نفسه ، ص 189 .



    الشخصية بالراوي مستعيدا تصنيف بويون للرؤيات محتفظا بتقسيمها الثلاثي مع بعض التعديلات المرتبطة بعلاقة الشخصية بالراوي ، في حين أن أوسبنسكي و انطلاقا مما يسميه ( بويطيقا التوليف ) فإنه يرى أن الرؤية السردية ( وجهة النظر ) تتعلق بالأساس بالمواقع التي يحتلها المؤلف و التي منها ينتج خطابه الروائي ، باعتبار أن هذه المواقع" تتيح للفنان فرصة توظيف وجهات النظر و تنويعها داخل العمل الذي يتجسد على مستوى بنائه ، من خلالها " (1) مجسدا تلك المواقع من خلال أربع مستويات ( ـ المستوى الايديولوجي ـ المستوى التعبيري ـ المستوى المكاني الزماني ـ المستوى السيكولوجي ) ، و كما لاحظ المؤلف أن المستويات الثلاث الأولى تأخذ معنى جهات الحكي ، و أن ما يرتبط منها بالرؤية السردية نجده في المستوى الأخير على غرار ما طرحه بويون بخصوص الرؤية من الخارج.
    غير أن جيرار جينت قد قدم حول هذا المكون ( الرؤية السردية) مشروعا نظريا استبعده فيه مفهوم ( الرؤية ) و ( وجهة النظر ) وتم تعويضهما بـمصطلح ( التبئير ) الذي هو أكثر تجريدا حسب رأي المؤلف ومن أهم المفاهيم التي تقوم عليها السرديات ، مقسما إياه إلى ثلاثة أقسام :
    ـ التبئير الصفر أواللاتبئير ( يوجد هذا النمط في الحكي التقليدي عادة )
    ـ التبئير الداخلي
    ـ التبئير الخارجي ( الذي لا يمكن التعرف فيه على دواخل الشخصية)

    و من القراءات الهامة لمفهوم (التبئير ) عند جينت يتناول المؤلف ما سعت إلى توضيحه ميك بال في محاولتها إقامة نموذج جديد لنظرية التبئيرات و من جملة ما لاحظته أن التبئيرين الأولين يدخلان ضمن ما يعرف بحصر المجال ( المعرفة المطلقة ) و فيهما نجد معرفة الراوي إما كلية أو مقتصرة على بعض الشخصيات و تبعا لذلك فهناك في الحالتين شخصية ـ انطلاقا منها ـ يقدم الحكي ، هذه الشخصية نسميها الـمُبَأّر (2) ، في حين أن التبئير الخارجي فيرتبط أساسا بجوهر الوظيفة السردية ، أي وجود شخصيات مُبَأَرَة من الخارج ، فإذا كان الأمر بالنسبة للنوعين الأولين يتصل بالترهين السردي للأحداث ( الرؤية من الخلف و الرؤية مع ) فإن التبئير الخارجي نكون أمام عرض الأحداث بحيث أن الشخص المبأر هنا هو الذي يَرَى (الرؤية من الخارج vision a partir de ) و تخلص إلى استنتاج أربع ترهينات سردية للخطاب الروائي من خلال ثنائية الذات و الموضوع :

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 293 .

    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 299 .



    ـ ذات السرد : الراوي
    ـ موضوع السرد : المسرود ( المروي )
    ـ ذات التبئير : المبَئِر بمعنى ( أن القارئ يرى شخصية ما تم ترهينها من خلال السرد بواسطة رؤية غيره الراوي ) .
    ـ موضوع التبئير : المبَأَر (شخصية ـ حدث ـ مكان ).
    ونظرا لما أثاره مصطلح ( التبئير ) من اختلاف لوجهات النظر ، لاحظنا أن المؤلف قد تناول العديد من التصورات و التصنيفات التي انطلقت كلها من تصور جينت للمفهوم ، إما منتقدة أو موضحة أو مقتنعة ، و من جملة ما استعرضه بهذا الخصوص أيضا ، ما أثارته شلوميث ريمون كينان حول هذه القضية في كتابها ( المتخيل السردي ) ، حيث يشير إلى اقتناع هذه الأخيرة بالمصطلح ، من جهة و اتفاقها مع ميك بال في نقدها لجينت بخصوص عدم تقديمه تعريفا واضحا لمفهوم التبئير و عدم التمييز بين التبئير الصفر و التبئير الداخلي من جهة أخرى ، و انطلاقا من هذا تقدم شلوميث ما أسمته بأنماط التبئير على أساس معيارين أساسيين : الموقع المرتبط بالقصة ، و درجة الحضور في القصة ، فبالنسبة للأول تسجل أن التبئير يمكن أن يكون داخليا أو خارجيا بحيث أن في التبئير الخارجي نكون أمام الراوي / المبّئِر و هو على مسافة بعيدة بينه و بين الشخصية أما التبئير الداخلي و من موقع القصة دائما ، يتم تقديمه من داخل الأحداث المقدمة من خلال الشخص المبَئِر (1) ؛ و لأن المبأر ( شخصية ، حدث ، مكان ) يدرك على أساس درجة حضوره في القصة فبالإمكان النظر إليه من الداخل و من الخارج أيضا ، بحيث يدرك من الخارج عندما يقتصر الأمر على تقديم سلوكه و أفعاله و يدرك من الداخل عندما يتم تقديم أحاسيسه و أفكاره ، و كما لاحظ المؤلف فإن شلوميث لم تقف عند الحديث عن مفهوم التبئير و تصنيفه ، بل أعطت للمفهوم أبعادا أسمتها ( أوجه التبئير ) و المرتبطة أساسا بالإدراك و السيكولوجيا (2).




    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 302 .

    (2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 302 .



    خاتمـــــــــة

    ما نسجله في هذا العرض حول ( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن الصيغة ، التبئير ) أن المؤلف قد استعرض مختلف الآراء و الدراسات و التصورات في تسلسلها الزمني ، ليتسنى له إدراك ما هو مقدم عليه في دراسته لبعض المتون الروائية العربية دراسة حداثية إن جاز التعبير ، لذلك وجدناه يستعرض و يناقش و يرجح تارة و يميل تارة أخرى لهذا التصور على حساب تصور آخر لا يتوافق مع ميدان اشتغاله .
    و كملاحظة أولى منهجية نرى كيف أن المؤلف في العنوان الخارجي للكتاب قد أورد مصطلح التبئير كمكون ثالث للخطاب الروائي في حين أن في تقسيمه الداخلي يتحدث عن الرؤية السردية كمكون ثالث ، ونعتقد أن الأمر هنا متعمد بالنظر لما يثيره هذا المصطلح ( التبئير) من انتباه أولي لغرابته .

    أما بخصوص المكون الأول للخطاب الروائي (الزمن ) ، يعتمد المؤلف على تصور فاينريش و جينت رغم ما بين مفاهيمهما من اختلاف إلا انه يرى انهما يتقاربان في الجوهر ، و مع ذلك فهو يميل إلى طرحهما على الأقل في الجانب المتعلق بالكشف عن التنويعات الزمنية الممكنة التي يعرفها الخطاب من خلال المفارقات مع جينت و منظورات القول مع فاينريش
    كما أنه في الصيغة يعتني بالطريقة التي تقدم بها القصة مع تحديد أنماطها من خلال كيفية اشتغالها داخل لخطاب الروائي كميا و كيفيا و ذلك باللجوء إلى تقسيم الخطاب إلى وحدات قصد معاينة نوع الصيغ الكبرى المهيمنة ، و كذا التبدلات الصيغية الصغرى و ضبطها ضمن المعينات الصيغية
    وقد لاحظنا أن المؤلف يموقع الرؤية السردية إلى جانب مقولة الزمن و الصيغة على خلاف جينت الذي يموقعها ضمن مكوِّن الصيغة متناولا إياها من جانب المسافة و المنظور في حين أن المؤلف يفصل بين مفهوم المسافة و المنظور و يتحدث عن المسافة ضمن مفهوم الصيغة و يتحدث عن المنظور ضمن الرؤية السردية .
    وبخصوص مفهوم الرؤية السردية يخلص المؤلف إلى الملاحظة التالية المتمثلة في كــون كــل الآراء التي تم عرضها حول ( وجهة النظر ) ، (الرؤية ) أو (التبئير )
    هي مقاربات لمفهوم الرؤية السردية في تحوله الزمني ، باعتبار أن مختلف الدراسات و التصورات التي تشتغل على موضوع ( الخطاب السردي ) الذي له من الخصوبة و التحول و التعقيد ماله ، لذا فعند تناوله لمفهوم الرؤية السردية كمكون من مكونات الخطاب الروائي يستعمل مفهوم التبئير لـ(جيرار جينت ) بمعنى حصر المجال عند ميك بال و هذا من خلال اشتغال الصوت السردي داخل الخطاب سواء تعلق الأمر بالراوي / المبئر أو الشخصية كموضوع للتبئير و من خلال العلاقة التي يقيمها المبئر مع المبأر يتحدث عن المنظور السردي بمعنى (الرؤيات ) .
    و ختاما لهذا العرض ، نذكر بالأهمية القصوى التي يمثلها كتاب ( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، الصيغة ، التبئير ) في ميدان الدراسات العربية الحديثة ، فهو بحق مصدر أساسي لأي باحث في ميدان تحليل الخطاب الروائي العربي .


    انتهى
    ارجو الاستفادة من العرض
    للعلم ان الكتاب مهم و مهم جدا لفهم مدار اي خطاب روائي
يعمل...
X